الظاهري أو لا ، ولا سبيل إلى الثاني لعدالتهم المانعة عن الاستناد إلى ما ليس بحجّة في حقّهم ، فتعيّن الأوّل.
وقضيّة ذلك أن لا يكون لقاعدة وجوب اللطف حكم في الإجماعيّات بالنسبة إلى المجمعين ، كما أنّه لا حكم لها في الاجتهاديّات بالنسبة إلى المجتهدين.
وأمّا الحلّ : فوجوه تتّضح بعد بيان معنى اللطف ، ووجوبه ، ودليل وجوبه ، ومقدار وجوبه ، وكيفيّة وجوبه.
فنقول : المعروف بين المتكلّمين وجوبه بل لم يعرف لهم مخالف ، وتشكيك بعض القاصرين فيه من جهة قدحه في أدلّة المتكلّمين لا يعبأ به ، لابتنائه على الغفلة عن حقيقة معنى اللطف ، أو على الخلط بين حيثيّات الأدلّة ، فإنّ لهم على وجوبه وجوه أجودها وجهان :
أحدهما : لزوم نقض الغرض لو فعل ما ينافي اللطف ، أو ترك العمل بمقتضاه وهو قبيح يمتنع صدوره منه تعالى.
وثانيهما : لزوم البخل لولا إقدامه على فعل اللطف ، وهو صفة قبيحة يجب تنزيه الحكيم عنها ، واللطف ـ على ما هو المعروف المصرّح به في كلامهم ـ عبارة عن فعل ما يقرّب العبد إلى الطاعة ويبعّده عن المعصية ، والطاعة والمعصية المأخوذتان فيه عبارتان عن موافقة التكليف الإلزامي بإيجاب أو تحريم ومخالفته.
والمراد بهذا التكليف ما صار المعتزلة وأصحابنا الإماميّة في المسائل الكلاميّة إلى حسنه ، بقولهم : « إنّ التكليف حسن لاشتماله على مصلحة لا تحصل بدونه » ، فيكون الغرض من التكليف حصول تلك المصلحة ووصولها إلى المكلّف.
فالمراد بنقض الغرض في الدليل الأوّل هو فعل ما يفضي إلى عدم حصول ذلك الغرض ، بحيث يسند العدم في العرف والعادة إليه تعالى ، كما أنّ المراد بالبخل في الدليل الثاني ما يلزم بعدم إرشاده تعالى المكلّف إلى تلك المصلحة بسبب ترك اللطف أو فعل ما ينافيه ، فقضيّة قبح نقض الغرض عليه تعالى ، ووجوب تنزيهه عن الصفة القبيحة ، أن يجب عليه تعالى فعل ما يقرّب العبد إلى الطاعة ويبعّده عن المعصية ، وهذا لا يتمّ إلاّ بفعل كلّ ما له مدخليّة في التقريب إلى الطاعة والتبعيد عن المعصية ، لغرض حصول المصلحة ووصولها إلى المكلّف ، بحيث لولا فعله تعالى إيّاه صحّ إسناد تفويت المصلحة عليه إليه تعالى في العرف والعادة لا إلى غيره.