الثّاقب في المناقب

عماد الدين أبي جعفر محمّد بن علي الطوسي [ ابن حمزة ]

الثّاقب في المناقب

المؤلف:

عماد الدين أبي جعفر محمّد بن علي الطوسي [ ابن حمزة ]


المحقق: الشيخ نبيل رضا علوان
الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة أنصاريان للطباعة والنشر
المطبعة: مطبعة القدس
الطبعة: ٤
ISBN: 978-964-438-681-7
الصفحات: ٧٠١

وأمّي يا رسول الله ، لقد رأيت عجباً ، قال : «قد رأيت ؟!» قلت : نعم .

قال : «يا أنس ، إنّه قد جلس على هذه الأكمة مائة نبيّ ، ومائة وصيّ كلّهم تظلّهم هذه الغمامة ، كما أظلّتني وأظلّت عليّاً .

يا أنس ، ما جلس على هذه الأكمة نبيّ أكرم على الله منّي ، ولا وصيّ أكرم على الله من وصيّي هذا» (١) .

٣٢ / ١٢ ـ عن سالم بن أبي الجعد ، عن جابر بن عبد الله ، قال : أتي رسول الله (ص) بفاكهة من الجنّة وفيها أترجة ، فقال جبرئيل عليه السلام : يا محمّد ناولها عليَّاً ، فناولها ، فبينا هو يشمّها إذ انفلقت ، فخرج من وسطها رقّ مكتوب فيه : من الطالب الغالب إلى عليّ بن أبي طالب .

٣٣ / ١٣ ـ عن أبي الزبير ، عن جابر رضي الله عنه قال : أهديت إلى رسول الله (ص) أترجة من أترج الجنّة ، ففاح ريحها بالمدينة ، حتّى كاد أهل المدينة أن يعتبقوا بريحها (٢) ، فلمّا أصبح رسول الله (ص) في منزل أم سلمة رضي الله عنها ، دعا بالأترجة فقطعها خمس قطع ، فأكل واحدة ، وأطعم عليًّا واحدة ، وأطعم فاطمة واحدة ، وأطعم احسن واحدة ، وأطعم الحسين واحدة ، فقالت له أمّ سلمة : ألست من أزواجك ؟

قال : «بلى يا أمّ سلمة ، ولكنها تحفة من تحف الجنّة أتاني بها جبرئيل ، أمرني أن آكل منها وأطعم عترتي .

يا أمّ سلمة ، إنّ رحمنا أهل البيت موصولة بالرحمن ، منوطة بالعرش ، فمن وصلها وصله الله ، ومن قطعها قطعه الله» .

___________________

(١) في م زيادة : عليّ .

١٢ ـ معالم الزلفى : ٤٠٥ .

١٣ ـ معالم الزلفى : ٤٠٥ .

(٢) في م : يعبقوا ريحها .

٦١

٥ ـ فصل :

في ظهور آياته في إبراء المرضى ، والأعضاء المبانة والمجروحة

وفيه : أحد عشر حديثاً

٣٤ / ١ ـ عن عليّ عليه السلام قال : «أصاب عبد الله بن أنس (١) طعنة في عينه ، فمسحها رسول الله (ص) ، فما عرفت من الأخرى» .

٣٥ / ٢ ـ عن عبد الله بن كعب بن مالك ، قال : لمّا بعث رسول الله (ص) محمّد بن مسلمة (٢) في رجال من الأنصار إلى كعب بن الأشرف وثبت (٣) رجل من المسلمين رجلاً من الأنصار فجرح فحملوه ، فأتوا به إلى النبيّ (ص) فمسح عليه فبرئت .

___________________

١ ـ مناقب ابن شهراشوب ١ : ١١٧ .

(١) في ر ، ك ، ص والمناقب : عبد الله بن أنيس . تصحيف .

٢ ـ أنظر الكامل في التاريخ ٢ : ١٩٣ ، سير أعلام النبلاء ٢ : ٣٦٩ .

(٢) هو محمّد بن مسلمة بن سلمة الأنصاري الأوسي ، بعثه رسول الله (ص) في السنة الثالثة من الهجرة لقتل كعب بن الأشرف اليهودي ، فقتلوه ، والذي أصيب في أثناء القتال : الحارث بن أوس بن معاذ فتفل النبي (ص) على جرحه فبرئ ، أنظر «الكامل في التاريخ ٢ : ١٤٣ ، سير أعلام النبلاء ٢ : ٣٦٩» .

(٣) ثبت : جرح ، ومنه قوله تعالى : ليثبتوك أي يجرحوك جراحة لا تقوم معها ، انظر «لسان العرب ـ ثبت ـ ٢ : ٢٠» .

٦٢

٣٦ / ٣ ـ عن معاوية بن عمّار ، عن أبي عبد الله عليه السلام ، قال : «قتل عليّ بن أبي طالب عليه السلام يوم أحد أربعة عشر رجلاً ، وقتل سائر الناس سبعة ، وأصابه يومئذٍ ثمانون (١) جراحة ، فمسحها رسول الله (ص) ، فلم ينفح (٢) منها شيء» .

٣٧ / ٤ ـ عن حمّاد بن أبي طلحة ، عن أبي عوف ، قال : دخلت على أبي عبد الله عليه السلام فألطفني ، وقال : «إنّ رجلاً مكفوف البصر أتى النبيّ (ص) ، وقال : يا رسول الله ، ادع الله لي أن يردّ إليّ بصري» .

قال : «فدعا الله له ، فردّ عليه بصره .

ثمّ أتاه آخر فقال : يا رسول الله ، ادع الله لي أن يردّ عليَّ بصري . فقال (ص) : تثاب عليه الجنّة أحبّ إليك ، أم يردّ عليك بصرك ؟ . فقال : يا رسول الله ، وإنّ ثوابها الجنّة ؟! قال : الله أكرم من أن يبتلي عبداً مؤمناً بذهاب بصره ، ثمّ لا يثيبه الجنّة» (٣)

٣٨ / ٥ ـ عن شرحبيل بن حسنة ، قال : أتيت النبيّ (ص) ، وبكفّي سلعة (٤) ، فقلت : يا رسول الله ، إنّ هذه السلعة تحول بيني وبين قائم سيفي لمّا أقبض عليه ، وعنان الدابة ، فقال (ص) : «أدن منّي» فدنوت

___________________

٣ ـ روى نحوه في الخرائج والجرائح ١ : ١٤٨ ، ونحوه في دلائل البيهقي ٣ : ١٣٧ ذيله .

(١) في ص ، ع : سبعون .

(٢) في م : يقرح . ونفح الجرح : نزف منه الدم .

٤ ـ بصائر الدرجات : ٢٩٢ / ٨ .

(٣) في ك ، ص ، ع : ولا يجعل ثوابه الجنّة .

٥ ـ . . . .

(٤) في ر ، ش ، م : لسعة ، والسلعة : الشق يكون في الجلد ، وزيادة تحدث في الجسد مثل الغدة . «لسان العرب ـ سلع ـ ٨ : ١٦٠» .

٦٣

منه ، فقال : «افتح كفّك» . ففتحتها ، فتفل في كفّي ، ووضع يده (١) على السلعة ، فما زال يمسحها بكفّيه حتّى رفع ، وما أرى أثرها .

٣٩ / ٦ ـ عن عليّ عليه السلام ، قال : «بينا رسول الله (ص) جالس ، إذ سأل عن رجلٍ من أصحابه ، فقيل : يا رسول الله ، قد صار من البلاء كهيئة الفرخ لا ريش عليه ، فأتاه (ص) ، فإذا هو كالفرخ من شدَّة البلاء ، فقال له : «لقد كنت تدعو في صحتك ؟

قال : نعم ، أقول : يا ربّ ، أيما عقوبة تعاقبني بها في الدنيا والآخرة فاجعلها لي في الدنيا .

فقال (ص) : هلّا قلت : اللَّهم ربّنا آتنا في الدنيا حسنة ، وفي الآخرة حسنة ، وقنا عذاب النار .

فقالها ، فكأنَّما أنشط من عقال ، وقام صحيحاً ، وخرج معنا» .

٤٠ / ٧ ـ وعنه صلوات الله عليه ، قال : «ولقد أتاه رجل من جهينة مجذوم متقطع من الجذام ، فشكا إلى رسول الله (ص) ، فأخذ قدحاً من الماء ، فتفل فيه ، ثمّ قال : «امسح به جسدك ، ففعل حتّى لم يوجد فيه شيء» .

٤١ / ٨ ـ وعنه عليه السلام ، قال : «إنَّ قتادة بن ربعي كان رجلاً صحيحاً ، فلمّا أن كان يوم اُحد أصابته طعنة في عينه ، فبدرت حدقته ، فأخذها بيده ، ثمّ أتى النبيّ (ص) فقال : يا رسول الله ، إنّ امرأتي الآن تبغضني ، فأخذها (ص) من يده ، ثمّ وضعها في مكانها ، فلم تكن تعرف ، إلّا بفضل حسنها ، وفضل ضوئها على العين الأخرى» .

___________________

(١) في م ، ك : كفّه .

٦ ـ الاحتجاج : ٢٢٣ .

٧ ـ الخرائج والجرائح ١ : ٣٦ ، الاحتجاج : ٢٢٤ .

٨ ـ الخرائج والجرائح ١ : ٣٢ / ٣٠ ، اعلام الورىٰ : ٣٨ ، اثبات الهداة

٦٤

٤٢ / ٩ ـ وعنه عليه السلام ، قال : «أصاب محمّد بن سلمة يوم كعب بن الأشرف مثل ذلك في عينه ، ويده ، فمسحها رسول الله (ص) ، فما تبينا» .

٤٣ / ١٠ ـ عن عبد الله بن بريدة ، عن أبيه ، قال : تفل رسول الله في رجل عمرو بن معاذ ، حين قطعت رجله فبرئت .

٤٤ / ١١ ـ عن أبي حمزة الثمالي ، عن أبي جعفر عليه السلام ، قال : «مرّ أعمى على رسول الله ، فقال له : يا فلان ، أفتشتهي أن يردّ الله عليك بصرك ؟ قال : ما من شيء أوتاه من الدنيا أحبّ إليّ من أن يردّ الله عليَّ بصري .

فقال (ص) : توضأ واسبغ الوضوء ، ثمّ (صلِّ ركعتين) (١) ثمّ قل : اللهم ، إنّي أسألك وأدعوك ، وأرغب إليك ، وأتوجّه إليك بنبيّك محمّد (ص) ، نبيّ الرحمة ، يا محمّد ، إنّي أتوجّه بك إلى الله ربّك وربّي ليردّ بك عليّ بصري .

قال : فما قام النبيّ (ص) من مجلسه ، ولا خطا خطوة (٢) ، حتّى رجع الأعمى وقد ردّ الله عليه بصره» .

٤٥ / ١٢ ـ عن عليّ عليه السلام ، قال : «أتاه رجل أعرابي أبرص ، فتفل في فيه ، فما قام من عنده إلّا صحيحاً» .

___________________

٢ : ٩٢ / ٤٤٩ ، مع اختلاف .

٩ ـ مناقب ابن شهراشوب ١ : ١١٧ .

١٠ ـ الخرائج والجرائح ١ : ٥٠ .

١١ ـ الخرائج والجرائح ١ : ٥٥ / ٨٨ ، دلائل النبوة ٦ : ١٦٦ ـ ١٦٨ ، بستة طرق ، سنن الترمذي ٥ : ٥٦٩ / ٣٥٧٨ ، مستدرك الحاكم ١ : ٣١٣ ، أسد الغابة ٣ : ٣٧١ ، جميعاً بإسنادهم إلى عثمان بن حنيف .

(١) ليس في : م ، ك .

(٢) في ر ، ك ، م ، ص : ولا حل حبوته .

١٢ ـ الاحتجاج : ٢٢٤ .

٦٥

٦ ـ فصل :

في بيان ظهور آياته في كلام الجمادات وغيرها

وفيه : ثمانية أحاديث

٤٦ / ١ ـ عن حبّة ، عن عليّ عليه السلام ، قال : «كنت مع رسول الله (ص) في شعاب مكّة ، وأسمع تسليم الشجر والحجارة عليه» .

٤٧ / ٢ ـ عن أبي هريرة ، عن أبي بكر ، قال : بينا نحن مع رسول الله (ص) ، إذا نحن بصائح من نخلة ، فقال النبيّ (ص) : «هل تدرون ما قالت النخلة ؟» قالوا : الله ورسوله أعلم .

قال : «قالت : هذا محمّد رسول الله ، ووصيّه عليّ بن أبي طالب» عليه السلام ، فسمّاه النبيّ (ص) في ذلك اليوم : الصيحاني .

٤٨ / ٣ ـ عن عليّ عليه السلام ، قال : «إنَّ رجلاً من ملوك فارس

___________________

١ ـ مناقب ابن شهراشوب ٢ : ٩٠ .

٢ ـ مائة منقبة : ١٣٣ ، مناقب الخوارزمي : ٢٢١ ، فرائد السمطين ١ : ١٣٧ ، ينابيع المودة : ١٣٦ ، الخرائج والجرائح ٢ : ٤٧٨ ، مناقب ابن شهراشوب ٢ : ١٥٣ ، ميزان الاعتدال ١ : ٧٩ ، لسان الميزان ١ : ٣١٧ ، السيرة الذهبية ٣ : ٢٦٥ ، الصراط المستقيم ٢ : ٣٢ ، غاية المرام : ١٥٧ / ٢٦ ، مدينة المعاجز : ٦٥ / ١٥٢ .

٣ ـ الخرائج والجرائح ٢ / ٤٩١ ح ٥ ، عنه إثبات الهداة ٣ / ٥٢٩ ح ٥٥٨ .

٦٦

عاقلاً أديباً ، قال : يا محمّد أخبرني إلى ما تدعو ؟ قال : أدعو إلى شهادة أن لا إله إلّا الله ، وحده لا شريك له ، وأنّ محمداً عبده ورسوله .

قال : وأين الله يا محمّد ؟ قال : بكل مكان موجود ، وفي غير شيء محدود .

قال : كيف هو ؟ وأين هو ؟ قال : ليس كيف ولا أين ، لأنّه تبارك وتعالى خلق الكيف والأين .

قال : فمن (أين جاء ؟ قال : لا يقال : من أين جاء ، وإنّما يقال : من) (١) أين جاء للزائل من مكان إلى مكان ، وربّنا تعالى لا يزول .

قال : يا محمّد إنّك لتصف أمراً عظيماً ، بلا كيف ، فكيف لي أن أعلم (٢) أنّه أرسلك ؟ فلم يبق بحضرته ذلك اليوم ، لا حجر ولا مدر ، ولا شجر ، ولا سهل ، ولا جبل ، إلّا قال من مكانه : أشهد أن لا إله إلّا الله ، وحده لا شريك له ، وأنّ محمّداً عبده ورسوله .

فقال الرجل : وأنا أشهد أن لا إله إلا الله ، وحده لا شريك له ، وأنّ محمّداً عبده ورسوله . فقلت أنا : أشهد أن لا إله إلّا الله وأنّ محمداً رسول الله .

فقال : يا محمّد ، من هذا ؟ قال : هذا خير أهلي (٣) وأقرب الخلق إليّ ، لحمه من لحمي ، ودمه من دمي ، وروحه من روحي ، وهو وزيري (٤) في حياتي ، وبعد وفاتي ، كما كان هارون من موسى ، إلّا أنّه لا نبيّ

___________________

(١) ما بين القوسين ليس في ع .

(٢) «لي أن» ليس في ع .

(٣) في ص ، ع : أهل بيتي .

(٤) كذا في ر ، وفي سائر النسخ : الوزير .

٦٧

بعدي ، فاسمع له وأطع ، تكن على الحقّ . ثمّ سمّاه النبيّ (ص) : عبد الله» .

٤٩ / ٤ ـ عن (١) أبي جعفر الباقر عليه السلام ، قال : «تراءى له جبرئيل عليه السلام بأعلى الوادي ، عليه جبّة من سندس ، فأخرج له درنوكاً (٢) من درانيك الجنّة ، فأجلسه عليه ، ثمّ أخبره أنّه رسول الله ، وأمره بما أراد أن يأمره به ، فلمّا أراد جبرئيل عليه السلام الانصراف (٣) أخذ رسول الله (ص) بثوبه ، فقال : ما اسمك ؟ قال : جبرئيل . فعلم رسول الله (ص) ، فلحق بالغنم ، فما مرّ بشجر ، ولا مدر إلّا سلّم عليه» .

٥٠ / ٥ ـ عن (٤) حنش بن المعتمر (٥) ، عن عليّ عليه السلام أنّه قال : «دعاني رسول الله (ص) ، فوجّهني إلى اليمن لأصلح بينهم ، فقلت : يا رسول الله إنهم قوم كثير ، لهم سن ، وأنا شاب حدث ، قال : يا عليّ ، إذا صرت بأعلى عقبة أفيق فناد بأعلى صوتك : يا شجر ، يا مدر ، يا ثرى ، محمّد رسول الله يقرئكم السلام .

___________________

٤ ـ تفسير القمي ١ : ٢٠ ، الرسالة المفردة : ٨٣ ، أمالي الصدوق : ١٥٤ / ١٢ ، الخصائص الكبرى ١ : ١٥٧ ، ١٦٣ .

(١) في م : أخبرنا .

(٢) الدرنوك : ضرب من الثياب «لسان العرب ـ درنك ـ ١٠ : ٤٢٣» .

(٣) في ك وهامش م : أن يقوم .

٥ ـ بصائر الدرجات : ٥٢١ / ١ ، أمالي الصدوق : ١٨٥ / ١ ، الخرائج والجرائح ٢ : ٤٩٢ / ٦ ، نور الأبصار : ٨٨ ، قطعة منه ، روضة الواعظين : ١١٦ ، مختصر البصائر : ١٣ ، مثله ، فرائد السمطين ١ : ٦٧ .

(٤) في م : اخبرنا .

(٥) في م : الحسن بن المعتمر ، وفي ر ، ك : خنيس بن المغيرة ، وفي ع : حبش ، وما أثبتناه هو الصواب ، راجع «معجم رجال الحديث ٦ : ٣٠٦ ، تهذيب التهذيب ٣ : ٥١ / ١٠٤ ، تقريب التهذيب ١ : ٢٠٥ / ٦٣٢» .

٦٨

قال : فذهبت فلمّا صرت بأعلى عقبة أفيق أشرفت على أهل اليمن ، فإذا هم بأسرهم مقبلون نحوي ، مشرعون (١) رماحهم ، مشرعون أسنّتهم ، متنكبون قسيهم ، شاهرون سلاحهم ، فناديت بأعلى صوتي : يا شجر ، يا مدر ، يا ثرى ، محمّد رسول الله يقرئكم السلام ، فلم يبق شجر ، ولا مدر ، ولا ثرى ، إلّا ارتجّ بصوت واحد : وعلى محمّد رسول الله السلام ، وعليك السلام ، فاضطربت قوائم القوم وارتعدت ركبهم ، فوقع السلاح من أيديهم ، وأقبلوا إليّ مسرعين ، فأصلحت بينهم ، وانصرفت عنهم» .

٥١ / ٦ ـ وعنه عليه السلام ، قال : «ولقد أخذ يوم خيبر ـ أو يوم حنين ، الشكّ من الراوي ـ حجراً ، فسمع للحجر تسبيح وتقديس ، ثمّ قال للحجر : انفلق فانفلق ثلاث فلق ، فسمع لكلّ فلقة تسبيح لا تسمع لأخرى ، والمنّة لله» .

٥٢ / ٧ ـ عن إبراهيم بن عبد الأكرم الأنصاريّ ، ثمّ النجاريّ ، قال : دخل رسول الله (ص) هو وسهل بن حنيف ، وأبو أيوب حائطاً من حوائط بني النجّار ، فلمّا دخل ناداه حجر على رأس بئر لهم ، تنضح السواني عليها (٣) ، فكلّمه .

ثمّ ناداه الرمل وكلّمه .

فلمّا دنا من النخل ، نادته العراجين من كل جانب : السلام

___________________

(١) مشرعون : مسددون ، مصوّبون «الصحاح ـ شرع ـ ٣ : ١٢٣٦» .

(٢) القَسِيّ : ثياب من كتان مخلوطة بحرير «مجمع البحرين ـ قسس ـ ٤ : ٩٦» .

٦ ـ الاحتجاج : ٢٣٥ .

٧ ـ بصائر الدرجات : ٥٢٤ / ٨ .

(٣) السواني : جمع سانيه ، وهي ما يعرف بالساقية ، أو الناعور وأيضاً : الناقة يستقىٰ عليها من البئر ، المعجم الوسيط ١ : ٤٥٧ مادة سنىٰ ، لسان العرب ١٤ : ٤٠٤ .

٦٩

عليك يا رسول الله . وكلّ واحد منها يقول : خذ منّي ، فأخذ منها فأكل وأطعم .

ثمّ دنا من العجوة ، فلمّا أحسته سجدت ، فبارك عليها رسول الله (ص) ، وقال : «اللهم بارك عليها ، وانفع بها» .

فمن ثمّ روت العامّة أنّ الكمأة من المنّ وماؤها شفاء للعين ، وأنّ العجوة من الجنّة (١) .

٥٣ / ٨ ـ وعن جابر بن عبد الله الأنصاري ، قال : كان رسول الله (ص) يقوم في أصل شجرة ـ أو قال : إلى جذع نخلة ، الشكّ من الراوي ـ ثمّ اتّخذ منبراً فحنّ الجذع إلى رسول الله (ص) حتّى سمع حنينه أهل المسجد ، حتّى أتاه رسول الله (ص) ، فمسحه بكفه الشريف فسكن ، فقال بعضهم : لو لم يأته لحنّ إلى يوم القيامة . .

ولقد أخذ رسول الله (ص) كفّاً من حصى المسجد ، فسبّحت في كفّه (٢) .

___________________

(١) مسند أحمد بن حنبل ٢ : ٣٠١ ، ٣٠٥ ، ٣٥٦ ، ٣٥٧ ، ٤٢١ ، ٤٩٠ ، ٥١١ ، الترمذي في الجامع الصحيح ٤ : ٤٠٠ ـ باب ٢٢ .

٨ ـ مناقب ابن شهراشوب ١ : ٩٠ ، الخرائج والجرائح ١ : ٢٦ ، أسد الغابة ١ : ٤٣ .

(٢) الخرائج والجرائح ١ : ١٥٩ / ٢٤٨ .

٧٠

٧ ـ فصل :

في بيان آياته (*) من كلام البهائم ، وفي كلام الطفل الذي لم يبلغ حين الكلام

وفيه : تسعة أحاديث

٥٤ / ١ ـ أخبرنا أبو سعيد الخدري رضي الله عنه ، قال : عدا ذئب على شاةٍ فأخذها ، فطلبه الراعي ، فانتزعها منه ، فأقعى الذئب على ذنبه ، قال : ألا تتّقي الله ، تنزع منّي رزقاً ساقه الله تعالى إليّ .

فقال الراعي له : إنّ هذا لعجب ! ذئب مقع على ذنبه ، يتكلّم بكلام الإِنس .

فقال له الذئب : ألّا أنبئك بما هو أعجب من هذا ؟! محمّد (ص يحدّث الناس بأنباء ما قد سبق .

قال : فأقبل الراعي بغنمه حتّى حصل بالمدينة ، فزواها إلى زاوية من زواياها ، ثمّ أتى النبيّ (ص) فأخبره ، فخرج إلى المسجد ، وأمر فنودي بالصلاة جامعة ، فلمّا اجتمع الناس قال للراعي : «أخبر بما

___________________

(*) في ع : ظهور معجزاته .

١ ـ تاريخ الإِسلام للذهبي : ٣٥١ ، ووردت قطعة منه في الجامع الصحيح ٤ : ٤٧٦ / ٢١٨١ ، أمالي الطوسي ١ : ١٢ الخرائج والجرائح ١ : ٣٦ / ٣٨ ، دلائل النبوة ، ٦ : ٤١ ، مسند أحمد بن حنبل ٣ : ٨٣ .

وروى الترمذي ذيله في الجامع الصحيح ٤ : ٤٧٦ ، والسيوطي في الخصائص الكبرىٰ ٢ : ٦١ مثله .

٧١

رأيت» ، فأخبرهم ، فقال رسول الله (ص) : «والذي نفسي بيده ، لا تقوم الساعة حتّى تكلّم السباع الناس ، ويكلّم الرجل عذبة سوطه ، وشراك نعاله فتخبره فخذه (١) بما يحدث على أهله بعده» .

٥٥ / ٢ ـ عن عليّ عليه السلام ، قال : «كلّم الذئب أبا الأشعث ابن قيس الخزاعي ، فأتاه فطرده مرّة بعد أخرى ، ثمّ قال له في المرّة الرابعة : ما رأيت ذئباً أصفق وجهاً منك .

فقال له الذئب : بل أصفق وجهاً منّي مَن تولّى عن رجل ليس على وجه الأرض أفضل منه ، ولا أنور نوراً ، ولا أتم بصيرة ولا أتم أمراً ، يملك شرقها وغربها ، يقول : لا إله إلّا الله ، فيتركونه ، من أصفق وجهاً : أنا أم أنت الذي تتولى عن هذا الرجل الكريم ، رسول ربّ العالمين ؟!

قال الخزاعي : ويلك ما تقول ؟! قال الذئب : بل (٢) الويل لمن يصلى جهنّم غداً ، ويشقى في النشور أبداً ، ولا يدخل في حزب محمّد .

ثمّ قال الخزاعي : حسبي حسبي ، فمن الذي يحفظ عليّ غنمي لأنطلق إليه ، وأؤمن به ، وأقول الكلمة ؟ قال له الذئب : أنا أحفظها عليك حتّى تذهب إليه وترجع .

قال الخزاعي : فمن لي بذلك ؟ قال الذئب : الله تعالى لك .

فلم يزل الذئب في غنمه يحفظها ، حتّى جاء الخزاعي إلى رسول الله (ص) ، فقال : السلام عليك يا رسول الله ، أشهد أن لا إله إلا الله ، وأنّ محمداً رسول الله ، آمنت وصدّقت .

___________________

(١) في ع : وتحدّثه .

٢ ـ تفسير الإِمام العسكري عليه السلام : ١٨١ / ٨٧ ، نور الابصار : ٣٣ .

(٢) «الذئب بل» سقط من ر .

٧٢

ثمّ أخبره بكلام الذئب ، وأنا معه أسمع منه ذلك ، فلم أستقر بعد ذلك بأيّام ، إلّا وذلك الذئب بين يديّ يقول : يا أبا الحسن ، قلت للخزاعي كذا وكذا» .

قال : «وأخذ أبو الأشعث سخلة من غنمه فذبحها للذئب ، وقال : أنت الذي أعتقتني من النار» .

٥٦ / ٣ ـ عن الكلبي ، عن أبي صالح ، عن ابن عباس ، قال : خرج أعرابي من بني سليم يدور في البرية ، فصاد ضبّاً فصيّره في كمّه ، وجاء إلى النبيّ (ص) ، وقال : يا محمد ، أنت الساحر الكذّاب الذي تزعم أنّ في السماء إلهاً بعثك إلى الأسود والأبيض ؟ فواللات والعزّى لولا أن يسمّيني قومي بالعجول لضربتك بسيفي حتّى أقتلك .

فقام عمر بن الخطَّاب ليبطش به ، فقال النبيّ (ص) : «مهلاً يا أبا حفص ، فإنّ الحليم كاد أن يكون نبيَّاً» .

ثمّ قال النبيّ (ص) : «يا أخا بني سليم ، هكذا تفعل العرب ؟ تأتينا في مجالسنا وتهجونا بالكلام ! أسلم يا أعرابي فيكون لك ما لنا ، وعليك ما علينا ، وتكون في الإِسلام أخانا» .

فقال : فواللات والعزّى ، لا أؤمن بك حتّى يؤمن بك هذا الضبّ . وألقى الضبّ من كمّه .

قال : فعدا الضب ليخرج من المسجد ، فقال النبيّ (ص) : «يا ضبّ» فالتفت إليه ، فقال (ص) له : «من أنا ؟» فقال : أنت محمد رسول الله .

فقال : النبي (ص) : من تعبد . فقال : أعبد من اتّخذ إبراهيم

___________________

٣ ـ دلائل النبوة ٦ : ٣٦ ، الوفا في أحوال المصطفى ١ : ٣٣٧ ، ٣٣٨ ، الخرائج والجرائح ١ : ٣٨ / ٤٣ .

٧٣

خليلاً ، وناجى موسى كليماً ، واصطفاك حبيباً .

فقال الأعرابي : سبحان الله ضبٌ اصطدته بيدي ، لا يفقه ولا يعقل ، كلّم محمّداً وشهد له بالنبوَّة ، لا أطلب أثراً بعد عين ، أشهد أن لا إله إلا الله ، وحده لا شريك له ، وأشهد أنّ محمّداً عبده ورسوله .

وأنشأ يقول :

ألا يا رسول الله إنّك صادق

فبوركت مهديّاً وبوركت هاديا

شرعت لنا دين الحنيفة بعدما

غدونا كأمثال الحمير الطواغيا

فيا خير مدعوٍّ ويا خير مرسلٍ

إلى الإِنس ثمّ الجنّ لبيك داعيا

فنحن أناس من سليم عديدناً

أتيناك نرجو أن ننال العواليا

فبوركت في الأقوام حيّاً وميّتاً

وبوركت طفلاً ثمّ بوركت ناشيا

فقال النبيّ (ص) : «علّموا الأعرابي» فعُلّم سوراً من القرآن .

وفي الحديث طول .

٥٧ / ٤ ـ ورواية أخرى عن معرض بن معقب ، قال : حججت حجّة الوداع ، فنزلت داراً في مكّة ، فرأيت النبيّ (ص) ، ووجهه يتهلّل مثل دارة القمر ، ورأيت منه عجباً ! أتاه رجل من أهل اليمامة بابن له يوم ولد ، فرأيته في خرقة ، فقال النبيّ (ص) : «من أنا» فقال الطفل : أنت رسول الله . قال : «صدقت ، بارك الله فيك» .

قال : «ولم يتكلّم بعدها حتّى شبّ» .

قال أبي : وكنّا نسمّيه باليمامة : مبارك اليمامة .

٥٨ / ٥ ـ عن نافع ، عن ابن عمر ، قال : جاء إلى رسول

___________________

٤ ـ أسد الغابة ٤ : ٣٩٧ .

٥ ـ مستدرك الحاكم ٢ : ٦١٩ باسناده إلى ابن عمر ، الخصائص الكبرى ٢ : ٩٧ ، قصص الأنبياء للراوندي : ٣١١ / ٣٨٦ .

٧٤

الله (ص) قوم فشهدوا على رجل بالزور : أنه سرق جملاً ، فأمر النبيّ (ص) بقطعه .

فولّى الرجل وهو يقول اللّهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد ، حتّى لا يبقى من الصلاة شيء ، وبارك على محمّد وآل محمّد ، حتّى لا يبقى من البركات شيء ، وارحم محمّداً وآل محمّد ، حتّى لا يبقى من الرحمة شيء ، وسلّم على محمّد وآل محمّد ، حتّى لا يبقى من التسليم شيء .

قال : فتكلّم الجمل ، وقال : يا رسول الله إنّه بريء من سرقتي ، فأمر النبيّ (ص) بردّه ، وقال : «يا هذا ما قلت آنفاً ؟» قال : قلت : اللّهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد . . . وذكر كلامه من الدعاء .

قال : «كذلك نظرت إلى ملائكة الله يخوضون سبل المدينة ، حتّى كادت تحول بيني وبينك ، لتردنّ عليَّ الحوض يوم القيامة ووجهك أشدّ بياضاً من الثلج» .

٥٩ / ٦ ـ عن عليّ عليه السلام ، قال : «اجتمع آل ذُريح في عيد لهم ، فجاءتهم بقرة لهم فصاحت : يا آل ذُريح ، أمر نجيح ، مع رجل يصيح ، بصوت فصيح ، فجاء بلا إله إلّا الله ، محمّدٌ رسول الله ، عجّلوا بلا إله إلّا الله تدخلوا الجنّة .

قال : فوالله ما شعرنا إلّا بآل ذريح قد أقبلوا إلى النبيّ (ص) ، يطلبونه حتّى أسلموا» .

وروي هذا الخبر أطول من ذلك .

وروي أنّ القوم أحضروا ثوراً ليذبحوه ، فقال ذلك .

___________________

٦ ـ الاختصاص : ٢٩٦ ، الخرائج والجرائح ٢ : ٥٢٢ ، عن جابر باختلاف يسير ، ونحوه في ص ٤٩٦ .

٧٥

٦٠ / ٧ ـ وعنه عليه السلام ، قال : «كانت بقرة في بني سالم ، فلمّا بصرت بالنبيّ (ص) وكنا معه ، فأقبلت تلوذ وتعدو ، وقالت : يا بني سالم ، جاءكم الرجل الصالح ، مع الوزير الصادق ، أحاكمكم إليه فإنّه قاضي الله في الأرض ورسوله ، يا رسول الله إنّي وضعت لهم اثني عشر بطناً ، واستمتعوا بي ، وأكلوا من زبدي ، وشربوا من لبني ، ولم يتركوا لي نسلاً ، وهم الآن يريدون ذبحي ، وأنت الأمين على وحيه (١) ، الصادق بقول : لا إله إلّا الله .

فآمن به بنو سالم ، وقالوا : ألا والذي بعثك بالحقّ نبياً ، ما نريد معها بعد يومنا هذا من شاهد ، ولا بيّنة ، ولا نشكّ أنّك نبيّه ورسوله ، وهذا وزيرك» .

٦١ / ٨ ـ وعنه عليه السلام ، قال : «أقبل جمل إلى رسول الله (ص) ، فضرب بجرانه (٢) الأرض ، ورغا وبكى كالساجد المتذلّل ، الطالب الراغب السائل ، فقال القوم : سجد (٣) لك هذا الجمل ، فنحن أحقّ بالسجود منه ، فقال (ص) لهم : بل اسجدوا لله تعالى ، إنّ هذا الجمل يشكو أربابه ، ولو أمرت شيئاً يسجد لشيء لأمرت المرأة تسجد لزوجها .

فهمّ أن ينهض (٤) مع الجمل لينصفه من أربابه ، فإذا قد أقبل

___________________

٧ ـ الاختصاص : ٢٩٦ ، قصص الراوندي : ٢٨٧ ، مثله

(١) في ص ، ع : علىٰ وجه الأرض .

٨ ـ الاختصاص : ٢٩٦ ، بصائر الدرجات : ٣٧١ / ٣ ، تاريخ الاسلام : ٣٤٦ ، الوفا في أحوال المصطفى لابن الجوزي ١ : ٣٠٢ .

(٢) جران البعير : مقدم عنقه من مذبحه إلى منحره . «مجمع البحرين ـ جرن ـ ٦ : ٢٢٥» .

(٣) في ر ، ك ، ص ، ع : يسجد .

(٤) في ر : يبعث .

٧٦

صاحبه أعرابيّ ، فقال رسول الله (ص) : هلم يا أعرابي . فأقبل إليه ، فقال (ص) : ما بال هذا البعير يشكو أربابه ؟

فقال : يا رسول الله ما يقول ؟

قال (ص) : يقول : «إنّكم انتجعتموه صغيراً (١) وعملتم عليه ، حتّى صار عوداً كبيراً ، ثمّ إنّكم أردتم نحره . فقال الأعرابي : والذي بعثك بالحقّ والنبوة ، واصطفاك بالرسالة ما كذبك ، ولقد قال الحقّ .

فقال (ص) : يا أعرابي اختر مني واحدةً من ثلاث : إما أن تهبه لي ، وإما أن تبيعه . وإمّا أن تجعله سائبة لله عزّ وجل .

فقال : يا رسول الله قد وهبته لك . فقال : وإنّي أشهدكم أنّي جعلته سائبة لله تعالى . وكان ذلك الجمل يأتي أعلاف الناس (٢) فلا يدفعونه» .

٦٢ / ٩ ـ عن حميد الطويل (٣) ، عن أنس ، قال : بينا النبيّ (ص) في فضاء من المدينة ، إذ أقبل جمل يعدو ، ويسيل عرقه على أخفافه ، حتّى برك بين يدي رسول الله (ص) ، وأقبل يبكي في كفي (٤) رسول الله (ص) ، حتّى امتلأنا دموعاً ، فقال النبيّ (ص) : «حسبك قد قطَّعت الأحشاء ، وأنضجت الكلاء ، فإن كنت صادقاً فلك صدقك ، وإن كنت

___________________

(١) الانتجاع : طلب الكلأ «مجمع البحرين ـ نجع ـ ٤ : ٣٩٤» .

(٢) في ص ، ع : القوم .

٩ ـ أخرجه في البداية والنهاية ٦ : ١٤٩ عن دلائل النبوة بإسناده عن غنيم بن أوس .

(٣) في ص ، ع ، وهامش ك : حميد الطوسي ، والظاهر أن الصحيح ما أثبتناه ، راجع «تهذيب التهذيب ٣ : ٣٤ ، تقريب التهذيب ١ : ٢٠٢ / ٥٨٩ ، الضعفاء الكبير ١ : ٢٦٦ / ٣٢٨ ، وقد اختلفوا في اسم ابيه» .

(٤) في ع : كف .

٧٧

كاذباً فعليك كذبك ، مع أنّ الله تعالى قد أمن عائذنا ، وليس بخائب لائذنا» .

ثمّ تأخّر ، فبرك بين يدي رسول الله (ص) ، فقال أصحابه : يا رسول الله ما يقول هذا البعير ؟ قال : «هذا بعير قد همّ أهله (١) بنحره وأكل لحمه ، فهرب واستغاث بنبيّكم ، وبئس جزاء المملوك الصالح من أهله ، حقيق عليه أن يجزع (٢) من الموت» .

وأقبل النبيّ (ص) يحدّث أصحابه ويسألونه ، فبينما هو كذلك ، إذ أقبل أصحابه في طلبه ، فلم يزالوا في أثره حتّى وقفوا على النبيّ (ص) فسلّموا ، فردّ عليهم ، وقال : «ما بليّتكم ؟» فقالوا : يا رسول الله بعيرنا هرب منّا فلم نصبه إلّا بين يديك .

فقال : «إنّه يشكو ، ففيم اشتكاؤه ؟» قالوا : يا رسول الله ، ما يقول ؟

قال : «ذكر أنه كان فيكم خواراً (٣) ، فلم يزل حتّى اتخذتموه في إبلكم فحلاً فأنماها وبارك فيها ، وكان إذا كان الشتاء رحلتم عليه إلى موضع الكن (٤) والدفء ، وإذا كان الصيف رحلتم عليه إلى موضع الكلأ ، فلمّا أدركت هذه السنة المجدبة ، هممتم بنحره ، وأكل لحمه ، فهرب واستجار بنبيكم ، وبئس جزاء المملوك الصالح ، وحقيق عليه أن يجزع من الموت» .

فقالوا : قد كان ذلك يا رسول الله ، والله لا ننحره ، ولا نبيعه ولنتركه .

___________________

(١) في ص ، ع : أصحابه .

(٢) في ص ، ع : يهرب .

(٣) الخوار : سهل المعطف كثير الجري . «القاموس ـ خور ـ ٣ : ٢٩٣» .

(٤) الكن : ما ستر من البرد والحر . «مجمع البحرين ـ كنن ـ ٦ : ٣٠٢» .

٧٨

فقال : «كذبتم ، قد استغاث فلم تغيثوه ، واستعاذ فلم تعيذوه ، وأنا أولى بالرحمة منكم ، إنّ الله تعالى قد نزع الرحمة من قلوب المنافقين ، وأسكنها في قلوب المؤمنين ، فبيعوه (١) بمائة» . فباعوه بمائة ، فاشتراه رسول الله (ص) بمائة درهم . ثمّ قال : «انطلق أيّها البعير ، وأنت حرّ لوجه الله» فقام ورغا بين يدي رسول الله (ص) ، فقال : «آمين» ثمّ رغا الثانية ، فقال : «آمين» ، ثمّ رغا الثالثة فقال : «آمين» ، ثمّ رغا الرابعة فبكى رسول الله (ص) وبكينا من حوله ، فقلنا : ما يقول هذا البعير ، يا رسول الله ؟ فقال : «أما إنّه يقول : جزاك الله خيراً أيّها النبيّ القرشيّ عن الإِسلام والقرآن ؛ قلت : آمين ، فقال : حقن الله دماء أمّتك ـ وروى عذاقها (٢) ـ كما حقنت دمي ؛ فقلت : آمين ؛ فقال : أعطاها الله مناها من الدنيا كما سكنت روعتي ؛ قلت : آمين ، ثمّ قال في الرابعة : لا جعل الله بأسها بينها في دار الدنيا» فبكى رسول الله (ص) وبكينا معه ، فقال النبيّ (ص) : «هذه سألتها ربّي فأعطانيها ، وسألته هذه الخصلة فمنعنيها ، وأخبرني أنّه لا يكون فناء أمّتي إلّا بالسيف» .

___________________

(١) في ر ، ص ، ك ، ع : فبيعوني .

(٢) عذاقها : جمع عَذْق : وهو النخلة أو كلّ غصن له شعب ، والمراد دعاء بكثرة الخير لأمّته . «لسان العرب ـ عذق ـ ١٠ : ٢٣٨» ، وفي ص ، ع : عذابها ، وفي ر : عدامّها .

٧٩

٨ ـ فصل :

في بيان ما يقرب من ذلك ، من كلام الذراع ، والشاة المسمومة

وفيه : أربعة أحاديث

٦٣ / ١ ـ عن المبارك بن فضالة ، عن الحسن ، عن أنس ، قال : شهدت خيبراً وأنا رديف أبي طلحة ، فقال رسول الله (ص) : «الله أكبر ، خربت خيبراً ، إنّا إذا نزلنا بساحة القوم ، فساء صباح المنذرين» . فجاءت امرأة بشاة مسمومة ، فوضعتها بين يدي النبيّ (ص) ، فلمّا ذهب ليأكل منها ، قال لأصحابه : «ارفعوا أيديكم فإنّها مسمومة ، والذي نفسي بيده ، إنّ فخذها ـ أو عضواً منها ، الشكّ من الراوي ـ قد كلّمني» .

فأرسل إلى اليهودية فقال : «ما حملك على أن أفسدتيها بعد أن أصلحتيها ؟» قالت : أو علمت ذلك ؟ قالت : والله لأخبرنّك ما حملني على ذلك ، قلت : إن كنت نبيّاً حقّاً ، فإنّ الله سيعلمك ، وإن لم تكن كذلك أرحت الناس منك .

٦٤ / ٢ ـ عن عليّ عليه السلام ، قال : «إنّ رسول الله (ص) لمّا نزل الطائف ، وحاصر أهلها ، بعثوا إليه شاة مصلية (١) مسمومة ، فنطق

___________________

١ ـ الخرائج والجرائح ١ : ٢٧ ، إعلام الورى : ٣٥ ، المغازي للواقدي ٢ : ٦٤٣ .

٢ ـ الخرائج والجرائح : ٢٧ / ٣ .

(١) مصلية : مشوية . «لسان العرب ـ صلا ـ ١٤ : ٤٦٧» .

٨٠