وأمّا ثانيا : فلوضوح الفرق بين التزام المكلّف بما ألزم به الشارع وبين إمضاء الشارع لما التزمه المكلّف ، ومورد أدلّة نفي العسر والحرج ما كان من قبيل الأوّل ، فإنّها تنفي الإلزام الحرجي الّذي يتبعه التزام المكلّف ، ومنه إيجاب العمل بالاحتياط فيما نحن فيه ، وما يلتزمه المكلّف بالنذر وشبهه وكذلك الإجارة من الأعمال الشاقّة من قبيل الثاني ولا تنفيه أدلّة نفي الحرج.
والسرّ في الفرق : أنّها واردة في مقام الامتنان فتخرج عنها التزامات المكلّف ، فلا تنفي إمضاء الشارع لها وإلزامه التابع لها كما هو واضح.
وأمّا النقض بالاجتهاد : فهو أيضا في غير محلّه ، لمنع مشقّة فيه لا تتحمّل عادة بالنسبة إلى أهله ، بل هو لأهله ليس بأشقّ من أكثر المشاغل الصعبة الّتي يتحملّها الناس لمعاشهم.
ولو سلّم كونه بنوعه أمرا شاقّا متعسّرا لا يتحمّل عادة ، فدليل وجوبه كفاية بل عينيّا في بعض الأحيان لكونه أخصّ من أدلّة نفي العسر والحرج يخصّصها ، كما تقدّم بيانه.
وقد يجاب عن احتمال مرجعيّة الاحتياط بوجوه اخر ، غير ما ذكرناه من الإجماع ولزوم العسر والحرج.
منها : منع وجوب الاحتياط إذ لا دليل عليه ، والأدلّة المقامة على وجوبه مدخولة ، فغايته كونه مستحبّا حيث لم يوجب إلغاء الحقوق الواجبة.
ولا خفاء في ضعفه ، إذ التحقيق أنّ الاحتياط في مثل المقام ـ بعد الإغماض عمّا ذكرناه في منع وجوبه ـ واجب ، لوجود المقتضي لوجوبه ، وهو العلم الإجمالي بالتكاليف الالزاميّة مع اشتباه محلّها ، ومعناه الشكّ في المكلّف به الدائر بين الامور المتبائنة بعد العلم بأصل التكليف إجمالا ، وستعرف في مسألة البراءة والاشتغال وجوب الاحتياط فيه.
ومنها : أنّ الاحتياط مع فرض انسداد باب العلم وفقد الظنّ الخاصّ ، وعدم اعتبار الظنّ الاجتهادي ، وملاحظة القول بوجوب معرفة الوجه غير ممكن ، كما عليه جماعة ، لأنّه لا يتمّ إلاّ بإحراز معرفة الوجه الّتي هي إمّا شرط أو محتمل للشرطيّة على القولين بوجوبها وعدم وجوبها ، وإحرازها غير ممكن لأنّها إنّما تحرز إمّا بالعلم بالوجه والمفروض إنسداد بابه ، أو بالظنّ الخاصّ به والمفروض فقده ، أو بالظنّ الاجتهادي به والمفروض عدم اعتباره ، وهذا أيضا ضعيف.
أمّا أوّلا : فلأنّه على تقدير تماميّته ، لا يجري إلاّ في موارد التعبّد أعني العبادات.