وأمّا ما ذكره من فرض تأدية ظنّ المجتهد إلى وجوب امور يلزم من مراعاتها العسر والحرج.
ففيه بعد الإغماض عن منع إمكانه ، نظرا إلى أنّا علمنا من أدلّة نفي الحرج وغيرها بأنّ واجبات الشرع وإن كانت كثيرة إلاّ أنّها ليست بحيث يوجب فعلها العسر على المكلّف ، وهذا العلم الإجمالي يمنع من حصول الظنّ التفصيلي بوجوب امور يلزم من فعلها العسر ، والإغماض عن منع وقوعه بعد تسليم إمكانه ، نظرا إلى كثرة ما يخالف الاحتياط فيما بين الأمارات من أخبار الآحاد والإجماعات المنقولة والشهرات والأولويّات الظنّيّة وغيرها ، بحيث فيها التأدية إلى الظنّ باستحباب امور كثيرة ، والظنّ بحرمة امور اخر والظنّ بكراهة امور اخر ، والظنّ بإباحة امور اخر.
بل لو تأمّلت في الأمارات الاجتهاديّة الّتي يستعملها المجتهد لوجدت أكثرها أدلّة مؤدّية إلى غير التكاليف المقتضية للوقوع في العسر والحرج ـ أنّه لا محذور في ذلك ، لما أشرنا إليه من أنّ أدلّة نفي العسر والحرج قابلة للتخصيص بأدلّة تكاليف كانت أخصّ منها إذا لم يوجب العسر اللازم منها اختلال النظم ، مع أنّ العسر اللازم من مراعاة الامور المظنون وجوبها مشترك اللزوم بين القول بالعمل بالظنّ والقول بالرجوع إلى الاحتياط ، لأنّ العسر إنّما يلزم من وجوب الإتيان بها سواء كان ذلك الإتيان لأجل أنّها الواجب ، أو لرجاء أنّها الواجب.
وبقي على الثاني زيادة لزوم الحرج باعتبار أنّ القائل به يوجب الاحتياط في المشكوكات والموهومات أيضا ، ونحن لا نوجب الإتيان بها كما هو واضح ، ولو فرض في بعض الأحيان تأدية الظنّ إلى اختلال النظم ، فنحن لا نبالي من طرحه وترك العمل به ، والاقتصار منه على العمل بما لا يلزم منه محذور الاختلال.
ومنها : أنّ الأدلّة النافية للعسر والحرج يعارضها الأدلّة الدالّة على حرمة العمل بالظنّ ، والثانية أكثر فإن لم نقل بترجيحها لذلك فلا أقلّ من التكافؤ ، وأقلّ مراتبه التساقط ، فيبقى أصالة الاحتياط مع العلم الإجمالي بالتكاليف الكثرة سليمة عن المزاحم.
ويزيّفه : أيضا منع التعارض أمّا أوّلا : فلما عرفت عند تأسيس أصالة حرمة العمل بالظنّ أنّ حرمة العمل به ليست بذاتيّة بل عارضيّة ، من حيث إنّه لا يغني من الحقّ باعتبار عدم دوام مصادفته الواقع ، فلا يأمن من تأدية العمل به إلى مخالفة الواقع من وجوب أو تحريم ، وأدلّة نفي الحرج لا تنفي هذه الحرمة بل إنّما تنفي الوجوب والحرمة الذاتيّتين إذا