ألا سخنت عيون البكرية ما أشدّ غباءهم ، فما داموا استمرؤوا الكذب ، كيف فاتهم أن يضيفوا إلى هذه الحبكة المفتعلة جملة ، وهو خليفتي من بعدي ، لتتمّ لهم الحجّة ، ولكنّهم فيما يبدو رأوا سقوط أبي بكر في حمأة الحيرة المملة التي عاناها حين سأله الأعرابي ، وقال له : أنت خليفة رسول الله؟ فقال : لا.
فقال : فما أنت؟ قال : أنا الخالفة بعده ، فلم يذكروا له ذلك مادام أبو بكر قال عن نفسه هو الخالفة ، والخالفة كما قال ابن الأثير : « الذي لا غناء ولا خير فيه » ، وإنّما قال ذلك تواضعاً.
وطبيعي أن يقول ذلك أبو بكر ، فهو أعرف بنفسه من غيره ، ولأنّه يعلم ذلك من نفسه ، كما أنّه من الطبيعي أن يقول ذلك ابن الأثير ، ويقوله جميع البكريين معه ، الذين هم أكثر بكرية من أبي بكر على مقولة : ملكيّون أكثر من الملك.
ولكن ما يصنع ابن الأثير وأضرابه ، وتفسير قوله تعالى : ( فَاقْعُدُواْ مَعَ الْخَالِفِينَ ) (١) ، والمفسّرون قالوا : « فلان خالفة أهل بيته إذا كان فاسداً فيهم ، من خلوف فم الصائم ، فعلى هذا يكون المعنى فاقعدوا مع الفاسدين » (٢).
ومهما يكن مراد أبي بكر في قوله : أنا الخالفة ، فإن البكرية لم يجعلوه في حديثهم السابق خليفة النبيّ صلىاللهعليهوآله ، ولكن هلّم الخطب في جعلهم له أوّل الناس إسلاماً ، وأقدمهم إيماناً ، وهذا عين ما قاله رسول الله لابنته فاطمة عليهاالسلام : « أو ما ترضين أنّي زوّجتك أقدم أُمّتي سلماً ، وأكثرهم علماً ، وأعظمهم حلماً » (٣).
__________________
١ ـ التوبة : ٨٣.
٢ ـ الجامع لأحكام القرآن ٨ / ٢١٨.
٣ ـ مسند أحمد ٥ / ٢٦ ، مجمع الزوائد ٩ / ١١٤ ، المصنّف لابن شيبة ٧ / ٥٠٥ ، الآحاد والمثاني ١ / ١٤٢ ، المعجم الكبير ٢٠ / ٢٣٠ ، شرح نهج البلاغة ١٣ / ٢٢٧ ، نظم درر السمطين :