حاليّة أو مقاليّة أو عقليّة ، وهذا كما ترى لا يصدق عليه التفسير بشيء من المعنيين ، إذ لا خفاء ولا مستوريّة في شيء ممّا يقتضيه وضع اللفظ ، ولا ما يساعد عليه القرينة المعتبرة الموجودة مع اللفظ.
وبالجملة لا خفاء ولا التباس ولا غطاء ولا ستر في ظاهر اللفظ الّذي يقتضيه وضعه أو القرينة المعتبرة الموجودة معه ليكون الأخذ به والحمل عليه كشفا بمعنى رفع هذه الامور.
وإن شئت فاستوضح ذلك من حمل « الأسد » في قول القائل : « رأيت أسدا » شفاها أو كتبا على المفترس ، اعتمادا على وضعه له وعملا بأصالة الحقيقة فيه ، وفي قول القائل : « رأيت أسدا يرمي » كذلك على الرجل الشجاع ، اعتمادا على قرينة « يرمي » وتعويلا على ظهوره في رمي السهم ، لا يقال له التفسير ، وكذلك العبد إذا وجد في كتاب مولاه إليه أنّه أمره بشيء ونهاه عن شيء ، فأخذ بظاهرهما وأمثتلهما فلا يقال : أنّه فسّر أمر مولاه أو نهيه بكذا ، من غير فرق فيه بين كون لسانه مع مولاه عربيّا أو فارسيّا أو غيرهما.
ولا ينتقض ما ذكرناه من عدم صدق التفسير على العمل بالظواهر بالترجمة للألفاظ العربيّة الّتي يحتاج إليها العجمي القح ، إذ الترجمة بيان للمعاني المرادة من ألفاظ لغة على حسبما يقتضيه أوضاع تلك الألفاظ في هذه اللغة للجاهل بها ، وهذا يتأتّى من كلّ عارف باللغة عالم بأوضاع ألفاظها إماما كان أو غيره ، بخلاف التفسير الّذي يحتاج إلى بيان الإمام من حيث إنّه من الراسخين في العلم ، فإنّه جهة زائدة على معرفة اللغة والعلم بأوضاع ألفاظها تنشأ عن جهالة المحتاج بالمعنى المراد في المتشابهات لإجمال أو تأويل بلا قرينة ، وإن كان من أهل اللغة العالمين بأوضاع ألفاظها ، وبيانه لا يتأتّى إلاّ ممّن أوقفه الله سبحانه على مراداته في المتشابهات من المجملات والمؤوّلات.
ومن هنا أمكن لك التفكيك بين الترجمة ـ وهو بيان المرادات على حسبما يقتضيه أوضاع ألفاظ لغة العرب ـ والتفسير ـ وهو بيان المرادات على حسبما أوقفه الله سبحانه عليها ـ بأنّ الأوّل أخصّ محتاجا إلى البيان وهو العجمي القح وأعمّ مبيّنا للمراد أعني كلّ من يعرف اللغة العربيّة ، والثاني أعمّ محتاجا إلى البيان أعني كلّ من عدا الإمام ممّن لا يفهم المتشابهات عجميّا كان أو عربيّا وأخصّ مبيّنا أعني الإمام مبيّنا خاصّة.
الثاني : منع كونه تفسيرا بالرأي ـ إن سلّمنا صدق التفسير عليه ـ فإنّ التفسير بالرأي عبارة من أن يذكر الإنسان لمتشابهات القرآن معنى من عند نفسه ، أو بمقتضى ميل نفسه وهوى طبعه.