المتشابهات ، وهو الأظهر كما يرشد إليه قول مولانا الرضا عليهالسلام في المروي عن العيون « من ردّ متشابه القرآن ، إلى محكمه هدي إلى صراط مستقيم » ـ ثمّ قال ـ « إنّ في أخبارنا متشابها كمتشابه القرآن ، ومحكما كمحكم القرآن ، فردّوا متشابهها إلى محكمها ولا تتّبعوا متشابهها دون محكمها فتضلّوا » (١).
فإن ردّ متشابهها إلى محكمها عبارة عن استعلام تأويل متشابهات الكتاب عن محكماته ، وهذا إنّما يتأتّى في ظاهر منه اريد منه خلاف ظاهره الّذي يعلم من قرينة منفصلة مذكورة فيه أيضا وهي النصّ ، أو ظاهر آخر بالقياس [ إلى ] أظهر في الدلالة ، بضابطة أنّ النصّ والأظهر يقدّم على الظاهر على معنى نهوض أحدهما بيانا عن إرادة خلاف الظاهر منه ، وهو التعويل في المتشابه الّذي استعلم من المحكم.
وحاصله : حمل الظاهر على إرادة خلاف ظاهره لقرينة منفصلة هي النصّ أو الأظهر ، وهو المراد من تقديم النصّ أو الأظهر ، ومنه تقديم الناسخ على المنسوخ بحمل إطلاقه بالنسبة إلى الأزمان على إرادة عدم الاستمرار ، وتقديم الخاصّ على العامّ بحمله على إرادة الخصوص ، وتقديم المقيّد على المطلق بحمله على إرادة الفرد المعيّن.
ومن المعلوم أنّ الردّ بهذا المعنى فرع على وجود محكم في القرآن يكون بالنسبة إلى المردود نصّا أو أظهر ، وعلى جواز العمل به شرعا بعدم وجود منع شرعي من استفادة المطلب منهما بالاستقلال ، وهذا لا ينافي مفاد الآية من أنّ المتشابهات يرجع فيها إلى الراسخين في العلم ، لأنّ المستفاد من مجموع الروايات الّتي منها الرواية المذكورة أنّ متشابهات القرآن على قسمين :
أحدهما : ما يعلم تأويله بملاحظة محكماته وهذا كثير.
وثانيهما : ما لا يعلم تأويله إلاّ بالرجوع إلى الراسخين في العلم الّذي هو أعمّ من الرجوع إلى سنّة النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم أو سنّة أوصيائه عليهمالسلام وهذا أكثر.
ومنه ما تقدّم الإشارة إليه في تأويله الآية ( وَإِذا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا )(٢).
وبالتأمّل فيما قرّرناه من استظهار ردّ متشابه القرآن إلى محكمه من الرواية ، يندفع ما عساه يورد على الاستدلال بالآية من استلزامه الدور ، لأنّه اثبات لحجّيّة الكتاب بالكتاب ،
__________________
(١) عيون أخبار الرضا عليهالسلام ١ : ٢٩ / ٣٩ وبحار الانوار ٢ : ١٨٥ / ٨.
(٢) سورة الأعراف : ٢٠٤.