الثّاقب في المناقب

عماد الدين أبي جعفر محمّد بن علي الطوسي [ ابن حمزة ]

الثّاقب في المناقب

المؤلف:

عماد الدين أبي جعفر محمّد بن علي الطوسي [ ابن حمزة ]


المحقق: الشيخ نبيل رضا علوان
الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة أنصاريان للطباعة والنشر
المطبعة: مطبعة القدس
الطبعة: ٤
ISBN: 978-964-438-681-7
الصفحات: ٧٠١

٦ ـ فصل :

في ظهور آياتها في غليان القدر بغير نار

وفيه : حديثان

٢٥٤ / ٢ ـ عن زاذان ، عن سلمان رضي الله عنه ، قال : أتيت ذات يوم منزل فاطمة عليها السّلام فوجدتها نائمة قد تغطَّت بالعباءة ، ونظرت إلى قدر منصوبة بين يديها تغلي بغير نار ، فانصرفت مبادراً إلى رسول الله (ص) ، فلمّا بصر بي ضحك ، ثمّ قال : «يا أبا عبد الله ، أعجبك ما رأيت من حال ابنتي فاطمة ؟» قلت : نعم ، يا رسول الله .

فقال رسول الله (ص) : «أتعجب من أمر الله ، إنّ الله تبارك وتعالى علم ضعف ابنتي فاطمة ، فأيّدها بمن يعينها على دهرها من كرام ملائكته» .

٢٥٥ / ٢ ـ عن أمير المؤمنين عليه السلام أنّه قد استقرض من يهوديّ شيئاً ، فاسترهنه فدفع إليه ملاءة فاطمة عليها السلام ، وكانت من الصّوف ؛ فأدخلها اليهودي داره ، فوضعها في بيت ، فلمّا كان الليل دخلت زوجته البيت الذي فيه الملاءة لشغل ، فرأت نوراً ساطعاً في البيت فانصرفت إلى زوجها فأخبرته بما رأت في ذلك البيت ، فتعجّب

___________________

١ ـ الخرائج والجرائح ٢ : ٥٣١ قطعة منه ، بحار الأنوار ٤٣ : ٢٨ عن الخرائج .

٢ ـ الخرائج والجرائح ٢ : ٥٣٧ ، بحار الأنوار ٤٣ : ٣٠ عن الخرائج .

٣٠١

زوجها ، وقد نسي أنّ في بيته ملاءة فاطمة عليها السلام ، فنهض مسرعاً ، فدخل البيت فإذا ضياء الملاءة ، منتشرة وشعاعها ، كأنّها تشتعل من بدر منير ، يلمع من قريب ، فتعجّب من ذلك فأمعن النّظر في موضع الملاءة ، فعلم أن النّور من ملاءة فاطمة عليها السّلام ، فخرج اليهوديّ إلى قرابته ، وزوجته إلى قرابتها (١) ، واستحضرهم الدار ، فاجتمع ثمانون من اليهود ، فرأوا ذلك فأسلموا .

___________________

(١) في ر ، ك : أقرانها .

٣٠٢

الباب الخامس

في بيان آيات السبط الزكي أبي محمّد الحسن بن عليّ بن أبي طالب عليه السلام

وفيه سبعة فصول

٣٠٣

٣٠٤

١ ـ فصل :

في بيان آياته في إحياء الموتى

وفيه : حديث واحد

٢٥٦ / ١ ـ عن جابر بن يزيد الجعفيّ ، عن أبي جعفر عليه السلام ، قال : «جاء أناس إلى الحسن عليه السلام فقالوا له : أرنا من عجائب أبيك التي كان يرينها .

قال : أفتؤمنون بذلك ؟ فقالوا كلّهم : نعم ، نؤمن بالله تعالى» . قال : «فأحيا لهم ميتاً بإذن الله ، فقالوا بأجمعهم : نشهد أنّك ابن أمير المؤمنين عليه السلام حقّاً ، وأنّه كان يرينا مثل ذلك كثيراً» .

___________________

١ ـ دلائل الإِمامة : ٦٨ ، اثبات الهداة ٢ : ٥٦٣ / ٣٩ .

٣٠٥

٢ ـ فصل :

في بيان ظهور آياته فيما يشاكل ذلك

وفيه : حديث واحد

٢٥٧ / ١ ـ عن جابر بن عبد الله ، قال : قال رسول الله (ص) : «حدّثوا عن بني إسرائيل ولا حرج ، فإنّه قد كانت فيهم الأعاجيب ، ثمّ أنشأ (١) يحدِّث (ص) فقال :

«خرجت طائفة من بني إسرائيل حتّى أتوا مقبرة لهم ، وقالوا : لو صلّينا فدعونا الله تعالى فأخرج لنا رجلاً ممّن مات نسأله عن الموت ؛ ففعلوا ، فبينما هم كذلك ، إذ أطلع رجل رأسه من قبر ، بين عينيه أثر السجود ، فقال : يا هؤلاء ، ما أردتم منّي ، لقد متّ منذ عام ، ما كان سكنت عني حرارة الموت ، حتّى كان الآن فادعوا الله أن يعيدني كما كنت» .

قال جابر بن عبد الله : ولقد رأيت وحقّ الله وحقّ رسول الله من الحسن بن عليّ عليهما السلام أفضل وأعجب منها ، ومن الحسين بن عليّ عليهما السلام أفضل : وأعجب منها .

أمّا الذي رأيته من الحسن عليه السلام فهو : أنّه لمّا وقع عليه

___________________

١ ـ معالم الزلفى : ٤١٤

(١) في م : انثنى .

٣٠٦

من أصحابه ما وقع ، وألجأه ذلك إلى مصالحة معاوية ، فصالحه ، واشتدّ ذلك على خواص أصحابه ، فكنت أحدهم فجئته فعذلته ، فقال : «يا جابر ، لا تعذلني ، وصدِّق رسول الله في قوله : (إنَّ ابني هذا سيّد ، وإنَّ الله تعالى يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين)» .

فكأنّه لم يشف ذلك صدري فقلت : لعل هذا شءً يكون بعد ، وليس هذا هو الصلح مع معاوية ، فإنّ هذا هلاك المؤمنين وإذلالهم ، فوضع يده على صدري وقال : «شككت وقلت كذا» .

قال : «أتحب أن أستشهد رسول الله (ص) الآن حتّى تسمع منه ؟!» فعجبت من قوله ، إذ سمعت هدّة ، وإذا بالأرض من تحت أرجلنا انشقت ، وإذا رسول الله (ص) ، وعليّ وجعفر وحمزة عليهم السلام قد خرجوا منها ، فوثبت فزعاً مذعوراً ، فقال الحسن : «يا رسول الله ، هذا جابر ، وقد عذلني بما قد علمت» .

فقال (ص) لي : «يا جابر ، إنّك لا تكون مؤمناً حتّى تكون لأئمتك مسلّماً ، ولا تكون عليهم برأيك معترضاً ، سلّم لابني الحسن ما فعل ، فإنّ الحقّ فيه ، إنّه دفع عن حياة (١) المسلمين الاصطلام بما فعل ، وما كان ما فعله إلّا عن أمر الله ، وأمري» .

فقلت : قد سلمت يا رسول الله . ثمّ ارتفع في الهواء هو وعليّ وحمزة وجعفر ، فما زلت أنظر إليهم حتّى انفتح لهم باب [ من السماء ] ودخلوها ، ثمّ باب السماء الثانية ، إلى سبع سماوات يقدمهم سيّدنا ومولانا محمّد (ص) .

___________________

(١) في ر : خيار .

٣٠٧

٣ ـ فصل :

في بيان ظهور آياته من إخراج التمر من الشجر (*) اليابس بإذن الله تعالى

وفيه : حديث واحد

٢٥٨ / ١ ـ عن إسماعيل بن مهران ، عن منذر الكناسيّ (١) ، عن أبي عبد الله عليه السلام ، قال : «خرج الحسن بن عليّ عليهما السلام في بعض سفره ومعه رجل من ولد الزبير [ لا ] (٢) يقول بإمامته ، فنزلوا في منهل من المناهل ، تحت نخل يابس ، قد يبس من العطش»

قال : «ففرش لأبي محمّد الحسن تحت نخلة ، والزبيريّ بحذائه تحت نخلة أخرى» .

___________________

(*) في هامش ر : النخل .

١ ـ بصائر الدرجات : ٢٧٦ / ١٠ ، الكافي ١ : ٣٨٤ / ٤ ، الخرائج والجرائح ١ : ٢٧١ ، مناقب ابن شهراشوب ٤ : ٦ ، كشف الغمة ١ : ٥٥٧ ، الصراط المستقيم ٢ : ١٧٧ / ٦ ، مدينة المعاجز : ٢٠٦ / ٣٠ ، اثبات الهداة ٢ : ٥٥٥ .

(٢) في البصائر : عبد الله الكناسي ، وفي الكافي : الكناسي ، وفي المصدرين روى عنه اسماعيل بن مهران ، وفي معجم رجال الحديث ٢٣ : ١٣٧ ذكر الكناسي ، وقال : روى عن أبي عبد الله عليه السلام ، وروى عنه إسماعيل بن مهران ، ولم نجد ذكراً لعبد الله ومنذر في المصادر المتوفرة لدينا .

(٣) ليس في ر .

٣٠٨

قال : «فقام الزبيريّ ورفع رأسه وقال : لو كان في هذا النخل رطبٌ لأكلنا منه . فقال الحسن عليه السلام : وإنّك لتشتهي الرطب ؟! قال : نعم . فرفع يده إلى السماء ودعا بدعاء لم يسمعٍ ولم يفهم ، فاخضرّت النخلة ، ثمّ صارت إلى حالتها فأورقت وحملت رطباً» .

قال : «فقال الجمّال الذي اكتروا منه : سحر والله ! فقال الحسن : والله ليس بالسحر ولكن دعوة ابن نبيّ مجابة ، فصعدوا إلى النخلة حتّى صرموا (١) ما كان فيها ، وما كان كفاهم» .

___________________

(١) صرم : الصرم : القطع البائن للحبل والعذق ، وقد صرم العذق عن النخلة ، «لسان العرب ـ صرم ـ ١٢ : ٣٣٤» .

٣٠٩

٤ ـ فصل :

في ظهور آياته من إظهار بعض حكم القيامة ، وأحوالها في الدنيا

وفيه : حديث واحد

٢٥٩ / ١ ـ عليّ بن رئاب ، قال : سمعت أبا عبد الله عليه السلام يحدّث عن آبائه أنّه أتى آت الحسن بن عليّ عليهما السلام ، فقال : ما عجز عنه موسىٰ عليه السلام من مسألة الخضر عليه السلام ، فقال : من الكنز الأعظم .

ثمّ ضرب بيده على منكب الرجل فقال : «إيه» ثمّ ركض ما بين يديه ، فانفلق عن انسانين على صخرة ، يرتفع منهما بخار أشدّ نتناً من الخبال وفي عنق كلّ واحد منهما سلسلة وشيطان مقرون به ، وهما يقولان : يا محمّد ، يا محمّد . والشيطانان يردَّان عليهما : كذبتما .

ثمّ قال : «انطبقي عليهما إلى الوقت المعلوم الذي لا يقدَّم ولا يؤخر» وهو خروج القائم المنتظر عليه السلام ، فقال الرجل : سحر . ثمّ ولّى على أن يخبر بضد ذلك فخرس .

وفي ذلك آيات بينات .

___________________

١ ـ عنه مدينة المعاجز : ٢٠٧ / ٣٦ .

٣١٠

٥ ـ فصل :

في بيان آياته في انقلاب الرجل امرأة والإِمرأة رجلًا

وفيه : حديث واحد

٢٦٠ / ١ ـ وجدت في بعض كتب أصحابنا الثقات رضي الله عنهم أنّ رجلاً من أهل الشام أتى الحسن عليه السلام ومعه زوجته ، فقال : يا ابن أبي تراب ـ وذكر بعد ذلك كلاماً نزهت عن ذكره ـ إن كنتم في دعواكم صادقين فحوّلني امرأة وحوّل امرأتي رجلاً . كالمستهزئ في كلامه ، فغضب عليه السلام ، ونظر إليه شزراً ، [ وحرّك شفتيه ] (١) ودعا بما لم يُفهم ، ثمّ نظر إليهما ، وأحدَّ النظر ، فرجع الشاميّ إلى نفسه وأطرق خجلاً ووضع يده على وجهه ، ثمّ ولّى مسرعاً ، وأقبلت امرأته (٢) ، وقالت : والله إنّي صرت رجلاً .

وذهبا حيناً من الزمان ، ثمّ عادا إليه وقد ولد لهما مولود ، وتضرّعا إلى الحسن عليه السلام تائبين ومعتذرين ممّا فرطا فيه ، وطلبا منه انقلابهما إلى حالتهما الأولىٰ ، فأجابهما إلى ذلك ، ورفع يده ، وقال : «اللَّهمَّ إن كانا صادقين في توبتيهما فتب عليهما ، وحوّلهما إلى ما كانا عليه» فرجعا إلى ذلك لا شك فيه ولا شبهة .

___________________

١ ـ مناقب ابن شهراشوب ٤ : ٨ ، باختلاف ، الصراط المستقيم ٢ : ١٧٧ ، باختصار ، اثبات الهداة ٢ : ٥٦٧ ، نحوه .

(١) من ر .

(٢) في ر : زوجته .

٣١١

٦ ـ فصل :

في بيان آياته فيما أعطاه جبرئيل من فاكهة الجنّة

وفيه : حديث واحد

٢٦١ / ١ ـ عن أبي الحسن عامر بن عبد الله ، عن أبيه ، عن الصادق عليه السلام ، عن آبائه ، عن الحسين عليه السلام ، قال : «دخلت مع الحسن عليه السلام على جدّي رسول الله (ص) وعنده جبرئيل عليه السلام في صورة دحية الكلبيّ ، وكان دحية إذا قدم من الشام على رسول الله (ص) حمل لي ولأخي خرنوباً (١) ونبقاً وتيناً ، فشبّهناه بدحية بن خليفة الكلبيّ ، وإنّ دحية كان يجعلنا نفتش كمّه ، فقال جبرئيل عليه السلام : يا رسول الله ، ما يريدان ؟ قال : «إنّهما شبّهاك بدحية بن خليفة الكلبي ، وإن دحية كان يحمل لهما إذا قدم من الشام نبقاً وتيناً وخرنوباً» .

قال : «فمدّ جبرئيل عليه السلام يده إلى الفردوس الأعلى ، فأخذ منه نبقاً (٢) وخرنوباً وسفرجلاً ورمّاناً فملأنا به حجرنا» .

قال : «فخرجنا مستبشرين ، فلقينا أبونا أمير المؤمنين عليّ عليه

___________________

١ ـ روضة الواعظين : ١٥٩ .

(١) في ر : ثوباً .

(٢) في ر : تيناً .

٣١٢

السلام فنظر إلى ثمرة لم ير مثلها في الدنيا ، فأخذ من هذا ، ومن هذا واحداً واحداً ، ودخل على رسول الله (ص) وهو يأكل فقال : «يا أبا الحسن ، كُل وادفع إليَّ أوفر نصيب ، فإنّ جبرئيل عليه السلام أتى به آنفاً» .

٣١٣

٧ ـ فصل :

فيما ظهر من آياته من الإِخبار بالغائبات

وفيه : أربعة أحاديث

٢٦٢ / ١ ـ عن داود الرقيّ ، عن أبي عبد الله عليه السلام ، عن آبائه عليهم السلام ، قال : «إنّ الحسن بن عليّ عليه السلام قال لولده عبد الله : يا بني ، إذا كان في عامنا هذا يدفع إليَّ هذا الطاغي جارية تسمّى (أنيس) فتسمّني بسمّ قد جعله الطاغي تحت فصّ خاتمها . قال له عبد الله : فلم لا تقتلها قبل ذلك ؟! قال : يا بني جفَّ القلم ، وأبرم الأمر فانعقد ، ولا حلّ لعقد الله [ المبرم ] (١) .

فلمّا كان في العام القابل أهدي إليه جارية اسمها (أنيس) فلمّا دخلت عليه ضرب بيده على منكبها ، ثمّ قال : يا أنيس ، دخلتِ النار بما تحت فصّ خاتمك» .

٢٦٣ / ٢ ـ عن أبي أسامة زيد الشحام ، عن أبي عبد الله عليه

___________________

١ ـ مناقب ابن شهراشوب ٤ : ٨ ، نحوه ، مدينة المعاجز : ٢٠٩ / ٤٤ .

(١) من ر .

٢ ـ اثبات الوصية : ١٣٥ ، الكافي ١ : ٤٦٣ / ٦ ، دلائل الإِمامة : ٦٨ ، الخرائج والجرائح ١ : ٢٣٩ ، مناقب ابن شهراشوب ٤ : ٧ ، عيون المعجزات : ٦٢ ، كشف الغمة ١ : ٥٥٧ ، الصراط المستقيم ٢ : ١٧٧ ، مدينة المعاجز : ٢٠٥ / ٢٧ ، وسائل الشيعة ٨ : ٥٥ / ٨ ، مختصراً ، اثبات الهداة ٢ : ٥٥٦ ، وفي الكل ورد باختلاف يسير .

٣١٤

السلام ، قال : «خرج الحسن بن عليّ عليهما السلام إلى مكة ماشياً سنة من السنين ، فورمت قدماه ، فقال بعض مواليه : لو ركبت لسكن عنك بعض هذا الورم الذي برجلك .

قال : كلا ، إذا أتينا المنزل فإنّه سيستقبلك عبد أسود ، معه دهن لهذا الورم ، فاشتر منه ولا تماكسه . فقال مولاه : بأبي أنت وأمّي ، ليس أمامنا منزل فيه أحد يبيع هذا الدواء ! قال : بلى ، إنّه أمامك دون المنزل .

فسارا أميالاً ، فإذا الأسود يستقبله ، فقال الحسن عليه السلام : دونك الرجل فخذ منه الدهن واعطه ثمنه . فقال له الأسود : ويحك يا غلام ، لمن أردت هذا الدهن ؟ قال : للحسن بن عليّ عليهما السلام قال : انطلق بي إليه .

فأخذ بيده حتّى أدخله عليه ، فقال : بأبي أنت وأمّي ، لم أعلم أنّك تحتاج إليه ، ولا أنّه يراد ذلك ، ولست آخذ له ثمناً ، إنّما أنا مولاك ، ولكن ادعو الله أن يرزقني ذكراً سوياً ، يحبكم أهل البيت ، فإنّي خلّفت امرأتي وقد أخذها الطلق (١) .

فقال له الحسن عليه السلام : انطلق إلى منزلك ، فإنّ الله تبارك وتعالى وهب لك ذكراً سوياً ، وهو لنا شيعة .

فرجع الأسود من فوره ، فإذا بأهله قد وضعت غلاماً سوياً ، فرجع إلى الحسن عليه السلام فأخبره بذلك ، ودعا له خيراً ، ومسح الحسن عليه السلام بذلك الدهن رجليه فما برح من مجلسه حتّى سكن ورمه ، ومشى على قدميه» .

___________________

(١) زاد في ر : تمخض ؛ وهي بمعنى : أخذها الطلق راجع لسان العرب : ٧ : ٢٢٨ (مخض) .

٣١٥

٢٦٤ / ٣ ـ عن الباقر عليه السلام ، عن آبائه عليهم السلام ، عن حذيفة ، قال : بينا رسول الله (ص) على جبل أحد في جماعة من المهاجرين والأنصار إذ أقبل الحسن بن عليّ عليه السلام يمشي على هدوء ووقار ، فنظر إليه رسول الله (ص) فرمقه من كان معه ، فقال له بلال : يا رسول الله ، ما ترى أحداً بأحُد ؟! فقال (ص) : «إنّ جبرئيل عليه السلام يهديّه ، وميكائيل يسدده ، وهو ولدي والطاهر من نفسي ، وضلع من أضلاعي ، هذا سبطي وقرَّة عيني بأبي هو» .

وقام ، وقمنا معه ، وهو يقول : «أنت تفاحي وأنت حبيبي وبهجة قلبي» وأخذ بيده ، [ فمشى معه ] (١) ونحن نمشي حتّى جلس وجلسنا حوله ، فنظرنا إلى رسول الله (ص) وهو لا يرفع بصره عنه ، ثمّ قال : «إنّه سيكون بعدي هادياً مهدياً ، هدية من ربّ العالمين لي ، ينبئ عنّي ، ويعرّف الناس آثاري ويحيي سنّتي ، ويتولى أموري في فعله ، وينظر الله تعالى إليه ، ويرحمه ، رحم الله من عرف له ذلك وبرّني فيه ، وأكرمني فيه» .

فما قطع صلوات الله عليه وآله كلامه حتّى أقبل إلينا أعرابي يجرّ هراوة له ، فلمّا نظر إليه (ص) قال : «قد جاءكم رجل يكلمكم بكلام غليظ تقشعر منه جلودكم ، وإنّه يسألكم عن أمور ، ألا إنّ لكلامه جفوة» فجاء الأعرابي فلم يسلّم ، فقال : أيّكم محمّد ؟ قلنا : ما تريد ؟ فقال (ص) : «مهلًا» فقال : يا محمّد ، قد كنت أبغضك ولم أرك ، والآن قد ازددت لك بغضاً . فتبسّم رسول الله (ص) وغضبنا لذلك ، فأردنا للأعرابي إرادة ، فأومأ إلينا رسول الله (ص) أن امسكوا (٢) ، فقال الأعرابي : يا محمّد ، إنّك تزعم أنّك نبيّ ، وأنّك قد كذبت على

___________________

٣ ـ العدد القوية : ٤٢ / ٦٠ .

(١) من ر .

(٢) في م : اسكتوا .

٣١٦

الأنبياء ، وما معك من دلائلهم شيء .

فقال النبيّ (ص) : «يا أعرابي ، وما يدريك ؟» قال : فخبّرني ببراهينك .

قال : «إن أحببت أخبرتك كيف خرجت من منزلك ، وكيف كنت في نادي قومك ، وإن أردت أخبرك عضو من أعضائي ، فيكون ذلك أوكد لبرهاني» قال : أو يتكلم العضو ؟! قال : «نعم ، يا حسن قم» .

فازدرى الأعرابي نفسه وقال : هو لا يأتي ويأمر صبيّاً يكلّمني ؟! قال : «إنك ستجده عالماً بما تريد» فابتدر الحسن فقال : «مهلاً يا أعرابي :

ما غبياً سألت وابن غبي

بل فقيهاً اذن وأنت الجهول

فإن تك قد جهلت فإنّ عندي

شفاء الجهل ما سأل السؤول

وبحراً لا تقسّمه الدوالي

تراثاً كان أورثه الرسول

لقد بسطت لسانك ، وعدوت طورك ، وخادعتك نفسك ، غير أنّك لا تبرح حتّى تؤمن إن شاء الله تعالى» فتبسّم الأعرابي وقال : هيهات (١) .

فقال له الحسن عليه السلام : «قد اجتمعتم في نادي قومك ، وقد تذاكرتم ما جرى بينكم على جهلٍ ، وخرقٍ منكم ، فزعمتم أنّ محمّداً صنبور (٢) ، والعرب قاطبة تبغضه ، ولا طالب له بثأره ، وزعمت أنّك قاتله وكاف قومك مؤونته ، فحملت نفسك على ذلك ، وقد أخذت قضاتك بيدك تؤمه وتريد قتله ، تعسر عليك مسلكك ، وعمى عليك بصرك ، وأبيت إلّا ذلك ، فأتيتنا خوفاً من أن يستهزئوا بك ، وإنّما جئت

___________________

(١) في م : مه .

(٢) الصنبور : أي أبتر لا عقب له ولا أخ فإذا مات انقطع ذكره . «لسان العرب ـ صنبر ـ ٤ : ٤٦٩» .

٣١٧

لخير يراد بك .

أنبئك عن سفرك : خرجت في ليلة ضحياء (١) ، إذ عصفت ريح شديدة اشتدَّ منها ظلماؤها ، وأطبقت سماؤها ، وأعصر سحابها ، وبقيت محر نجماً (٢) كالأشقر إن تقدم نُحر ، وإن تأخر عُقر ، لا تسمع لواطئ حسّاً ، ولا لنافخ خرساً (٣) ، تدالت عليك غيومها ، وتوارت عنك نجومها ، فلا تهتدي بنجم طالع ، ولا بعلمٍ لامع ، تقطع محجّة وتهبط لجّة بعد لجّة ، في ديمومة قفر ، بعيدة القعر ، مجحفة بالسفر ، إذا علوت مصعداً وأرادت الريح تخطفك ، والشوك تخبطك ، في ريح عاصف وبرق خاطف ، قد أوحشتك قفارها ، وقطعتك سلامها ، فانصرفت فإذا أنت عندنا ، فقرّت عينك وظهر زينك (٤) ، وذهب أنينك» .

قال : من أين قلت ـ يا غلام ـ هذا ؟! كأنّك قد كشفت عن سويداء قلبي ، وكأنّك كنت شاهدي ، وما خفي عليك شيء من أمري ، وكأنّك عالم الغيب ، يا غلام ، لقّني الإِسلام .

فقال الحسن عليه السلام : «الله أكبر ، قل : أشهد أن لا إله إلَّا الله ، وحده لا شريك له ، وأنّ محمّداً عبده ورسوله» .

فأسلم الرجل وحسن إسلامه ، وسرَّ رسول الله (ص) ، وسرّ المسلمون وعلّمه رسول الله (ص) شيئاً من القرآن ، فقال : يا رسول الله ، أرجع إلى قومي وأعرّفهم ذلك . فأذن له ، فانصرف ، ثمّ رجع

___________________

(١) ليلة ضحياء : مضيئة لا غيم فيها . «لسان العرب ـ ضحا ـ ١٤ : ٤٧٩» .

(٢) أحرنجم : اجتمع . والمراد انطوىٰ على نفسه . «لسان العرب ـ حرجم ـ ١٢ : ١٣٠» .

(٣) ولا لنافخ خرسا : المراد ولا لأحد صدىٰ . «لسان العرب ـ نفخ ـ ٣ : ٦٣ ، و ـ خرس ـ ٦ : ٦٢» .

(٤) في بعض النسخ : ذهنك .

٣١٨

ومعه جماعة من قومه ، فدخلوا في الإِسلام .

وكان الحسن عليه السلام إذا نظر إليه الناس قالوا : لقد أعطي هذا ما لم يعط أحدٌ من العالمين .

٢٦٥ / ٤ ـ وروي أنّ أمير المؤمنين عليه السلام كان في الرحبة ، فقام إليه رجل ، وقال : أنا من رعيتك وأهل بلادك .

فقال عليه السلام : «لست من رعيتي ولا من أهل بلادي ، وإنّ ابن الأصفر (١) بعث إلى معاوية بمسائل أقلقته ، فأرسلك إليّ بها» . قال : صدقت يا أمير المؤمنين ، كان في خفية وأنت قد اطلعت عليها ، ولم يعلم غير الله .

قال : «سل أحد ابني هذين» . قال : اسأل ذا الوفرة (٢) ـ يعني الحسن عليه السّلام ـ فأتاه فقال : «جئت لتسأل (٣) : كم بين الحقّ والباطل ؟ وكم بين السّماء والأرض ؟ وكم بين المشرق والمغرب ؟ وما قوس قزح ؟ وما المؤنث ؟ وما عشرة أشياء بعضها أشدّ من بعض ؟» [ قال : نعم ] (٤) .

قال الحسن عليه السّلام : «بين الحقّ والباطل أربعة أصابع ، فما

___________________

٤ ـ الخصال : ٤٤٠ / ٣٣ ، الاحتجاج : ٣٩٨ ، الخرائج والجرائح ٢ : ٥٧٢ ، روضة الواعظين : ٥٧ ، تحف العقول : ٢٢٨ ، الصراط المستقيم ٢ : ١٧٨ ، مختصراً ، حلية الأبرار ١ : ٥٠٣ ، مدينة المعاجز : ٢٢٢ / ٧٨ ، الوسائل ٨ : ٤٤٨ / ٥ .

(١) ابن الأصفر : أي ملك الروم ، لأن أباهم الأوّل كان أصفر اللون . «لسان العرب ـ صفر ـ ٤ : ٤٦٥» .

(٢) الوفرة : شعر الرأس إذا وصل إلى شحمة الأذن . «لسان العرب ـ وفر ـ ٥ : ٢٨٨» .

(٣) في بعض النسخ : أسألك .

(٤) من ر .

٣١٩

رأيته بعينك فهو الحقّ وما سمعته (١) بأذنيك باطل كثير ، وبين السّماء والأرض دعوة المظلوم مدّ البصر ؛ وبين المشرق والمغرب مسيرة يوم للشمس ؛ وقزح اسم للشيطان ، لا تقل قوس قزح ، هو قوس الله ، وعلامة الخصب ، وأمان لأهل الأرض من الغرق ،

وأمّا المؤنث فهو من لا يدري أذكر هو أم أنثى ، فإنّه ينتظر فيه ، فإن كان ذكراً احتلم ، وإن كانت أنثى حاضت وبدا ثدياها ، وإلّا قيل له : بل ، فإن أصاب بوله الحائط فهو ذكر ، وإن انتكص بوله على رجليه كما ينتكص بول البعير فهو امرأة .

وأمّا عشرة أشياء بعضها أشدّ من بعض فأشد شيء خلقه الله الحجر ، وأشدّ منه الحديد ، يقطع به الحجر ، وأشدّ من الحديد النّار ، تذيب الحديد ، وأشدّ من النّار الماء ، يطفئ النّار ، وأشدّ من الماء السحاب ، يحمل الماء ، وأشدّ من السحاب الريح ، تحمل السحاب ، وأشدّ من الريح الملك الذي يردّها ، وأشدّ من الملك ملك الموت الَّذي يميت الملك ، وأشدّ من ملك الموت الموت الذي يميت ملك الموت ، وأشدّ من الموت أمر الله تعالى [ الذي ] يدفع الموت»

___________________

(١) في ر : تسمعه .

٣٢٠