فإنّ الاستدلال بظاهر الكتاب الّذي وافقه أخبار الأئمّة وبياناتهم لا ينكره الاخباريّة ، بل اعتبار وجود البيان في الأخبار في العمل بظواهر الكتاب أصل مطلبهم في المقام ، مع أنّ توهّم الدور هنا مندفع من جهة اخرى وهو أنّ إشكال الدور إنّما يتوجّه لو أردنا دفع ما ادّعوه من تشابه القرآن بأجمعه من حين نزوله ـ على ما حكاه منهم غير واحد بالآية وليس كذلك ، بل الغرض دفع مانعيّة الأخبار المستدلّ بها على المنع من العمل بالظواهر بالآية ، لنهوضها بيانا لكون مورد المنع المستفاد من الأخبار المانعة من الاستناد بالكتاب مستقلاّ إنّما هو متشابهات القرآن لا محكماته ، وهذا ممّا لا دور فيه أصلا.
فإن قلت : إنّ الاستدلال بالآية على خروج ظواهر الكتاب عن مورد الأخبار إنّما يتمّ على تقدير اندراج الظواهر في المحكمات وهو أوّل المسألة ، لجواز اختصاص المحكمات بقطعيّات الكتاب الّتي هي النصوص.
قلت : تدخل الظواهر في المحكمات باعتبار خروجها عن المتشابهات ، فإنّ ظاهر تقسيم الكتاب في الآية إليهما أن لا واسطة بينهما ، وإلاّ كانت قسما ثالثا وهو خلاف الحصر المستفاد من التقسيم ، فالظواهر حينئذ لابدّ وأن تكون داخلة في المتشابه أو في المحكم.
والأوّل باطل لأنّ المتشابه لغة ما يشبه بعضه بعضا ، وفي اللفظ ما يشبه بعض وجوهه بعضا أي يشبهه ويماثله في الاحتمال من اللفظ ، ومرجعه إلى تساوي احتمالات وجوهه بحيث اشتبه المراد بغيره.
وقد ورد تفسير المتشابه بما ذكرناه في عدّة روايات ، كالمروي عن الصادق عليهالسلام أنّه سئل عن المحكم والمتشابه فقال : « المحكم ما يعمل به والمتشابه ما اشتبه على جاهله » (١).
وفي رواية اخرى « الناسخ الثابت ، والمنسوخ ما مضى ، والمحكم ما يعمل به والمتشابه الّذي يشبه بعضه بعضا » (٢) وهذا المعنى كما ترى غير متحقّق في النصّ إذ ليس فيه إلاّ وجه واحد ، ولا في الظاهر لأنّ وجهه المخالف للظاهر لا يشبه معناه الظاهر في الاحتمال لعدم تساوي احتماليهما ، والمتّبع هو الاحتمال الراجح ، فيكون الظاهر مندرجا في المحكم.
ومن ثمّ استقرّ اصطلاحهم في المحكم والمتشابه على ما هو أجود الأقوال فيهما ، بجعل الأوّل عبارة عمّا اتّضح دلالته ، والمتشابه عمّا لم يتّضح دلالته ، أي لم يتّضح معناه المراد ، لتساوي احتمالات المعاني المحتملة ، واتّضاح الدلالة أعمّ من كونها على وجه
__________________
(١) بحار الأنوار : ٦٦ : ٩٣ وتفسير العيّاشي : ١ / ١٦٢.
(٢) بحار الأنوار : ٨٩ : ٣٨٣ ح ١٩ وتفسير العيّاشي : ١ / ١١.