ولذا فرضوا الصلاة إلى الجهات أو في الأثواب في صورة الاشتباه ، فلو يمكّن من صلاة واحدة في مكان معلوم قبلته أو في ثوب معلوم الطهارة ، فلا يكفيه في حصول الامتثال صلوات متعدّدة في مكان آخر مشتبه قبلته ، أو في أثواب اخر مشتبه طاهرها.
وأمّا إذا تعذّر الامتثال العلمي التفصيلي ودار الأمر بين الامتثال الظنّي التفصيلى والامتثال العلمي الإجمالي فلا دليل على ترجيح الأوّل ، بل الدليل من جهة القوّة وبناء العقلاء على خلافه ، خصوصا مع عدم ثبوت حجّيّة الظنّ كما فيما نحن فيه.
بل قد عرفت أنّ هذا الظنّ في حكم الشكّ ، وكما لا يعقل ترجيح الامتثال الشكّي على الامتثال العلمي الإجمالي ، فكذلك لا يصحّ ترجيح الامتثال الظنّي بظنّ غير ثابت الحجّيّة على الامتثال العلمي الإجمالي ، بل قد يقال : لا يبعد ترجيح الاحتياط على تحصيل الظنّ الخاصّ الّذي قام الدليل عليه بالخصوص.
فالعمدة في إبطال مرجعيّة الاحتياط على معنى منع وجوبه ، هو ما ذكرناه من الإجماع ولزوم العسر البالغ حدّ اختلال النظم ، والإضرار بامور المعاش.
وقد استشكل في المقام شيخنا قدسسره بما ملخّصه : « أنّ غاية ما أبطله الإجماع وأدلّة نفي الحرج ، إنّما هو وجوب الاحتياط في جميع الوقائع الغير المعلومة من مظنونات الوجوب ، ومشكوكات الوجوب وموهومات الوجوب ، على طريقة رفع الإيجاب الكلّي وهو لا يلازم السلب الكلّي ، ولا يوجب رفع اليد عن الاحتياط بالكلّية ، لجواز السلب الجزئي الغير المنافي للإيجاب الجزئي المعبّر عنه هنا بالتبعيض ، وهو الأخذ بالاحتياط في البعض من الجميع دون بعض.
والأصل في ذلك أنّ مقتضى القاعدة العقليّة والنقليّة لزوم الامتثال العلمي التفصيلي للأحكام والتكاليف المعلومة إجمالا ، ومع تعذّره يتعيّن الامتثال العلمي الإجمالي في الجميع ، ومع تعذّره أو قيام الدليل على عدم وجوبه في الجميع لو دار الأمر بين الامتثال الظنّي في الكلّ وبين الامتثال العلمي الإجمالي في البعض والظنّي في الباقي ، كان الثاني هو المتعيّن عقلا ونقلا.
ففيما نحن فيه إذا تعذّر الاحتياط الكلّي ودار الأمر بين إلغائه بالمرّة والاكتفاء بالإطاعة الظنّيّة ، وبين إعماله في المظنونات والمشكوكات وإلغائه في الموهومات ، كان الثاني هو المتعيّن ، ولو فرض العسر أيضا نرفع اليد عن الاحتياط في المشكوكات ، ونحتاط في مظنونات الوجوب بالفعل ، ومظنونات الحرمة بالترك ، ولو فرض بقاء العسر