وأيّا مّا كان فهو باطل.
أمّا الأوّل : فلما عرفت من عدم توقّف صدقهما عند العقل ولا في العرف على العلم بالوجه ، فضلا عن الظنّ به.
وأمّا الثاني : فلأنّ الظنّ بالوجوب لا يجدي نفعا في حصول نيّة الوجه الّتي هي عبارة عن قصد الإتيان بالفعل لوجوبه ، لأنّه لا يتأتّى إلاّ مع الجزم بالغاية ، ولا جزم بها مع الظنّ بالوجوب.
والسرّ : في عدم جدواه : أنّ المفروض عدم ثبوت حجّيّته ، وظاهر أنّ الظنّ الغير المعتبر بوجوب شيء بمنزلة الشكّ فيه ، وكما أنّ الشكّ في الوجوب لا يمكن معه قصد الوجوب ، فكذلك الظنّ الغير المعتبر بوجوبه أيضا لا يمكن معه قصد الوجوب.
نعم لو كان الظنّ من الظنون الخاصّة كان الوجوب الثابت به وجها ظاهريّا ، حصل الجزم به من مقتضى علميّة أدلّة الظنّ الخاصّ فيتأتّى به قصد الوجه الظاهري ، لكن قد عرفت فقد الظنون الخاصّة مع انسداد باب العلم.
ثمّ إذا اكتفى في إحراز قصد الوجه بالوجه الظاهري على تقدير وجود الظنّ الخاصّ جاز الاكتفاء به على تقدير العمل بالاحتياط ، لأنّه على ما بيّناه من العلم الإجمالي بوجود واجبات كثيرة فيما بين الوقائع المظنونة والمشكوكة والموهومة واجب ، ومعناه وجوب الإتيان بجميع محتملات الوجوب ، فإذا وجب الإتيان بكلّ محتمل الوجوب ، فيقصد الإتيان به لوجوبه ، وهذا أيضا قصد للوجه الظاهري وقد حصل لمكان الجزم بالغاية.
فإن قلت : إنّما نرجّح العمل بالظنّ لأنّ فيه امتثالا تفصيليّا ، وهو بحكم العقل والشرع أولى من الامتثال الإجمالي الحاصل بالاحتياط ، لإجماعهم على عدم كفاية الامتثال الإجمالي مع التمكّن من الامتثال التفصيلي ، كما يظهر من كلامهم في مسألة الصلاة إلى أربع جهات عند اشتباه القبلة ، وفي الثوبين أو أكثر عند اشتباه الثوب الطاهر بالثوب النجس.
وعلى هذا فلا يمكن في العمل بالاحتياط نيّة الوجه حتّى الوجه الظاهري.
قلت : التفصيل إنّما يرجّح الامتثال التفصيلي على الإجمالي إذا كان في العلم لا مطلقا ، على معنى أنّه إذا تمكّن المكلّف من الامتثال العلمي التفصيلي كان متعيّنا ، ولا يجوز العدول عنه إلى الامتثال العلمي الإجمالي ، لإجماعهم عليه ظاهرا.
وهذا هو الّذي يظهر من كلامهم في مسألة اشتباه القبلة ، ومسألة اشتباه الثوب الطاهر ،