يتمّ إلاّ بعد معرفة موارد الاحتياط ، ثمّ معرفة كيفيّته الّتي تختلف على حسب اختلاف الموارد ، ثمّ معرفة تعارض الاحتياطات بعضها بعضا وموارد تعارضها ، وعلاج التعارض بترجيح الاحتياط الناشئ من الاحتمال القوي على الاحتياط الناشئ من الاحتمال الضعيف.
وهذه الوجوه من المعرفة كلّها أمر صعب لا يستقلّ به المقلّد بل يحتاج إلى التعلّم من معلّم ، وفيه أيضا ما لا يخفى من العسر الشديد الموجب لاختلال امور المعاش.
ولنذكر مثالا واحدا لذلك ، وهو أنّ الاحتياط في مسألة التطهّر بالماء المستعمل في رفع الحدث الأكبر في ترك التطهّر به ، غير أنّه قد يعارضه في الموارد الشخصيّة احتياطات اخر بعضها أقوى منه وبعضها أضعف وبعضها مساو له ، فإنّ المكلّف الّذي حصل له الابتلاء بذلك الماء قد يوجد عنده ماء آخر أيضا للطهارة ، وقد لا يوجد معه إلاّ التراب ، وقد لا يوجد من مطلق الطهور إلاّ هذا الماء.
والاحتياط في الأوّل : هو التطهّر بالماء الآخر ، إن لم يزاحمه الاحتياط من جهة اخرى ، كما إذا أصاب الماء الآخر ما (١) لم ينعقد الإجماع على طهارته كعرق الجنب من الحرام مثلا.
وفي الثاني : هو الجمع بين المائيّة والترابيّة ، إن لم يزاحمه ضيق الوقت المقتضي للاحتياط بترك الجمع لحفظ الوقت.
وفي الثالث : الطهارة بذلك المستعمل والصلاة معها إن لم يزاحمه أمر آخر واجب أو محتمل الوجوب ظنّا أو وهما.
وبالجملة تعلّم موارد الاحتياط الشخصيّة وكيفيّته ، وعلاج التعارض للمقلّد يكاد يلحق بالمتعذّر ، فكيف بالعمل به في جميع الوقائع المشتبهة؟
لا يقال : لا يجب على المقلّد تقليد هذا المجتهد الّذي أدّى نظره إلى انسداد باب العلم والظنّ الخاصّ في معظم الفقه ، بل يقلّد غيره ممّن لا يرى باب العلم أو الظنّ الخاصّ مسدودا.
لأنّا نقول أوّلا : نفرض الكلام في صورة انحصار المجتهد في ذلك القائل ، أو انحصار القول في المجتهدين في هذا القول.
وثانيا : يتمّ الكلام في المجتهد نفسه ، لما عرفت من أنّ العسر اللازم في العمل بالاحتياط مشترك بين المجتهد والمقلّد.
وثالثا : بأنّ الكلام في حكم المسألة على تقدير انسداد باب العلم والظنّ الخاصّ على
__________________
(١) وكلمة « ما » هنا موصولة ، أي : « شىء لم ينعقد الإجماع على طهارته » الخ.