حصوله بالإجماع بالمعنى الأوّل الّذي هو طريقة القدماء في القول بالكشف التضمّني ، بمنزلة العلم بالنتيجة الحاصل بالقياس بطريق الشكل الأوّل ، بتقريب : أنّ الاستدلال به ينحلّ إلى أن يقال : « الإمام واحد من علماء الامّة ، وكلّ واحد من علماء قال بكذا ، فالإمام قال بكذا » ، وهذا هو العلم بقول الإمام الحاصل بالنظر في الإجماع بالمعنى الأوّل ، ولا إشكال في إمكان حصوله على تقدير صدق المقدّمتين ، كما لا إشكال في صدق الصغرى منهما ، بل لا يمكن الاسترابة فيه لكونها ضروري الثبوت.
وإنّما الكلام في كلّيّة الكبرى وهو في غاية الإشكال بل موضع منع ، لأنّ طريق ثبوتها إن كان استقصاء أقوال العلماء بأجمعهم حتّى الإمام المعلوم دخوله فيهم إجمالا ، فهو على ما عرفت غير ممكن عادة ، وإن كان النظر في المعيار والميزان المنضبط الّذي يلازم الواقع ملازمة قطعيّة من ضروري دين أو حكم عقل مستقلّ ، فهو لإفادته العلم بالحكم المجمع عليه السابق حصوله على العلم بالإجماع يغني عن النظر في الإجماع التابع له ويرفع الحاجة إلى النظر فيه.
هذا مضافا إلى أنّا نقطع بانتفائه في الإجماعات المنقولة في كلام أصحابنا التي نتكلّم في حجّيّتها ، إذ لا كلام في الإجماعات المصادفة لضروري الدين أو حكم العقل المستقلّ ، إذ لا حاجة إلى النظر في الإجماع المنقول الّذي هو أمارة ظنّيّة مع وجود الطريق العلمي الضروري أو النظري ولا إثبات حجّيّته ، بل الكلام في الإجماعات المنقولة في غير الضروريّات والمستقلاّت العقليّة وما يلحق بها من الأحكام العقليّة الملحوظ فيها خطاب الشرع ، وهذه الإجماعات لا يمكن حملها على إرادة المعنى الأوّل لوجود القرينة القطعيّة الصارفة عنه.
وأمّا المعنى الثاني : وهو اتّفاق كلّ العلماء عدا الإمام المدّعى كونه كاشفا عن موافقة قول الإمام كشفا التزاميّا.
فنقول : إنّ مرجع دعوى الكشف فيه إلى دعوى الملازمة بينه وبين موافقة قول الإمام للحكم المجمع عليه ، والملازمة المدّعاة هنا ملازمة بين شيئين لا ملازمة بينهما في الواقع ، كالملازمة المدّعاة بين موت زيد وطيران الغراب فيما لو أخبر أحد بموت زيد ، وعلّله بأنّه رأى غرابا طار من المكان الفلاني ، وذلك لأنّ القائلين بالإجماع بهذه الطريقة كالشيخ (١) وأتباعه إنّما استدلّوا على الملازمة بقاعدة وجوب اللطف.
__________________
(١) العدّة ٢ : ٦٤٢.