عماد الدين أبي جعفر محمّد بن علي الطوسي [ ابن حمزة ]
المحقق: الشيخ نبيل رضا علوان
الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة أنصاريان للطباعة والنشر
المطبعة: مطبعة القدس
الطبعة: ٤
ISBN: 978-964-438-681-7
الصفحات: ٧٠١
سلّم أبو محمّد عليه السلام إلى فخر بن أيم (١) فكان يضيق عليه ويؤذيه قال : فقالت له امرأته : ويلك) اتق الله ألا تدري من في منزلك ؟! وعرّفته صلاحه ، وقالت : إنّي أخاف عليك منه . فقال : لأرمينه بين السباع . ثمّ فعل ذلك فرآه قائماً يُصلّي وحوله السباع
٥٣١ / ٤ ـ عن أحمد بن إسحاق ، قال : دخلت على أبي محمّد عليه السلام وقلت : إنّي مغتم بشيء يصيبني في نفسي ، وإنّي أردت أن أسأل أباك فلم يتفق (١) لي . قال : «وما هو يا أحمد ؟» فقلت : يا سيدي ، روي عن آبائك أنّ نوم الأنبياء على أقفيتهم ، ونوم المؤمنين على أيمانهم ، ونوم المنافقين على شمائلهم ، ونوم الشياطين على وجوههم . فقال عليه السلام : «كذلك هو» . فقلت : يا سيدي ، فإنّي أجهد أن أنام على يميني ولا يأخذني النوم عليها . فسكت ساعة ثمّ قال : «ادنُ منّي يا أحمد» فدنوت منه فقال : «ادخل يدك تحت ثيابك» فادخلتها ، فأخرج يده من تحت ثيابه وأدخلها تحت ثيابي ومسح بيده اليمنى على جانبي الأيسر وبيده على جانبي الأيمن ثلاث مرات .
قال أحمد : فما قدرت أن أنام على يساري منذ فعل ذلك بي ، وما أخذني عليها نوم أصلاً .
___________________
(١) في هامش ص : نحرير الخادم ، وفي ش ، ص : يحيىٰ بن أيم .
٤ ـ الكافي ١ : ٤٣٠ / قطعة من حديث ٢٧ .
(١) في ص ، م ، ك : يقض .
الباب الخامس عشر
في ذكر آيات صاحب الزمان الخلف الصالح المنتظر المهدي عجل الله فرجه الشريف
وفيه خمسة فصول
١ ـ فصل :
في بيان ظهور آياته عليه السلام في حال ولادته وبعدها
وفيه : حديثان
٥٣٢ / ١ ـ عن السياري قال : حدّثتني نسيم ومارية ، قالتا : لمّا خرج صاحب الزمان عليه السلام من بطن أمّه سقط جاثياً على ركبتيه ، رافعاً سبابته نحو السماء ، ثمّ عطس فقال : «الحمد لله ربّ العالمين ، وصلّى الله على محمّد وآله ، عبداً ذاكراً لله ، غير مستنكف ولا مستكبر» .
ثمّ قال : «زعمت الظلمة أنّ حجة الله داحضة ، ولو أذن لنا في الكلام لزال الشك» .
٥٣٣ / ٢ ـ عن أبي علي الحسن الآبي قال : حدّثتني الجارية التي أهديتها لأبي محمّد عليه السلام قالت : لمّا ولد السيّد عليه السلام رأيت نوراً ساطعاً قد ظهر منه وبلغ أفق السماء ، ورأيت طيوراً بيضاء تهبط من السماء وتمسح أجنحتها على رأسه ووجهه وسائر جسده ثمّ تطير ، فأخبرنا أبا محمد عليه السلام بذلك فضحك ثمّ قال : «تلك ملائكة السماء نزلت لتتبرك بهذا المولود ، وهي أنصاره إذا خرج بأمر الله عزّ وجل» .
___________________
١ ـ كمال الدين : ٤٣٠ / ٥ ، اثبات الوصية : ٢٢١ ، غيبة الطوسي : ١٤٧ ، الخرائج والجرائح ١ : ٤٥٧ / ٢ ، إعلام الورى : ٣٩٥ ، حلية الأبرار ٢ : ٥٤٤ ، مدينة المعاجز : ٥٨٦ / ٢ .
٢ ـ روضة الواعظين : ٢٦٠ .
٢ ـ فصل :
في بيان ظهور آياته عليه السلام في حال طفولته
وفيه : حديث واحد
٥٣٤ / ١ ـ عن سعد بن عبد الله بن أبي خلف ، قال في حديث طويل أنا أقتصر على الموضع المقصود منه ، قال : مضيت إلى سر من رأى مع أحمد بن إسحاق لأزور أبا محمّد عليه السلام وأسأله عن مسائل أشكلت عليَّ ، فلمّا وصلنا إليها ووردنا باب أبي محمد عليه السلام استأذنا فخرج الإِذن بالدخول ، وكان على عاتق أحمد بن إسحاق جراب غطاه بكساء طبري ، فيه مائة وستون صرّة من الدنانير والدراهم ، على كلّ صرّة منها ختم لصاحبه .
قال سعد : فما شبّهت أبا محمّد حين غشينا نور وجهه إلّا ببدر قد استوت لياليه أربعاً بعد عشرة ، وعلى فخذه الأيمن غلام يناسب المشتري في الخلقة والمنظر ، على رأسه فرق بين وفرة كأنّه ألف بين واوين ، وبين يديه رمّانة ذهبية تلمع ببدائع نقوشها ، ووسطها غرائب الفصوص المركّبة عليها ، قد كان أهداها له بعض رؤساء أهل البصرة ، وبيده قلم إذا أراد أن يسطّر به على البياض قبض الغلام على أصابعه ، فكان مولانا عليه السلام يدحرج الرمّانة بين يديه ويشغله بردّها كي لا
___________________
١ ـ كمال الدين : ٤٥٤ / ٢١ ، الخرائج والجرائح ١ : ٤٨١ / ٢٢ ، وفيه مثله ، الاحتجاج : ٢٦٨ ، ينابيع المودة : ٤٥٩ ، حلية الأبرار ٢ : ٥٥٧ .
يصدّه عن كتبه ما أراده ، فسلّمنا عليه فألطف بالجواب وأومأ إلينا بالجلوس .
فلمّا فرغ من كتبه البياض الذي كان بيده أخرج أحمد بن إسحاق جرابه من طي كسائه ، فوضعه بين يديه ، فنظر المولى أبو محمّد عليه السلام إلى الغلام ، وقال : «يا بني ، فضّ الختم عن هدايا شيعتك التي بعثوها إليك» .
فقال : «يا مولاي ، يجوز لي أن أمدَّ يدي الطاهرة إلى هدايا نجسة وأموال وحشة قد خلط حلّها بحرامها ؟» .
فقال عليه السلام : «يا ابن إسحاق ، استخرج ما في الجراب ، ليميّز بين الحلال والحرام منها» .
فأول صرة بدأ أحمد بإخراجها قال الغلام : هذا لفلان بن فلان من غلّة كذا ، تشتمل على اثنين وستين ديناراً ، منها من ثمن حجرة باعها ، وكانت إرثاً له من أبيه ، خمسة وأربعين ديناراً ، ومن أثمان تسعة أثواب (١) أربعة عشر ديناراً ، وفيها من أجرة الحوانيت ثلاثة دنانير» .
فقال مولانا عليه السلام : «يا بني ، دل الرجل على الحرام منها» .
فقال : «فتّش عن دينار منها رازي السكة ، تاريخه سنة كذا ، قد انطمس من نصف إحدى صفحتيه نقشه وقراضته (٢) أصلية وزنها ربع دينار .
والعلّة في تحريمها أنّ صاحب هذه الحلّة وزن في شهر كذا من
___________________
(١) في م : أبواب .
(٢) القراضة : ما سقط بالقرض ، ومنه قراضة الذهب ، لسان العرب ـ قرض ٧ : ٢١٦ .
سنة كذا على حائك من جيرانه من الغزل منّاً وربع ، فأتت على ذلك مدة قبض انتهاها لذلك الغزل سارقاً ، فأخبر به الحائك صاحبه فكذّبه واستردّ منه بدل ذلك منّاً ونصفاً من غزل أول ممّا كان دفعه إليه ، فاتخذ من ذلك ثوباً كان هذا الدينار مع القراضة ثمنه» .
فلمّا فتح رأس الصرّة صادف رقعة في وسط الدنانير باسم من أخبر عنه وبمقدارها على حسب ما قال ، واستخرج الدينار والقراضة بتلك العلامة .
ثمّ أخرج صرّة أخرى فقال الغلام عليه السلام : «هذا لفلان بن فلان ، من محلّة كذا ، وهو يشتمل على خمسين ديناراً ، لا يحلّ لنا شيء منها» .
قال : «وكيف ذلك ؟» قال : «لأنّها من ثمن حنطة قد حاف صاحبها على أكاريه في المقاسمة ، وذلك أنّه قبض حصته منها بكيل واف ، وكان ما خصّ الأكارين منها بكيل بخس» .
فقال عليه السلام : «صدقت يا بني» .
ثمّ قال : «يا ابن إسحاق ، احملها جميعاً لتردَّها ، أو توصي بردِّها على أربابها ، ولا حاجة لنا في شيء منها ، وأتنا بثوب العجوز» .
قال أحمد : وكان ذلك الثوب في حق لي فنسيته ، فلمّا انصرف أحمد بن اسحاق ليأتيه بالثوب نظر إليَّ مولانا عليه السلام فقال : «ما جاء بك يا سعد ؟» فقلت : شوّقني أحمد بن إسحاق الخصيب إلى لقاء مولانا .
قال : «فالمسائل التي أردت أن تسأل عنها ؟» قلت : على حالها .
قال : «اسأل قرّة عيني عنها ـ وأومأ إلى الغلام ـ فاسأله عمّا بدا لك» . فسألته عنها ، فأجاب ، وإنّي تركت ذكرها كراهية التطويل .
فلمّا أجاب قام أبو محمّد عليه السلام مع الغلام وانصرفت عنهما ، وطلبت أثر أحمد بن اسحاق فاستقبلني باكياً ، فقلت : ما أبكاك وأبطأك ؟ فقال : قد فقدت الثوب الذي سألني مولاي إحضاره . فقلت : لا عليك ، فأخبره ، وانصرف من عنده متبسماً ، وهو يصلّي على محمّد وآل محمّد ، فقلت : ما الخبر ؟ قال : وجدت الثوب مبسوطاً تحت قدمي مولاي يصلّي عليه .
قال سعد : فحمد الله تعالى وأثنىٰ عليه على ذلك ، وجعلنا نختلف بعد ذلك إلى منزله عليه السلام أيّاماً ، ولا نرى الغلام بين يديه .
فلمّا كان يوم الوداع دخلت أنا وأحمد بن إسحاق وكهلان من أهل بلدنا ، فانتصب أحمد بن إسحاق قائماً بين يديه ، وقال : يا ابن رسول الله ، قد دنت الرحلة واشتدَّت المحنة ، ونحن نسأل الله تعالى أن يصلّي على جدّك المصطفى ، وعلىٰ المرتضى أبيك ، وعلى سيدة النساء أمِّك ، وعلى سيدي شباب أهل الجنّة عمك وأبيك ، وعلى الأئمة الطاهرين من بعدهما آبائك ، وأن يصلّي عليك وعلى ولدك ، ونرغب إليه أن يعلي كعبك ، ويكبت عدوك ، ولا جعله الله هذا آخر عهدنا من لقائك .
فلمّا قال هذه الكلمة استعبر عليه السلام حتّى انهملت دموعه وتقاطرت عبراته ، ثمّ قال : «يا ابن إسحاق ، لا تكلف في دعائك شططاً ، فإنّك ملاقٍ الله تعالى ، في صدرك هذا» .
فخرّ أحمد مغشياً عليه ، فلمّا أفاق قال : سألتك بالله ، وبحرمة جدّك رسول الله (ص) ، إلّا ما شرّفتني بخرقة أجعلها كفناً . فأدخل عليه السلام يده تحت البساط فأخرج ثلاثة عشر درهماً وقال : «خذها ، ولا تنفق على نفسك غيرها ، فإنّك لا تعدم ما سألت ، وإنّ الله تعالى لا يضيّع أجر من أحسن عملًا» .
قال سعد : فلمّا صرنا بعد منصرفنا من حلوان على ثلاثة فراسخ حمّ أحمد بن إسحاق وصارت به علة صعبة أتى بلدة كان قاطناً بها ، ثمّ قال : تفرقوا عنّي هذه الليلة واتركوني وحدي ، فانصرفنا عنه ورجع كلّ واحد منّا إلى مرقده .
قال سعد : فلمّا حان أن ينكشف الليل عن الصبح أصابتني فكرة (١) ، ففتحت عيني ، فإذا أنا بكافور الخادم ـ خادم مولانا أبي محمد عليه السلام ـ وهو يقول : أحسن الله بالخير عزاءكم ، وجبر بالمحبوب رزيتكم ، قد فرغنا من غسل صاحبكم ومن تكفينه ، فقوموا لدفنه ، فإنّه من أكرمكم محلاً عند سيدكم ، ثمّ غاب عن أعيننا .
___________________
(١) في ص ، ك : وكزة .
٣ ـ فصل :
في بيان ظهور آياته عليه السلام من الاخبار بآجال الناس
وفيه : حديثان
٥٣٥ / ١ ـ عن أبي عقيل عيسى بن نصر ، قال : إنّ علي بن زياد الصيمري كتب إليه يلتمس كفناً ، فكتب إليه : «إنّك تحتاج إليه في سنة ثمانين» فمات في سنة ثمانين ، وبعث إليه بالكفن قبل موته .
٥٣٦ / ٢ ـ عن أبي عبد الله الصفواني ، قال : رأيت القاسم بن العلاء وقد بلغ عمره مائة وست عشرة سنة ، منها ثمانون سنة صحيح العينين ، ثمّ لقي العسكريين وحجب بعد الثمانين ، وردَّت عليه عينه قبل وفاته بتسعة أيّام ، وذلك أنّي كنت بمدينة كذا من أرض أذربايجان ، وكان لا تنقطع توقيعات صاحب الزمان عليه السلام على يد أبي جعفر العمري ، وبعده على يد أبي القاسم بن روح ، فانقطعت عنه المكاتبة نحواً من شهرين فقلق من ذلك .
فبينما نحن عنده نأكل إذ دخل البواب مستبشراً ، فقال : فيج (١)
___________________
١ ـ الخرائج والجرائح ١ : ٤٦٣ / ٨ ، إعلام الورىٰ : ٤٢١ .
٢ ـ غيبة الطوسي : ١٨٨ ، الخرائج والجرائح ١ : ٤٦٧ / ١٤ ، فرج المهموم : ٢٤٩ ، مدينة المعاجز : ٦١٢ / ٨٩ .
(١) الفيج هو المسرع في مشيه ، الذي يحمل الأخبار من بلد إلى بلد ، وقيل : هو الذي يسعىٰ بالكتب «لسان العرب ـ فيج ـ ٢ : ٣٥٠» .
العراق ورد ، ولا يسمّي بغيره ، فسجد القاسم ، ودخل كهل قصير يُرى أثر الفيوج عليه ، وعليه جبّة مصرية ، وفي رجله نعل محاملي ، وعلى كتفيه مخلاة ، فقام إليه القاسم فعانقه ، ووضع المخلاة ، ودعا بطشت وماء ، وغسل يديه وأجلسه إلى جانبه ، فأكلنا وغسلنا أيدينا ، فقام الرجل وأخرج كتاباً أفضل من نصف الدرج ، فناوله القاسم ، فقبّله ودفعه إلى كاتب له يقال له : ابن أبي سلمة أبو عبد الله ، فأخذه وقرأه [ وبكى ] حتّى أحسَّ القاسم ببكائه ، فقال : يا أبا عبد الله ، خبر ، خرج فيَّ فيما تركته ؟ قال : لا ، قال : فما هو ؟
قال : نعى الشيخ إلى نفسه بعد ورود هذا الكتاب إليَّ بأربعين يوماً ، وأنّه يمرض يوم السابع بعد وصول هذا الكتاب ، وأنّ الله يردّ عليه عينيه بعد ذلك ، وقد حمل إليه بسبعة أثواب .
فقال القاسم : على سلامة من ديني ؟ قال : في سلامة من دينك . فضحك وقال : ما أؤمل من بعد هذا العمر ؟
فقام الرجل الوارد فأخرج من مخلاته ثلاثة أزر ، وحبرة يمانية حمراء ، وعمامة ، وثوبين ، ومنديلاً ، فأخذه القاسم ، وعنده قميص خلعة خلعها عليه علي النقي عليه السلام .
وكان للقاسم صديق في مهم الدنيا ، شديد النصب يقال له : عبد الرحمن بن محمد السري فوافى (١) في قوم إلى الدار ، فقال القاسم : إقرؤوا الكتاب عليه فإنّي أحبّ هدايته . قالوا هذا لا يحتمله خلق من الشيعة ، فكيف عبد الرحمن ؟!
فأخرج القاسم إليه الكتاب ، وقال : إقرأه ، فقرأوه إلى موضع النعي ، فقال عبد الرحمن : يا أبا محمّد اتق الله فإنّك رجل واصل في دينك ، والله تعالى يقول : ( وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا
___________________
(١) في ش ، ص ، م : فورد .
تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ ) (١) وقال جلّ ذكره : ( عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَىٰ غَيْبِهِ أَحَدًا ) (٢) .
قال القاسم فأتم الآية : ( إِلَّا مَنِ ارْتَضَىٰ مِن رَّسُولٍ ) (٣) فمولاي هو المرتضى من الرسول .
ثمّ قال : اعلم أنّك تقول هذا ، ولكن أرّخ اليوم فإن أنا عشت بعد هذا اليوم أو مت قبله فاعلم أنّي لست على شيء ، وإن أنا مت في ذلك اليوم فانظر لنفسك .
فأرّخ عبد الرحمن اليوم وافترقوا ، وحمّ القاسم يوم السابع واشتدَّت العلّة إلى مدّة ، ونحن مجتمعون عنده يوماً إذ مسح بكمّه عينيه فخرج من عينيه شبه ماء اللحم ، ثمّ مدّ يده إلى ابنه فقال : يا حسن ، إلي ، ويا فلان إليّ ، فنظرنا إلى الحدقتين صحيحتين .
وشاع الخبر في الناس ، وأتته العامة من الناس ينظرون إليه ، وركب القاضي إليه ، وهو أبو السائب عتبة بن عبيد الله المسعودي (٤) وهو قاضي القضاة ببغداد فدخل عليه ، وقال : يا أبا محمّد ، ما هذا الذي ترى وأراه ؟ فقال : خاتماً فصّه فيروزج ، فقرّبه منه فقال : ثلاثة أسطر لا يمكنني قراءتها .
وقد قال لمّا رأى الحسن ابنه في وسط الدار : اللهمّ ألهم الحسن
___________________
(١) سورة لقمان الآية : ٣٤ .
(٢) سورة الجن الآية : ٢٦ .
(٣) سورة الجن الآية : ٢٧ .
(٤) أبو السائب هو عتبة بن عبيد الله بن موسىٰ الهمذاني الشافعي ، تولى القضاء في مراغة وأذربيجان وهمذان ، ثم قدم بغداد فكان أول شافعي ولي قضاء بغداد ، عاش ستاً وثمانين سنة ، وتوفي في ربيع الآخر سنة إحدىٰ وخمسين وثلاثمائة ، راجع «سير أعلام النبلاء ١٦ : ٤٧ ، تاريخ بغداد ١٢ : ٣٢٠ ، البداية والنهاية ١١ : ٢٣٩» .
طاعتك ، وجنّبه معصيتك . ثلاثاً .
ثم كتب وصيته بيده ، وكانت الضياع التي في يده لصاحب الأمر ، كان أبوه وقفها عليه .
وكان فيما وصّى ابنه : إن أهلت للوكالة فيكون قوتك من نصف ضيعتي المعروفة بفرخندة وسائرها ملك لمولانا .
فلمّا كان يوم الأربعين وقد طلع الفجر مات القاسم رحمه الله فوافاه عبد الرحمن يعدو في الأسواق حافياً حاسراً وهو يصيح : يا سيداه . فاستعظم الناس ذلك منه فقال لهم : اسكتوا ، فقد رأيت ما لم تروا . وتشيّع ورجع عمّا كان .
فلمّا كان بعد مدّة يسيرة ورد الكتاب على الحسن ولده من صاحب الزمان عليه السلام : «ألهمك الله طاعته وجنّبك معصيته» . وهو الدعاء الذي دعا به أبوه .
وفي ذلك عدَّة آيات .
٤ ـ فصل :
في بيان ظهور آياته عليه السلام من الاخبار بالغائبات
وفيه : ستة عشر حديثاً
٥٣٧ / ١ ـ عن أحمد بن أبي روح ، قال : وجَّهت إليَّ امرأة (١) من أهل دينور فأتيتها فقالت : يا ابن أبي روح ، أنت أوثق من في ناحيتنا ، ورعاً ، وإنّي أريد أن أودعك أمانة وأجعلها في رقبتك تؤدِّيها وتقوم بها ، فقلت : أفعل إن شاء الله . فقالت : هذه دراهم في هذا الكيس المختوم ، لا تحلّه ولا تنظر ما فيه حتّى تؤديه إلى من يخبرك بما فيه . وهذا قرطي يساوي عشرة دنانير ، وفيه ثلاث لؤلؤات تساوي عشرة دنانير ، ولي إلى صاحب الزمان عليه السلام حاجة أريد أن يخبرني بها قبل أن أسأله عنها .
فقلت : وما الحاجة ؟ قالت : عشرة دنانير استقرضتها أمّي في عرسي ، ولا أدري ممّن استقرضتها ، ولا أدري إلى من أدفعها ، فإن أخبرك بها فادفعها إلى من يأمرك به .
قال : وكنت أقول بجعفر بن علي فقلت : هذه المحنة بيني وبين جعفر .
فحملت المال وخرجت حتّى دخلت بغداد ، فأتيت حاجز بن يزيد
___________________
١ ـ الخرائج والجرائح ٢ : ٦٩٩ / ١٧ ، مدينة المعاجز : ٦١٦ / ١٠٥ .
(١) في ش ، ص ، وهامش ر : فاطمية .
الوشّاء ، فسلّمت عليه وجلست فقال : ألك حاجة ؟ فقلت : هذا مال دفع إليَّ لأدفعه إليك ، أخبرني كم هو ؟ ومن دفعه إلي ؟ فإن أخبرتني دفعته إليك .
قال : لم أؤمر بأخذه ، وهذه رقعة جاءتني بأمرك . فإذا فيها : «لا تقبل من أحمد بن أبي روح ، وتوجّه به إلينا إلى سر من رأى» فقلت : لا إله إلّا الله ، هذا أجل شيء أردته .
فخرجت به ووافيت سر من رأى ، فقلت : أبدأ بجعفر ، ثمّ تفكّرت وقلت : أبدأ بهم ، فإن كانت المحنة من عندهم وإلَّا مضيت إلى جعفر .
فدنوت من باب دار أبي محمّد عليه السلام ، فخرج إليَّ خادم فقال : أنت أحمد بن أبي روح ؟ قلت : نعم ، قال : هذه الرقعة اقرأها فقرأتها ، فإذا فيها : «بسم الله الرحمن الرحيم ، يا ابن أبي روح أودعتك حايل بنت الديراني كيساً فيه ألف درهم بزعمك ، وهو خلاف ما تظن ، وقد أدّيت فيه الأمانة ، ولم تفتح الكيس ولم تدر ما فيه ، وإنّما فيه ألف درهم ، وخمسون ديناراً صحاحاً ، ومعك قرطان زعمت المرأة أنّها تساوي عشرة دنانير صدقت مع الفصين اللذين فيهما ، وفيهما ثلاث حبّات لؤلؤ شراؤهما بعشرة دنانير ، وهي تساوي أكثر ، فادفعهما إلى جاريتنا فلانة ، فإنّا قد وهبناهما لها ، وصر إلى بغداد وادفع المال إلى حاجز وخذ منه ما يعطيك لنفقتك إلى منزلك .
فأمّا العشرة دنانير التي زعمت أنّ أمّها استقرضتها في عرسها ، وهي لا تدري من صاحبها ولا تعلم لمن هي ، هي لكلثوم بنت أحمد ، وهي ناصبية ، فتحرّجت أن تعطيها فإن أحبّت أن تقسمها في أخواتها فاستأذنتنا في ذلك ، فلتفرقها على ضعفاء أخواتها . ولا تعودن يا ابن أبي روح إلى القول بجعفر والمحنة له ، وارجع إلى منزلك فإنّ عدوك قد مات ، وقد أورثك الله أهله وماله» .
فرجعت إلى بغداد ، وناولت الكيس حاجزاً ، فوزنه فإذا فيه ألف درهم صحاح وخمسون ديناراً ، فناولني ثلاثين ديناراً وقال : أمرنا بدفعها إليك لتنفقها .
فأخذتها ، وانصرفت إلى الموضع الذي نزلت فيه ، فإذا أنا بفيج قد جاءني من المنزل يخبرني بأنّ حموي قد مات ، وأنّ أهلي أمروني بالانصراف إليهم ، فرجعت فإذا هو قد مات ، وورثت منه ثلاثة آلاف دينار ومائة ألف درهم .
وفي ذلك أيضاً عدَّة آيات .
٥٣٨ / ٢ ـ عن ابن أبي سورة ، عن أبيه ، وأبوه من مشايخ الزيدية بالكوفة قال : كنت خرجت إلى قبر الحسين عليه السلام اعرّف عنده ، فلمّا كان وقت العشاء الآخرة صلّيت وقمت ، فابتدأت أقرأ ( الْحَمْدُ ) فإذا شاب حسن الوجه ، عليه جبّة سنية ابتدأ أيضاً قبلي ، وختم قبلي ، فلمّا كان الغداة خرجنا جميعاً إلى شاطئ الفرات ، قال لي الشاب : أنت تريد الكوفة فامض ، فمضيت في طريق الفرات ، وأخذ الشاب طريق البر ، قال أبو سورة : ثمّ أسفت على فراقه ، فاتّبعته ، فقال لي : «تعال» فجئنا جميعاً إلى حصن المسناة فنمنا جميعاً ، وانتهينا فإذا نحن على الغري على جبل الخندق ، فقال لي : «أنت مضيق ولك عيال ، فامض إلى أبي طاهر الرازي فسيخرج إليك من داره ، وعلى يده دم الأضحية فقل له : شاب من صفته كذا وكذا ، يقول لك : اعط هذا الرجل صرّة الدنانير التي عند رجل السرير مدفونة» .
قال : فلمّا دخلت الكوفة خرجت إليه وقلت له ما ذكر لي الشاب ، فقال : بالسمع والطاعة . وعلى يده دم الأضحية .
___________________
٢ ـ غيبة الطوسي : ١٨١ ، الخرائج والجرائح ١ : ٤٧٠ / ١٥ ، مدينة المعاجز : ٦١٣ / ٩٠ ، ٩١ .
(١) في جميع النسخ : الشاه ، وما أثبتناه من المصدر
٥٣٩ / ٣ ـ وعن أبي أحمد بن أبي سورة ، وهو محمّد بن الحسين بن عبد الله التميمي ، عن الرازي [ قال ] مشينا ليلتنا فإذا نحن على مقابر السهلة ، فقال : هوذا منزلي قال لي : أين الرازي علي بن يحيى فقل له يعطيك المال بعلامة أنه كذا وفي موضع كذا ومغطى بكذا ، فقلت : من أنت ؟ قال : أنا محمد بن الحسن . ثم مشينا حتى انتهينا إلى البوابين في السحر فجلس فحفر بيده فإذا الماء قد خرج وتوضأ وصلى عشر ركعات .
فمضيت إلى الرازي فدفعت الباب فقال : من أنت ؟ فقلت : أبو سورة ، فسمعته يقول : مالي ولأبي سورة . فلما خرج وقصصت عليه صافحني وقبّل وجهي وأخذ بيدي ومسح بها على وجهه ثم أدخلني الدار وأخرج الصرة من عند رجل السرير ودفعها إليَّ ، فاستبصر أبو سورة وكان زيدياً ، وفي ذلك عدة آيات .
٥٤٠ / ٤ ـ عن إسحاق بن يعقوب ، قال : سمعت الشيخ العمري يقول : صحبت رجلاً من أهل السواد ومعه مال للغريم عليه السلام ، فأنفذه فردَّ عليه وقيل له : «أخرج حق ولد عمّك منه ، وهو أربعمائة درهم» فبقي باهتاً متعجباً ، فنظر في حساب المال وكانت [ في يده ] ضيعة لابن عمه قد كان ردّ عليهم بعضها وزوى عنهم بعضها ، فإذا الذي بقي لهم من ذلك المال أربعمائة درهم كما قال عليه السلام ، فأخرجها منه وأنفذ الباقي .
فقيل لجماعة من أصحابنا قالوا : إنّه بعث إلى أبي عبد الله بن الجنيد وهو بواسط غلاماً وأمر ببيعه فباعه ، وقبض ثمنه ، فلمّا عير الدنانير نقصت في التعيير ثمانية عشر قيراطاً وحبّة .
___________________
٣ ـ . . .
٤ ـ كمال الدين : ٤٨٦ / ٦ ، الإِمامة والتبصرة : ١٤ / ١٦٢ ، دلائل الإِمامة : ٢٨٦ .
٥٤١ / ٥ ـ عن محمّد بن هارون ، قال : كانت للغريم عليَّ خمسمائة دينار ، وأنا ليلة ببغداد ، وبها ريح وظلمة ، وقد فزعت فزعاً شديداً ، وفكرت فيما عليَّ ، وقلت في نفسي : لي حوانيت أشتريتها بخمسمائة دينار .
قال : فجاءني من يتسلّم منّي الحوانيت ، وقد كتب لي في ذلك من قبل أن ينطق به لساني وما أخبرت به أحداً .
٥٤٢ / ٦ ـ عن جعفر بن أحمد بن متيل قال : دعاني أبو جعفر محمّد بن عثمان فأخرج لي ثوبين معلمة وصرّة فيها دراهم ، فقال لي : تحتاج أن تصير بنفسك إلى واسط في هذا الوقت ، وتدفع ما دفعته إليك إلى أول رجل يلقاك عند صعودك من المركب إلى الشط بواسط .
قال : فتداخلني من ذلك غم شديد ، وقلت : مثلي يرسل في هذا الأمر ويحمل هذا الشيء الوتح (١) !
قال : فخرجت إلى واسط ، وصعدت المركب ، فأول رجل لقيته سألته عن الحسن بن قطاة الصيدلاني وكيل الوقف بواسط فقال : أنا هو ، من أنت ؟ فقلت : أبو جعفر العمري يقرأ عليك السلام ودفع إليَّ هذين الثوبين وهذه الصرَّة لأسلمهما إليك فقال : الحمد لله ، فإن محمّد بن عبد الله الحائري (٢) قد مات وخرجت لإِصلاح كفنه ، فحل الثياب فإذا فيها ما يحتاج إليه من حبرة وثياب وكافور ، وفي الصرة كرى الحمّالين والحفّار .
___________________
٥ ـ كمال الدين : ٤٨٦ / ٧ ، الإِمامة والتبصرة : ١٤١ / ١٦٣ .
٦ ـ كمال الدين : ٤٩٢ / ١٧ ، الخرائج والجرائح ٣ : ١١١٩ / ٣٥ ، مدينة المعاجز : ٦١٧ / ١٠٨ .
(١) الوتح : القليل من كل شيء ، التافه «لسان العرب ـ وتح ـ ٢ : ٦٢٨» .
(٢) في ر ، م ، ك : الحيراني ، وما أثبتناه هو الصحيح راجع «معجم رجال الحديث ١٦ : ٢٥٢» .
قال : فشيعنا جنازته وانصرفت .
٥٤٣ / ٧ ـ عن نصر بن الصباح ، قال : أنفذ رجل من أهل بلخ خمسة دنانير إلى حاجز ، وكتب رقعة غيّر فيها اسمه ، فخرج إليه الوصول باسمه ونسبه ، والدعاء له .
٥٤٤ / ٨ ـ عن محمّد بن شاذان بن نعيم ، قال : بعث رجل من أهل بلخ بمال ورقعة ليس فيها كتابة ، وقد خطَّ فيها بأصابعه كما تدور من غير كتابة ، وقال للرسول : احمل هذا المال ، فمن أخبرك بقصته وأجاب عن الرقعة فأوصل إليه المال .
فصار الرَّجل إلى العسكر وقصد جعفراً وأخبره الخبر فقال جعفر : تقرّ بالبداء ؟ قال الرّجل : نعم .
قال : فإنّ صاحبك قد بدا له ، وقد أمرك أن تعطيني المال . فقال الرسول : لا يقنعني هذا الجواب .
فخرج الرجل من عنده وجعل يدور على أصحابنا ، فخرجت إليه رقعة : «هذا مال عن ربه كان فوق صندوق ، فدخل اللُّصوص البيت وأخذوا ما في الصندوق وسلم المال» وردت عليه الرقعة كما يدور الدعاء «فعل الله بك وفعل» .
٥٤٥ / ٩ ـ عن محمد بن شاذان بن نعيم قال : أهديت (١) مالاً ولم أفسر لمن هو ، فورد الجواب : «وصل كذا ، وكذا منه لفلان بن فلان ، ولفلان كذا» .
___________________
٧ ـ كمال الدين : ٤٨٨ / ١٠ ، الإِمامة والتبصرة : ١٤١ / ١٦٤ ، دلائل الإِمامة : ٢٨٧ .
٨ ـ كمال الدين : ٤٨٨ / ١١ ، الإِمامة والتبصرة : ١٤١ / ١٦٥ ، دلائل الإِمامة : ٢٨٧ ، الخرائج والجرائح ٣ : ١١٢٩ / ٤٧ ، مدينة المعاجز : ٦٠٥ / ٦١ .
٩ ـ كمال الدين : ٥٠٩ .
(١) في م : انفذت .
٥٤٦ / ١٠ ـ عن أبي العبّاس الكوفي ، قال : حمل رجل مالاً ليوصله ، وأحب أن يقف على الدلالة ، فوقع عليه السلام : «إن استرشدت أرشدت (١) ، وإن طلبت وجدت ، يقول لك مولاك : احمل ما معك» .
قال الرجل : فأخرجت مما معي ستة دنانير بلا وزن وحملت الباقي ، فخرج التوقيع : «يا فلان رد الستة دنانير التي أخرجتها بلا وزن ، ووزنها ستة مثاقيل وخمسة دوانق وحبة ونصف» .
قال الرجل : فوزنت الدنانير ، فإذا هي كما قال عليه السلام .
٥٤٧ / ١١ ـ عن إسحاق بن حامد الكاتب ، قال : كان بقم رجل بزاز مؤمن ، وله شريك مرجئ ، فوقع بينهما ثوب نفيس فقال المؤمن : يصلح هذا الثوب لمولاي . فقال شريك ؟ لست أعرف مولاك ، لكن افعل ما تحب بالثوب .
فلما وصل الثوب شقّه عليه السلام نصفين طولاً فأخذ نصفه وردّ النصف وقال : «لا حاجة لنا في مال المرجئ» .
٥٤٨ / ١٢ ـ عن محمّد بن الحسن الصوفي ، قال : أردت الخروج إلى الحج ، وكان معي مال بعضه ذهب وبعضه فضة ، فجعلت ما كان معي من ذهب سبائك ، وما كان معي من الفضة نقراً . وكان قد دُفع ذلك المال إليه ليسلمه إلى الشيخ أبي القاسم الحسين بن روح رضي الله عنه .
قال : فلمّا نزلت بسرخس ضربت خيمتي على موضع فيه رمل ،
___________________
١٠ ـ كمال الدين : ٥٠٩ .
(١) في م : أرشدتك .
١١ ـ كمال الدين : ٥١٠ / ٤٠ ، بحار الأنوار ٥١ : ٣٤٠ ، عن كمال الدين .
١٢ ـ كمال الدين : ٥١٦ ، بحار الأنوار ٥١ : ٣٤٠ ، عن كمال الدين ، الخرائج والجرائح ٣ : ١١٢٦ / ٤٤ .