ومن ذلك المروي في الفقيه والكافي عن الصادق عليهالسلام قال له رجل : إنّ لي جيرانا ولهم جوار يتغنّين بها ويضربن بالعود ، فربّما دخلت المخرج فأطيل الجلوس استماعا منّى لهنّ ، فقال الصادق عليهالسلام : « لا تفعل ، فقال : والله ما هو شيء آتيه برجلي إنّما هو سماع سمعه اذني ، فقال الصادق عليهالسلام : تالله أنت أما سمعت الله يقول ( إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلاً )(١) فقال الرجل : كأنّي لم أسمع بهذه الآية من كتاب الله من عربي ولا عجمي » (٢).
ونحوها الأخبار الكثيرة المتضمّنة لتعليم الأئمّة عليهمالسلام أصحابهم الاحتجاج بما ورد في الكتاب على خصومهم من أهل الضلال ، وكذلك الأخبار المتضمّنة لتقرير الأئمّة عليهمالسلام احتجاجات أصحابهم بعضهم على بعض في الاصول والفروع.
ومن ذلك : ما عن زرارة ومحمّد بن مسلم ، قال : قلنا للباقر عليهالسلام : ما تقول في الصلاة في السفر كيف هي وكم هو؟ فقال : إنّ الله عزّ وجلّ يقول ( وَإِذا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ )(٣) فصار التقصير في السفر كوجوب التمام في الحضر ، قال قلنا إنّما قال تعالى ( وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ ) ولم يقل : إفعلوا ، وكيف وجب ذلك؟ فقال عليهالسلام : أو ليس قد قال الله عزّ وجلّ في الصفا والمروة ( فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما )(٤) ألا ترون أنّ الطواف بهما واجب مفروض ، لأنّ الله عزّ وجلّ ذكره في كتابه وصنعه نبيّه صلىاللهعليهوآلهوسلم وكذا التقصير في السفر شيء صنعه نبيّه صلىاللهعليهوآلهوسلم وذكره الله تعالى في كتابه ... » إلى آخره (٥).
فإنّ زرارة ومحمّد بن مسلم تمسّكا بظاهر الكتاب في عدم دلالة نفي الجناح على الوجوب ، بل الدالّ عليه هو صيغة الأمر ولم يأت بها الله سبحانه ، ولم يردعهما الإمام عليهالسلام ولم يقل لهما ليس لكم الاستقلال بالتمسّك بظواهر الكتاب ، بل ذكر لهما أنّ هذا الظاهر ونظيره في نظركم اريد بهما خلاف ظاهرهما وهو الإيجاب ، والقرينة عليه فعل النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم الّذي هو بيان فعليّ للمحمل الّذي هو من المؤوّل.
ثمّ إنّ للفاضل السيّد الصدر كلاما في هذا المقام يعجبني ذكره للتنبيه على بعض ما يرد عليه ، فإنّه ـ على ما حكى ـ بعد ما قال : « إنّ الحقّ في العمل بالظواهر مع الأخباريّين » ذكر
__________________
(١) سورة الإسراء : ٦.
(٢) من لا يحضره الفقيه ١ : ٨٠ / ١٧٧.
(٣) سورة النساء : ١٠١.
(٤) سورة البقرة : ١٥٨.
(٥) من لا يحضره الفقيه ١ : ٤٣٤ / ١٢٦٥.