وجه يكفي في معظم الفقه على حسبما يراه ذلك المجتهد ، مع اعتقاده بكون القول بخلاف ذلك ، ناشئا عن الركون إلى ما لا ينبغي الركون إليه.
فنقول : إنّ حكم الله سبحانه حينئذ إمّا وجوب العمل بالظنّ أو وجوب الاحتياط ، فإن قلت بالثاني لزمك العسر والحرج ، وإن قلت بالأوّل ثبت المطلوب.
ولابدّ أن يفتي لغيره من المكلّفين بشيء ، فإن أفتى بالرجوع إلى طريقة الاحتياط فهو إفتاء بما يوجب العسر والحرج الموجبين للاختلال ، وإن أفتى بمؤدّى اجتهاده وظنّه ثبت المطلوب أيضا ، مع أنّ الاحتياط فيما دار الأمر بين المتبائنين ، وفيما لو دار المال بين صغيرين يحتاج كلّ منهما إلى صرفه إليه غير ممكن ، فلا مناص عن العمل بالظنّ.
ثمّ إنّه أورد على ما ذكرناه في إبطال مرجعيّة الاحتياط بوجوه :
منها : النقض بما لو أدّى اجتهاد المجتهد إلى الظنّ بما يوجب الحرج ، كوجوب الترتيب بين الحاضرة والفائتة لمن عليه فوائت كثيرة ، ووجوب الغسل على مريض أجنب متعمّدا وإن أصابه من المرض ما أصابه ، ووجوب امور كثيرة يلزم العسر بمراعاتها جميعا ، فلو كان العسر اللازم من العمل بقاعدة موجبا للإعراض ورفع اليد عنها أوجبه في القواعد والأحكام المبتنية على الظنون المطلقة.
وفيه : من السهو والغفلة عن حقيقة مفاد الأدلّة النافية للعسر والحرج ، ومعاملة تلك الأدلّة للأدلّة المثبتة لسائر التكاليف ما لا يخفى ، فإنّ الأدلّة المثبتة للتكاليف إمّا مخصّصة بالأدلّة النافية للعسر والحرج أو مخصّصة لها فهي قسمان :
أحدهما : العمومات المثبتة للتكاليف من نحو قوله تعالى : ( أَقِيمُوا الصَّلاةَ )(١) و ( أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ )(٢) وما أشبه ذلك ، قبالا لقوله تعالى : ( وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ )(٣)( يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ )(٤) فإنّ الأوّل وإن كان يعمّ مورد الحرج وغيره ، والثاني يعمّ الصلاة وغيرها ، غير أنّ الثاني مقدّم على الأوّل لا لما توهّم من أنّ النسبة بينهما عموم من وجه ، وأصالة البراءة ترجّح الأدلّة النافية للعسر ، أو لأنّ المرجّحات الخارجيّة كعمل العلماء ونحوه يرجّحها ، بل لأنّها بطبعها ولذاتها مقدّمة عليها ، كما يشير إليه رواية عبد الأعلى مولى آل سام في رجل عثر وانقطع ظفره فجعل عليه مرارة فكيف يصنع
__________________
(١) سورة المزمّل : ٢٠.
(٢) سورة البقرة : ١٨٧.
(٣) سورة الحج : ٧٨.
(٤) سورة البقرة : ١٨٥.