وابن عساكر في تاريخه (١) ، إلاّ أنّه لم يذكر الزمان والمكان ، ممّا أسدل غشاء الإيهام على حديثه ، وكذلك رواه ابن كثير في البداية والنهاية (٢) ، وصنع كما صنع ابن عساكر من إهمال ذكر المكان والزمان ، نقلاً عن الحافظ أبي يعلى الموصلي ، وعن ابن جرير في الكتاب الذي جمع فيه طرق حديث الغدير وألفاظه.
وأظنّ إنّما فعلا ذلك رعاية لصحبة أبي هريرة ، ولا غضاضة فابن عساكر شاميّ شافعيّ ، وكذلك ابن كثير ، ولو كانا كوفيين حنفيين لاستثنياه من جماعة الصحابة المعدلين ، كما صنع أبو حنيفة ، فقد استثناه واستثنى أَنساً وآخرين من عدالة الصحابة (٣).
فهذا أبو هريرة كيف يصدّق في حديثه عن خطبة الإمام لابنة أبي جهل؟ وهو يوالي عدوّه ، ويعادي وليّه على حدّ قول الشاب الأنصاري.
ثانياً : عبد الله بن الزبير : وعداوته للإمام أظهر من أن تحتاج إلى بيان ، بل بلغ في نصبه الغاية ، حتّى أنّه ترك الصلاة على النبيّ صلىاللهعليهوآله أيّام قيامه بمكّة ، فعيب عليه ذلك ، وأنكر فعله المسلمون ، فقال : إنّ له أهيل سوء ، إذا ذكرته اشرأبّت أعناقهم.
قال ابن أبي الحديد : « روى عمر بن شبة وابن الكلبي والواقدي وغيرهم من رواة السير : أنّه مكث أيّام ادعائه الخلافة أربعين جمعة ، لا يصلّي فيها على النبيّ صلىاللهعليهوآله ، وقال : لا يمنعني من ذكره إلاّ تشمّخ رجال بآنافها.
وفي رواية محمّد بن حبيب ، وأبي عبيدة معمّر بن المثنى : أنّ له أهيل سوء ينغضون رؤوسهم عند ذكره » (٤).
__________________
١ ـ تاريخ مدينة دمشق ٤٢ / ٢٣٢.
٢ ـ البداية والنهاية ٥ / ٢٣٢.
٣ ـ شرح نهج البلاغة ٤ / ٦٨.
٤ ـ المصدر السابق ٤ / ٦٢.