وبها يندفع ما أورده المحقّق الخوانساري جمال الدين رحمهالله في حاشيته حيث قال : « يرد على الدليل المذكور أنّ انسداد باب العلم بالأحكام الشرعيّة غالبا لا يوجب جواز العمل بالظنّ حتّى يتّجه ما ذكروه ، لجواز أن لا يجوز العمل بالظنّ ، فكلّ حكم حصل العلم به من ضرورة أو إجماع نحكم به ، وما لم يحصل العلم به نحكم فيه بأصالة البراءة ، لا لكونها مفيدة للظنّ ولا للإجماع على وجوب التمسّك بها ، بل لأنّ العقل يحكم بأنّه لا يثبت تكليف علينا إلاّ بالعلم أو بظنّ يقوم على اعتباره دليل يفيد العلم ، ففيما انتفى الأمران فيه يحكم العقل ببراءة الذمّة عنه وعدم جواز العقاب على تركه ، لا لأنّ الأصل المذكور يفيد ظنّا بمقتضاها حتّى يعارض بالظنّ الحاصل من أخبار الآحاد بخلافه ، بل لما ذكرناه من حكم العقل بعدم لزوم شيء علينا ما لم يحصل العلم لنا ولا يكفي الظنّ به ، ويؤكّده ما ورد من النهي عن اتّباع الظنّ ، وعلى هذا ففيما لم يحصل العلم به على أحد الوجهين وكان لنا مندوحة عنه كغسل الجمعة فالخطب سهل ، إذ نحكم بجواز تركه بمقتضى الأصل المذكور.
وأمّا فيما لم [ يكن ] مندوحة عنه كالجهر بالتسمية والإخفات بها في الصلاة الإخفائيّة الّتي قال بوجوب كلّ منهما قوم ، ولم يمكن لنا ترك التسمية ، فلا محيص لنا عن الإتيان بأحدهما ، فنحكم بالتخيير فيها ، لثبوت وجوب أصل التسمية وعدم ثبوت الجهر والإخفات ، فلا حرج لنا في شيء منهما. وعلى هذا فلا يتمّ الدليل المذكور [ لأنّا ] لا نعمل بالظنّ أصلا » انتهى (١).
ويردّه : الوجوه الثلاث المتقدمّة ، وقد يردّ أيضا : « بأنّ أصل البراءة لا يجري في جميع الفقه ، كما لو تردّد المال بين شخصين فيما إذا شكّ في صحّة بيع المعاطاة فتبايع بها إثنان ، فإنّه لا يجري هنا البراءة لحرمة تصرّف كلّ منهما على تقدير كون المبيع ملك صاحبه وكذا في الثمن ، ولا معنى للتخيير أيضا لأنّ كلاّ منهما يختار مصلحته ، وتخيير الحاكم هنا لا دليل عليه مع أنّ الكلام في حكم الواقعة لا في علاج الخصومة.
اللهمّ : إلاّ أن يتمسّك في أمثال المقام بأصالة عدم ترتّب الأثر ، بناء على كون أصالة العدم من الأدلّة الشرعيّة ، وحينئذ فإبدال أصالة البراءة في الإيراد بأصالة العدم أولى لكونه أشمل » (٢).
وأمّا بطلان الرجوع إلى الاحتياط بفعل كلّ ما يحتمل الوجوب أو الجزئيّة أو
__________________
(١) حاشية جمال الدين الخوانساري على شرح المختصر ( مخطوط ) : ١١٩.
(٢) فرائد الاصول ١ : ٤٠١ ـ ٤٠٢.