الثّاقب في المناقب

عماد الدين أبي جعفر محمّد بن علي الطوسي [ ابن حمزة ]

الثّاقب في المناقب

المؤلف:

عماد الدين أبي جعفر محمّد بن علي الطوسي [ ابن حمزة ]


المحقق: الشيخ نبيل رضا علوان
الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة أنصاريان للطباعة والنشر
المطبعة: مطبعة القدس
الطبعة: ٤
ISBN: 978-964-438-681-7
الصفحات: ٧٠١

فملت إليه ، فظننت أنّه عطشان فناولته الإِداوة ، فقال : لا حاجة لي فيها .

قال : فناولني كتاباً وطينه رطب ، فلمّا نظرت إلى الخاتم ، فإذا هو خاتم أبي جعفر عليه السلام .

قال : فقلت له : متىٰ عهدك بصاحب الكتاب ؟ قال : الساعة .

قال : وفيها شيء يأمرني به ؛ ثم التفتَّ فإذا ليس أحد غيري .

قال : فقدم أبو جعفر عليه السلام ، فلقيته ، فقلت : جعلت فداك ، رجل أتاني بكتاب منك (١) وطينه رطب !! قال : «نعم ، إذا عجل بنا أمر أرسلنا بعضهم» .

١٦٦ / ١٠ ـ وزاد محمّد بن الحسين (٢) ـ بهذا الإِسناد ـ وقال : «إنّ لنا خُدّاماً من الجنّ فإذا أردنا السرعة بعثناهم» .

١٦٧ / ١١ ـ أبو حمزة الثماليّ ، قال : دخلت على أبي جعفر عليه السلام فقيل لي : إنّ عنده قوماً ؛ فما لبثت قليلاً حتّى خرجوا ، فخرج قوم أنكرتهم ، لم يعرفوا ، ثمّ أذن ، فدخلت عليه ، فقلت : هذا زمان بني أميّة وسيفهم يقطر دماً . فقال : «يا أبا حمزة ، إنّ هؤلاء وفد شيعتنا من الجنّ ، جاءوا يسألوني عن معالم دينهم» .

١٦٨ / ١٢ ـ عن أبي حنيفة سائق الحاج ، قال : لقيت أبا جعفر

___________________

(١) في ص : بكتابك .

١٠ ـ بصائر الدرجات : ١١٦ / ٢ ، الخرائج والجرائح ٢ : ٨٥٣ / ٦٨ ، عيون المعجزات : ٨٤ باختلاف فيه .

(٢) وهو ابن أبي الخطاب راوي الحديث عن إبراهيم .

١١ ـ الخرائج والجرائح ٢ : ٨٥٥ / ٧٠ ، عيون المعجزات : ٨٤ ، باختلاف فيه .

١٢ ـ بصائر الدرجات : ١٢٢ / ١٤ ، الكافي ١ : ٤٤٨ / ٦ ، دلائل الإِمامة : ١٩٠ ، اثبات الوصية : ٢٠٢ ، الخرائج والجرائح ١ : ٣٣٧ / ٢ ، اعلام

١٨١

عليه السلام ، فقلت له : أقيم حتّى تشخص ؟ قال : «لا ، امض حتّى يقدم علينا أبو الفضل سدير ، وأن يهيء لنا بعض ما نريد ، ثمّ نكتب إليكم» .

قال : فسرت يومين وليلتين ، فأتى رجل طويل أدم بكتاب خاتمه رطب ، والكتاب رطب ، فقرأته : «إنّ أبا الفضل قد قدم علينا ، ونحن شاخصون إن شاء الله تعالى ، فأقم حتّى نأتيك» .

قال : فأتاني فقلت : أتاني الكتاب رطباً والخاتم رطباً ! قال : «إنّ لنا أتباعاً من الجنّ ، فإذا أردنا أمراً بعثنا واحداً منهم» .

ومن أمثال ذلك أخبار كثيرة لا تحصى ، وقد أوردنا في هذا الكتاب في باب أمير المؤمنين صلوات الله عليه من آياته حديث الشيخ وما اختطف من حمزة وما استردها أمير المؤمنين عليه السلام .

وأمّا تسخير السباع ، فقد أوردنا في هذا الكتاب كثيراً من انقياد الأسد لهم بمرأى منهم ، وبرسالتهم إليه ، في هذا الكتاب من حديث جويرية بن مسهر (١) ، ومن مسارّة الذئب للصادق عليه السلام ، ومن مسارّة الأسد لموسى بن جعفر عليهما السلام (٢) ، فلا نطول الكتاب بتعدادها .

وأمّا إسالة عين القطر ، وهو النحاس الذائب ، إنّ الله قد أسال النحاس له حتّى استعملوه في تشييد البنيان ، ثمّ جمد .

وقد أعطى الله تعالى أئمتنا عليهم السلام ما يزيد على ذلك ، من

___________________

الورىٰ : ٣٢٦ ، مناقب ابن شهراشوب ٣ : ٤٥٦ ، اثبات الهداة ٣ : ١٠٥ .

(١) يأتي في المنقبه : ٢١٧ : ٢٥٠ .

(٢) يأتي في المنقبه : ٣٨٤ : ٤٥٦ .

١٨٢

قلب الحجر ذهباً ، ومن إلقاء الأرض مقاليدها (١) لهم ، وهو : ما حدّث به :

١٦٩ / ١٣ ـ إبراهيم بن موسى القزاز ، قال : كنت يوماً في مجلس الرضا عليه السلام بخراسان ، فألححت عليه في شيء طلبته منه ، فخرج يستقبل بعض الطالبين ، وجاء وقت الصلاة ، فمال إلى قصر هناك ، فنزل تحت شجرة بقرب القصر ، وأنا معه ، وليس معنا ثالث ، فقال : «أَذِّن» فقلت : ننتظر يلحق بنا أصحابنا . فقال : «غفر الله لك ، لا تؤخر الصلاة عن أوّل وقتها إلى آخر وقتها ، من غير علّة عليك ، إبدأ بأوّل الوقت» .

فأذّنت وصلينا ، فقلت : يا بن رسول الله ، قد طالت المدّة في العدة التي وعدتنيها ، وأنا محتاج ، وأنت كثير الشغل ، لا نظفر بمسألتك في كلّ وقت .

قال : فحكّ الأرض بسوطه حكّاً شديداً ، ثمّ ضرب بيده إلى موضع الحكّة فأخرج سبيكة ذهب ، فقال : «خذها إليك ، بارك الله لك فيها ، فانتفع بها ، واكتم ما رأيت» .

قال : فبورك لي فيها ، حتّى اشتريت بخراسان مِلكين ما كان قيمته سبعين ألف دينار ، فصرت أغنى الناس من أمثالي هناك .

١٧٠ / ١٤ ـ وحديث إسماعيل بن أبي الحسن ، قال : كنت مع الرضا عليه السلام ، وقد مال بيده إلى الأرض كأنّه يكشف شيئاً ،

___________________

(١) في م : اقاليدها ، وفي ر ، ك ، ص ، ع : اقاليد كبدها .

١٣ ـ بصائر الدرجات : ٣٩٤ ـ باب ـ ٢ ـ ؛ الكافي ١ : ٤٠٨ / ٦ ، ارشاد المفيد : ٣٠٩ ، الاختصاص : ٢٧٠ ، اعلام الورىٰ : ٣٢٦ ، مدينة المعاجز : ٤٧٤ / ٦ .

١٤ ـ الخرائج والجرائح ١ : ٣٤٠ / ٤ ، كشف الغمة ٢ : ٣٠٤ ، مشارق أنوار اليقين : ٩٦ ، مدينة المعاجز : ٥١٠ ، الصراط المستقيم ٢ : ١٩٥ .

١٨٣

فظهرت سبائك ذهب ، ثمّ مسح بيده عليها ، فغابت ، فقلت في نفسي : لو أعطاني واحدة منها . قال : «ألا ، إنّ هذا الأمر لم يأت وقته» .

وقد أوردنا كثيراً من أمثال آيات موالينا عليهم السلام ، وخروج الذهب من التور ، ومن الطست ، وغير ذلك ما لا يحصى كثرة .

١٨٤

١٠ ـ فصل :

في ظهور آيات آصف بن برخيا وصيّ سليمان بن داود ممّا ذكره الله تعالى في القرآن

وفيه : حديث واحد

وهو قوله تعالى : ( أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَن يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ * قَالَ عِفْرِيتٌ مِّنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن تَقُومَ مِن مَّقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ * قَالَ الَّذِي عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِندَهُ ) (١) حاضراً شكر الله تعالى .

وقد أعطى الله تعالى أئمتنا عليهم السلام أمثال ذلك كثيراً ، وقد ذكرنا في آيات أبي جعفر الثاني عليه السلام ذهابه من المدينة إلى طوس لغسل أبيه (٢) .

وخروجه بمن كان يعبد الله بالشام في الموضع الذي نصب فيه رأس الحسين عليه السلام من الشام إلى المدينة ، ومن المدينة إلى مكّة ، ومن مكّة إلى الشام في ساعة (٣) .

___________________

(١) سورة النمل / الآية : ٣٨ ـ ٤٠ .

(٢) يأتي في المنقبة : ٤٣٥ : ٥٠٩ .

(٣) يأتي في المنقبة : ٤٣٦ : ٥١٠ .

١٨٥

ومُضي الصادق عليه السلام من المدينة إلى مكّة وأدائه المناسك في ساعة من الليل .

وخروج أمير المؤمنين عليه السلام من المدينة إلى المدائن لغسل سلمان رضي الله عنه ورجوعه إليها من ساعته وسنذكر في ذلك حديثاً غريباً ، وهو ما حدّث به :

١٧١ / ١ ـ محمّد بن الفضل الهاشميّ ، قال : لمّا توفي موسى بن جعفر عليهما السلام أتيتُ المدينة فدخلتُ على الرضا عليه السلام ، فسلّمت عليه بالأمر ، وأوصلت إليه ما كان معي ، وقلت : إنِّي صائر إلى البصرة ، وعرفت كثرة اختلاف الناس ، وقد نعي إليهم موسى بن جعفر عليه السلام ولا شك (١) ، أنّهم سيسألوني عن براهين الإِمام ، فلو أريتني شيئاً من ذلك .

فقال الرضا عليه السلام : «لم يخف عليَّ شيء من هذا ، فأبلغ أولياءنا بالبصرة وغيرها أنّي قادم عليهم ، ولا قوة إلّا بالله» .

ثمّ أخرج إليّ جميع ما كان للنبيّ (ص) عند الأئمة عليهم السلام ، من بردته وقضيبه وسلاحه وغير ذلك ، فقلت : ومتى تقدم عليهم ؟ قال : «بعد ثلاثة أيام من وصولك إليهم ودخولك البصرة» .

فلمّا قدمتها سألوني عن الحال فقلت لهم : إنّي أتيت موسى بن جعفر عليه السلام قبل وفاته بيوم واحد ، فقال : «إنّي ميت لا محالة ، فإذا واريتني في لحدي فلا تقيمنّ ، وتوجّه إلى المدينة بودائعي هذه وأوصلها إلى ابني عليّ بن موسى فهو وصيّي ، وصاحب الأمر من

___________________

١ ـ الخرائج والجرائح ١ : ٣٤١ ، وعنه في إثبات الهداة ١ : ٣٨٦ / ١٠٤ ، ومدينة المعاجز : ٥٠٥ / ١٢٤ ، والصراط المستقيم ٧ : ١٩٥ / ٥ .

(١) في م ، ك : وما أشك .

١٨٦

بعدي» ، ففعلت ما أمرني به ، وأوصلت الودائع إليه ، وهو يأتيكم بعد ثلاثة أيام من يومي هذا ، فاسألوه عمّا شئتم .

فانتدب للكلام عمرو بن هذّاب عن (١) القوم ، وكان ناصبياً ينحو نحو الزيدية والاعتزال ، فقال : يا محمّد إن الحسن بن محمّد رجل من أفاضل أهل البيت في ورعه وزهده وعلمه وسمته (٢) وليس هو كشاب مثل عليّ بن موسى الرضا عليه السلام ، ولعله لو سئل (٣) عن معضلات الأحكام أجاب عن (٤) ذلك .

فقال الحسن بن محمّد ـ وكان حاضراً في المجلس ـ : لا تقل يا عمرو ذلك ، فإنّ عليّاً عليه السلام على ما وصفه من الفضل ، وهذا محمّد بن الفضل يقول إنّه يقدم إلى ثلاثة أيام ، فكفاك به دليلاً ، وتفرقوا .

فلمّا كان في اليوم الثالث من دخولي إلى البصرة وإذا الرضا عليه السلام قد وافى ، فقصد منزل الحسن بن محمّد وأخلى له داره ، وقام بين يديه ، يتصرف بين أمره ونهيه ، فقال : يا حسن ، أحضر جميع القوم الذين حضروا عند محمّد بن الفضل ، وغيرهم من شيعتنا ، وأحضر جاثليق النصارى ورأس الجالوت ، فمر القوم أن يسألوا عمّا بدا لهم .

فجمعهم كلّهم والزيدية والمعتزلة ، وهم لا يعلمون لما يدعوهم الحسن بن محمّد ، فلمّا تكاملوا ثُني للرضا عليه السلام وسادة فجلس عليها ، ثمّ قال : «السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، هل تدرون لم بدأتكم بالسلام» ؟ فقالوا : لا . فقال : «لتطمئن أنفسكم (٥)» قالوا : من

___________________

(١) في ر ، ع : من .

(٢) في ر ، ع : وسنته .

(٣) في ع : ولو أنّه سئل .

(٤) في ر ، ع ، ك ، م : في .

(٥) في ر ، ع ، م ، ك : لتطمئنوا عند أنفسكم .

١٨٧

أنت رحمك الله ؟ .

قال : «أنا عليّ بن موسى بن جعفر بن محمّد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب عليهم السلام وابن رسول الله ، صلّيت اليوم الفجر في مسجد رسول الله (ص) مع والي المدينة ، وأقرأني ـ بعد أن صلّينا ـ كتاب صاحبه إليه ، واستشارني في كثير من أموره ، فأشرت عليه بما فيه الحظُّ له ، ووعدته أن يصير إليّ بالعشيِّ بعد هذا العصر من هذا اليوم ، ليكتب عندي جواب كتاب صاحبه ، وأنا وافٍ له بما وعدته ، ولا حول ولا قوة إلّا بالله العلي العظيم» . فقالت الجماعة : يا ابن رسول الله ما نريد مع هذا الدليل برهاناً أكبر منه ، وأنت عندنا الصادق القول . فقاموا لينصرفوا فقال لهم : «لا تنصرفوا ، فإنّي إنّما جمعتكم لتسألوا عمّا شئتم من آثار النبوة وعلامات الإِمامة التي لا تجدونها إلّا عندنا أهل البيت ؛ فهلموا مسائلكم» .

فابتدأ عمرو بن هذّاب فقال : إنّ محمّد بن الفضل الهاشميّ ذكر عنك أشياء لا تقبلها القلوب . فقال الرضا عليه السلام : «وما تلك ؟» قال : أخبرنا عنك أنّك تعلم كلّ ما أنزله الله تعالى ، وأنّك تعرف كلّ لسان ولغة .

فقال الرضا عليه السلام : «صدق محمّد بن الفضل ، فأنا أخبرته بذلك ، فهلموا فاسألوا» .

قال : فإنّا نختبرك قبل كلّ شيء بالألسن واللغات ، وهذا روميّ ، وهذا هنديّ ، وهذا فارسيّ ، وهذا تركيّ ، فأحضرناهم .

قال : «فليتكلموا بما أحبّوا ، وأجيب كلّ واحد منهم بلسانه ولغته ، إن شاء الله» .

فسأل كلّ واحد منهم مسألة بلسانه ولغته فأجابهم بألسنتهم ولغاتهم ، فتحيّر الناس وتعجبوا ، فأقرّوا جميعاً بأنّه أفصح منهم بلغاتهم .

١٨٨

ثمّ نظر الرضا عليه السلام إلى عمرو بن هذّاب وقال : «إنْ أنا أخبرتك بأنك ستبلى في هذه الأيّام بدم ذي رحم لك ، كنت مصدقاً لي ؟» قال : لا ، فإنّ الغيب لا يعلمه إلّا الله .

قال عليه السلام : «أو ليس الله يقول : ( عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَىٰ غَيْبِهِ أَحَدًا * إِلَّا مَنِ ارْتَضَىٰ مِن رَّسُولٍ ) (١) فرسول الله (ص) عنده مرتضى ، ونحن ذريّة ذلك الرسول الذي أطلعه الله على ما شاء من غيبه ، فعلمنا ما كان وما يكون إلى يوم القيامة ؛ وإنّ الذي أخبرتك به يا ابن هذاب لكائن إلى خمسة أيّام ، فإن لم يصحّ ما قلت لك في هذه المدَّة فإنّي كذَّاب ، وإنْ صحَّ فتعلم أنّك الرادُّ على الله وعلى رسوله ؛

ولك دلالة أخرىٰ أما إنّك ستصاب ببصرك ، وتصير مكفوفاً ، فلا تبصر سهلاً ولا جبلاً ، وهذا كائن بعد أيّام ؛

ولك دلالة أخرى : أنّك ستحلف يميناً كاذبة ، فتضرب بالبرص» .

قال محمّد بن الفضل : تالله لقد نزل ذلك كلّه بابن هذّاب ، فقيل له : صدق الرضا عليه السلام ، أم كذب ؟ قال : والله ، لقد علمت في الوقت الذي أخبرني به أنّه كائن ، ولكنني كنت أتجلد .

ثمّ إنّ الرضا عليه السلام التفت إلى الجاثليق فقال : «هل دلَّ الإِنجيل على نبوة محمّد (ص) ؟» قال : لو دلّ الإِنجيل على ذلك لما جحدناه .

فقال عليه السلام : « أخبرني بالسكتة (٢) التي لكم في السفر الثالث فقال الجاثليق : اسم من أسماء الله تعالى ، لا يجوز لنا أن نظهره . »

___________________

(١) سورة الجن / الآية : ٢٧ .

(٢) في ع ، م : ما السكينة .

١٨٩

قال الرضا عليه السلام : «فإن قررتك أنّه اسم محمّد (ص) ، وذكره ، وأقرّ (١) عيسى به ، وأنّه بشَّر بني إسرائيل بمحمّد ، أتقر به ولا تنكره ؟» قال الجاثليق : إن فعلت أقرّرت به ، فإنّي لا أردُّ الإِنجيل ولا أجحده .

قال الرضا عليه السلام : «فخذ عليَّ السفر الثالث الَّذي فيه ذكر محمّد وبشارة عيسى بمحمّد» . قال الجاثليق : هات .

فأقبل الرضا يتلو ذلك السفر من الإِنجيل ، حتّى بلغ ذكر محمّد ، فقال : «يا جاثليق ، مَن هذا النبيّ الموصوف ؟» قال الجاثليق : صفه .

قال : «لا أصفه إلّا بما وصفه الله تعالى ، هو صاحب الناقة والعصا والكساء ، النبيّ الأميّ الذي يجدونه مكتوباً عندهم في التوراة والإِنجيل ، يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ، ويحل لهم الطيّبات ، ويحرّم عليهم الخبائث ، ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم ، يهدى إلى الطريق الأفضل (٢) ، والمنهاج الأعدل ، والصراط الأقوم .

سألتك بالله يا جاثليق ، بحقّ عيسى روح الله وكلمته ، هل تجد هذه الصفة في الانجيل لهذا النبيّ ؟» فأطرق الجاثليق ملياً وعلم أنّه إن جحد الإِنجيل كفر ، فقال : نعم ، هذه الصفة في الإِنجيل ، وقد ذكر عيسى هذا النبيّ ، ولم يصح عند النصارى أنّه صاحبكم .

فقال الرضا عليه السلام : «أمّا إذا لم تكفر بجحود الإِنجيل ، وأقررت بما فيه من صفة محمّد ، فخذ عليَّ السفر الثاني فإنِّي أوجدك ذكره ، وذكر وصيّه ، وذكر ابنته وذكر (٣) الحسن والحسين» .

___________________

(١) في ع ، ك ، م : وإقرار .

(٢) في ر ، ك : الأقصد .

(٣) في ع : بنيه .

١٩٠

فلمّا سمع الجاثليق (١) ورأس الجالوت ذلك علما أنّ الرضا عليه السلام عالم بالتوراة والإِنجيل والزبور ، فقالا : والله ، لقد أتى بما لا يمكننا ردَّه ، ولا دفعه ، إلّا بجحود التوراة والإِنجيل والزبور ، وقد بشّر به موسى وعيسى جميعاً ، ولكن لم يتقرر عندنا صحة أنّه محمّد هذا ، وأمّا اسمه محمّد فلا يجوز لنا أن نقرّ لكم بنبوته ، ونحن شاكّون أنه محمّدكم أو غيره .

فقال الرضا عليه السلام : «احتججتم بالشك (٢) ، فهل بعث الله قبل أو بعد من ولد آدم إلى يومنا هذا نبيّاً اسمه محمّد ؟ أو تجدونه في شيء من الكتب التي أنزلها الله تعالى على جميع الأنبياء غير محمّد ؟» فأحجموا عن جوابه ، وقالوا : لا يجوز لنا أن نقرّ لكم بأنّ محمّداً أنّه محمّدكم ، لأنا إن أقررنا لكم بمحمّد ووصيّه وابنته وابنيه على ما ذكرتم أدخلتمونا في الإِسلام كرهاً .

فقال الرضا عليه السلام : «أنت يا جاثليق آمن في ذمّة الله ، وذمّة رسوله أنّه لا ينالك منّا شيء تكره ممّا تخافه وتحذره» .

قال : فأمّا إذا آمنتني ، فإنّ هذا النبيّ الذي اسمه (محمّد) وهذا الوصي الذي اسمه (عليّ) وهذه البنت التي اسمها (فاطمة) وهذان السبطان اللذان اسمهما (الحسن والحسين) في التوراة والانجيل والزبور .

قال الرضا «فهذا الذي ذكرته في التوراة والانجيل والزبور من اسم هذا النبيّ (ص) ، وهذا الوصيّ ، وهذه البنت ، وهذين السبطين ، صدق وعدل ، أم كذب وزور ؟» .

قال : صدق وعدل ، وما قال الله إلّا الحقّ .

فلمّا أخذ الرضا إقرار الجاثليق بذلك ، قال لرأس الجالوت :

___________________

(١) في ر ، ك ، م زيادة : عالم اليهود .

(٢) في ع : احتجزتم .

١٩١

«فاسمع الآن يا رأس الجالوت السفر الأوّل من زبور داود» . قال : هات ، بارك الله عليك وعلى مَن ولدك . فقرأ الرضا عليه السلام السفر الأوّل ، من الزبور ، حتّى انتهى إلى ذكر محمّد وعليّ وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام ، فقال : «سألتك يا رأس الجالوت بحقّ الله ، هذا في زبور داود ؟ ولك مني الأمان والذمّة والعهد ما قد أعطيت الجاثليق» .

فقال رأس الجالوت : نعم ، هذا بعينه ألفيته في الزبور بأسمائهم .

قال الرضا عليه السلام : «فبحق العشر الآيات التي أنزلها الله تعالى على موسى بن عمران في التوراة ، هل تجد صفة محمّد وعليّ وفاطمة والحسن والحسين في التوراة منسوبين إلى العدل والفضل ؟» قال : نعم ، ومن جحدها كان كافراً بربّه وأنبيائه .

فقال الرضا عليه السلام : «فخذ الآن عليَّ سفر كذا من التوراة» فبهت (١) رأس الجالوت متعجباً من تلاوته وبيانه وفصاحة لسانه حتّى إذا بلغ ذكر محمّد (ص) قال رأس الجالوت : نعم ، هذا أحمد وايليا وفطيم وشبر وشبير (٢) ؛ وتفسيره بالعربيّة محمّد وعليّ وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام . فتلا الرضا السفر إلى تمامه ، فقال رأس الجالوت ـ لمّا فرغ من تلاوته ـ : والله يا ابن محمّد ، لولا الرئاسة التي حصلت لي على جميع اليهود ، لآمنت بأحمد ، واتّبعت أمرك ، فوالله الذي أنزل التوراة على موسى ، والزبور على داود ، ما رأيت أقرأ للتوراة والانجيل والزبور منك ، ولا رأيت أحسن (٣) بياناً وتفسيراً وفصاحة لهذه الكتاب منك .

___________________

(١) في م وهامش ص : وأقبل .

(٢) في ع : وبشر وبشير .

(٣) في جميع النسخ زيادة : منك .

١٩٢

فلم يزل الرضا عليه السلام معهم في ذلك اليوم إلى وقت الزوال ، فقال لهم ـ حين حضر وقت الزوال ـ : «أنا أصلّي وأصير إلى المدينة للوعد الذي وعدت به والي المدينة ليكتب جواب كتابه ، وأعود إليكم بكرة إن شاء الله تعالى» .

قال : فأذّن عبد الله بن سليمان ، وأقام ، وتقدّم الرضا عليه السلام فصلَّى بالناس وخفّف القراءة وركع تمام السنّة ، وانصرف .

فلمّا كان من الغد عاد إلى مجلسه ذلك ، فأتوه بجارية رومية فكلّمها بالرومية ، والجاثليق يسمع ، وكان فهماً بالرومية ، فقال الرضا عليه السلام بالرومية : «يا أمة الله أيّما أحبّ إليك : محمّد أو عيسى ؟» . فقالت : كان فيما مضى عيسى أحبّ إليّ ، حين لم أكن أعرف محمّداً ، فأمّا إن عرفت محمّداً فمحمدٌ الآن أحبُّ إليَّ من عيسى ، ومن كلِّ نبيّ .

فقال لها الجاثليق : فإذا كنت دخلت في دين محمّد ، فتبغضين عيسى ؟ قالت : معاذ الله بل أحبَّ عيسى وأؤمن به ، ولكنّ محمداً أحبُّ إليَّ .

فقال الرضا عليه السلام للجاثليق : «فسِّر للجماعة ما تكلمت به الجارية ، وما قلت أنت لها ، وما أجابتك به» .

ففسّر لهم الجاثليق ذلك كله ، ثم قال الجاثليق : يا ابن محمد ها هنا رجل سندي ، وهو نصراني صاحب احتجاج وكلام بالسنديّة ، فقال له : «أحضرنيه» . فأحضره ، فتكلم معه بالسنديّة ثم أقبل يحاجّه وينقله من شيء إلى شيء بالسنديّة في النصرانية ، فسمعتُ السنديّ يقول بالسنديّة ، ثبطى ثبطى ثبطلة (١) فقال الرضا عليه السلام : «قد وحّد الله تعالى بالسنديّة» .

___________________

(١) في ر ، ك ، م : نيطي نبطي نباطة .

١٩٣

ثمّ كلمه في عيسى بن مريم فلم يزل يدرجه (١) من حال إلى حال ، إلى أن قال بالسنديّة : أشهد أن لا إله إلّا الله ، وأشهد أنّ محمّداً رسول الله . ثمّ رفع منطقة كانت عليه ، فظهر من تحتها زنار في وسطه ، فقال : إقطعه أنت بيدك ، يا ابن رسول الله .

فدعا الرضا عليه السلام بسكّين ، فقطعه ، ثمّ قال لمحمّد بن الفضل الهاشميّ : «خذ (٢) السنديّ إلى الحمّام وطهّره ، واكسه وعياله ، واحملهم جميعاً إلى المدينة .

فلمّا فرغ من مخاطبة (٣) القوم ، قال : الآن صحّ عندكم ما كان محمّد بن الفضل يلقي عليكم عنّي» . فقالوا : نعم ، والله قد بان لنا منك فوق ذلك أضعافاً مضاعفة ، ولقد ذكر لنا محمّد بن الفضل أنّك تحمل إلى خراسان . فقال : «صدق محمّد ، إلّا أنّي أحمل مكرّماً معظّماً مبجّلا» .

قال محمّد بن الفضل : فشهد له الجماعة بالإِمامة ، وبات عندنا تلك الليلة ، فلمّا أصبح ودَّع الجماعة ، وأوصاني بما أراد ، ومضى ، فتبعته أشيعه حتّى إذا صرنا في وسط البرية ، عدل عن الطريق ، فصلّى أربع ركعات ، ثمّ قال : «يا محمّد ، انصرف في حفظ الله ، فغمض طرفك» فغمضته ثمّ قال : «افتح عينك» ففتحها ، فإذا أنا بباب منزلي بالبصرة ، ولم أر الرضا عليه السلام قال : وحملت السنديّ وعياله إلى المدينة في وقت الموسم .

وفي ذلك عدَّة آيات لا تتعلق بما قصدناه ، إلّا أنّي أوردت الجميع صيانة للخبر .

___________________

(١) في ك ، م : يزحزحه .

(٢) في ع ، ك : أدخل .

(٣) في ع ، ك ، م : مخاطبات .

١٩٤

١١ ـ فصل :

بيان آيات روح الله عيسى بن مريم (*) ممّا ذكره الله تعالى في القرآن

وفيه : أربعة وعشرون حديثاً

قال الله تعالى : ( إِذْ قَالَ اللَّـهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلَىٰ وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدتُّكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنجِيلَ وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِي وَتُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتَىٰ بِإِذْنِي ) (١) .

وقال الله تعالى : ( رَبَّنَا أَنزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِّنَ السَّمَاءِ تَكُونُ لَنَا عِيدًا لِّأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا وَآيَةً مِّنكَ وَارْزُقْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ ) (٢) .

وقال تعالى : ( وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا * بَل رَّفَعَهُ اللَّـهُ إِلَيْهِ ) (٣) .

وقال عزّ وجلّ : ( وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَـٰكِن شُبِّهَ لَهُمْ ) (٤) .

وقال الله تعالى في حقّ أمّه وهو في بطنها : ( وَهُزِّي إِلَيْكِ

___________________

(*) في م : معجزات عيسى بن مريم .

(١) سورة المائدة الآية : ١١٠ .

(٢) سورة المائدة الآية : ١١٤ .

(٣) سورة النساء الآية : ١٥٧ ، ١٥٨ .

(٤) النساء الآية : ١٥٧ .

١٩٥

بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا ) (١) .

وقال الله تعالى : ( كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِندَهَا رِزْقًا قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّىٰ لَكِ هَـٰذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ اللَّـهِ إِنَّ اللَّـهَ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ ) (٢) .

فأمّا مريم عليها السلام فكفلها زكريا ، وضمّها إليه ، وجلست هي في محرابها تعبد الله عزّ وجل ، يأتيها رزقها بكرة وعشياً .

وإنّ الله جلّ ثناؤه قد أعطى فاطمة الزهراء عليها السلام مثل ذلك ، وجاءت به فاطمة إلى رسول الله (ص) فقال : «يا فاطمة ، أنّى لك هذا ؟» قالت : ( هُوَ مِنْ عِندِ اللَّـهِ إِنَّ اللَّـهَ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ ) (٢) .

فرفع النبيّ (ص) يديه وقال : «الحمد لله الذي جعل في أهل بيتي نظير زكريا ومريم إذ قال لها ( يَا مَرْيَمُ أَنَّىٰ لَكِ هَـٰذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ اللَّـهِ إِنَّ اللَّـهَ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ )» .

١٧٢ / ١ ـ وروى عليّ بن معمّر ، عن الصادق عليه السلام ، قال : قالت أم أيمن : خرجت إلى مكّة فأصابني عطش شديد في الجحفة ، حتّى خفت على نفسي ، ثمّ رفعت رأسي إلى السماء وقلت : يا ربّ ، أتعطشني وأنا خادمة ابنة نبيّك ، فنزل إليَّ دلو من السماء» .

وفي رواية أخرى : «دلو من ماء الجنّة ، فشربت ، وحقّ سيّدتي ما جعت ولا عطشت سبع سنين» .

وفي رواية أخرى : عطشت فيما بين مكّة والمدينة عطشاً شديداً ، فأنزل الله تعالى عليها دلواً من السماء ، فشربت منها ، فما عطشت

___________________

(١) سورة مريم الآية : ٢٥ .

(٢) سورة آل عمران الآية : ٣٧ .

١ ـ معالم الزلفى : ٤١٥ ، باختلاف فيه .

١٩٦

بعدها أبداً ، وإن كان أهل المدينة لتستعين بها عليها في اليوم الشديد الحر وما يصيبها عطش .

١٧٣ / ٢ ـ وروى سعيد بن جبير ، قال : قال يزيد بن قعنب : كنت جالساً مع العبّاس بن عبد المطّلب وفريق من بني عبد العزى بإزاء بيت الله الحرام إذ أقبلت فاطمة بنت أسد عليها السلام ـ أمّ أمير المؤمنين عليه السلام ـ وكانت حاملة لتسعة أشهر ، وقد أخذها الطلق ، فقالت : ربّ إنّي مؤمنة بك ، وبما جاء من عندك من رسل وكتب ، وإنّي مصدّقة بكلام جدّي إبراهيم الخليل عليه السلام ، وأنّه بنى البيت العتيق ، فبحق الذي بنى هذا البيت العتيق ، وبحق المولود الذي في بطني لما يسّرت عليَّ ولادتي .

قال يزيد بن قعنب : فرأينا البيت (١) قد انفتح (٢) عن ظهره ، ودخلت فاطمة فيه ، وغابت عن أبصارنا ، والتصق الحائط ، فرمنا أن ينفتح لنا قفل الباب فلم ينفتح ، فعلمنا أن ذلك أمر من الله تعالى ، ثمّ خرجت بعد الرابع ، وبيدها عليّ بن أبي طالب صلوات الله عليه ، ثمّ قالت : إنّي فضلت على من تقدّمني من النساء ، لأنّ آسية بنت مزاحم امرأة فرعون عبدت الله سراً في موضع لا يحب أن يعبد الله فيه إلّا اضطراراً ، وإنّ مريم بنت عمران هزّت النخلة اليابسة بيدها حتّى أكلت منها رطباً جنياً ، وإنّي دخلت بيت الله الحرام ، وأكلت من ثمار الجنّة وأرزاقها ، فلمّا أردت أن أخرج هتف بي هاتف : يا فاطمة ، سمّيه عليّاً وهو عليّ ، والله تعالى العلي الأعلى ، يقول : إنّي شققت اسمه من

___________________

٢ ـ علل الشرائع : ١٣٥ ، أمالي الصدوق : ١١٤ / ٩ ، معاني الأخبار : ٦٢ ، يرويه عن يزيد بن قعنب ، بشارة المصطفى : ٨ ، روضة الواعظين : ٧٦ ، كشف اليقين : ٦ ، الخرائج والجرائح ١ : ١٧١ قطعة منه ، كشف الغمة ١ : ٦٢ ، اثبات الهداة ٢ : ٤٢٩ .

(١) في ر ، ش ، ك ، م : الباب .

(٢) في هامش ص : انشق .

١٩٧

اسمي ، وأدّبته بأدبي ، ووقفته على غوامض علمي ، وهو الذي يؤذن فوق ظهر بيتي ، ويقدّسني ، ويمجّدني ، فطوبى لمن أحبّه وأطاعه ، وويل لمن أبغضه وعصاه .

وأمّا قوله تعالى : ( فَنَادَاهَا مِن تَحْتِهَا أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا * وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا ) (١) . فإنّ مريم عليها السلام لمّا ولدت عيسى عليه السلام ناداها من تحتها : إنّ الله قد جعل تحتك نهراً تشربين منه ، فإذا جعت فهزي بجذع النخلة ، تساقط عليك رطباً جنياً فكلي منه .

وإنّ الله عزّ وجلّ قد جعل لأئمتنا صلوات الله عليهم أمثال ذلك ، وقد ذكرنا كثيراً من ظهور العين لهم في مواضع ،

١٧٤ / ٣ ـ وقد روت الخاصَّة والعامَّة أنّ عليّ بن موسى الرضا صلوات الله عليه لمّا خرج من نيسابور متوجهاً إلى مرو ، وبلغ قريباً من القرية الحمراء ، فدخل وقت الصلاة ، وطلب الماء ليتوضأ ، فلم يجد ، نزل وحكّ الأرض بسوطه ، فنبع له عين ماء فتوضأ هو ومن كان معه منها ، والعين باقية إلى اليوم يقال لها : (عين الرضا) .

وأمّا خروج الرطب من الشجر اليابس فقد ذكرنا أمثال ذلك كثيراً في هذا الكتاب (٢) ، لأئمتنا صلوات الله عليهم .

١٧٥ / ٤ ـ فقد روى عليّ بن أبي حمزة قال : حججت مع

___________________

(١) سورة مريم / الآيتان : ٢٣ ، ٢٤ .

٣ ـ عيون اخبار الرضا عليه السلام ٢ : ١٣٦ / ١ ، مناقب ابن شهراشوب ٤ : ٣٤٣ .

(٢) يأتي .

٤ ـ الخرائج والجرائح ١ : ٢٩٦ ، كشف الغمة ٢ : ١٩٩ ، اثبات الهداة ٣ : ٤٠٣ / ١٣٤ ، الصراط المستقيم ٢ : ١٨٥ / ٣ قطعة منه ، مدينة المعاجز : ٣٨٢ / ٧٨ عن كتابنا هذا .

١٩٨

الصادق عليه السلام ، فجلسنا في بعض الطريق تحت نخلة يابسة ، فحرّك شفتيه بدعاء لم أفهمه ، ثمّ قال : «يا نخلة ، أطعمينا ممّا جعل الله تعالى فيك من رزق عباده (١)» .

قال : فنظرت إلى النخلة وقد تمايلت نحو الصادق عليه السلام بأوراقها ، وعليها الرطب ، قال : «أدن فقل : بسم الله ، وكل» فأكلنا منها رطباً أطيب رطب وأعذبه ، فإذا نحن بأعرابي يقول : ما رأيت كاليوم سحراً أعظم من هذا ! فقال الصادق عليه السلام : «نحن ورثة الأنبياء ، ليس فينا ساحر ولا كاهن ، بل ندعو الله فيستجيب دعاءنا ، وإن أحببت أن أدعوا الله فتمسخ (٢) كلباً تهتدي إلى منزلك ، وتدخل عليهم فتبصبص لأهلك» .

قال الأعرابي بجهله : بلى . فدعا الله تعالى ، فصار كلباً في وقته ، ومضى على وجهه ، فقال لي الصادق صلوات الله عليه : «إتبعه» فاتبعته حتّى صار في حيّه (٣) ، فدخل منزله ، فجعل يبصبص لأهله وولده ، فأخذوا له عصا فأخرجوه ، فانصرفت إلى الصادق عليه السلام فأخبرته بما كان ، فبينما نحن في حديثه إذ أقبل حتّى وقف بين يدي الصادق عليه السلام ، وجعلت دموعه تسيل ، وأقبل يتمرّغ في التراب ، ويعوي ، فرحمه ، ودعا الله تعالى فعاد أعرابياً .

فقال له الصادق عليه السلام : «هل آمنت يا أعرابي ؟» قال : نعم ألفاً وألفاً .

وأمّا كلام عيسى صلوات الله عليه في المهد ، فهو ما قال الله تعالى : ( فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَن كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا * قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّـهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا * وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنتُ

___________________

(١) في ص : مما يرزق عباده .

(٢) في ع : يمسخك .

(٣) في ر ، ش ، ع ، ك ، ص : إلى حيث يذهب .

١٩٩

وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا ) (١) .

وقد تكلّم أئمتنا صلوات الله عليهم في بطن الأمّ ، وفي المهد ، وقد تكلم أبو عبد الله الحسين بن عليّ صلوات الله عليهما في بطن الأمّ ، وتكلمت من قبل فاطمة في بطن أمّها .

١٧٦ / ٥ ـ روى يعقوب السرّاج ، قال : دخلت على الصادق جعفر بن محمّد صلوات الله عليهما ، فسلّمت عليه ، فقال : «سلّم على مولاك» وأشار إلى مهد في ضفة أخرى ، فيه موسى بن جعفر صلوات الله عليهما ، فمشيت إليه ، وقلت : السلام عليك يا مولاي . قال : «وعليك السلام ، يا يعقوب إنّه قد ولد لك البارحة بنت فسمّيتها باسم يبغضه الله تعالى فغيره» .

١٧٧ / ٦ ـ وروى محمّد بن ميمون ـ وقد أوردته (٢) في هذا الكتاب ـ قال : كنت مع الرضا عليه السلام بمكّة قبل خروجه إلى خراسان ، فقلت له : إنّي أريد أن أقدم إلى المدينة ، فأكتب لي كتاباً إلى أبي جعفر صلوات الله عليه ، فتبسّم ، فكتب ، وصرت إلى المدينة ، وقد كان ذهب بصري ، فأخرج الخادم أبا جعفر إلينا ، فحمله في المهد ، وناوله الكتاب ، فقال لموفق الخادم : «فضه وانشره» ففضّه

___________________

(١) سورة مريم / الآيات : ٢٩ ، ٣٠ ، ٣١ .

٥ ـ الكافي ١ : ٣١٠ / ١١ ، ارشاد المفيد : ٢٩٠ ، اثبات الوصية : ١٦٢ ، دلائل الإمامة : ١٦١ ، مناقب ابن شهراشوب ٣ : ٤٠٧ ، كشف الغمة ٢ : ٢٢١ ، اعلام الورى : ٢٩٠ ، الصراط المستقيم ٢ : ١٦٣ ، حلية الأبرار ٢ : ٢٩٠ ، مدينة المعاجز : ٤٣١ / ١١ ، عوالم الكاظم عليه السلام : ٣١ ، ويأتي الحديث في ص ٥٢٥ / ١٠ .

٦ ـ إثبات الوصية : ٢٠٣ ، الخرائج والجرائح ١ : ٣٧٢ ، كشف الغمة ٢ : ٣٦٥ ، حلية الأبرار ٢ : ٣٩٦ ، مدينة المعاجز : ٥٣١ ، اثبات الهداة ٣ : ٣٣٨ / ٢٤ .

(٢) في ر ، م ، ك : أوردت ذلك .

٢٠٠