وينزّل اللفظ المشكل المتشابه عليه من دون أن يستند فيه إلى قرينة معتبرة ، ولا إلى بيان من أهل بيت العصمة ، كما يكشف عن إرادة هذا المعنى قول مولانا الصادق عليهالسلام في حديث إسماعيل بن جابر : « وإنّما هلك الناس في المتشابه ، لأنّهم لم يقفوا على معناه ، ولم يعرفوا حقيقته ، فوضعوا له تأويلا من عند أنفسهم بآرائهم ، واستغنوا بذلك عن مسألة الأوصياء ، ونبذوا قول رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وراء ظهورهم » ... إلى آخره (١).
ونحوه قول مولانا أبي جعفر عليهالسلام في حديث قتادة المتقدّم : « ويحك يا قتادة إن كنت إنّما فسّرت من تلقاء نفسك فقد هلكت وأهلكت وإن كنت أخذته من الرجال فقد هلكت وأهلكت ... » إلى آخره (٢).
ومن الأعلام من أجاب عن الاستدلال على الأخبار المانعة من التفسير بالرأي ـ مضافا إلى ما ذكر على تقدير كون موردها الظواهر ـ بما ملخّصه : احتمال كون المراد منها منع من ترك في الظواهر متابعة الوضع فيها ، ورفع اليد عن الاصول والقواعد المعمولة لتشخيص الأوضاع أو المرادات ، من أصالة الحقيقة وأصالة عدم القرينة وعدم التخصيص وعدم التقييد وعدم الإضمار وعدم النقل وعدم الاشتراك وغير ذلك ، وأبدع من عند نفسه وبمقتضى طبعه وذوقه للّفظ الظاهر ـ مفردا كان أو مركّبا ـ معنى مخالفا للوضع والاصول والقواعد المذكورة ، ونزّله عليه فإنّ هذا هو الممنوع ، لا حمل كلّ ظاهر على معناه الظاهر بعد إعمال ما تعتبر في إثبات الوضع أو تشخيص من الاصول والقواعد » (٣).
وفي معنى الأخبار المانعة من التفسير بالرأي ما تقدّم في عدادها من قوله عليهالسلام : « من قال في القرآن بغير علم ... الخ » (٤) فإنّ القول في القرآن بغير علم بقرينة ما في رواية قتادة المتقدّمة من قول أبي جعفر عليهالسلام : « بعلم تفسّره أم بجهل؟ » وقول قتادة : « لا ، بل بعلم » عبارة عن التفسير بالرأي الّذي مورده المتشابهات ، إذ المتشابه هو الّذي يحتاج القول فيه إلى العلم بالمراد المستند إلى بيان أهل بيت العصمة عليهمالسلام ، فيجري فيه الوجهان المتقدّمان أيضا.
وعلى تقدير تسليم كون مورده الظواهر ، يجري فيه الوجه الثالث الّذي ذكره بعض الأعلام.
وأمّا الطريق الثالث : فبالمعارضة ، ونعني به بيان ما يصرف الأخبار المانعة من الاستناد
__________________
(١) الوسائل ٢٧ : ٢٠٠ / ٦٢ ، ب ١٣ من أبواب صفات القاضي.
(٢) الكافي ٨ : ٣١١ / ٤٨٥.
(٣) قوانين الاصول ١ : ٣٩٨.
(٤) الوسائل : ٢٧ / ٢٠٤ / ٧٦ ، ب ١٣ من أبواب صفات القاضى.