تحقّق ذلك في مجلس واحد أو بلد واحد أو ناحية واحدة ، أو صقع من الأصقاع ، أو إقليم من الأقاليم ، أو قطر من الأقطار ، أو جميع أطراف العالم.
وثانيهما : أن يكون هناك معيار وميزان منضبط ، بينه وبين الواقع ملازمة قطعيّة ، ويكون بحيث لا يمكن لأحد التخلّف عنه والخروج منه ، من ضروري دين أو حكم عقل مستقلّ كحرمة الظلم مثلا على تقدير بلوغه حدّ الضرورة ، أو قبحه الذي يستقلّ به العقل ، فبذلك يعلم أنّ جميع علماء الامّة قائلون بموجبه ومقتضاه.
والفرق بين الطريقين : أنّ أقوال العلماء الّذين منهم الإمام تدرك بطريق الحسّ على الأوّل والحدس على الثاني ، ويعلم بها بالتفصيل على الأوّل ، وبالإجمال على الثاني ، والوصول إلى الإجماع على الأوّل بطريق اللمّ (١) وعلى الثاني بطريق الإنّ ، إذ العلم بالمجمع عليه بما معه من المعيار أوجب العلم بالاجماع على الثاني ، ولا سبيل إلى شيء من الطريقين.
أمّا الأوّل : فلأنّه محال عادي ، إمّا لعدم إمكان استقصاء الجميع بطريق الحسّ عادة ، أو لعدم إمكان لقاء [ الإمام ] الغائب [ عليهالسلام ] بحيث أخذ منه القول ولو بعنوان رجل عالم عادة ، كما يشهد به ضرورة عدم اتّفاق ذلك لأحد من محصّلي الإجماع ، من علماء أزمنة الغيبة متقدّميهم ومتأخّريهم ولم يدّعه أحد.
وتوهّم إمكانه بأن يدخل أحد مجلسا حضر فيه العلماء ويعلم أنّ الإمام فيهم من غير أن يعرفه بشخصه ، فيسألهم عن حكم واقعة فأجابوه كلمة واحدة ، فإنّه إجماع أحرز بطريق الحسّ مع كون قول الإمام معلوما بالإجمال لكونه من جملتهم.
يدفعه : أنّ هذا حيث يتحقّق لا إشكال في كبراه ، ولا يمكن الاسترابة في حجّيّته لحجّيّة قول الحجّة ، ولكنّا نقطع بعدم تحقّقه لأحد من علماء أزمنة الغيبة ، وما فرض من إمكانه إمكان فرضي لا يجدي في تحصيل الإجماع ونقله ليكون نقله حكاية للسنّة ، بل الّذي يجدي في ذلك هو الإمكان الوقوعي والمفروض عدم وقوعه قطّ ، فيكون في حدّ الامتناع العادي.
نعم لا يبعد تحقّقه في أزمنة الحضور وليس كلامنا فيه.
وأمّا الثاني (٢) : فلحصول العلم بالمجمع عليه بما فرض معه من المعيار من ضرورة دين
__________________
(١) اللمّ : هو الاستدلال بالعلّة على المعلول. والإنّ : هو الاستدلال بالمعلول على العلّة.
(٢) وهو أن يكون بين الحكم المجمع عليه والواقع تلازما قطعيّا.