أصول الفقه - ج ٨

آية الله الشيخ حسين الحلّي

أصول الفقه - ج ٨

المؤلف:

آية الله الشيخ حسين الحلّي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مكتبة الفقه والأصول المختصّة
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 978-600-5213-73-7
ISBN الدورة:
978-600-5213-23-2

الصفحات: ٦١٢

تسليطه على الموجود ، ليكون رفعه كناية عن رفع حكمه ، أمّا المعدوم فلا يعقل نسبة الرفع إليه.

ويمكن المناقشة فيه : بأنّ ما أُفيد من أنّه لابدّ في صحّة الرفع من كونه متوجّهاً إلى ما هو موجود ، إنّما يتمّ في الأشياء التي يكون الأثر الشرعي مترتّباً على وجودها مثل الأكل نسياناً في نهار رمضان بالقياس إلى الأثر الشرعي المترتّب عليه ، أعني وجوب الكفّارة. أمّا الأفعال التي تكون واجبة على المكلّف ولو وجوباً ضمنياً ، فإنّ رفعها يكون كناية عن رفعها عن عاتق المكلّف ، وهو عبارة أُخرى عن رفع الالزام بها ، وفي الحقيقة أنّ السورة بعد فرض وجوبها ولو ضمنياً على المكلّف يكون لها وجود في عالم التشريع ، ويكون رفعها في عالم التشريع رفعاً لوجوبها.

فالأولى في الجواب هو أن يقال : إنّ الظاهر من النسيان المذكور في الحديث الشريف هو الكناية عن الفعل الصادر نسياناً ، أو الترك الصادر نسياناً ، لا الفعل المنسي ، لأنّ ذلك هو مقتضى سياق بقية أخوات هذه الفقرة الشريفة ، أعني ما أُكرهوا عليه وما اضطرّوا إليه ، فإنّها كناية عن الفعل الذي يكون صادراً عن إكراه أو اضطرار ، فلابدّ أن يكون المراد من النسيان هو الفعل الصادر نسياناً ، لا الفعل المنسي.

ثمّ إنّه قدس‌سره بعد هذه المرتبة أفاد ما حاصله : أنّا لو سلّمنا أنّ المراد رفع الجزء المنسي ، لم يكن ذلك موجباً لرفع الجزئية في حال النسيان ، إلاّ إذا كان النسيان مستوعباً لتمام الوقت ، فإنّه حينئذ يصحّ أن يقال : إنّ ما هو المجعول جزءاً وهو السورة في تمام الوقت قد صارت منسية ، فتكون جزئيتها مرفوعة. أمّا إذا لم يكن النسيان مستوعباً لتمام الوقت فلا وجه لسقوط الجزئية ، لأنّ المنسي إنّما هو

٣٦١

السورة في أوّل الوقت ، وليست هي بنفسها جزءاً أو مأموراً بها بالأمر الضمني ، بل الجزء والمأمور به بالأمر الضمني إنّما هو طبيعة السورة في مجموع الوقت ، ومع فرض التذكّر في أثناء الوقت لا تكون طبيعة السورة في مجموع الوقت منسية كي [ يكون ] رفعها موجباً لرفع الجزئية التي هي عبارة عن الأمر الضمني.

ويمكن التأمّل فيه : بأنّ الشارع إذا رفع السورة في حال النسيان عن عاتق المكلّف ، كان ذلك عبارة أُخرى عن اختصاص جزئيتها ومدخليتها في المركّب بخصوص حال الذكر ، فيكون رفع جزئية السورة في حال النسيان كتخصيص واقعي وارد على ما دلّ على جزئيتها ، ويكون وزانه وزان ما لو كان الدليل الدالّ على جزئيتها من أوّل الأمر مقيّداً بخصوص حال الذكر.

ثمّ إنّه قدس‌سره بعد هذه المرتبة أورد بما أورده الشيخ قدس‌سره وحاصله : أنّه لو سلّمنا أنّ المراد هو رفع الجزء المنسي ، وأغضينا النظر عن أنّ ذلك لا يوجب رفع الجزئية في النسيان غير المستوعب ، بل قلنا إنّ رفع النسيان مصحّح لرفع الجزء المنسي حتّى لو كان النسيان غير مستوعب للوقت ، لم يكن ذلك موجباً لرفع الجزئية ، بل لم يكن موجباً إلاّلرفع وجوب الكل ، سواء كان النسيان مستوعباً للوقت أو لم يكن مستوعباً له.

وتوضيح هذا الجواب على ما حرّرته عنه قدس‌سره هو أن يقال : إنّه بعد فرض شمول حديث رفع النسيان لرفع أثر الفعل المنسي ، وبعد تسليم أنّ أثر الجزء المنسي هو الجزئية ليكون رفعه رفعاً للجزئية حتّى لو كان النسيان غير مستوعب للوقت ، نقول : إنّ ذلك لا يوجب رفع الجزئية فقط ، بل يكون موجباً لرفع وجوب الكل ، لأنّ نسيان الجزء الارتباطي يوجب نسيان الكل المفروض كونه مركّباً منه ، فيكون حاصل رفع النسيان حينئذ هو رفع ذلك التكليف المتعلّق بالكل

٣٦٢

لأجل نسيانه بنسيان بعض أجزائه ، وهذا من الواضحات التي يحكم بها العقل من دون حاجة إلى حديث رفع النسيان.

والفرق بين هذه المسألة أعني مسألة نسيان الجزء ، ومسألة الجهل به ، هو أنّ تلك المسألة لمّا كان تعلّق التكليف فيها بالجزء المشكوك مجهولاً ، وكان تعلّقه بالباقي معلوماً ، فحديث الرفع يكون موجباً لانفصال الجزء المشكوك عن المركّب ، وينحل الارتباط بين الجزء المشكوك وبين الباقي ، بخلاف هذه المسألة فإنّ الكلام فيها بعد فرض عموم الجزئية وشمولها لحال النسيان نتكلّم في أنّ حديث رفع النسيان بعد التنزّل المتقدّم ، يكون موجباً لرفع الجزئية عن الجزء المنسي. وغير خفي أنّه بعد فرض العلم بتعلّق التكليف بالجزء المنسي ، وكون جعل الجزئية له شاملاً لحال النسيان ، يكون نسيان الجزء المفروض الجزئية في حال النسيان موجباً لنسيان المركّب بتمامه.

والحاصل : أنّه بعد فرض شمول الجزئية لحال النسيان ، لا يكون حديث رفع النسيان موجباً لانفصال الجزء المنسي عن الباقي ، ولا تنحل به الارتباطية ، وإذا لم يكن الحديث الشريف موجباً لحل الارتباطية ، فأقصاه أن يرفع التكليف بتمام المركّب الذي نسي بنسيان بعض أجزائه ، انتهى.

وفيه تأمّل ، لأنّ مقتضى دليل الجزئية وإن كان شاملاً لحال النسيان ، إلاّ أن حديث رفع النسيان بعد البناء على أنّ المراد به رفع الجزء المنسي المكنّى به عن رفع الجزئية ، يكون وزانه وزان التقييد والتخصيص لدليل الجزئية باخراج مورد النسيان عن دليل الجزئية ، وحينئذ فالعمدة في الجواب هو ما أشرنا إليه أوّلاً ، من أنّ الظاهر من رفع النسيان هو رفع ما كان صادراً في حال النسيان ، لا رفع الشيء الذي كان منسياً.

٣٦٣

ثمّ لو سلّمنا أنّ مفاده هو رفع الجزء المنسي ليكون محصّله هو رفع جزئيته إذا كان متعلّقاً للنسيان ، ويكون وزانه وزان التقييد لدليل الجزئية ، لم يكن ذلك موجباً لرفع الجزئية بمطلق النسيان ، بل يمكن أن يكون الموجب لرفع الجزئية هو نسيان الجزء بقول مطلق ، أعني به نسيانه في تمام الوقت ، وبهذا الأخير نجيب لو أرجعنا نسيان الجزء إلى عدم القدرة عليه ، وأدخلنا المسألة في « ما لا يطيقون » ، فإنّه لا يبعد أن يكون ما هو مطاق في بعض الوقت خارجاً عن عموم ما لا يطيقون وإن كان غير مطاق في بعض الوقت.

ثمّ لو أغضينا النظر عن ذلك لكان لنا أن نجيب ثالثاً بأنّ مثل رفع النسيان ورفع ما لا يطيقون ورفع ما اضطرّوا إليه ، لا يكون موجباً لسقوط التكليف خطاباً وملاكاً ، وإلاّ لكانت جميع التكاليف مشروطة بالقدرة الشرعية ، بل أقصى ما في هذه العناوين هو أنّها توجب سقوط الخطاب فقط دون الملاك ، فلا يكون حالها إلاّ حال القدرة العقلية ، التي قد عرفت أنّ انتفاءها لا يوجب انحصار التكليف بموردها خطاباً وملاكاً.

وحينئذ فلا يكون رفع النسيان ولا رفع ما لا يطيقون إلاّكحكم العقل بعدم صحّة تكليف العاجز مع بقاء ملاك التكليف بالنسبة إليه بحاله ، وأنّه إن كان مستوعباً للوقت كان موجباً لسقوط التكليف بالمركّب خطاباً ، وإن لم يكن مستوعباً للوقت كان موجباً لانحصار المكلّف به فيما يكون بعد ارتفاع العذر.

ولعلّ هذه المراتب الثلاث التي ذكرناها هي المراد بما أفاده الأُستاذ قدس‌سره ، ونحن معاشر المحرّرين حرّرناها على الوجه السالف الذكر الذي قد عرفت توجّه الإشكال عليه ، فراجع وتأمّل.

٣٦٤

قوله : ولكن يمكن أن يقال : إنّ مقام الامكان الثبوتي غير مقام الصدق العرفي ، ولا إشكال في صدق الزيادة عرفاً على الوجود الثاني ... الخ (١).

لا يخفى أنّ الزيادة إنّما هي الزيادة على ذات المأمور به ، والظاهر أنّها صادقة على الزيادة صدقاً حقيقياً حتّى فيما أُخذ بشرط لا ، نعم إن صدقها عليه مقرون بانتفاء الشرط وهو القيد العدمي ، بخلاف صدقها فيما أُخذ لا بشرط ، فإنّه لا يقترن بانتفاء الشرط المذكور ، إذ لم يكن العدم قيداً فيه ، وإنّما تصدق الزيادة عليه باعتبار حصول الامتثال بأوّل وجود من الطبيعة ، فيكون الوجود الثاني زائداً على أصل الامتثال ، ومقتضاه عدم صدق الزيادة فيما لو كانا عرضيين ، بخلاف ما أُخذ فيه عدد خاص مثل سجدتين أو إعطاء درهمين ، فإنّ الزيادة تصدق ولو بالعرضيين في مورد إمكان العرضيين ، كما لو أعطى ثلاثة دراهم دفعة واحدة ، لكن يبقى الكلام فيما به يحصل الامتثال في الدفعيات.

ثمّ لا يخفى أنّه ربما كان المطلوب صرف الطبيعة ، ولم يكن الاتيان بالأكثر من واحد مشتملاً على الزيادة ، بل يكون الجميع امتثالاً واحداً كما حرّر ذلك في تصوّر التخيير بين الأقل والأكثر.

ثمّ لا يخفى أنّ غالب أجزاء الصلاة إنّما هي من باب العدد الخاصّ ، كالركوع الواحد في كلّ ركعة ، والسجدتين في كلّ ركعة ، والتشهّد الوسط والأخير ، والسلام والفاتحة والسورة ، وهكذا في عدد الركعات. نعم في ذكر الركوع والسجود لم يعتبر العدد ، وإنّما اعتبر صرف الوجود لا بشرط ، أو أنّه من باب التخيير بين الأقل والأكثر ، وهكذا الحال في التسبيح في الثالثة والرابعة.

__________________

(١) فوائد الأُصول ٤ : ٢٣٠.

٣٦٥

أمّا ما لم يعتبر فيه العدد الخاص ، بل اعتبر صرف الوجود لا بشرط ، فقد عرفت الكلام فيه وأنّه يتحقّق فيه الزيادة على الامتثال ، لكنّه لا يضرّ ، لعدم أخذه بشرط لا.

وأمّا ما اعتبر فيه العدد الخاص فلا إشكال في تحقّق الزيادة فيه ، سواء كان عدمها معتبراً في الجزء من باب شرط الجزء ، أو أنّه لم يعتبر في الجزء وإنّما اعتبر في الكل فيكون من باب شرط الكل ، أو لم يكن عدمها معتبراً لا في الجزء ولا في الكل ، بل أُخذ كلّ من الجزء والكل لا بشرط بالنسبة إلى تلك الزيادة ، ففي جميع هذه الصور تتحقّق الزيادة حتّى فيما لو أُخذ الجزء بشرط لا بالقياس إلى تلك الزيادة ، فإنّه وإن أوجب انعدام الجزء المأمور به لانعدام شرطه (١) إلاّ أنه إنّما أوجبه بالزيادة التي كان الجزء مشروطاً ومقيّداً بعدمها ، فليس انعدام شرط الجزء في ذلك مثل انعدام الطمأنينة في الركوع مثلاً ، فإنّ انعدام ذلك الشرط لا يكون إلاّ انعداماً للواجب بما أنّه واجب ، من دون زيادة على ذاته.

نعم ، يمكن أن يقال : إنّ ذلك الركوع الفاقد للطمأنينة يكون زائداً في المجموع المركّب الذي هو مجموع الصلاة ، لكونه أجنبياً عنها ، بخلاف انعدام الشرط فيما نحن فيه ، فإنّ فيه هذه الجهة ، وفيه أيضاً زيادة خارجية ، وهي الركوع الثاني مثلاً بعد فرض كون الركوع مأخوذاً بشرط لا بالنسبة إلى الثاني ، وحينئذ يكون الركوع الأوّل زيادة لكونه أجنبياً عن أجزاء الصلاة ، كما أنّ الركوع الثاني أيضاً زيادة ، ومع هاتين الزيادتين يكون أيضاً من باب نقص الجزء المعتبر.

وأمّا لو كان عدم الثاني أو الثالث معتبراً في الكل لا في الجزء ، بأن كان العدم

__________________

(١) كما أفاده في الكفاية في التنبيه الثالث من تنبيهات الأقل والأكثر بقوله : وإلاّ لم يكن من زيادته الخ [ منه قدس‌سره راجع كفاية الأُصول : ٣٦٨ ].

٣٦٦

شرطاً في الكل ، فلا إشكال في أنّ الاتيان به أيضاً يكون زيادة في ذلك المركّب ، بل وكذلك فيما لو لم يؤخذ العدم قيداً في الجزء ولا في الكل ، فإنّه تتحقّق الزيادة بالاتيان به ، غايته أنّها لا تفسد الجزء ولا الكل ، بخلاف ما لو أُخذ العدم قيداً في الجزء أو قيداً في الكل ، فإنّه يوجب الفساد. أمّا قيد الكل فواضح ، وأمّا قيد الجزء فلأنّه موجب لانعدام الجزء الواجب كما عرفت.

نعم ، يمكن الحصول على الجزء الواجب بالاتيان به ثالثاً لو لم تكن الصلاة التي هي المركّب مقيّدة بعدم ذينك الباطلين ، فإنّ الثاني باطل في نفسه ومبطل للأوّل ، فيبقى الأمر بالجزء بحاله.

إلاّ أن يقال : إنّه لا يمكن تلافي الجزء ، لأنّ المفروض أنّه مقيّد بعدم الزيادة ، وكلّما زاد كان فاقداً بحيث كان الركوع مقيّداً بالوحدة ، فإنّه حينئذ لا يمكن التلافي ، وهذا بخلاف مسألة تكبيرة الإحرام في كون الثالثة صحيحة ، لأنّها بعد بطلان الاثنتين تكون الثالثة هي ابتداء الصلاة ، فلاحظ وتأمّل. هذا فيما كان من سنخ أجزاء الصلاة.

وأمّا ما لم يكن من سنخها ، فتحقّق الزيادة فيه موقوفة على قصد الجزئية ، سواء كان عدمه معتبراً في المجموع أو لم يكن عدمه معتبراً فيه ، ويكون البطلان وعدمه منوطاً بذلك ، فإن أُخذ عدمه في المركّب كان موجباً للبطلان ، لأنّ محصّله هو المانعية ، سواء كان المانع هو ذاته أو كان المانع هو ذاته بقصد الجزئية ، وإن لم يؤخذ عدمه في المركّب لا يكون موجباً للبطلان. وعلى أيّ حال ، يكون صدق الزيادة متوقّفاً على قصد الجزئية.

هذا كلّه فيما لو كان الجزء عدداً خاصّاً كالسجدتين وعدد الركعات.

أمّا ما لو كان الجزء هو صرف الطبيعة ، فقد عرفت أنّه يصدق بأوّل وجود ،

٣٦٧

وحينئذ يكون الوجود الثاني زائداً كما أفاده شيخنا فيما نقله عنه السيّد في التحرير بقوله : ويرد عليه أوّلاً الخ (١) ، ومثاله في الصلاة ذكر الركوع والسجود بل الفاتحة والسورة ، بناءً على أنّ الجزء هو الطبيعة منهما كما أفاده شيخنا ، بل الركوع لو قلنا إنّ الجزء هو صرف طبيعة الركوع. وهكذا الحال في التشهّد.

ومثاله في غير الصلاة غسل الوجه واليدين ومسح الرأس والرجلين في باب الوضوء.

وبالجملة : لا إشكال في كون الثاني زيادة ، بناءً على أنّ الجزء هو صرف الطبيعة. نعم إنّه بحسب القاعدة الأوّلية لا يكون مبطلاً لعدم أخذه بشرط لا. نعم لو بنى على جزئية الثاني جهلاً أو تشريعاً ، كان داخلاً فيما حرّره في الكفاية في التنبيه الثالث ، فراجع.

وكما أنّه خارج عن الأخذ بشرط لا ، فهل هو خارج عن الأخذ لا بشرط بحيث يكون أخذ الجزء من باب صرف الطبيعة قسماً ثالثاً مقابلاً للقسمين المذكورين ، كما أفاده شيخنا قدس‌سره في التحرير المشار إليه ، أو أنّه لا يخرج عنهما؟ الظاهر الثاني ، فإنّ صرف الطبيعة من غسل الوجه مثلاً يمكن أن يكون مأخوذاً بشرط لا ، كما يمكن أن يكون مأخوذاً لا بشرط ، فإنّ صرف طبيعة غسل الوجه المنطبق قهراً على أوّل وجود يمكن أن يقيّد بشرط لا بالنسبة على صرف الوجود ، ويمكن أن لا يقيّد بذلك ، بحيث يكون أخذ صرف الوجود لا بشرط من ناحية الزائد على صرف الوجود ، وعلى أي حال يكون الوجود الثاني زائداً. نعم في أخذه لا بشرط لو أمكن الاتيان به في ضمن فردين عرضاً ودفعة واحدة لا يكون أحدهما زائداً ، بخلاف ما لو أخذناه بشرط لا.

__________________

(١) أجود التقريرات ٣ : ٥٢٤.

٣٦٨

نعم ، يمكن أن يقال : إنّ أخذ الجزء هو صرف الطبيعة عبارة أُخرى عن كونه لا بشرط ، ولا يتأتّى فيه أخذه بشرط لا. وعلى أيّ حال فليس أخذ الجزء من باب صرف الطبيعة خارجاً عن كلّ من الاعتبارين ، غايته أنّ المحقّق فيه هو الثاني أعني أخذه لا بشرط.

ثمّ إنّ هذا إنّما هو بالنسبة إلى نفس الجزء ، وأمّا المجموع المركّب فيمكن أن يكون مقيّداً بشرط لا ، وإن كان الجزء نفسه مأخوذاً من باب لا بشرط ومن باب صرف الطبيعة ، فلاحظ وتأمّل.

قوله : وربما يتمسّك لعدم مانعية الزيادة باستصحاب الصحّة الثابتة قبل فعل الزيادة ، فلا تجري أصالة البراءة ، لحكومة الاستصحاب عليها ... الخ (١).

يمكن أن يقال : إنّ هذا الاستصحاب ليس بحاكم على البراءة ، بل هي حاكمة عليه ، لأنّ مورد جريان البراءة من مانعية الزائد إنّما هو قبل الاتيان به ، لأنّ المكلّف قبل أن يقدم على الاتيان بالزائد يشكّ في كونه ممنوعاً عنه ومنهياً عنه بالنهي المانعي ، وإن شئت فقل : إنّه يشكّ في أنّه يجب عليه تركه ، وبعد جريان البراءة في ذلك يكون المركّب محكوماً بالصحّة ، على ما تقدّم في كيفية انحلال العلم الاجمالي بين الأقل والأكثر باجراء البراءة في الأكثر من أنّه يوجب الاكتفاء بما عدا المشكوك ، وذلك هو معنى الصحّة. أمّا الاستصحاب المذكور فلا موقع له إلاّ بعد الاتيان بالزائد المشكوك المانعية ، وحيث إنّه قد أُزيلت مانعيته بالبراءة قبل الإقدام عليه ، فلا يبقى لنا شكّ في بقاء صحّة ما مضى من الاجزاء كي نركن في ذلك الشكّ إلى استصحاب الصحّة ، فتكون البراءة في المقام حاكمة على

__________________

(١) فوائد الأُصول ٤ : ٢٣٢.

٣٦٩

استصحاب الصحّة. بل إنّ هذه الحكومة جارية حتّى لو أنّهما وردا في آن واحد ، بأن أتى بذلك الزائد سهواً ، فإنّ أصالة البراءة من تقيّد الأجزاء بعدم تلك الزيادة ولو السهوية تحقّق لنا صحّة تلك الأجزاء التي طرأتها الزيادة المذكورة ، وبذلك يرتفع موضوع استصحاب الصحّة حتّى في موارد احتمال مانعية الشيء القهري.

ولم أعثر فعلاً على من التفت إلى هذا الإشكال في أصالة الصحّة بمعنى استصحاب الصحّة ، فتأمّل.

لا يقال : إنّ الزيادة السهوية لا تجري البراءة من المنع عنها ، لعدم كونها اختيارية.

لأنّا نقول : تجري البراءة في تقيّد الأجزاء بعدمها ، بمعنى كون المطلوب هو الأجزاء الخاصّة ، أعني المجرّدة من الزيادة ولو السهوية ، نظير كون المطلوب هو الأجزاء المتّصفة بكونها إلى القبلة مثلاً ، أو بعدم الحدث في أثنائها ، ونحو ذلك ممّا يكون نفس الفعل غير اختياري غير المنافي لكون التقيّد اختيارياً.

لا يقال : في الزيادة السهوية يجري حديث رفع النسيان حتّى لو ثبت كون الزيادة مانعة.

لأنّا نقول : إنّ كلامنا في الزيادة السهوية ممحّض لما لم يعلم مانعية الزيادة ، وحينئذ يكون حديث « رفع ما لا يعلمون » بالنسبة إلى احتمال مانعية الزيادة حاكماً على حديث رفع النسيان ، كما أنّه حاكم على استصحاب الصحّة ، وحينئذ يكون مورد استصحاب الصحّة لو قلنا بجريانه وأغضينا النظر عمّا يأتي فيه من الإشكال منحصراً في الشبهات الموضوعية ، بأن حصل له الشكّ بأنّه أتى بالمانع المعلوم المانعية في المورد الذي لا تجري فيه أصالة عدم الاتيان بذلك المانع ، أو ندّعي أنّ أصالة عدم الاتيان بذلك المانع لا تثبت الصحّة ، فلاحظ وتأمّل.

٣٧٠

لا يقال : إنّ البراءة إنّما تجري قبل وقوع ما تجري فيه ، أمّا بعد وقوعه فلا مورد فيه للبراءة ، والزيادة السهوية بعد أن وقعت لا محصّل للبراءة عن التقيّد بعدمها.

لأنّا نقول : بعد أن صرفنا البراءة إلى نفس تقيّد المركّب بعدم الزيادة ، كانت البراءة جارية فيه ولو بعد الوقوع ، وأثرها هو عدم وجوب إعادة ذلك المركّب ، ألا ترى أنّه لو صلّى مستدبراً للمصحف مثلاً ثمّ شكّ في مانعية ذلك الاستدبار ، فإنّه تجري البراءة في مانعيته ، ويكون أثرها هو صحّة تلك الصلاة وعدم إعادتها. وهكذا لو صلّى بلا عمامة ، وحصل له الشكّ في كون التعمّم شرطاً ، فإنّه تجري البراءة من شرطيته ، وأثرها هو صحّة ما مضى من صلواته التي كانت بلا تعمّم.

والذي تلخّص ممّا فصّلناه : هو أنّ أصالة البراءة في موارد الشكّ في مانعية الشيء زيادة كان أو غيرها ، حاكمة على استصحاب الصحّة ، وهذا هو الذي أشرنا إلى أنّه لم نعثر على من صرّح به. نعم إنّ ما أفاده شيخنا قدس‌سره في مقام الردّ على استصحاب الجزء الصوري في موارد الشكّ في قاطعية الشيء بقوله : وأمّا ثالثاً الخ (١) ، كافٍ في التصريح به ، بل إنّ فيه زيادة هي كون الاستصحاب مثبتاً ، فلاحظه وتأمّل فيه ، فإنّ فيه الكفاية فيما أردناه من الحكومة.

ولا يخفى أنّ هذه الجملة ـ أعني حكومة استصحاب الصحّة لو جرى على أصالة البراءة ـ لم أعثر عليها فيما حرّرته عن شيخنا قدس‌سره في هذا المقام على ما فيه من التطويل ، كما أنّها لم توجد في تحريرات السيّد سلّمه الله في مبحث استصحاب الصحّة من تنبيهات الاستصحاب ، فراجع.

__________________

(١) فوائد الأُصول ٤ : ٢٣٦.

٣٧١

قوله : ولا يخفى ما فيه ، فإنّه إن أُريد من الصحّة الأثر المترتّب على الاتيان بالمأمور به ، فهذا المعنى من الصحّة لا يكاد يثبت إلاّبعد الفراغ من المأمور به بما له من الأجزاء والشرائط ... الخ (١).

لا يخفى أنّه قد حرّر في بعض مباحث الأوامر (٢) النزاع بين العلمين السيّد العلاّمة الشيرازي قدس‌سره والسيّد العلاّمة السيّد محمّد الأصفهاني قدس‌سره في أنّ الامتثال في المركّبات الارتباطية هل يكون تدريجياً ، ويكون ذلك بالنسبة إلى الأجزاء السابقة مشروطاً بالعنوان المنتزع من الأجزاء اللاحقة وهو عنوان التعقّب ، أو أنّ الامتثال لا يكون إلاّدفعياً وهو عند الفراغ من الجزء الأخير. اختار الأوّل الأوّل ، والثاني الثاني ، وحينئذ فلو أخذنا الصحّة في هذا المقام بمعنى تحقّق الامتثال ، فهذا لا يمكن استصحابه في الأثناء. أمّا على الثاني فواضح ، وأمّا على الأوّل فلأنّ امتثال الأمر المتعلّق بالجزء وإن كان متحقّقاً في الواقع عند الفراغ منه إذا كان واقعاً واجداً لقيد التعقّب بباقي الأجزاء ، إلاّ أنه لمّا لم يكن ذلك متحقّقاً لدينا لم يكن لنا طريق إلى استصحابه.

وبذلك ظهر لك صحّة ما أفاده قدس‌سره من عدم إمكان الاستصحاب في الأثناء وأنّه لا يثبت الصحّة الفعلية إلاّعند الفراغ من العمل على كلّ من المسلكين المذكورين.

أمّا استصحاب الصحّة التأهّلية التي هي عبارة عن القضية القائلة بأنّ هذا الجزء لو لحقه باقي الأجزاء والشرائط لكان صحيحاً ، فقد أورد عليه شيخنا قدس‌سره أوّلاً : بأنّه راجع إلى الاستصحاب التعليقي. وثانياً : بأنّه قطعي حتّى بعد انضمام ما

__________________

(١) فوائد الأُصول ٤ : ٢٣٢.

(٢) راجع المجلّد الثالث من هذا الكتاب صفحة : ١٥ وما بعدها.

٣٧٢

يشكّ في مانعيته أو ما يقطع بمانعيته ، لأنّ النقص إنّما هو في ناحية المعلّق عليه ، مثلاً لو فرغ من السجدتين الأخيرتين نقول : ما تقدّم من الأجزاء لو انضمّ إليه باقي الأجزاء لكان موجباً لحصول الامتثال ، فلو أنّه أوجد المانع الذي هو قطعي المانعية بعد الفراغ من السجدتين ، لم يكن ذلك مضرّاً بتلك القضية القائلة إنّه لو انضمّ باقي الأجزاء والشرائط إلى ما تقدّم من الأجزاء لكان الامتثال حاصلاً بها ، غايته أنّ المعلّق عليه لم يحصل.

وهكذا فيما لو ألحق السجدتين بسجدة ثالثة المفروض كونها مشكوكة المانعية ، لأنّ الشكّ لم يكن واقعاً في تلك القضية التعليقية التي هي عبارة عن الصحّة التأهّلية ، بل كان الشكّ واقعاً في ناحية تحقّق المعلّق عليه ، وهو انضمام باقي الأجزاء والشرائط.

ولا يخفى أنّ هذا الايراد (١) إنّما يتّجه لو قلنا إنّ تلك الأجزاء التي أتينا بها لو لحقها التشهّد والتسليم بما نعلمه من الشرائط لكانت مسقطة للأمر ، فهذه القضية قبل لحوق السجدة الثالثة تكون قطعية يقينية ، وبعد لحوقها تكون نفس تلك القضية مشكوكة ، لا أنّ الشكّ في ناحية المعلّق عليه ، بل كانت نفس القضية التعليقية مشكوكة. والظاهر أنّ ذلك هو مراد المستدل بالاستصحاب المذكور.

نعم ، يتوجّه عليه : أنّ مجرّد لحوق ما علم من الأجزاء والشرائط لا يوجب تحقّق الصحّة بالنسبة إلى ما سبق ، إذ مع تخلّل ما يحتمل مانعيته تكون الصحّة فيما سبق مجهولة لا متيقّنة ، ولو أُغضي النظر عن ذلك لقلنا إنّ المعلّق عليه في تلك القضية التعليقية هو باقي الأجزاء والشرائط الواقعية ، ليكون محصّل القضية هو أنّ تلك الأجزاء السابقة لو لحقها كافّة ما يعتبر واقعاً من الأجزاء والشرائط

__________________

(١) [ المقصود بهذا الإيراد هو استصحاب الصحّة التأهّلية لا الإيراد عليه ، فلاحظ ].

٣٧٣

وعدم الموانع (١) ، فإنّه حينئذ يتمّ ما أُفيد من بقائها يقينية حتّى بعد طروّ المانع المعلوم المانعية ، أمّا لو كان المعلّق عليه هو باقي الأجزاء والشرائط والموانع المعلومة الاعتبار ، بحيث نقول إنّ ذلك المتيقّن قبل الاتيان بالسجدة الثالثة وهو كون تلك الأجزاء لو لحقها التشهّد والتسليم لكانت محقّقة للامتثال ، إن كان حكماً على تلك الأجزاء بقول مطلق حتّى لو لحقتها السجدة الثالثة ، لم يعقل تعلّق الشكّ بوجوده بعد لحوق السجدة الثالثة ، بل كان محصّله هو أنّ الثالثة ليست بمانعة. وإن كان حكماً عليها بشرط عدم لحوق الثالثة ، لم يعقل تعلّق الشكّ بعدمه بعد الثالثة ، بل كان مقطوع العدم. وإن شككنا في أنّ موضوعه هل هو الأوّل أو أنّه الثاني ، كان بعد لحوق السجدة الثالثة من قبيل الشكّ في بقاء الموضوع.

وإن شئت فقل : إنّ المكلّف عندما بلغ إلى الفراغ من السجدة الأخيرة من الركعة الأخيرة ، وزاد عليها سجدة ثالثة ، لو قال إنّ تلك الأجزاء السابقة إلى السجدة الثانية لو لحقها التشهّد والتسليم ، لكانت متمّمة للصلاة ، أو لكان الأمر بها ساقطاً ، أو لحصل الغرض ، أو نحو ذلك ممّا يعبّر به عن الصحّة ، إنّ المشار إليه بقوله تلك الأجزاء ، إن كان هو ما عدا السجدة الثالثة ، بمعنى أنّ تلك الأجزاء لو بقيت بحالها ولحقها التشهّد والتسليم من دون السجدة الثالثة لتمّت الصلاة ، فهذه القضية متيقّنة ، ولا يدخلها الشكّ حتّى لو علمنا أنّ السجدة الثالثة مفسدة لها ، وإن كان المشار إليه هو تلك الأجزاء ، سواء أتبعها بالسجدة الثالثة أو لم يتبعها بها ، لو لحقها التشهّد والتسليم لتمّت الصلاة ، فهذه القضية مشكوكة من أوّل الأمر ، ولم تكن متيقّنة في وقت من الأوقات.

__________________

(١) [ هكذا في الأصل فلاحظ ].

٣٧٤

ولكن هذا الإشكال هو عين الإشكال في استصحاب الحكم التعليقي ، فإنّك لو أشرت إلى العنب وقلت إنّه لو غلى لتنجّس ، إن كان المشار إليه هو نفس العنب بلا أن يتبدّل إلى الزبيبية ، فهذه القضية متيقّنة أبداً ولا يدخلها الشكّ ، وإن كان المشار إليه هو العنب ولو لحقته الزبيبية لم تكن القضية المذكورة متيقّنة.

ولا يخفى أنّ هذا الإشكال جارٍ فيما لو كان الحكم تخييرياً أيضاً كالحلّية فيقال : إنّ المشار إليه بقولنا هذا حلال ، إن كان هو نفس العنب بلا أن يتبدّل إلى الزبيبية ، كانت القضية المذكورة متيقّنة إلى الأبد ، وإن كان المشار إليه هو الذات وإن تبدّلت صورتها إلى الزبيبية ، فهذه القضية مشكوكة من أوّل الأمر ، ولم تكن متيقّنة في وقت من الأوقات. وهكذا الحال فيما لو علمنا أنّ زيداً غير المرتكب لشيء من الصغيرة والكبيرة يجوز الصلاة خلفه ثمّ إنّه قد ارتكب الصغيرة.

ونظيره فيما نحن فيه من الصحّة غير المعلّقة ما لو كان الزائد في الآخر مثل السلام الثاني ، ومثل مسح الرجل اليسرى ثانياً في باب الوضوء ، فإنّ قولنا تلك الأجزاء السابقة على المسح الثاني للرجل اليسرى كانت صحيحة قبل المسح الثاني ، إن كان المشار إليه هو نفس تلك الأجزاء المجرّدة عن المسح الثاني بقيد تجرّدها عنه ، كانت القضية متيقّنة أبداً ، وإن كان المشار إليه هو الأجزاء المذكورة وإن لحقها المسح الثاني ، كانت القضية مشكوكة من أوّل الأمر ، والسرّ في جميع [ ذلك ] هو أنّ وصف الصحّة مشكوك الموضوع من أوّل الأمر ، هل موضوعه هو الأجزاء لا بشرط ، أو هو الأجزاء بشرط لا.

وإن شئت فقل : إنّ شكّنا لم يكن في بقاء وصف الصحّة ، بل إنّه إنّما يكون في أنّ المجعول له وصف الصحّة هل هو الأجزاء بقيد عدم لحوق الزيادة المذكورة ، سواء كانت في الأوّل كالمضمضة قبل إجراء الوضوء مثلاً ، أو كانت في

٣٧٥

الوسط ، أو كانت في الآخر ، أو هو الأجزاء غير مقيّدة بالقيد المذكور ، وذلك عبارة أُخرى عن أنّ الجزء أو المركّب هل مأخوذ بالنسبة إلى تلك الزيادة بشرط لا ، أو أنّه مأخوذ لا بشرط.

وهذا الإشكال عين الإشكال في الاستصحاب التعليقي ، بل هو عينه في استصحاب الحكم ولو منجّزاً فيما لو شكّ في بقائه عند تبدّل صفة من الصفات التي يحتمل كونها قيداً في الموضوع ، ولئن أمكن الجواب عنه هناك بالتسامح العرفي فلا يمكن الجواب بذلك عنه فيما نحن فيه ، فلاحظ وتأمّل.

ثمّ لا يخفى أنّ الصلاة لها نحو وحدة اعتبارية ، وهي بذلك اللحاظ يمكن جريان استصحاب البقاء فيها فيما لو شكّ في أنّه هل فرغ منها كما هو الشأن في جميع الأُمور التدريجية ، وحينئذ فيمكن أن يقال : كما صحّ أن يقال إنّ المكلّف بعدُ في الصلاة ولم يخرج منها ، نظراً إلى أنّها تتحقّق بمجرّد الشروع ، وأنّ الشكّ في الفراغ يكون عبارة عن الشكّ في بقائها ، فكذلك يمكن أن يقال إنّ هذه الصلاة قد تحقّقت بمجرّد الشروع فيها ، وعند طروّ ما شكّ في مانعيته يحصل الشكّ في بقاء صحّة مجموع الصلاة.

والحاصل : أنّ الصلاة بمجرّد الشروع فيها تكون بحسب النظر العرفي قد تحقّقت بتمامها ، وهذه المانعية تكون منسوبة إلى المجموع. ولكن ذلك التسامح لو تمّ فأقصى ما فيه هو أن تكون الزيادة بمنزلة الزيادة في الآخر ، التي قد عرفت الحال فيها ، فلاحظ وتأمّل.

ثمّ لا يخفى أنّ استصحاب الصحّة لو سلم من جميع هذه الإشكالات ، فهو غير سالم من إشكال آخر ، وهو أنّه لا معنى للصحّة إلاّ التمامية وإسقاط الأمر ، وهذه الأُمور ليست بنفسها شرعية ولا يترتّب عليها أثر شرعي ، فلا يمكن أن

٣٧٦

تكون مورداً للاستصحاب.

قوله : ولكن مع ذلك كلّه للنظر فيه مجال ، أمّا أوّلاً ... الخ (١).

لا يخفى أنّ ما نقله قدس‌سره عن الشيخ قدس‌سره في إثبات الجزء الصوري يرجع إلى أمرين : الأوّل إطلاق القاطع على مثل الالتفات. والثاني كونه مبطلاً لو كان قد وقع في أثناء السكوتات ، ولم يتعرّض شيخنا قدس‌سره للجواب عن الأوّل ، ولعلّه لوضوح الجواب عنه بأنّ مجرّد التعبير بالقاطع لا يدلّ على وجود الهيئة الاتّصالية المعبّر عنها بالجزء الصوري ، بل هو من باب المسامحة والتجوّز في التعبير.

قوله قدس‌سره : أمّا أوّلاً ، فلأنّ مجرّد تعلّق النواهي الغيرية ... الخ (٢).

لعلّ حاصله : أنّ مجرّد كون الشيء مفسداً حتّى لو وقع في حال السكوت لا يدلّ على القاطعية الحقيقية ، بل أقصى ما في ذلك هو توسعة المانعية لما إذا وقع في حال السكوت ، ومن ذلك الزيادة لو قلنا إنّها مانعة ، فإنّها لابدّ أن لا تكون واقعة في أثناء الأفعال الصلاتية.

قوله : وقوله عليه‌السلام : « وإذا استيقن أنّه زاد في المكتوبة فليستقبل صلاته » ... الخ (٣).

قال المرحوم الحاج آغا رضا الهمداني قدس‌سره ـ بعد ذكر هذه الرواية عن التهذيب خالية من لفظة ركعة ـ : هكذا رواه في المدارك (٤) وغيره ، ولكن في

__________________

(١) فوائد الأُصول ٤ : ٢٣٥.

(٢) فوائد الأُصول ٤ : ٢٣٥.

(٣) فوائد الأُصول ٤ : ٢٣٨.

(٤) مدارك الأحكام ٤ : ٢٢٠.

٣٧٧

الوسائل رواه عن الكليني رحمه‌الله باسناده ( وهو : عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن ابن أُذينة ) عن زرارة وبكير ابني أعين عن أبي جعفر عليه‌السلام أنّه قال : « إذا استيقن أنّه زاد في صلاته المكتوبة ركعة لم يعتدّ بها ، واستقبل صلاته استقبالاً إذا كان قد استيقن يقيناً » (١) ثمّ قال : محمّد بن الحسن باسناده عن محمّد ابن يعقوب مثله ، فالظاهر أنّ لفظة « ركعة » فيما رووه عن الشيخ ساقطة (٢) انتهى ما أفاده المرحوم الحاج آغا رضا قدس‌سره.

لكن راجعت الوافي (٣) فوجدته يرويها عن الكافي عن الثلاثة ـ وهم علي ابن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير ـ عن ابن أُذينة عن زرارة وبكير عن أبي جعفر عليه‌السلام خالية من لفظة « ركعة » ، ثمّ راجعت الكافي فوجدت هذه الرواية بهذا السند والمتن ، يعني خالية من لفظة « ركعة » في باب « من سها في الأربع والخمس ولم يدر زاد أم نقص أو استيقن أنّه زاد » (٤) ، وفيما قبل هذا الباب وهو باب « السهو في الركوع » ذكر أيضاً هذه الرواية مشتملة على لفظة « ركعة » (٥) ، وهي بعين ذلك السند ، سوى أنّ تلك كانت عن زرارة وبكير ابني أعين ، وهذه كانت عن زرارة فقط ، وأمّا التهذيب فقد نقلها عن الكليني بهذا السند إلى زرارة وبكير ابني أعين مع إسقاط لفظ « الركعة » (٦)

__________________

(١) وسائل الشيعة ٨ : ٢٣١ / أبواب الخلل في الصلاة ب ١٩ ح ١.

(٢) مصباح الفقيه ( الصلاة ) : ٥٣٥ ( الطبعة القديمة ).

(٣) الوافي ٨ : ٩٦٤ / باب السهو في أعداد الركعات ح ٢٥ [٧٥٠٠].

(٤) الكافي ٣ : ٣٥٤ / ٢.

(٥) الكافي ٣ : ٣٤٨ / ٣.

(٦) التهذيب ٢ : ١٩٤ / ٧٦٣.

٣٧٨

قوله : وما دلّ على صحّة الصلاة بزيادة السجدة الواحدة سهواً ... الخ (١).

في الوافي : التهذيب : سعد عن ابن عيسى عن علي بن الحكم عن أبان عن (٢). الفقيه : منصور بن حازم عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « سألته عن رجل صلّى فذكر أنّه زاد سجدة ، فقال عليه‌السلام : لا يعيد صلاة من سجدة ، ويعيدها من ركعة » (٣) التهذيب : سعد عن ابن عيسى عن محمّد بن خالد عن ابن فضّال عن مروان بن مسلم عن عبيد بن زرارة ، قال : « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل شكّ فلم يدر أسجد ثنتين أم واحدة ، فسجد أُخرى ثمّ استيقن أنّه زاد سجدة ، فقال : لا والله ، لا يفسد الصلاة زيادة سجدة. وقال عليه‌السلام : لا يعيد صلاته من سجدة ويعيدها من ركعة » (٤).

والرواية الأُولى وإن كان متنها مطلقاً شاملاً لكلّ من الزيادة والنقيصة ، إلاّ أنّها لمّا كان موردها هو الزيادة كانت نصّاً في بيان حكم الزيادة ، كصدر الرواية الثانية ، وبذلك تكون أخصّ من الرواية السابقة الدالّة على لزوم الاعادة لمطلق الزيادة ، إلاّ أن مقتضى ذلك هو خروج السجدة فقط دون باقي الأجزاء غير الركنية.

__________________

(١) فوائد الأُصول ٤ : ٢٤٠.

(٢) [ أي عن منصور بن حازم ].

(٣) الوافي ٨ : ٩٣٣ / ٧٤٢٦ ، التهذيب ٢ : ١٥٦ / ٦١٠ ، الفقيه ١ : ٣٤٦ / ١٠٠٩ ، وسائل الشيعة ٦ : ٣١٩ / أبواب الركوع ب ١٤ ح ٢.

(٤) الوافي ٨ : ٩٣٣ / ٧٤٢٧ ، التهذيب ٢ : ١٥٦ / ٦١١ ، وسائل الشيعة ٦ : ٣١٩ / أبواب الركوع ب ١٤ ح ٣.

٣٧٩

وما أُفيد بقوله : بعد القطع بعدم الفرق في الأجزاء الغير الركنية بين السجدة الواحدة وغيرها (١) ، قابل للمناقشة ، فالأولى أن يسلك في الجمع بين قوله عليه‌السلام : « إذا استيقن » (٢) وقوله عليه‌السلام : « لا تعاد الصلاة إلاّمن خمسة » (٣) الطريقة التي سلكها في الجمع بين قوله عليه‌السلام : « من زاد في صلاته فعليه الاعادة » (٤) وقوله عليه‌السلام : « لا تعاد الصلاة إلاّمن خمسة » وتلك الطريقة هي طريقة الحكومة بأن يقال : إنّ قوله عليه‌السلام : « إذا استيقن أنّه زاد في المكتوبة » يشمل الركن وغيره ، ويختصّ بالزيادة ، وقوله عليه‌السلام : « لا تعاد الصلاة » الخ يشمل الزيادة والنقيصة ، ويختصّ بالأجزاء غير الركنية ، لأنّ الركن القابل للزيادة وهو الركوع والسجود داخل في المستثنى منه ، وبعد تحقّق العموم من وجه بينهما نقدّم حديث « لا تعاد » على رواية من استيقن للحكومة المذكورة ، وتكون هذه الطريقة ـ أعني طريقة الحكومة ـ جارية في كلا الروايتين ، أعني رواية « من زاد » ورواية « إذا استيقن » ، غايته أنّ عموم « من زاد » أوسع لكونه شاملاً للعمد ، لكن ذلك لا دخل له بكيفية الجمع ، لأنّ مورد المعارضة إنّما هو الزيادة السهوية في غير الأركان ، وهو حاصل في كلا الروايتين ، ثمّ بعد تنقيح العموم من وجه نقدّم حديث « لا تعاد » للحكومة المذكورة ، ولا بأس حينئذ بجعل ما دلّ على عدم بطلان الصلاة بزيادة السجدة مؤيّداً لذلك الجمع ، بدعوى عدم الفرق بين السجدة وغيرها من الأجزاء غير الركنية ، فتأمّل.

__________________

(١) فوائد الأُصول ٤ : ٢٤٠.

(٢) وسائل الشيعة ٨ : ٢٣١ / أبواب الخلل في الصلاة ب ١٩ ح ١.

(٣) وسائل الشيعة ٦ : ٣١٣ / أبواب الركوع ب ١٠ ح ٥.

(٤) وسائل الشيعة ٨ : ٢٣١ / أبواب الخلل في الصلاة ب ١٩ ح ٢.

٣٨٠