كان حرجيّين لا مطلقا ، فلا تكون في مقابلة أدلّة حرمة العمل بالظنّ ، بل المقابل لها دليل الانسداد والمقابل لدليل الانسداد قاعدة الاحتياط الآمرة بإحراز الاحتمالات الموهومة وترك العمل بالظنون القابلة لها ، وهي ساقطة بأدلّة نفي العسر ، فيبقى دليل الانسداد سليما.
وأمّا ثانيا : فلأنّ توهّم التعارض نشأ من زعم أنّ أدلّة نفي العسر مقتضية لوجوب العمل بالظنّ ، قبالا لأدلّة حرمته.
ويدفعه : أنّ التمسّك بأدلّة نفي الحرج ليس لإحراز المقتضي لوجوب العمل بل لدفع المانع من اقتضاء مقتضيه ، فإنّ المقتضي لتعيّن العمل بالظنّ هو دليل الانسداد ، وقاعدة الاحتياط مانعة من اقتضائه ، وأدلّة نفي العسر لدفع ذلك المانع.
وأمّا ثالثا : أنّ أدلّة حرمة العمل بالظنّ تعارض دليل الانسداد كما عرفت ، والأدلّة النافية للعسر والحرج مع ما تقدّم من عدم جواز المخالفة القطعيّة والخروج عن الدين لإحراز بعض مقدّماته ، وهو بطلان احتمال مرجعيّة أصالة البراءة وطريقة الاحتياط ، فتأمّل.
وأمّا رابعا : فلأنّ العسر والحرج قسمان :
أحدهما : ما لا يوجب اختلال نظم العالم.
وثانيهما ما يوجبه.
والأوّل ينفيه الكتاب والسنّة والإجماع.
والثاني ينفيه العقل أيضا ، مضافا إلى الثلاث المذكورة لاستقلال العقل بقبح جعل حكم يؤدّي إلى اختلال نظم العالم ، والأدلّة الدالّة على حرمة العمل بالظنّ لا تقاوم لمعارضة العقل المستقلّ.
وقد عرفت أنّ العمل بالاحتياط فيما نحن فيه يوجب من العسر ما يؤدّي إلى اختلال النظم.
وأمّا خامسا : فلمّا عرفت من أنّ أدلة نفي العسر والحرج حاكمة على سائر الأدلّة المثبتة للتكاليف ، وإن كان بينهما بحسب المفهوم عموم من وجه.
ومنها : أنّ الأدلّة النافية للعسر و [ الحرج ] إنّما تنفي الأحكام العسرة الحرجيّة الّتي تثبت بأصل الشرع ، فلا تنافي الأحكام الحرجيّة الّتي لا يستند وقوعها إلى الشارع بل إلى تسبيب من المكلّف نفسه ، ولذا لو نذر امورا عسرة كالأخذ بالاحتياط في جميع الأحكام الغير المعلومة ، وكصوم الدهر أو إحياء الليالي أو المسير إلى الحجّ ماشيا كان النذر منعقدا ،