ما خلاصته : أنّ التوضيح يظهر بعد مقدّمتين :
الاولى : أنّ بقاء التكليف ممّا لا شكّ فيه ، ولزوم [ العمل ] بمقتضاه موقوف على الإفهام ، وهو يكون في الأكثر بالقول ، ودلالته في الأكثر تكون ظنّيّة ، إذ مدار الإفهام على القاء الحقائق مجرّدة عن القرينة وعلى ما يفهمون ، وإن كان احتمال التجوّز وخفاء القرينة باقيا.
الثانية : أنّ التشابه كما يكون في أصل اللغة (١) كذلك يكون بحسب الاصطلاح ، مثل أن يقول أحد : « أنا أستعمل العمومات وكثيرا مّا اريد الخصوص من غير قرينة ، وربما اخاطب أحدا واريد غيره ونحو ذلك » ، فحينئذ لا يجوز لنا القطع بمراده ، ولا يحصل لنا الظنّ به ، والقرآن من هذا القبيل ، لأنّه نزل على اصطلاح خاصّ ، لا أقول على وضع جديد ، بل أعمّ من أن يكون ذلك أو يكون فيه مجازات لا يعرفها العرب ، ومع ذلك قد وجد [ ت ] فيه كلمات لا يعلم المراد منها كالمقطّعات.
ـ ثمّ قال ـ قال : سبحانه : ( مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ وَأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ )(٢) الآية ، ذمّ على اتّباع المتشابه ، ولم يبيّن لهم المتشابهات ما هي ، وكم هي؟ بل لم يبيّن لهم المراد من هذا اللفظ ، وجعل البيان موكولا إلى خلفائه والنبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم نهى الناس عن التفسير بالآراء ، وجعل الأصل عدم العمل بالظنّ إلاّ ما أخرجه الدليل.
إذا تمهّد المقدّمتان فنقول : مقتضى الاولى العمل بالظواهر ومقتضى الثانية عدم العمل ، لأنّ ما صار متشابها لا يحصل الظنّ بالمراد منه ، وما بقي ظهوره مندرج في الأصل المذكور فنطالب بدليل جواز العمل ، لأنّ الأصل الثابت عند الخاصّة هو عدم جواز العمل بالظنّ إلاّ ما أخرجه الدليل.
لا يقال : إنّ الظاهر من المحكم ووجوب العمل بالمحكم إجماعيّ ، لأنّا نمنع الصغرى ، إذ المعلوم عندنا مساواة المحكم للنصّ ، وأمّا شموله للظاهر فلا ـ إلى أن قال ـ
لا يقال : إنّ ما ذكرتم لو تمّ لدلّ على عدم جواز العمل بظواهر الأخبار أيضا ، لما فيها من الناسخ والمنسوخ ، والمحكم والمتشابه ، والعامّ المخصّص ، والمطلق المقيّد.
لأنّا نقول : إنّا لو خلّينا وأنفسنا لعملنا بظواهر الكتاب والسنّة مع عدم نصب القرينة على خلافها ، ولكنّا منعنا من ذلك في القرآن للمنع من اتّباع المتشابه وعدم بيان حقيقته ، ومنعنا رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم عن تفسير القرآن ، ولا ريب في أنّ غير النصّ محتاج إلى التفسير ،
__________________
(١) كما في المشتركات ( منه ).
(٢) سورة آل عمران : ٧.