وأمّا ثانيا : فلأنّ وجوب معرفة [ الوجه ] عند قائليه إمّا شرطي ، على معنى كون نفس معرفة الوجه شرطا للعبادة ، أو مقدّمي على معنى كونه مقدّمة لقصد الوجه الّذي هو كقصد القربة واجب في العبادة ، ولا يتمّ إلاّ بمعرفة الوجه ، ولا سبيل إلى شيء منهما.
أمّا الأوّل : فلمنع كون معرفة الوجه من شروط صحّة العبادة ، لعدم الدليل عليه بل الدليل على خلافه ، كما يعلم من سيرة النبيّ وأصحابه وسير [ ة ] الأئمّة عليهمالسلام وأصحابهم بعد التتبّع في رواياتهم ، ومن ثمّ صار الحقّ عندنا في مسألة الجاهل في العبادات هو الصحّة والإجزاء مع المطابقة لا مع عدمها ، كما قرّرناه في باب الاجتهاد والتقليد.
وأمّا الثاني : لمنع وجوب قصد الوجه رأسا ـ كما حقّقناه في محلّه ـ فلا يجب لأجله معرفة الوجه مقدّمة ، فإنّه كقصد القربة يعتبران لإحراز الإطاعة والامتثال.
ولا ريب أنّ الإطاعة والامتثال ليس بأمر توقيفي يجب أخذه من الشارع ، بل هو شيء موكول إلى العقل والعرف ، ولا نرى في العقل والعرف ما يقضي بتوقّف إطاعة الشارع وامتثال أمره على قصد الوجه المتوقّف على معرفته ، الراجعة إلى معرفة الوجوب والندب ، بل يكفي في صدقهما عند العقل والعرف مجرّد الرجحان عند الشارع والمطلوبيّة له ، بل احتمالهما أيضا فيكفي في صدقهما الإتيان بالفعل لأجل أنّه راجح عند الشارع ومطلوب له ، بل الإتيان به لرجاء أنّه راجح عنده ومطلوب له من دون توقّف له على إحراز كون ذلك الرجحان والمطلوبيّة على وجه الوجوب أو الندب ، ليتوقّف ذلك على العلم بالوجوب أو الندب.
ولو سلّم وجوب قصد الوجه فهو عند قائليه إنّما يعتبر حيث يمكن ، وهو مع تعذّر معرفة الوجه غير ممكن ، فيسقط وجوبه ويلزم منه عدم وجوب مقدّمته.
فإن قلت : نعم ولكنّ المقصود في المقام ترجيح العمل بالظنّ على العمل بالاحتياط بملاحظة اشتراط معرفة الوجه وإن صارت الآن متعذّرة ، فإنّ في الأوّل إحرازا للوجه بالطريق الظنّي ، وحيث تعذّر إحرازه بطريق علمي فإحرازه بالطريق الظنّي أولى من عدم إحرازه رأسا.
وحاصله أنّه إذا دار الأمر بين إحراز الوجه بطريق ظنّي ، وبين تفويته رأسا كان الأوّل أولى.
قلت : لا نتحقّق معنى إحراز الوجه بالطريق الظنّي ولا نتعقّل فائدته.
فإن قلت : معناه الظنّ بالوجوب وفائدته إحراز الإطاعة والامتثال به.
قلت : إحراز الإطاعة والامتثال بالظنّ بالوجوب ، إمّا لأنّ الظنّ بالوجوب له مدخليّة في حصول الإطاعة والامتثال ، أو لأنّه معتبر للتوصّل إلى نيّة الوجه الّتي لها مدخليّة فيهما ،