عماد الدين أبي جعفر محمّد بن علي الطوسي [ ابن حمزة ]
المحقق: الشيخ نبيل رضا علوان
الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة أنصاريان للطباعة والنشر
المطبعة: مطبعة القدس
الطبعة: ٤
ISBN: 978-964-438-681-7
الصفحات: ٧٠١
إلى أين أمضي ؟! فقال له أبو حمزة : إلى من أوصى ؟ قال : إلى ثلاثة ، أولهم أبو جعفر المنصور ، وإلى ابنه عبد الله ، وإلى ابنه موسى .
فضحك أبو حمزة ، والتفت إليَّ وقال : لا تغتم فقد عرفت الإِمام . فقلت : وكيف أيُّها الشيخ ؟!
فقال : أمّا وصيته إلى أبي جعفر المنصور فستر على الإِمام ، وأمّا وصيته إلى ابنه الأكبر والأصغر فقد بيّن عن عوار الأكبر ، ونص على الأصغر . فقلت : وما فقه ذلك ؟ فقال : قول النبي (ص) : «الإِمامة في أكبر ولدك يا علي ، ما لم يكن ذا عاهة» فلمّا رأيناه قد أوصى إلى الأكبر والأصغر ، علمنا أنّه قد بيّن عن عوار كبيره ، ونصّ على صغيره ، فسر إلى موسى ، فإنّه صاحب الأمر .
قال أبو جعفر : فودّعت أمير المؤمنين ، وودّعت أبا حمزة ، وسرت إلى المدينة ، وجعلت رحلي في بعض الخانات ، وقصدت مسجد رسول الله (ص) وزرته ، وصلّيت ، ثمّ خرجت وسألت أهل المدينة : إلى من أوصى جعفر بن محمّد ؟ فقالوا : إلى ابنه الأفطح عبد الله فقلت : هل يفتي ؟ قالوا : نعم .
فقصدته وجئت إلى باب داره ، فوجدت عليها من الغلمان ما لم يوجد على باب دار أمير البلد ، فأنكرت ، ثمّ قلت : الإِمام لا يقال له لِمَ وكيف ؛ فاستأذنت ، فدخل الغلام ، وخرج وقال : من أين أنت ؟ فأنكرت وقلت : والله ما هذا بصاحبي . ثمّ قلت : لعله من التقية ، فقلت : قل : فلان الخراساني ، فدخل وأذن لي ، فدخلت ، فإذا به جالس في الدست على منصة عظيمة ، وبين يديه غلمان قيام ، فقلت في نفسي : ذا أعظم ، الإِمام يقعد في الدست ؟! ثمّ قلت : هذا أيضاً من الفضول الذي لا يحتاج إليه ، يفعل الإِمام ما يشاء ، فسلّمت عليه ، فأدناني وصافحني ، وأجلسني بالقرب منه ، وسألني فاحفى (١) ، ثمّ قال :
___________________
(١)
فاحفىٰ : من الحفاوة وهي المبالغة في السؤال عن الرجل والعناية في
في أي شيء جئت ؟ قلت : في مسائل أسأل عنها ، وأُريد الحج . فقال لي : إسأل عمّا تريد .
فقلت : كم في المائتين من الزكاة ؟ قال : خمسة دراهم .
قلت : كم في المائة ؟ قال : درهمان ونصف .
فقلت : حسنٌ يا مولاي ، أُعيذك بالله ، ما تقول في رجل قال لامرأته : أنت طالق عدد نجوم السماء ؟
قال : يكفيه من رأس الجوزا ، ثلاثة . فقلت : الرجل لا يُحسن شيئاً . فقمت وقلت : أنا أعود إلى سيدنا غداً . فقال : إن كان لك حاجة فإنّا لا نقصّر .
فانصرفت من عنده ، وجئت إلى ضريح النبي (ص) فانكببت (١) على قبره ، وشكوت خيبة سفري ، وقلت : يا رسول الله ، بأبي أنت وأمّي ، إلى مَن أمضي في هذه المسائل التي معي ؟ إلى اليهود ، أم إلى النصارى ، أم إلى المجوس ، أم إلى فقهاء النواصب ؟ إلى أين يا رسول الله ؟ فما زلت أبكي وأستغيث به ، فإذا أنا بإنسان يحركني ، فرفعت رأسي من فوق القبر ، فرأيت عبداً أسود عليه قميص خَلِق ، وعلى رأسه عمامة خلق فقال لي : يا أبا جعفر النيسابوري ، يقول لك مولاك موسىٰ بن جعفر عليهما السلام : «لا إلى اليهود ، ولا إلى النصارى ، ولا إلى المجوس ، ولا إلى أعدائنا من النواصب ، إليَّ ، فأنا حجّة الله ، قد أجبتك عمّا في الجزو وبجميع ما تحتاج إليه منذ أمس ، فجئني به ، وبدرهم شطيطة الذي فيه درهم ودانقان ، الذي في كيس أربعمائة درهم اللؤلوئ ، وشقتها التي في رزمة الأخوين البلخيين» .
___________________
أمره «لسان العرب ـ حفا ـ ١٤ : ١٨٨» .
(١) في هامش ص : فبكيت .
قال : فطار عقلي ، وجئت إلى رحلي ، ففتحت وأخذت الجزو والكيس والرزمة ، فجئت إليه فوجدته في دار خراب ، وبابه مهجور ما عليه أحد ، وإذا بذلك الغلام قائم على الباب ، فلمّا رآني دخل بين يدي ، ودخلت معه ، فإذا بسيدنا عليه السلام جالس على الحصير ، وتحته شاذكونه (١) يمانية ، فلما رآني ضحك وقال : «لا تقنط ، ولمَ تفزع ؟ لا إلى اليهود ، ولا إلى النصارى والمجوس ، أنا حجّة الله ووليه ، ألم يعرفك أبو حمزة على باب مسجد الكوفة جري أمري ؟!» .
قال : فأزاد ذلك في بصيرتي ، وتحققت أمره . ثمّ قال لي : «هات الكيس» فدفعته إليه ، فحلّه وأدخل يده فيه ، وأخرج منه درهم شطيطة ، وقال لي : هذا درهمها ؟» فقلت : نعم . فأخذ الرزمة وحلّها وأخرج منها شقة قطن مقصورة ، طولها خمسة وعشرون ذراعاً ، وقال لي : «إقرأ عليها السلام كثيراً ، وقل لها : قد جعلت شقتك في أكفاني ، وبعثت إليك بهذه من أكفاننا ، من قطن قريتنا صريا ، قرية فاطمة عليها السلام ، وبذر قطن ، كانت تزرعه بيدها الشريفة لأكفان ولدها ، وغزل أختي حكيمة بنت أبي عبد الله عليه السلام وقصارة (٢) يده لكفنه ، فاجعليها في كفنك» .
ثمّ قال : «يا معتب جئني بكيس نفقة مؤناتنا» فجاء به ، فطرح درهماً فيه ، وأخرج منه أربعين درهماً ، وقال : «إقرأها منّي السلام ، وقل لها : «ستعيشين تسع عشرة ليلة من دخول أبي جعفر ، ووصول هذا الكفن ، وهذه الدراهم ، فانفقي منها ستة عشر درهماً ، واجعلي أربعة وعشرين صدقة عنك ، وما يلزم عليك ، وأنا أتولى الصلاة عليك ؛ فإذا رأيتني فاكتم ، فإنّ ذلك أبقى لنفسك ؛ وافكك هذه الخواتيم وانظر هل أجبناك أم لا ؟ قبل أن تجيء بدراهمهم كما أوصوك ، فإنّك رسول» .
___________________
(١) الشاذكونة : معرب شادكونه أي عباءة أو جبة ، فراش أو متكأ .
(٢) القصارة : فضل الشيء ، انظر «لسان العرب ـ قصر ـ ٥ : ١٠١» .
فتأملت الخواتيم فوجدتها صحاحاً ، ففككت من وسطها واحداً فوجدت تحتها : ما يقول العالم عليه السلام في رجل قال : نذرت لله عزّ وجل لأعتقن كلّ مملوك كان في ملكي قديماً . وكان له جماعة من المماليك ؟
تحته الجواب من موسى بن جعفر عليهما السلام : «من كان في ملكه قبل ستة أشهر ، والدليل على صحة ذلك قوله تعالى : ( حَتَّىٰ عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ ) (١) (وكان بين العرجون القديم والعرجون الجديد في النخلة) (٢) ستة أشهر» .
وفككت الآخر ، فوجدت فيه : ما يقول العالم عليه السلام في رجل قال : [ واللهِ ] أتصدّق بمال كثير ، بما يتصدّق .
تحته الجواب بخطه عليه السلام : «إن كان الذي حلف بهذا اليمين من أرباب الدنانير تصدّق بأربعة وثمانين ديناراً ، وإن كان من أرباب الدراهم تصدّق بأربعة وثمانين درهماً ، وإن كان من أرباب الغنم فيتصدّق بأربعة وثمانين غنماً ، وإن كان من أرباب البعير فباربعة وثمانين بعيراً ؛ والدليل على ذلك قوله تعالى : ( لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّـهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ ) (٣) فعددت مواطن رسول الله (ص) قبل نزول الآية فكانت أربعة وثمانين موطناً» .
وكسرت الأخرى فوجدت تحته : ما يقول العالم عليه السلام في رجل نبش قبراً وقطع رأس الميت وأخذ كفنه ؟
الجواب تحته بخطه عليه السلام : «تقطع يده لأخذ الكفن من وراء الحرز ، ويؤخذ منه مائة دينار لقطع رأس الميت ، لأنّا جعلناه
___________________
(١) سورة يس الآية : ٣٩ .
(٢) في ع ، ش ، ص : والعرجون الجديد للنخلة .
(٣) سورة التوبة الآية : ٢٥ .
بمنزلة الجنين في بطن أمّه من قبل نفخ الروح فيه ، فجعلنا في النطفة عشرين ديناراً ، وفي العلقة عشرين ديناراً ، وفي المضغة عشرين ديناراً ، وفي اللحم عشرين ديناراً ، وفي تمام الخلق عشرين ديناراً ، فلو نفخ فيه الروح لألزمناه ألف دينار ، على أن لا يأخذ ورثة الميت منها شيئاً ، بل يتصدق بها عنه ، أو يحجّ ، أو يغزى بها ، لأنّها أصابته في جسمه بعد الموت» .
قال أبو جعفر فمضيت من فوري إلى الخان وحملت المال والمتاع إليه ، وأقمت معه وحج في تلك السنة فخرجت في جملته (١) معادلاً (٢) له في عماريّته (٣) في ذهابي يوماً وفي عماريّة أبيه يوماً ، ورجعت إلى خراسان فاستقبلني الناس ، وشطيطة من جملتهم ، فسلّموا عليَّ ، فأقبلت عليها من بينهم وأخبرتها بحضرتهم بما جرى ، ودفعت إليها الشقة والدراهم ، وكادت تنشق مرارتها من الفرح ، ولم يدخل إلى المدينة من الشيعة إلَّا حاسد أو متأسف على منزلتها ودفعت الجزء إليهم ، ففتحوا الخواتيم ، فوجدوا الجوابات تحت مسائلهم .
وأقامت شطيطة تسعة عشر يوماً ، وماتت رحمها الله ، فتزاحمت الشيعة على الصلاة عليها ، فرأيت أبا الحسن عليه السلام على نجيب ، فنزل عنه وأخذ بخطامه ، ووقف يصلّي عليها مع القوم ، وحضر نزولها إلى قبرها ونثر (٤) في قبرها من تراب قبر أبي عبد الله الحسين عليه السلام ، فلما فرغ من أمرها ركب البعير وألوى برأسه نحو البرية ، وقال : «عرّف أصحابك واقرأهم عنّي السلام ، وقل لهم : إنّني ومن جرى مجراي من أهل البيت لا بد لنا من حضور جنائزكم في أي بلد
___________________
(١) الجملة : الجماعة «لسان العرب ـ جمل ـ ١١ : ١٢٨» .
(٢) معادلاً له : أي راكباً معه «لسان العرب ـ عدل ـ ١١ : ٤٣٢» .
(٣) العَمَاريّة : هودج يجلس فيه .
«راجع محيط المحيط ـ عمر ـ ٦٣٢» .
(٤) في ص : طرح .
كنتم ، فاتقوا الله في أنفسكم وأحسنوا الأعمال لتعينونا على خلاصكم ، وفك رقابكم من النار» .
قال أبو جعفر : فلما ولّى عليه السلام عرّفت الجماعة ، فرأوه وقد بَعُدَ والنجيب يجري به ، فكادت أنفسهم تسيل حزناً إذ لم يتمكنوا من النظر إليه .
وفي ذلك عدة آيات ، وكفى بها حجّة للمتأمل الذاكر .
٥ ـ فصل :
في ظهور آياته في الإِخبار بالمغيبات
وفيه : ستة أحاديث
٣٧٧ / ١ ـ عن الأصبغ بن موسى ، قال : بعث معي رجل من أصحابنا إلى أبي الحسن موسى عليه السلام بمائة دينار ، وكان معي بضاعة لنفسي ، فلمّا دخلت المدينة صببت عليَّ ماءً ، وغسلت بضاعتي وبضاعة الرجل ، وذررت عليها مسكاً ، ثمّ إني عددت بضاعة الرجل (١) ، فوجدتها تسعة وتسعين ديناراً ، فأخذت ديناراً من دنانير لي أخرى فغسلته وذررت عليه مسكاً ، وأعدتها في الصرّة كما كانت ، ثمّ دخلت عليه في الليل ، فقلت له : جعلت فداك ، إنّ معي شيئاً أتقرَّب به إلى الله . فقال : «هات» .
فلمّا ناولته الصرّة قال : «فضها» ففضضتها ، ثمّ قلت : إنّ فلاناً مولاك بعث إليك معي بشيء . فلمّا أن ناولته ونثرتها بين يديه أخرج ديناري من بينها ، ثمّ قال : «إنّما بعث إلينا وزناً لا عدداً» .
٣٧٨ / ٢ ـ ولقد وجدت في بعض كتب أصحابنا رضي الله عنهم
___________________
١ ـ الخرائج والجرائح ١ : ٣٢٨ / ٢١ ، باختصار ، كشف الغمة ٢ : ٢٤٤ ، مدينة المعاجز : ٤٦٧ ، عن كتابنا هذا .
(١) زاد في ر : وذررت عليها مسكاً .
٢ ـ وعنه في مدينة المعاجز : ٤٦٧ .
أنّه كان للرشيد باز أبيض ، يحبه حباً شديداً ، فطار في بعض متصيداته حتّى غاب عن أعينهم ، فأمر الرشيد أن يضرب له قبّة (١) ، ونزل تحتها ، وحلف أنّه لا يبرح من موضعه أو يجيئوا إليه بالباز ، وأقام بالموضع ، وأنفذ وجوه العسكر ، وسرح الأمراء والأقواد في طلبه على مسيرة يوم أو يومين وثلاثة .
فلمّا كان في اليوم الثاني آخر النهار نزل البازي عليه في يده حيوان يتحرك ، ويلمع كما يلمع السيف في الشمس ، فأخذه من يده بالرفق ، ورجع إلى داره فطرحه في طست ذهب ، ودعا بالأشراف والأطباء والحكماء والفقهاء والقضاة والحكّام ، فقال : هل فيكم من رأى مثل هذه الصورة قط ؟ فقالوا : ما رأينا مثلها قط ، ولا ندري ما هي .
قال : كيف لنا بعلمها ؟ فقال له ابن أكثم القاضي وأبو يوسف يعقوب القاضي : مالك غير إمام الروافض موسى بن جعفر تبعث وتُحضر جماعة من الروافض ، وتسأله عنها ، فإن علم كانت معرفتها لنا فائدة ، وإن لم يعلم افتضح عند أصحابه الذين عندهم أنّه يعلم الغيب ، وينظر في السماء إلى الملائكة .
فقال : هذا وتربة المهدي نعم الرأي وارسلوا خلف أبي الحسن عليه السلام وسألوه أن يحضر المجالس الساعة ومن عنده من أصحابه . وبعثوا خلف فلان وفلان من أصحاب الروافض .
فحضر أبو الحسن عليه السلام وجماعة من الشيعة معه ، فقال : يا أبا الحسن ، إنّما أحضرتك شوقاً إليك . فقال : «دعني من شوقك ، ألا إنّ الله تبارك خلق بين السماء والأرض بحراً مكفوفاً عذباً زلالاً ، كفَّ الموج بعضه على بعض من حواشيه لئلا يطغى خزنته فينزل منه مكيال فيهلك ما تحته ، وطوله أربعة فراسخ في أربعة فراسخ من
___________________
(١) في ك ، م : قبة تركية .
فراسخ الملائكة ، الفرسخ مسيرة مائتي عام للراكب المجد يحفّ به الصافون المسبّحون من الملائكة الذين قال الله تعالىٰ : ( وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ * وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ ) (١) .
وخلق له سكاناً أشخاصاً على عمل السمك صغاراً وكباراً ، فأكبر ما فيه من هذه الصورة شبر ، وله رأس كرأس الآدمي ، وله أنف وأذنان وعينان ، والذكور منها له سواد في وجهه مثل اللحى ، والإِناث لها شعور على رأسها مثل النساء ، ولها أجساد (٢) مثل أجساد السمك ، وفلوس مثل (فلوس السمك) (٣) وبطون مثل بطونها ، ومواضع الأجنحة منها مثل أكف وأرجل مثل أيدي الناس ، وأرجلهم ، تلمع لمعاناً عظيماً لأنّها متبرّجة بالأنوار ، تغشي الناظر إليها حتى يرد طرفه حسيراً .
غداؤها التقديس والتكبير والتهليل ، فإذا قصَّر أحدهما في التسبيح سلَّط الله عليها البزاة البيض ، فأكلتها وجُعلت رزقها ، وما يحل لك أن تأخذ من هذا البازي رزقه الذي بعثه الله إليه ليأكله» .
فقال الرشيد : أخرجوا الطست ، فأخرجوه ، فنظر إليها فما أخطأ ممّا قال أبو الحسن موسى عليه السلام شيئاً ، ثمّ انصرف ، فطرحها الرشيد للبازي فقطعها وأكلها ، فما نقط لها دم ، ولا سقط منها شيء . فقال الرشيد لجماعة الهاشميين ومن حضر : أترانا لو حدّثنا بهذا كنا نصدَّق ؟!
٣٧٩ / ٣ ـ عن عبد الله بن سنان ، قال : حمل الرشيد في بعض
___________________
(١) سورة الصافات الآيتان : ١٦٥ ، ١٦٦ .
(٢) في م : بأجساد .
(٣) في م : فلوسها .
٣ ـ إرشاد المفيد :
٢٩٣ ، دلائل الإِمامة : ١٥٨ ، الخرائج والجرائح ١ : ٣٣٤ / ٢٥ ، قطعة منه و ٢ : ٦٥٦ / ٩ بلفظ آخر ، مناقب ابن شهراشوب ٤ : ٢٨٩ ، قطعة منه ، إعلام الورىٰ : ٣٠٢ ، كشف الغمة ٢ : ٢٢٤ ، عيون
الأيام إلى علي بن يقطين ثياباً أكرمه بها ، وكان من جملتها درّاعة خزّ سوداء من لباس الملوك ، مثقّلة بالذّهب ، فأنفذ علي بن يقطين جلّ (١) تلك الثياب إلى موسى بن جعفر عليهما السلام ، وأنفذ من جملتها تلك الدرّاعة ، وأضاف إليها مالاً كان أعدَّه على رسم له فيما يحمله من خمس ماله .
فلمّا وصل ذلك إلى أبي الحسن عليه السلام قَبِلَ المال والثياب وردّ الدرّاعة على يد الرسول إلى عليّ بن يقطين ، وكتب إليه : «احتفظ بها ، ولا تخرجها من يدك فسيكون لك بها شأن تحتاج معه إليها» . فارتاب عليّ بن يقطين بردّها إليه ، ولم يدر ما سبب ذلك ، واحتفظ بالدرّاعة ، فلمّا كان بعد أيام تغير علي بن يقطين على غلام له كان يختصّ به ، فصرفه عن خدمته ، وكان الغلام يعرف ميل علي بن يقطين إلى أبي الحسن عليه السلام ، ويقف على ما يحمله إليه في كلّ وقت من الأوقات من مال وثياب وألطاف وغير ذلك ، فسعى به إلى الرشيد وقال : إنَّه يقول بإمامة موسى بن جعفر عليهما السلام ويحمل إليه خمس ماله في كلّ سنة ، وقد حمل إليه الدرّاعة التي أكرمه بها أمير المؤمنين في وقت كذا وكذا . فاستشاط الرشيد لذلك ، وغضب غضباً شديداً ، وقال : لأكشفن عن هذا الحال ، فإن كان الأمر كما تقول أزهقت نفسه (وأمر في الحال) (٢) بإحضار علي بن يقطين .
فلمّا مثل بين يديه قال : ما فعلت بالدرّاعة التي كسوتك إيّاها ، قال : هي عندي يا أمير المؤمنين في سفط مختوم ، فيه طيب ، قد احتفظت بها ، وكلّما أصبحت فتحت السفط ونظرت إليها تبركاً بها ،
___________________
المعجزات : ٩٩ ، روضة الواعظين : ٢٥٥ ، اثبات الهداة ٣ : ١٩٣ / ٧٣ ، مدينة المعاجز : ٤٢٨ ، عن كتابنا هذا .
(١) في ر : أجمل .
(٢) في م : وانفذ في الوقت .
وقبّلتها ورددتها إلى موضعها ، وكلّما أمسيت صنعت مثل ذلك . فقال : أحضرها الساعة ؟ فقال : نعم يا أمير المؤمنين .
واستدعى بعض خدمه وقال له : إمض إلى البيت في داري ، وخذ مفتاحه من جاريتي (١) ، وافتحه ، ثمّ افتح الصندوق الفلاني وجئني بالسفط الذي فيه بختمه . فلم يلبث الغلام أن جاء بالسفط مختوماً ، ووضع بين يدي الرَّشيد ، وأمر بكسر ختمه وفتحه .
فلمّا فتح نظر إلى الدرّاعة فيه بحالها مطوية مدفونة في الطيب ، فسكن الرشيد من غضبه (٢) ، ثمّ قال لعلي بن يقطين : أرددها إلى مكانها وانصرف راشداً ، فلن أصدّق عليك بعدها ساعياً . وأمر أن يتبع بجائزة سنية ، وتقدم بضرب الساعي به ألف سوط ، فضرب نحو خمسمائة سوط ، فمات في ذلك .
٣٨٠ / ٤ ـ عن محمّد بن إسماعيل ، عن محمد بن المفضل ، قال : اختلفت الرواية بين أصحابنا في مسح الرّجلين في الوضوء ، أهو من الأصابع إلى الكعبين ، أم من الكعبين إلى الأصابع ؟ فكتب علي بن يقطين إلى أبي الحسن موسى بن جعفر عليهما السلام : جعلت فداك ، إنّ أصحابنا قد اختلفوا في مسح الرّجلين ، فإن رأيت أن تكتب لي بخطّك ما يكون عملي عليه فعلت إن شاء الله تعالى .
فكتب إليه أبو الحسن عليه السلام : «فهمت ما ذكرت من الاختلاف في الوضوء ، والذي آمرك به في ذلك أن تتمضمض ثلاثاً ، وتستنشق ثلاثاً ، وتغسل وجهك ثلاثاً ، وتخلّل شعر لحيتك ، وتغسل
___________________
(١) في م : خزانتي .
(٢) في ر : غيظه .
٤ ـ ارشاد المفيد : ٢٩٤ ، الخرائج والجرائح ١ : ٣٣٥ / ٢٦ ، باختصار ، مناقب ابن شهراشوب ٤ : ٢٨٨ ، كشف الغمة ٢ : ٢٢٦ ، اعلام الورىٰ : ٢٩٣ . اثبات الهداة ٣ : ١٩٤ / ٧٤ ، مدينة المعاجز : ٤٥١ .
يديك ثلاثاً ، وتمسح رأسك كلّه ، وتمسح ظاهر أذنيك وباطنهما ، وتغسل رجليك إلى الكعبين ثلاثاً . ولا تخالف ذلك إلى غيره» .
فلمّا وصل الكتاب إلى علي بن يقطين تعجّب ممّا رسم له فيه ممّا (أجمعت العصابة) (١) على خلافه ، ثمّ قال : مولاي أعلم بما قال ، وأنا ممتثل أمره . فكان يعمل في وضوئه على هذا الحد ، ويخالف ما عليه جميع الشيعة امتثالاً لأمر أبي الحسن عليه السلام .
وسعي بعليّ بن يقطين إلى الرشيد وقيل له : إنه رافضيّ مخالف لك . فقال الرَّشيد لبعض خاصته : قد كثر عندي القول في علي بن يقطين والقذف له بخلافنا ، وميله إلى الرفض ، ولست أرى في خدمته لي تقصيراً ، وقد امتحنته مراراً فما ظهرت منه على شيء يقذف به ، وأحب أن أستبرئ أمره من حيث لا يشعر بذلك ، فيتحرز منّي . فقال له : يا أمير المؤمنين ، إنّ الرافضة تخالف الجماعة في الوضوء فتحققه ولا ترى غسل الرجلين ، فامتحنه من حيث لا يعلم بالوقوف على وضوئه . فقال : أجل ، إنّ هذا الوضوء يظهر به أمره .
ثمّ تركه مدة وناطه بشيء من الشغل في الدار حتّى دخل وقت الصلاة ، وكان علي بن يقطين يخلو في حجرة في الدار لوضوئه وصلاته ، فلمّا دخل وقت الصلاة وقف الرشيد من وراء حائط الحجرة بحيث يرى علي بن يقطين ولا يراه هو ، فدعا بالماء فتمضمض ثلاثاً ، واستنشق ثلاثاً ، وغسل وجهه وخلل شعر لحيته ، وغسل يديه إلى المرفقين ثلاثاً ، ومسح رأسه وأذنيه ، وغسل رجليه ، والرشيد ينظر إليه ، فلمّا رآه قد فعل ذلك لم يملك نفسه حتّى أشرف عليه بحيث يراه ، ثمّ ناداه : كذب يا علي بن يقطين من زعم أنّك من الرافضة . وصلحت حاله عنده .
___________________
(١) في ر ، ك ، م : أجمع أصحابه .
ثمّ ورد عليه كتاب أبي الحسن عليه السلام : «ابتداء يا علي بن يقطين من الآن توضأ كما أمرك الله ، اغسل وجهك مرة فريضة ، والأخرى إسباغاً ، واغسل يديك من المرفقين كذلك ، وامسح بمقدّم رأسك وظاهر قدميك من فضل نداوة وضوئك ، فقد زال ما كنا نخاف عليك منه» .
٣٨١ / ٥ ـ عن مرازم ، قال : حضرت باب الرشيد أنا وعبد الحميد الطائي ومحمّد بن حكيم وأدخل عبد الحميد فما لبثنا أن طرح برأسه وحده ، فتغيرت ألواننا وقلنا : قد وقع الأمر .
فلمّا دخلت عليه وجدته (١) مغضباً ، والسياف قائم بين يديه ، وبيده سيف مصلت ، ورأيت خلفه علوياً ، فعلمت أنّه قد فعل بنا ذلك ، فقلت : اتق الله يا أمير المؤمنين في دمي ، فإنّه لا يحل لك إلّا بحجّة ، ولا تسمع فينا قول هذا الفاسق .
فقال العلوي : أتفسقني وقد كنت بالمدينة تلقمني الفالوذج بيدك محبّة لي ؟ فقال الرشيد بحيث لم يسمع هو : إذاً عرفت حقّه . فقلت : يا أمير المؤمنين ، أنشدك الله إلَّا قلت لهذا : ألست كنت أبيع داراً بالمدينة لي فطلب منّي أن أبيعها منه ، ثمّ إنه استشفع في ذلك بموسى بن جعفر عليه السلام فما قبلت ولا شفّعته فيه ، وبعته من غيره ؟ فسأله : أكذلك ؟ قال : نعم . فقال : قم ، قبحك الله ، تقول إنّه يقول بربوبية موسى بن جعفر عليهما السلام ثمّ تقول إنّه لم يقبل شفاعته في بيع دار منّي ؟!
ثمّ أقبل عليَّ وقال : ارجع راشداً . فخرجت وأخذت بيد صاحبي وقلت : امض ، فقد خلَّصنا الله تعالى ، ورحم الله عبد الحميد ،
___________________
٥ ـ وعنه في مدينة المعاجز : ٤٦٧ ، اثبات الهداة ٣ : ١٧٥ / ١٣ .
(١) في ر ، ك ، م : رأيته .
وحكيت له ما جرى فقال لي : وما منعك من قبول شفاعة أبي الحسن عليه السلام ؟ فقلت له : هو أمرني بذلك ، وقال لي : «إن استشفع بي إليك فلا تقبل شفاعتي» .
٣٨٢ / ٦ ـ عن أبي خالد الزُّبالي (١) قال : ورد علينا أبو الحسن موسى بن جعفر عليهما السلام وقد حمله المهدي ، فلمّا خرج ودعته وبكيت فقال : «ما يبكيك يا أبا خالد ؟» فقلت : جعلت فداك ، قد حملك هؤلاء وما أدري ما يحدث . فقال : «أمّا في هذه المرّة فلا خوف عليّ منهم ، وأنا عندك في يوم كذا ، في شهر كذا ، في ساعة كذا ، فانتظرني عند أول الميل» (٢) ومضى .
قال : فلمّا كان من اليوم الذي وصفه لي خرجت إلى الميل ، وجلست أنتظره حتّى اصفرت الشمس ، وخفت أن يكون قد تأخر به عن الوقت ، فقمت لأنصرف فإذا أنا بسواد قد أقبل ، ومنادٍ ينادي من خلفي ، فأتيته فإذا هو أبو الحسن موسى عليه السلام على بغلته فقال ابتداءً : يا أبا خالد ، إنّ لي عودة إليهم ، ولا أتخلّص من أيديهم .
___________________
٦ ـ الكافي ١ : ٤٧٧ ، بلفظ آخر ، مناقب ابن شهراشوب ٤ : ٢٨٧ ، إعلام الورىٰ : ٢٩٥ ، مدينة المعاجز : ٤٣٥ .
(١) الزبالي : نسبة إلى زبالة منزل بطريق مكة من الكوفة «معجم البلدان ٣ : ١٢٩» .
(٢) الميل : أول وقت زوال الشمس وغيابها ، انظر «المعجم الوسيط ـ ميل ـ ٢ : ٨٩٤» .
٦ ـ فصل :
في بيان ظهور آياته في معان شتى
وفيه : أحد عشر حديثاً
٣٨٣ / ١ ـ عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن محمّد الرافعي ، قال : كان لي ابن عم يقال له (الحسين بن عبد الله) وكان زاهداً ومن أعبد أهل زمانه ، وكان يعظ السلطان ، وربما استقبله بكلام صعب فيما يعظه به ، ويأمره بالمعروف ، وكان السلطان يحتمله لصلاحه ، ولم تزل هذه حالته حتّى كان ذات يوم فدخل أبو الحسن عليه السلام المسجد فرآه فأومى إليه وقال له : «يا أبا علي ما أحب إليَّ ما أنت فيه وأسرني بك فيه ، إلّا أنّه ليس لك معرفة ، فاطلب المعرفة» .
فقال : جعلت فداك يا ابن رسول الله ، فما المعرفة ؟ قال : «اذهب وتفقه واطلب الحديث» .
قال : فممّن ؟ قال : «من مالك بن أنس ، ومن فقهاء المدينة» . ثم أعرض علي الحديث فذهب وكتب حديثاً كثيراً ، ثمّ جاءه وقرأه عليه ، فأسقطه كلّه ، ثمّ قال : «اذهب في طلب المعرفة» وكان الرجل معنياً
___________________
١ ـ بصائر الدرجات : ٢٧٤ / ٦ ، الكافي ١ : ٣٥٢ / ٨ ، ارشاد المفيد : ٢٩٢ ، الخرائج والجرائح ٢ : ٦٥ / ٢ ، باختلاف فيه ، مناقب ابن شهراشوب ٤ : ٢٨٨ ، باختصار .
بدينه ، فلم يزل يترصد أبا الحسن عليه السلام حتّى إذا خرج إلى ضيعة له تبعه فبلغه في الطريق وقال : جعلت فداك يا ابن رسول الله ، إنّي احتجّ عليك بين يدي الله تعالى ، دلني على المعرفة .
فأخبره بأمر أمير المؤمنين عليه السلام ، وأخبره بأمر غيره فقبل ذلك منه ، ثمّ سأل عمّن كان بعد أمير المؤمنين قال : «الحسن والحسين» حتّى عدَّ إلى نفسه ، ثمّ سكت .
قال : فمن في هذا اليوم ؟ فقال : «إن أخبرتك تقبل ؟» قال : بلى .
قال : «أنا هو» قال : فشيء استدل به . قال : «إذهب إلى تلك الشجرة ـ وأشار إلى بعض أشجار أمّ غيلان (١) ـ فقل لها : يقول لك موسى بن جعفر : أقبلي»
قال : فأتيتها وقلت لها ذلك ، فرأيتها تخدُّ الأرض خدّاً حتّىٰ وقفت بين يديه ، ثمّ أشار إليها فرجعت ، فأقر به ، ثمّ لزم الصمت والعبادة ، وكان لا يراه أحد بعد ذلك يتكلم ، وكان قبل ذلك يرى الرؤيا الحسنة ، ويُرى له ، ثمّ انقطعت عنه ، فرأى أبا الحسن عليه السلام فيما يرى النائم ، فشكا إليه انقطاع الرؤيا ، فقال : «لا تغتم ، إنّ المؤمن إذا رسخ في الإِيمان رفعت عنه الرؤيا» .
٣٨٤ / ٢ ـ عن علي بن أبي حمزة البطائني ، قال : خرج أبو الحسن موسىٰ بن جعفر عليه السلام في بعض الأيَّام من المدينة ، إلى ضيعة له خارجة عنها ، فصحبته ، وكان عليه السلام راكباً بغلة ، وأنا على حمار لي ، فلمّا صرنا في بعض الطريق اعترضنا أسد ، فأحجمت
___________________
(١) اشجار أم غيلان : الطلح «الجامع لابن بيطار ١ : ١٥٧» .
٢ ـ ارشاد المفيد : ٢٩٥ ، الخرائج والجرائح ٢ : ٦٤٩ ، مناقب ابن شهراشوب ٤ : ٢٩٨ ، كشف الغمة ٢ : ٢٢٧ ، روضة الواعظين : ٢١٤ ، مدينة المعاجز : ٤٤٦ .
خوفاً ، وأقدم أبو الحسن عليه السلام غير مكترث له ، فرأيت الأسد يتذلل له ويهمهم ، فوقف له أبو الحسن عليه السلام كالمصغي إلى همهمته ، ووضع الأسد يده على كفل بغلته ، فدهمني من ذلك [ فزع ] وخفت خوفاً عظيماً ، ثمّ تنحى الأسد إلى جانب الطريق ، وحوّل أبو الحسن عليه السلام وجهه إلى القبلة وجعل يدعو ويحرك شفتيه بما لم أفهمه ، ثمّ أومى إلى الأسد باليد أن امض ، فهمهم الأسد همهمة طويلة ، وأبو الحسن عليه السلام يقول : «آمين ، آمين» ، حتّى غاب عن أعيننا ، ومضى أبو الحسن عليه السلام لوجهه واتبعته .
فلمّا بعدنا عن الموضع لحقته ، وقلت : جعلت فداك ، ما شأن هذا الأسد ؟! فلقد خفته والله عليك ، وعجبت من شأنه معك ! فقال عليه السلام : «إنّه خرج إليَّ يشكو عسر الولادة على لبوته ، وسألني أن أسأل الله تعالى أن يفرج عنها ، ففعلت ذلك ، وألقي في روعي أنّها تلد ذكراً فخبّرته بذلك ، فقال لي : امض في حفظ الله فلا سلّط الله عليك ولا على أحد من ذريتك وشيعتك شيئاً من السباع ؛ فقلت : آمين ، آمين» .
٣٨٥ / ٣ ـ عن إسماعيل بن سلام وأبي حميد قالا : بعث إلينا علي بن يقطين وقال : اشتريا راحلتين ، وتجنبا الطريق ، ودفع إلينا مالاً وكتباً حتّى توصلا ما معكما من المال والكتب إلى أبي الحسن عليه السلام ، ولا يعلم بكما أحد .
قالا : فأتينا الكوفة واشترينا راحلتين ، وتزودنا زاداً ، وخرجنا نتجنب الطريق ، حتّى إذا صرنا ببطن البرية شددنا راحلتينا ، ووضعنا العلف لهما ، وقعدنا نأكل ، فبينما نحن كذلك إذ رأينا راكباً قد أقبل
___________________
٣ ـ اختيار معرفة الرجال : ٤٣٦ / ٨٢١ ، باختلاف فيه ، الخرائج والجرائح ١ : ٣٢٧ / ٢٠ ، كشف الغمة ٢ : ٢٤٩ ، مدينة المعاجز : ٤٦٨ ،
ومعه شاكري (١) ، فلمّا قرب فإذا هو أبو الحسن عليه السلام فقمنا إليه وسلّمنا عليه ، ودفعنا إليه الكتاب ، وما كان معنا ، فأخرج من كمّه كتباً فناولها إيَّانا وقال : «هذه جوابات كتبكم» فقلنا : زادنا قد فني ، فلو أذنت لنا فدخلنا المدينة وزرنا رسول الله (ص) وتزودنا زاداً . فقال : «هاتوا ما معكما من الزاد» فأخرجنا الزاد إليه فقلّبه بيده الشريفة وقال : «هذا يبلغكما الكوفة ، وأمّا زيارة رسول الله (ص) فقد زرتماه ، إنّي صلّيت معهم الفجر ، وأنا أريد أن أصلي معهم الظهر ، انصرفا في حفظ الله» .
٣٨٦ / ٤ ـ ووجدت في بعض كتب أصحابنا رضي الله عنهم أنّ إبراهيم الجمّال كان من الموحدين العارفين ، فاستأذن على أبي الحسن علي بن يقطين الوزير ، وكان ممّن يوالي أهل البيت عليهم السلام ، فحجب عليه ، فحجّ في تلك السنة علي بن يقطين فاستأذن بالمدينة على أبي إبراهيم موسى بن جعفر عليهما السلام فحجبه ، فرآه ثاني يوم فقال : يا مولاي ما ذنبي ؟ فقال عليه السلام : «حجبتك لأنّك حجبت أخاك إبراهيم الجمال مولاي» فقال : مَن لي بإبراهيم الجمّال وهذا الوقت ؟ فقال عليه السلام : «إذا كان ليلاً فامض إلى البقيع وحدك من غير أن يراك أحد من أصحابك ، فاركب نجيباً هناك مسرجاً» .
فوافى البقيع ، وركب النجيب ، ولم يلبث حتّى أناخه على باب إبراهيم الجمّال ، فقرع الباب وقال : أنا علي بن يقطين فقال من داخل الدار : وما يعمل علي بن يقطين الوزير ببابي ؟ فقال علي بن يقطين : يا هذا ، إن أمري عظيم . فأبى أن يفتح عليه الباب ، ثمّ أذن له .
فلمّا دخل عليه قال : إنّ المولى عليه السلام أبى أن يقبلني دون أن تغفر لي يا إبراهيم . فقال : يغفر الله لك . وعلي بن يقطين يقول :
___________________
(١) الشاكري : الأجير والمستخدم . فارسية .
٤ ـ عنه في مدينة المعاجز : ٤٥١ .
اللهم اشهد لي . ثمّ انصرف وركب النجيب وأناخه من ليلته بباب المولى عليه السلام بالمدينة ، فأذن له ، ودخل عليه فقبله .
٣٨٧ / ٥ ـ عن إسحاق بن أبي عبد الله ، قال : كنت مع أبي الحسن موسى عليه السلام حين قدم من البصرة ، فبينما نحن نسير في البطائح في هول أرياح إذ سايرنا قوم في السفينة ، فسمعنا لهم جلبة (١) ، فقال عليه السلام : «ما هذا ؟» فقيل : عروس تهدى إلى زوجها .
قال : ثمّ مكثنا ما شاء الله تعالى ، فسمعنا صراخاً وصيحة فقال عليه السلام : «ما هذا ؟» فقيل : العروس أرادت تغرف ماءً فوقع سوارها في الماء . فقال : (أحبسوا وقولوا لملاحهم يحبس فحبسنا وحبس) (٢) ملاحهم فجلس ووضع أبو الحسن عليه السلام صدره على السفينة وتكلم بكلام خفي ، وقال للملاح : «إنزل» فنزل الملاح بفوطة (٣) ، فلم يزل في الماء نصف ساعة وبعض ساعة فإذا هو بسوارها ، فجاء به .
فلمّا أخرج الملّاح السوار قال له إسحاق أخوه : جعلت فداك ، الدعاء الذي قلت أخبرنا به . فقال له : «أستره إلّا ممّن تثق به» ثم قال : «يا سابق كل فوت ، ويا سامع كل صوت ، ويا بارئ النفوس بعد الموت ، يا كاسي العظام لحماً بعد الموت ، يا من لا تغشاه الظلمات الحندسية ، ولا تتشابه عليه الأصوات المختلفة ، ويا من لا يشغله شأن عن شأن ، يا من له عند كل شيء من خلقه سمع حاضر ، وبصر نافذ ،
___________________
٥ ـ كشف الغمة ٢ : ٢٣٩ ، اثبات الهداة ٣ : ٢٠٣ ، مع اختلاف فيه ، مدينة المعاجز : ٤٦٨ ، عن كتابنا هذا .
(١) في م : غلبة ، والجلبة : الصوت «لسان العرب ـ جلب ـ ١ : ٢٦٩» .
(٢) في النسخ : فقال : من ملاحنا يحبس وملاحهم . وما أثبتناه من المصادر .
(٣) الفوطة : ثوب قصير غليظ يكون مئزراً «لسان العرب ـ فوط ـ ٧ : ٣٧٣» .
لا يغلطه كثرة المسائل ، ولا يبرمه إلحاح الملحين ، يا حي حين لا حي في ديمومة ملكه وبقائه ، يا من سكن العلى واحتجب عن خلقه بنوره ، يا من أشرق بنوره دياجي الظلم (١) أسألك باسمك الواحد الأحد الفرد الوتر الصمد أن تصلّي على محمّد وآل محمّد الطيبين الطاهرين» .
٣٨٨ / ٦ ـ عن بشّار مولى السندي بن شاهك ، قال : كنت من أشدّ الناس بغضاً لآل محمّد فدعاني السندي يوماً فقال : يا بشّار ، إنّي أريد أن أئتمنك على ما ائتمنني هارون . قلت : إذاً لا أبقي فيه غاية . قال : هذا موسى بن جعفر قد دفعه إليَّ ، وقد دفعته ووكلتك بحفظه ، فجعلته في دار في جوف دور ، وكنت أقفل عليه عدّة أقفال ، فإذا مضيت في حاجة وكّلت امرأتي بالباب ، لا تفارقه حتّى أرجع .
قال بشار : فحول الله ما كان في قلبي من البغض حبّاً .
قال : فدعاني عليه السلام يوماً فقال : «يا بشّار ، احضر في سجن القنطرة وادع لي هند بن الحجاج ، وقل له : أبو الحسن يأمرك بالمصير إليه ، فإنّه ينتهرك ويصيح عليك ، فإذا فعل ذلك فقل : أنا قد قلت وأبلغت رسالته ، فإن شئت فافعل ، وإن شئت لا تفعل ، واتركه وانصرف» .
قال : ففعلت ما أمرني ، وأقفلت الأبواب كما كنت أقفل ، وأقعدت امرأتي على الباب ، وقلت : لا تبرحي حتّى آتيك ، وقصدت إلى سجن القنطرة ، ودخلت على هند بن الحجاج وقلت له : أبو الحسن عليه السلام يأمرك بالمصير إليه ، فصاح عليّ وانتهرني ، فقلت له : قد أبلغتك فإن شئت فافعل ، وإن شئت لا تفعل ، وانصرفت وتركته .
___________________
(١) في ر ، ك : الظلام .
٦ ـ اختيار معرفة الرجال : ٤٣٨ / ٨٢٧ ، مدينة المعاجز : ٤٦٨ ، عن كتابنا هذا هذا .