فإن قلت : لابدّ في العمل بالظنّ في الأحكام من تعيين الظنون المعمول بها للمكلّف ، لئلاّ يلزم الإغراء بالجهل ، وتكليف ما لا يطاق وهو يتأتّى بأحد الأمرين : من حجّيّة كلّ ظنّ عند الشارع ، ومعيّن خارجي للبعض ـ وهو الأمارة الظنّية القائمة بالحجّية ـ على تقدير كون الحجّة عند الشارع جملة معيّنة من الظنون ، فالأمر في موضوع الحكم العقلي دائر بين كلّ ظنّ ، وجملة من الظنون يعيّنها المعيّن الخارجي ، وهو الأمارة القائمة على الحجّيّة ، فالعقل بملاحظة قبح الإغراء [ بالجهل ] وتكليف ما لا يطاق لا يحكم بالأوّل لقيام احتمال الثاني ، وقبح الأمرين يندفع بكلّ من الفرضين.
قلت : الفرض الثاني يتضمّن جزئين :
أحدهما : كون الحجّة عند الشارع جملة من الظنون لا كلّ ظنّ.
والآخر : كون الأمارة القائمة على حجّية جملة من الظنون ما اعتبره الشارع معيّنا لتلك الجملة المعيّنة عنده ، وقبح الإغراء بالجهل مع قبح تكليف ما لا يطاق إنّما يتمسّك بهما لنفي الجزء الأوّل لا لنفي الجزء الثاني ، فإنّه يكفي في نفيه مجرّد عدم ورود بيانه من الشارع ، وهذا نظير ما لو دار العامّ الصادر من المتكلّم ـ كقوله : « أكرم العلماء » مثلا ـ بين كون المراد منه كلّ الأفراد أو بعضها المعيّن منها بمعيّن خارجي اعتبره المتكلّم معيّنا ، وهو الأمارة الظنّية القائمة بأنّ البعض المعيّن المراد من العامّ هو هذا ، فإنّ كون الأمارة معيّنة للبعض المراد يحتاج إلى ورود بيانه من المتكلّم ، ويكفي في نفيه عدم ورود ذلك البيان ، ثمّ يبقى في العامّ احتمال إرادة البعض المعيّن عند المتكلّم قبالا لإرادة الكلّ ، ويتمسّك لنفيه بقبح الإغراء بالجهل وتكليف ما لا يطاق.
ففيما نحن فيه أيضا لو كان الأمارة الظنّية القائمة على حجّيّة بعض الظنون ما اعتبرها الشارع معيّنة للجملة المعيّنة عنده ، فلابدّ من ورود بيانه من الشارع ، والمفروض عدم ورود بيان منه في ذلك وهو كاف في نفي احتمال كون الأمارة معيّنة ، ويبقى احتمال كون الحجّة عند الشارع بعض الظنون المعيّنة عنده المجهولة لنا ، ويتمسّك لنفيه بقبح الإغراء بالجهل وقبح التكليف بما لا يطاق.
ومنها : ما حكاه شيخنا عن غير واحد من معاصريه ـ وقيل : إنّه السيّد صاحب الرياض وابنه صاحب المناهل ـ من الاستناد إلى عدم الكفاية ، حيث إنّهم بعد تقسيم الظنون إلى مظنون الاعتبار ومشكوكه وموهومه ، اعترفوا بأنّ مقتضى القاعدة بعد إهمال النتيجة