بخلافه لو كان باطلا ، لجواز كون الردع وإظهار القول بالخلاف ـ الّذي يجب عليه من باب التبليغ عند اجتماع شرائط وجوبه وفقد موانعه ـ ممّا سقط وجوبه عنه لفقد شرط أو وجود مانع ، فعدمه مع قيام هذا الاحتمال لا يكشف عن الموافقة ، ولا رضاه بالحكم المجمع عليه على أنّه الحكم الواقعي.
الثاني : أنّ اللطف المقتضي لوجوب الردع عن الباطل أمر يتساوى نسبته إلى جميع الامّة وإلى بعضهم ، وحينئذ فالمراد من الردع الّذي يقتضيه اللطف إمّا أن يكون ردع كلّ واحد من آحاد المكلّفين في المسائل الإجماعيّة والمسائل الخلافيّة عمّا عليه من القول والاعتقاد لو كان باطلا وعدمه يكشف عن كونه حقّا ، أو ردع كلّ واحد من المجمعين في المسائل الإجماعيّة عن الحكم المجمع عليه لو كان باطلا وعدمه يكشف عن كونه حقّا ، أو ردع المجمعين عمّا أجمعوا عليه بمعنى هدم الهيئة الاجتماعيّة بردع بعضهم عن القول به وإبقاء بعض آخر عليه ، والكلّ باطل.
أمّا الأوّل : فلاستلزامه التصويب ـ وهو كون حكم الله الواقعي تابعا لاعتقاد المجتهد متعدّدا على حسب تعدّد المجتهدين ـ ولازمه كون الجهل بحكم مغيّرا لموضوعه ، بأن يكون ذلك الحكم مجعولا لمعتقده ويكون الحكم المجعول للجاهل به حكم آخر في عرضه ، وهو باطل للأدلّة المحرّرة في محلّه.
وإن قيل : إنّ هذا المذهب غير بعيد من كلمات جماعة من القدماء ، بل ربّما يظهر من كلام السيّد المرتضى ـ حيث إنّه في مسألة معذوريّة الجاهل في القصر والإتمام عند دفع شبهة أخيه السيّد رضي في استبعاده المعذوريّة استنادا إلى ما ادّعاه من الإجماع على بطلان عبادات الجاهل ، اعتذر للمعذوريّة ـ « بأنّه لا استحالة في كون الجهل مغيّرا للموضوع محدثا لحكم آخر للجاهل » ، فإنّ بطلان التصويب أوضح من أن يوضح (١).
وأمّا الثاني : فلما عرفت من تساوي نسبة اللطف المقتضي للّردع إلى الجميع وإلى البعض ، ويلزم منه التساوي في المسائل الإجماعيّة والخلافيّة وعدم حصوله في الخلافيّات بالقياس إلى مخالف الحقّ يكشف عن أنّ هناك حكمة مقتضية للعدم ، أو جهة مانعة من الوجود ويحتمل نحوهما في الإجماعيّات أيضا ، فلا يكشف عدم الردع عن حقيّة المورد ، مع أنّه لو كشف عنها فلا يكشف عن موافقة قول الإمام ، لأنّ حقيّة المجمع عليه أعمّ من
__________________
(١) السيد المرتضى ٢ : ٣٨٤ ، الرسيّة الثانيّة.