لأنّ الالتزام بها إنّما جاء من قبل المكلّف لا الشارع ، ونحوه ما لو آجر نفسه لعمل شاقّ ، فإنّ مشقّته لم تمنع من صحّة الإجارة ووجوب الوفاء.
فحينئذ نقول : إنّ الموجب للاحتياط بإتيان كلّ ما يحتمل الوجوب وترك كلّ ما يحتمل الحرمة وإن كان انسداد باب العلم واختفاء الأحكام الواقعيّة ، غير أنّ السبب في ذلك إنّما هو تقصير المكلّفين في محافظة الآثار الصادرة من الشارع المبيّنة للأحكام المميّزة بين الحلال والحرام الّتي منها حضور الإمام عجّل الله فرجه ، وهذا السبب وإن لم يكن من فعل كلّ مكلّف لعدم مدخليّة أكثرهم فيه ، إلاّ أنّ التكليف بالعسر ليس قبيحا عقليّا حتّى لا يتساوى في قبحه السبب وغيره ، ويختصّ عدم قبحه بمن صار سببا من سوء اختياره ، بل هو أمر منفيّ بالأدلّة السمعيّة الّتي ظاهرها نفي الأحكام الشرعيّة العسرة الثابتة في الشريعة أوّلا وبالذات ، فلا تنافي عروض التعسر في امتثالها لجميع المكلّفين ويتساوى فيه المقصّر وغيره.
ألا ترى أنّ الاجتهاد الواجب على المكلّفين ـ ولو كفاية ـ من الامور الشاقّة جدّا خصوصا في هذه الأزمنة ، مع أنّ السبب فيه تقصير المكلّفين الموجبين لاختفاء آثار الشريعة ، وهل يفرق في نفي العسر والحرج بين الوجوب الكفائي والعيني؟
ويزيّفه : أنّ الأدلّة النافية للعسر والحرج في نفي مجعوليّة الحكم لموضوع متعسّر لا يتحمّل عادة ، عامّة لما كان تعسّره بسبب من الشارع من مرض أو برودة هواء أو نحو ذلك ، وهو الّذي ورد فيه قولهم عليهمالسلام : « ما غلب الله عليه فالله أولى بالعذر » (١). وما كان بسبب من غير الشارع سواء كان هو المكلّف نفسه أو غيره ، خصوصا ما يبلغ منه حدّ اختلال النظام والإضرار بامور المعاش ، الّذي جعل الحكم والإلزام به قبيح عقلي الّذي لا فرق في قبحه بين القسمين.
وقد ذكرنا سابقا أنّ العسر اللازم من العمل بالاحتياط فيما نحن فيه من هذا القبيل ، مع تطرّق المنع فيه من استناد سبب التعسّر وهو انسداد باب العلم واختفاء الأحكام الواقعيّة إلينا ، بل يستند إلى غيرنا من المعاندين الّذين هم أعداء الشرع وصادعيه ، والنقض بالالتزامات الحاصلة بالنذر وشبهه في غير محلّه.
أمّا أوّلا : فلأنّ أدلّة نفي العسر والحرج حاكمة على عمومات النذر وشبهه أيضا كسائر العمومات المثبتة للتكاليف ، فوجوب الوفاء بما تعذّر أو تعسّر من مورد النذر بحيث لا يتحمّل عادة ممنوع ، فيتوجّه المنع إلى انعقاد النذر في الأمثلة المذكورة بالنسبة إلى محلّ العسر.
__________________
(١) الكافي ٣ : ٤١٢ / ١.