المجعولة إنّما يستند فوته إلى نفسه لا إليه تعالى.
وثانيهما : أنّه قد يستند حصول خلاف اللطف إلى من يعاند الدين ، أو يبغض الوصيّ من أرباب الاستيلاء ، فيتعرّض لإخفاء الطرق المنصوبة وإعدامها ويحول بين الوصيّ وتبليغه الأحكام وإقامة الحدود ، ويمنعه من التصرّف في امور الرعيّة ويهتمّ في قتله وإهلاكه ، فمنه من يقتله ومنه من يلجاءه إلى الاعتزال أو الاختفاء والغيبة عن الأنظار ، وهذا أيضا ممّا ليس في حكم العقل ما يقضي بوجوب منعه ودفعه قهرا عليه وإجبارا له ، لأنّ ما يفوت على الرعيّة من منافع التكاليف المجعولة إنّما يستند فوته إلى هذا المعاند المانع لا إليه تعالى ، فلا يلزم بالنسبة إليه تعالى نقض غرض ولا قبح.
وقد عرفت أنّ من الألطاف الواجبة عليه تعالى أن يوجب على الوصيّ بعد النبيّ تبليغ ما معه من الأحكام والتكاليف المجعولة إلى الامّة وإظهارها لهم ، وإقامة الحدود بينهم والتصرّف في امورهم.
والفرق بين الألطاف الواجبة عليه تعالى واللطف الّذي يتأتّى من الوصيّ ، أنّ الأول واجب مطلق ، والثاني واجب مشروط معلّق وجوبه على اجتماع الشرائط وفقد الموانع ، ومن الشرائط رجوع المكلّفين وأتباعهم إيّاه ، ومعاونة الرعيّة في محلّ الحاجة إلى المعاون ، ومن الموانع منع الأعادي والخوف والتقيّة منهم.
ومن حكم الواجب المشروط سقوط وجوبه بفقد شرط أو وجود مانع ، فكلّ ما يرى من وقوع خلاف اللطف في الشريعة من الإمام فهو إمّا لفقد شرط أو لوجود مانع.
وأيّا مّا كان فهو مستند الى الرعيّة الّذين هم سبب استتاره وغيبته ، كما أشار المحقّق الطوسي في تجريده بقوله : « وجوده لطف وتصرّفه لطف آخر وعدمه منّا » (١) ويوافقه المحكي عن السيّد المرتضى في ردّ طريقة الشيخ ، من قوله : « ولا يجب عليه الظهور لأنّا إذا كنّا نحن السبب في استتاره فكلّ ما يفوتنا من الانتفاع به وبتصرّفه وبما معه من الأحكام يكون قد فاتنا من قبل أنفسنا فيه ، ولو أزلنا سبب الاستتار لظهر ، وانتفعنا به وأدّى إلينا الحقّ الّذي عنده » (٢).
وإذا تمهّد هذا كلّه فنقول : إنّ الجواب عن الاستدلال لإثبات الملازمة بين الإجماع وموافقة قول الإمام أو رضاه بالحكم المجمع عليه ، على أنّه الحكم الواقعي بقاعدة اللطف من وجوه :
الأوّل : أنّ اللطف لا يقتضي وجوب ردع الطائفة عمّا أجمعوا عليه بإظهار القول
__________________
(١) شرح تجريد الاعتقاد : ٢٨٥.
(٢) العدّة ٢ : ٦٣١.