الاقتصار على مظنون الاعتبار ، ثمّ على المشكوك ، ثمّ يتسرّى إلى الموهوم.
لكنّ الظنون المظنونة الاعتبار غير كافية ، إمّا بنفسها بناء على انحصارها في الأخبار الصحيحة بتزكية عدلين ، وإمّا لأجل العلم الإجمالي بمخالفة كثير من ظواهرها للمعاني الظاهرة منها ، ووجود ما يظنّ منه ذلك في الظنون المشكوكة الاعتبار ، فلا يجوز التمسّك بتلك الظواهر للعلم الإجمالي المذكور ، فيكون حالها حال ظاهر الكتاب والسنّة المتواترة في عدم الوفاء بمعظم الأحكام ، فلابدّ من التسرّي ـ بمقتضى قاعدة الانسداد ، ولزوم المحذور من الرجوع إلى الاصول ـ إلى الظنون المشكوكة الاعتبار الّتي دلّت على إرادة خلاف الظاهر في ظواهر مظنون الاعتبار فيعمل بما هو من مشكوك الاعتبار مخصّص لعمومات مظنون الاعتبار ومقيّد لإطلاقاته وقرائن لمجازاته.
فإذا وجب العمل بهذه الطائفة من مشكوك الاعتبار ، ثبت وجوب العمل بغيرها ممّا ليس فيها معارضة لظواهر الأمارات المظنونة الاعتبار ، بالإجماع على عدم الفرق بين أفراد مشكوك الاعتبار ، فإنّ أحدا لم يفرّق بين الخبر الحسن المعارض لإطلاق الصحيح ، وبين خبر حسن آخر غير معارض لخبر صحيح ، بل بالأولويّة القطعيّة ، لأنّه إذا وجب العمل بمشكوك الاعتبار الّذي له معارضة لظاهر مظنون الاعتبار ، فالعمل بما ليس له معارض أولى.
ثمّ نقول : إنّ في ظواهر مشكوك الاعتبار موارد كثيرة يعلم إجمالا بعدم إرادة المعاني الظاهرة ، والكاشف عن ذلك ظنّا هي الأمارات الموهومة الاعتبار ، فنعمل بتلك الأمارات ، ثمّ نعمل بباقي أفراد الموهوم الاعتبار بالإجماع المركّب ، حيث إنّ أحدا لم يفرّق بين الشهرة المعارضة للخبر الحسن بالعموم والخصوص ، وبين غير المعارض له ، بل بالأولويّة كما عرفت » انتهى (١).
وفيه نظر من وجوه :
أمّا أوّلا : فلأنّه إن اريد من القاعدة المقتضية للاقتصار على مظنون الاعتبار ، كون مظنونيّة الاعتبار مرجّحة في نظر الشارع ، ومعيّنة لموضوع القضيّة المهملة ، ففيه : المنع المتقدّم مرارا ، حيث لا شاهد عليه من عقل ولا شرع.
وإن اريد منها كونه القدر المتيقّن ممّا خرج من أصالة التحريم بدليل الانسداد ، ففيه : أنّ القدر المتيقّن على ما تقدّم الإشارة إليه ، هو الأخبار الصحيحة المزكّاة بتزكية عدلين ،
__________________
(١) فرائد الاصول : ١ / ٢٩٣ ـ ٢٩٥.