الثّاقب في المناقب

عماد الدين أبي جعفر محمّد بن علي الطوسي [ ابن حمزة ]

الثّاقب في المناقب

المؤلف:

عماد الدين أبي جعفر محمّد بن علي الطوسي [ ابن حمزة ]


المحقق: الشيخ نبيل رضا علوان
الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة أنصاريان للطباعة والنشر
المطبعة: مطبعة القدس
الطبعة: ٤
ISBN: 978-964-438-681-7
الصفحات: ٧٠١

رسول الله (ص) ، فقرّب ورحّب ، ثمّ قال : «إنّ لي في الدلالة دليلاً على ما تريدين ، افتريدين مني دلالة الإِمامة ؟» فقلت : نعم .

فقال : «هاتي ما معك» . فناولته الحصاة ، فطبع لي فيها .

قالت ثمّ أتيت عليّ بن الحسين زين العابدين عليه السلام ، وقد بلغني (١) الكبر إلى أن عييت ، وأنا أعدّ يومئذ مائة وثلاث عشرة سنة ، فرأيته راكعاً وساجداً مشغولاً بالعبادة ، فيئست من الدلالة فأومى إلي بالسبابة ، وعاد إلي شبابي .

قالت : فقلت : يا سيّدي كم مضى من الدنيا وكم بقي ؟

فقال : «أمّا ما مضى ، فنعم ، وأما ما بقي ، فلا» .

ثم قال : «هاتي ما معك» ، فأعطيته الحصاة ، فطبع لي فيها .

ثمّ أتيت أبا جعفر عليه السلام ، فطبع لي فيها .

ثمّ أتيت أبا عبد الله جعفراً الصادق عليه السلام فطبع لي فيها .

ثمّ أتيت أبا الحسن موسى عليه السلام فطبع لي فيها .

ثمّ أتيت الرضا عليه السلام فطبع لي فيها .

وعاشت حبابة بعد ذلك تسعة أشهر على ما ذكر محمّد بن هشام .

ولخليل الله إبراهيم عليه السلام قصة أخرى في القرآن ، وهي قوله تعالى : ( وَكَذَٰلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ ) (٢) .

___________________

(١) في ص : بلغ بي .

(٢) سورة الأنعام / الآية : ٧٥ .

١٤١

١٣٣ / ٥ ـ فروى عمران ، عن أبي جعفر عليه السلام ، قال : «كشط له عن السموات حتّى نظر إلى العرش والكرسي والسموات والأرض» .

وقد أعطى الله تبارك وتعالى أمير المؤمنين عليه السلام ما يحاكي ذلك .

١٣٤ / ٦ ـ وهو ما روي عن الطاهرين عليهم السلام في تفسير قوله تعالى : ( فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَىٰ ) (١) أنّ رسول الله (ص) لمّا عرج به إلى السماء ، رفع الله تعالى الحجاب بينه وبين عليّ ، حتّى نظر إلى حيث وضع (ص) قدمه . وبيان ذلك .

١٣٥ / ٧ ـ ما حدّث المعلى بن هلال عن الكلبيّ ، عن أبي صالح ، عن ابن عبّاس رضي الله عنه أنه ، قال : سمعت رسول الله (ص) يقول : «أعطاني الله تعالى خمساً ، وأعطى عليّاً خمساً .

أعطاني جوامع الكلم ، وأعطى عليّاً جوامع العلم ، وجعلني نبيّاً ، وجعله وصيّاً ، وأعطاني الكوثر وأعطاه (٢) السلسبيل ، وأعطاني الوحي ، وأعطاه الإِلهام ، وأسري بي إلى السماء ، وفتح له أبواب السماوات والحجب حتّى نظر إلي ونظرت إليه» .

قال : ثمّ بكىٰ رسول الله (ص) ، فقلت له : ما يبكيك ، فداك أبي

___________________

٥ ـ الاختصاص : ٣٢٢ ، بصائر الدرجات : ١٢٦ ـ باب ٢٠ ـ مفصلاً ، تفسير البرهان ١ : ٥٣٢ / ٨ ، تفسير التبيان ٤ : ١٧٧ ، مجمع البيان ٢ : ٣٢٢ .

٦ ـ أخرجه في البحار ١٨ / ٣٧٠ / ٧٧ عن الأمالي للشيخ الطوسي نحوه

(١) سورة النجم / الآية : ٩ .

٧ ـ فضائل شاذان بن جبرائيل ٥ / ١٦٨ ، بشارة المصطفى : ٤١ ، وروي صدر الحديث في الخصال : ٣٩٣ / ٥٧ ، أمالي الطوسي ١ : ١٩١ و ١٩٢ ، روضة الواعظين : ١٠٩ ،

(٢) في ص : واعطى عليَّاً .

١٤٢

وأمي ؟ قال : «يا بن عبّاس إنّ أوّل ما كلمني به ربّي ، أن قال لي : يا محمّد انظر تحتك ، فنظرت إلى الحجب قد انخرقت ، وإلى أبواب السماء قد فتحت ، ونظرت إلى عليّ وهو رافع رأسه إلى السماء ، فكلمني وكلمته» .

فقلت : يا رسول الله ، حدّثني بما كلمك به ربّك .

قال : قال لي : يا محمّد قد جعلت عليّاً وصيّك ووزيرك وخليفتك من بعدك ، فاعلمه ، فها هو يسمع كلامك . فأعلمته ، وأنا بين يدي ربّي عزّ وجلّ ، فقال لي : قد قبلت .

فأمر الله تعالى الملائكة أن يسلموا عليه ففعلت ، فردّ عليهم السلام ، فرأيت الملائكة يتباشرون ، فما مررت بملأ من الملائكة إلّا وهم يهنئوني ، ويقولون : يا محمّد والذي بعثك بالحقّ نبيّاً ، لقد دخل السرور على جميع الملائكة .

ورأيت حملة العرش قد نكسوا رؤوسهم فقلت : يا جبرائيل ، لم نكسوا رؤوسهم ؟ فقال : يا محمّد ما من ملك من الملائكة إلّا وقد نظر إلى عليّ ما خلا حملة العرش ، فإنّهم استأذنوا الله عزّ وجلّ في هذه الساعة أن ينظروا إلى عليّ ، فأذن لهم .

فلمّا هبط جعلت أعلمه بذلك ، وهو يخبرني به ، فعلمت أنّي لم أطأ موطئاً إلّا وقد كشف لعليّ عنه ، حتّى نظر إليه ، لمّا رأيت من علمه به» .

قال ابن عباس : قلت : يا رسول الله ، أوصني قال : «عليك بحبّ عليّ بن أبي طالب» .

قال : قلت : يا رسول الله ، أوصني . قال : «عليك بحبّ عليّ» .

ثم قلت : يا رسول الله ، أوصني . قال : «يا ابن عبّاس ، والَّذي بعثني بالحقّ نبيّاً ، لا يقبل الله من عبد حسنة حتّى يسأله عن حبّ عليّ

١٤٣

ابن أبي طالب ، وهو أعلم بذلك ، فإن كان من أهل ولايته قُبل عمله ويؤمر به إلى الجنّة ، وإن لم يكن في أهل ولايته ، لم يسأله عن شيء ، ويؤمر به إلى النار ، وإنّ النار لأشد غيظاً (١) على مبغض عليّ منها على من زعم أنّ لله ولد .

يا ابن عباس لو أنّ الملائكة المقربين ، والأنبياء والمرسلين ، أجمعوا على بغضه لعذّبهم الله بالنار ، وما كانوا ليفعلوا ذلك» .

قلت : يا رسول الله ، وكيف يبغضونه ؟ قال : «يا ابن عبّاس ، قوم يذكرون أنّهم من أمّتي ، ولم يجعل الله لهم في الإِسلام نصيباً ، يفضّلون عليه غيره ، والذي بعثني بالحقّ ، ما بعث الله نبيّاً أكرم عليه منّي ، ولا وصيّاً أكرم عليه من عليّ وصيّي» .

قال ابن عبّاس رضي الله عنه : فلم أزل له كما أمرني رسول الله (ص) ، وإنّه لأكبر عملي .

فلمّا حضر رسول الله (ص) الوفاة قلت له : فداك أبي وأمّي يا رسول الله ما تأمرني به قال : «يا ابن عبّاس ، خالف من خالف عليّاً ، ولا تكونن لهم ظهيراً ولا ولياً» .

قلت : يا رسول الله ، فلم لا تأمر الناس بترك مخالفته ؟

قال : فبكى حتّى أغمي عليه ، ثمّ أفاق .

فقال : «يا ابن عبّاس سبق فيهم علم ربّي ولا يخرج الله أحداً من الدنيا ممّن خالفه ، وأنكر حقّه ، حتّى يغيّر خلقته .

يا ابن عبّاس إذا أردت أن تلقى الله وهو عنك راضٍ ، فاسلك طريقه ، ومل حيث مال ، وارض به إماماً ، وعادِ من عاداه ، ووال من والاه ، ولا يدخلنك فيه شك ، فإن اليسير من الشك كفر بالله تعالى» .

___________________

(١) في م ، هامشي ك وص : غضباً .

١٤٤

٤ ـ فصل :

في بيان آيات إسماعيل ممّا ذكره الله تعالى في القرآن

وفيه : حديثان

إنّ الله سبحانه وتعالى ذكر لإِسماعيل عليه السلام في القرآن آية واحدة ، وفضيلة رائقة في حال كونه طفلاً فالآية .

١٣٦ / ١ ـ ما ذكر المفضّل بن عمر ، عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال : «لمّا وضعه إبراهيم بأرض مكّة ، ومعه أمّه هاجر ، ونفد ماؤهما ، وخرجت هاجر ، فصعدت على الصفا ، ثمّ أقبلت راجعة إلى إسماعيل عليه السلام ، فإذا عقبه يفحص في الماء ، فجمعته ، ولو تركته لساح» .

وفي الحديث طول ، وقد جعل الله ما يوافق ذلك للرضا عليّ بن موسى عليهما السلام .

١٣٧ / ٢ ـ وهو ما حدّث به أبو الصلت عبد السلام بن صالح الهروي الفقيه ، قال : لمّا خرج عليّ بن موسى الرضا عليه السلام من نيسابور يريد المأمون ، فبلغ قرب القرية الحمراء قيل له : يا ابن رسول

___________________

١ ـ قصص الأنبياء للراوندي : ١١٠ / ١٠٧ ، تفسير علي بن إبراهيم القمي ١ : ١٦ نحوه .

٢ ـ عيون أخبار الرضا عليه السلام ٢ : ١٣٦ / ١ .

١٤٥

الله قد زالت الشمس أو لا تصلي ؟ فنزل وقال : «إئتوني بماء» فقيل له : ما معنا ماء .

فبحث عليه السلام الأرض بيده فنبع من الأرض الماء فأخذ ما توضَّأ به هو ومن معه .

والماء باق إلى يومنا هذا ، ويقال للمنبع «عين الرضا» ، وإنّ إنساناً حفر المنبع ليجري الماء ، ويتخذ عليه مزرعة ، فذهب الماء وانقطع مدَّة ، ثمّ أهيل التراب فيه ، فعاد الماء ، والموضع مشهور .

وأما فضيلة إسماعيل عليه السلام ، فهو ما نبّه عليه الله تعالى من قوة يقينه ، وتسليمه لأمر الله تعالى ، والانقياد لحكمه ، والصبر على ما ابتلاه به من الذبح ، وعظيم المحنة ، وشديد البلوى ، كما قال الله تعالى : ( إِنِّي أَرَىٰ فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَىٰ قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِن شَاءَ اللَّـهُ مِنَ الصَّابِرِينَ ) (١) .

وقد وقع لعليّ عليه السلام مثل ذلك ، حين أمر الله تبارك وتعالى نبيّه (ص) بالخروج من مسقط رأسه ، مهاجراً إلى المدينة ، إذ لم يبق بها ناصر ، وقد تألب المشركون عليه واجتمعوا ، وصارت كلمتهم واحدة على ذلك ، وأمره الله تعالى أن يلتمس من ينام مكانه ، ويقوم مقامه ، ويعرض للأعداء نحره ، وللبلاء صدره ، ليدفع به عن نفسه مضرّة البوار ، ومعرّة (٢) الكفار ، فذكر (ص) ذلك لعليّ عليه السلام ، فهشّ إليه ، وما تلكأ ، وأسرع إلى الامتثال ، وتلقى بالقبول والإِقبال عليه ، ونام على الفراش غير مكترث ، وتعرض للأعداء والقتل غير محتفل ، وقد أنزل الله تبارك وتعالى في شأنه : ( وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّـهِ وَاللَّـهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ ) (٣) .

___________________

(١) سورة الصافات / الآية : ١٠٢ .

(٢) في ع : معركة .

(٣) سورة البقرة / الآية : ٢٠٧ .

١٤٦

٥ ـ فصل :

في ذكر آيات يوسف

وفيه : حديثان

إنّ الله سبحانه وتعالى قد ذكر للصديق يوسف عليه السلام في القرآن آية واحدة ، وهي قوله تعالى : ( قَالَ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَن نَّفْسِي وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّنْ أَهْلِهَا إِن كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكَاذِبِينَ * وَإِن كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ ) (١) .

وسبب ذلك أنّ العزيز لمّا دخل داره ، وقد راودت امرأته يوسف عليه السلام عن نفسه ، ولم يجبها إلى ما التمست ، وقد تعلّقت به : ( قَالَتْ مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءًا إِلَّا أَن يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ) (٢) وقال يوسف : ( هِيَ رَاوَدَتْنِي عَن نَّفْسِي ) (٣) .

وكان هناك مهد فيه طفل رضيع ، فسأله يوسف عليه السلام ، فشهد له بما ذكره الله تعالى في كتابه .

وقد أعطى الله تعالى عليّ بن الحسين عليه السلام ما يزيد على ذلك :

___________________

(١) سورة يوسف / الآيتان : ٢٦ ـ ٢٧ .

(٢) سورة يوسف / الآية : ٢٥ .

(٣) سورة يوسف / الآية : ٢٦ .

١٤٧

١٣٨ / ١ ـ وهو ما روى عمّار الساباطي ، قال : سمعت أبا جعفر عليه السلام أنّه قال : «لمّا قتل الحسين بن عليّ عليهما السلام ، وأقبل محمّد بن الحنفية إلى عليّ بن الحسين بن عليّ عليهم السلام وقال : له ما الذي فضّلك عليَّ ، وأنا أكثر رواية ، وأسن منك .

قال : كفى بالله شهيداً يا عمّ ، قال له محمّد بن الحنفية : أحلت على غائب .

قال : وكان في دار عليّ بن الحسين عليهما السلام شاة حلوب فقال : «اللهم انطقها ، اللهمّ انطقها» .

فقالت الشاة : يا عليّ بن الحسين إنَّ الله استودعك علمه ووحيه (١) ، فأمر سودة الخادمة تتخذ لي العلف .

قال : فصفق محمّد بن الحنفية على وجهه ، ثمّ قال : أدركني أدركني يا ابن أخي ، ثمّ ضرب بيده على كتفه فقال : اهتد هداك الله» .

وقد ذكر الله سبحانه وتعالى ليوسف عليه السلام آية أخرى في كتابه بقوله : ( فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ وَأَجْمَعُوا أَن يَجْعَلُوهُ فِي غَيَابَتِ الْجُبِّ وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُم بِأَمْرِهِمْ هَـٰذَا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ ) (٢) فلمّا ألقوه في غيابت الجبّ ، وقَّاه الله تعالى سوء صنيعهم ، وحفظه من الردى ، وجنبه الأذى ، بحيث لم ينله ألم ، ولم تزل به قدم ، ولم يصبه نصب ، ولم ينبه (٣) وصب (٤) وقد أكرم الله تعالى الباقر عليه السلام بما يوازي ذلك ويضاهيه :

___________________

١ ـ مدينة المعاجز : ٣٢٢ / ١٠٥ عنه .

(١) في ص ، ع : ورحمته .

(٢) سورة يوسف / الآية : ١٥ .

(٣) يَنِبْهُ : أي يصبه ، انظر : «الصحاح ١ : ٢٢٩» . وفي ع : يثنيه .

(٤) الوصب : أي المرض . «القاموس المحيط ـ وصب ـ ١ : ١٤٢» .

١٤٨

١٣٩ / ٢ ـ على ما رواه الموليني في تصنيفه في (سير الأئمة) بإسناده أنّ الباقر عليه السلام كان صبيَّاً ، فجاء إلى رأس بئر في داره ، فوقع فيها ، فأحسّت به أمُّه ، فصاحت ، وأخبرت أباه زين العابدين عليه السلام وهو يصلّي ، فلم يقطع الصلاة ، ولم يخففها ، ولم يضطرب في صلاته ، فرجعت عنه إلى رأس البئر ، وطفقت تبكي وتنظر في البئر ، وتتردد ذاهبة إلى أبيه وجائية إلى البئر ، إلى أن تمكّن منها الحزن ، وغلب عليها الضعف ، فقالت : ما أغلظ أكبادكم يا معشر بني هاشم ، فلمّا سمع ذلك زين العابدين عليه السلام ، أتمّ صلاته ، وجاء إلى رأس البئر ، وأدخل يده فيها ، وتناوله وأخرجه ، وقال : «خذيه يا ضعيفة اليقين» ، فلمّا نظرت إليه استبشرت ، وضحكت سروراً به ، ثمّ بكت من قوله عليه السلام : «يا ضعيفة اليقين» .

وفي ذلك آية أخرى لزين العابدين عليه السلام ، إذ أخرجه من البئر العميقة من غير حبل ورشاء .

___________________

٢ ـ مناقب ابن شهراشوب ٤ : ١٣٥ ، العدد القوية : ٦٣ / ٨٢ ، باختلاف يسير

١٤٩

٦ ـ فصل :

في ذكر آيات أيوب



إنّ الله سبحانه وتعالى لمّا ابتلى أيوب عليه السلام بما ابتلاه في نفسه وأهله وماله وولده ، فصبر عليه ، وسلّم لأمر ربّه تعالى ، وأثابه على ذلك ، وعوّضه من جميع ذلك ، وردّ عليه أهله وماله ومثلهم معهم ، فلمّا استكمل أيّام محنته ، صابراً على بليته ( نَادَىٰ رَبَّهُ ) وقال : ( أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ ) (١) فقال تعالى : ( ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَـٰذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ ) (٢) وركض برجله الأرض ، وظهرت له منها عين ماء فاغتسل منها ، وشرب وذهب عنه ما كان يجده من الوجع ، ورجع إليه شبابه ، وأتاه أهله ، ومثلهم معهم ، رحمة من ربّه عزّ وجلّ .

وإنّ أئمتنا عليهم السلام قد صبروا على أذيّة كلّ جبّار عنيد ، وشيطان مريد ، وعلى كلّ محنة قد طار شررها ، وشديدة قد استطار ضررها ، فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله ، وما ضعفوا وما استكانوا ، وجعل الله لهم ما هو أزيد من ذلك وأوكد رحمة منه .

وإنّ الحسين عليه السلام لمّا قتل في سبيل الله وصبر عليه ، ولم

___________________

(١) سورة ص / الآية : ٤١ .

(٢) سورة ص / الآية : ٤٢ .

١٥٠

يبق منه غير زين العابدين عليّ بن الحسين عليهما السلام ، فبارك الله عليه ، وأخرج (١) من صلبه الأئمة الهداة ، وجعلهم حججاً على بريّته وقادة الحق إلى جنّته ، وجعلهم نجوماً زاهرة يهتدى بهم في ظلمات الشبهات ، إلى محجة الدين ، وجادة اليقين ، كلّما غاب منهم نجم طلع آخر مكانه وزيّن به زمانه ، لا ينقطع ضياؤه ولا يخمد بهاؤه ، ما بقي من الدنيا أثر ، ثمّ قد طبَّق الأرض من ولده بكلّ سيّد شريف ، وحلاحل (٢) غطريف ، (٣) ، قد بلغ السماء قدراً ، وحاز من مجلس الشرف صدراً .

وأمّا رجوع الشباب إليه فقد أعطي زين العابدين عليه السلام ما هو أفضل من ذلك ، وهو ما أوردناه في هذا الكتاب ، من نظره إلى حبابة الوالبية بعد ما كبرت وشاخت ، فرجع إليها الشباب في الحال ، وعاشت مدة مديدة .

وأمّا ما نبع من العين وفار منها من الماء ، ورجوع صحته إليه . فقد أوردنا في هذا الكتاب ما يزيد على ذلك من آياتهم عليهم السلام ، من خروج الماء من الحجر ، ومن إشارتهم إلى المريض حتّى ذهب عنه المرض ورجع إليه الصحّة ، على ما سنفصّل ذلك في موضعه إن شاء الله تعالى .

___________________

(١) في ع : وجعل .

(٢) الحلاحل : السيد الشجاع أو الضخم الكثير المروءة . «القاموس المحيط ٣ : ٣٧١» .

(٣) الغطريف : السيّد السخي . «مجمع البحرين ـ غطرف ـ ٥ : ١٠٦» .

١٥١

٧ ـ فصل :

في بيان آيات كليم الله موسى

وفيه : ثلاثة عشر حديثاً

أوّل آية قد أظهرها الله لموسى عليه السلام ، أنّه خلق في بطن أمّه بحيث لم يعرف أحد بأنّها حامل ، وستر عن جميع الخلق ، حفظاً له عليه السلام ، لأنّ فرعون كان يطلبه ، ويشق في طلبه بطون الحبالى ، لمّا قيل له أنّ زوال ملكه يكون على يد مولود يكون من شأنه كذا وكذا ، فصنع الله تعالى له عليه السلام بذلك ما خفي على الناس أمره .

وقد فعل الله تبارك وتعالى ما يضاهي ذلك لمولانا صاحب الزمان صلوات الله عليه ، حين طلب بنو العبّاس أثره ، وراقبوا أمر أبيه ، لمّا سمعوا أن زوال ملكهم يكون على يد ولد الحسين بن عليّ عليه السلام ، فأخفى الله تعالى أمره ، حتّى لم يعرف أهله بأن أمّه حامل ، حتّى أن حكيمة عليها السلام قالت حين قال لها أبو محمّد عليه السلام : «الليلة يولد حجّة الله من نرجس» قالت : وما نرى بها أثر حبل ؟! فقال : «سيظهر لك وقت الصبح» .

ثمّ لمّا وضع صنع الله تعالى له ما يبهت العقول ، حتّى خفي على الناس أمره .

وأمّا موسى عليه السلام فقد أعطاه الله تبارك وتعالى آيات كثيرة

١٥٢

من اليد البيضاء من غير سوء ، وانقلاب العصا حيّة ، وفلق البحر ، ونتق الجبل فوق أمّته ، وإنزال المنّ والسلوى عليه وعلى أمّته في التيه ، وانفجار الحجر بالماء ، وابتلاع الأرض لقارون بأمره ، وإظلال الغمام على رأسه ورأس أمّته .

وقد أعطى الله سبحانه وتعالى أئمتنا عليهم السلام ما يقارب جميع ذلك ويماثله ويدانيه ويشاكله .

فأما موسى عليه السلام فإنّه أخرج يده بيضاء من غير سوء ، كما قال الله تعالى في غير موضع في كتابه منها : ( وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلَىٰ جَنَاحِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ ) (١) .

وقال : ( أَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ ) (٢) .

وقد أعطى الله تعالى الرضا عليه السلام ما يزيد على ذلك .

١٤٠ / ١ ـ وهو ما روىٰ الحسن بن منصور (٣) ، عن أخيه ، قال : دخلت على الرضا عليه السلام في بيت داخل جوف بيت ، فرفع يديه (٤) وكان ليلاً فكأنّ يده بها ضياء عشرة مصابيح ، فاستأذن عليه رجل ، فخلى يده ثمّ أذن له .

وأمّا انقلاب العصا حيّة ، فقد أعطى الله تبارك وتعالى أئمتنا عليهم السلام ما هو أجلّ من ذلك وأفضل ، وهو ما قد أوردناه في هذا

___________________

(١) سورة طه / الآية : ٢٢ .

(٢) سورة النمل / الآية : ١٢ .

١ ـ الكافي ١ : ٤٠٧ ، مناقب ابن شهراشوب ٤ : ٣٤٨ .

(٣) في ك ، م ، والمناقب : الحسين بن منصور ، وفي : ش ، ع : الحسين بن منقرة ، وما أثبتناه من الكافي ، وهو الصواب ، راجع «معجم رجال الحديث ٥ : ١٤٠» ويؤيده ما في صفحة : ٢٢٠ من نسخة ش حيث ورد السند : الحسن بن منصور عن أخيه . . .

(٤) في ع : يده .

١٥٣

الكتاب ، في باب معجزة موسى عليه السلام من قلب الصورة على الستر أسداً ، حتّى ابتلع الساحر بقوة الله تعالى ، بين يدي هارون .

ومن قلب الصورتين أسدين على المسند حتّىٰ ابتلعا حميد بن مهران حاجب المأمون بين يديه ، بأمر الرضا عليه السلام (١) .

ومن قلب الصورة على المسورة أسداً بإذن الله تعالى ، وذلك بأمر أبي الحسن الثالث عليه السلام بين يدي المتوكل ، حتّى ابتلع المشعبذ الهندي ، وقد ذكرنا جميع ذلك في الكتاب (٢) .

١٤١ / ٢ ـ وروى أبو الصامت ، قال : قلت لأبي عبد الله عليه السلام : أعطني شيئاً أزداد به يقيناً ، وأنفي الشك من قلبي ، قال لي : «هات ما معك» وكان في كمي مفتاح ، فناولته ، فإذا المفتاح أسد ، ففزعت منه ، ثمّ قال : «أنح وجهك عني» ففعلت ، فعاد مفتاحاً .

١٤٢ / ٣ ـ وروى سلمان رضي الله عنه قال : كان بين رجل من شيعة عليّ وبين رجل آخر من شيعة غيره خلاف ، فاختصما إلى ذلك الغير ، فمال مع شيعته على شيعة عليّ ، فشكا إلى أمير المؤمنين عليه السلام صاحبه ، فذهب عليه السلام وقال : «ألم أنهك (٣) أن يكون بينك وبين شيعتي عمل» .

قال سلمان : قال لي ذلك الغير : يا سلمان ، فلمّا سمعت ذلك منه خفت من هيبته وشجاعته ، وفي يده قوس عربية فما شبّهته إلّا بموسى ابن عمران عليه السلام ، وقوسه بعصاه ، وفتح فاه ليبتلعني ، حتّى قلت له : يا عليّ بحقّ أخيك رسول الله (ص) إلّا عفوت عني ، فرده .

___________________

(١) سوف تأتي تخريجات الرواية في معاجز الإِمام الرضا عليه السلام .

(٢) سوف تأتي تخريجات الرواية في معاجز الإِمام الهادي عليه السلام .

٢ ـ الخرائج والجرائح ١ : ٣٠٦ ، مدينة المعاجز : ٤١٦ / ٢٣٧ .

٣ ـ مدينة المعاجز : ٧٩ / ١٩٨

(٣) في ر : أمنعك

١٥٤

وأمّا انفلاق البحر لموسى عليه السلام فكما قال الله سبحانه وتعالى : ( أَنِ اضْرِب بِّعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ ) (١) وقد خرج موسى عليه السلام من مصر فاتّبعه فرعون بجنوده ، فلمّا قارب البحر قال أصحاب موسى : ( إِنَّا لَمُدْرَكُونَ * قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ ) (٢) فأمره تعالى أن يضرب بعصاه البحر ، فضربه فظهر اثنا عشر طريقاً في البحر ، فسلك كلّ سبط من بني إسرائيل طريقاً .

وقد أظهر الله سبحانه وتعالى لأمير المؤمنين عليه السلام ما يداني ذلك .

١٤٣ / ٤ ـ وهو : ما حدّث به أبو بصير ، عن أبي عبد الله عليه السلام ، أنّه قال : «مدّ الفرات عندكم على عهد أمير المؤمنين عليه السلام ، فأقبل إليه الناس فقالوا : يا أمير المؤمنين ، نحن نخاف الغرق ، لأنّ الفرات قد جاء بشيء من الماء لم نر مثله قط ، وقد امتلأت جنبتاه (٣) فالله الله .

فركب أمير المؤمنين عليه السلام ، والناس حوله يميناً وشمالاً ، حتّى انتهى إلى الفرات وهو يزجر (٤) بأمواجه ، فوقف الناس ينظرون فتكلّم بكلام خفي عبراني ليس بعربي ، ثمّ إنّه قرع الفرات قرعة واحدة ، فنقص الفرات ذراعاً ، وأقبل الناس ـ وفي رواية أخرى فقال

___________________

(١) سورة الشعراء / الآية : ٦٣ .

(٢) سورة الشعراء / الآيتان : ٦١ ـ ٦٢ .

٤ ـ خصائص أمير المؤمنين : ٢٦ ، اليقين : ١٥٤ ، اثبات الهداة ٢ : ٤١٥ .

(٣) في ك : اخبيتنا ، وفي م : جنباه .

(٤) في م : يزجي ، ومعناه يسوق أو يدفع : «مجمع البحرين ـ زجا ـ ١ : ٢٠٢» . والزجر : لعلّه كناية عن شدة دفع الفرات أمواجه ، ولعل الكلمة (يزخر) لأنّ معناه : مدّ وكَثُرَ ماؤه وارتفعت أمواجه . «مجمع البحرين ـ زخر ـ ٣ : ٣١٦» .

١٥٥

لهم ـ : «هل يكفيكم ذلك ؟» . فقالوا : زدنا يا أمير المؤمنين . فقرع قرعة أخرى ، فنقص ذراعاً آخر ، فقالوا : يكفينا ، فقال عليه السلام : لو أردت لقرعته حتّى لا يبقى فيه شيء من الماء» .

وأمّا نتق الجبل ، فإنّ قوم موسى عليه السلام لمّا استثقلوا أحكام التوراة ولم يعملوا بها ، قلع الله سبحانه وتعالى جبلاً من أصله ، فرفعه في الهواء فوق رؤوسهم ، وقال لهم موسى عليه السلام : لئن لم تؤمنوا بالتوراة ، وتعملوا بها ، لسقط عليكم . كما قال الله تعالى : ( وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وَظَنُّوا أَنَّهُ وَاقِعٌ بِهِمْ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُم بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ) (١) .

وقد أعطى الله تعالى لبعض أئمتنا عليهم السلام ما يقارب ذلك ويدانيه .

١٤٤ / ٥ ـ وهو ما حدّث به عبد الرحمن بن الحجّاج ، قال : كنت مع أبي عبد الله عليه السلام بين مكّة والمدينة ، وهو على بغلة ، وأنا على حمار ، وليس معنا أحد ، فقلت : يا سيّدي ، ما يجب من عظّم حقّ الإِمام ؟ فقال : «يا عبد الرحمن ، لو قال لهذا الجبل سر لسار» فنظرت والله إلى الجبل يسير ، فنظر والله إليه فقال : «والله ، إنّي لم أعنك» فوقف .

وأمّا إنزال المنّ والسلوى عليه وعلى أمّته في التيه ، وهو أنّه لمّا بقي هو وأمّته في التيه أربعين سنة ، واحتاجوا إلى القوت ، أنزل الله تعالى كلّ غدوة عليهم المن والسلوى ، كما قال الله تعالى : ( وَأَنزَلْنَا عَلَيْهِمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَىٰ كُلُوا مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ ) (٢) .

___________________

(١) سورة الأعراف / الآية : ١٧١ .

٥ ـ الخرائج والجرائح ٦٢١ .

(٢) سورة الأعراف / الآية : ١٦٠ .

١٥٦

فقد أعطى الله تبارك وتعالى الأئمة عليهم السلام ما يزيد عليه ، ولم ينقص عنه ، ممّا يشاكله ويدانيه .

١٤٥ / ٦ ـ وهو ما حدّث به الثقات ، أنّ أمير المؤمنين عليه السلام ، لمّا امتد مقامه بصفّين ، شكوا إليه نفاد الزاد والعلف ، بحيث لم يجد أحد من أصحابه شيئاً يؤكل ، فقال عليه السلام لهم : «غداً يصل إليكم ما يكفيكم» فلما أصبحوا تقاضوه (١) صعد عليه السلام على تل كان هناك ودعا بدعاء وسأل الله تعالى أن يطعمهم ويعلف دوابهم ، ثمّ نزل فرجع إلى مكانه ، فما استقر قراره ، إلّا وقد أقبلت العير بعد العير ، وعليها اللحمان والتمور والدقيق ، حتّى (٢) امتلأت به البراري ، وفرّغ أصحاب الجمال جميع الأحمال من الأطعمة ، وما كان معهم من علف الدواب ، وغيرها من الثياب ، وجلال الدواب ، وجميع ما يحتاجون إليه ، ثمّ انصرفوا ، ولم يدر من أي البقاع وردوا ، أو من الإِنس كانوا أم من الجنّ ، وتعجب الناس من ذلك .

١٤٦ / ٧ ـ وروى بعض أصحابنا ، وقال : حملت مالاً لأبي عبد الله عليه السلام ، فاستكثرته في نفسي ، فلمّا أدخلته عليه ، دعا الغلام ، فإذا طشت في آخر الدار ، فأمر أن يأتيه به ، ثمّ تكلم بكلام أومى بها إلى الطشت ، فانحدرت الدنانير من الطشت حتّى (حالت بيني) (٣) وبين الغلام ، قال : فالتفت إليّ وقال : «أترانا نحتاج إلى ما في أيديكم ؟! إنما آخذ منكم ما آخذ ، لأطهّركم» .

___________________

٦ ـ الخرائج والجرائح ٢ : ٥٤٣ / ٤ ، اثبات الهداة ٢ : ٤٥٨ / ١٩٧ .

(١) تقاضوه : طلبوه ، يقال : تقاضاه الدين : طلبه منه . «مجمع البحرين ـ قضا ـ ١ : ٣٤٤» .

(٢) في ع : بحيث .

٧ ـ الخرائج والجرائح ٢ : ٦١٤ / ١٢ ، اثبات الهداة ٣ : ١١٧ / ١٤١ ، مدينة المعاجز : ٤٠٥ / ١٧٧ .

(٣) في جميع النسخ : حال بينه ، وما أثبتناه من الخرائج .

١٥٧

وأمّا انفجار الماء من الحجر ، فهو أن موسى عليه السلام كان معه حجر يحمله معه حيث يذهب ، فلمّا احتاج هو وقومه إلى الماء ، ضرب الحجر بعصاه ؛ ( فَانفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَّشْرَبَهُمْ ) (١) .

وقد أخرج الله تعالى الماء للصادق عليه السلام من خشبة رحله :

١٤٧ / ٨ ـ وهو ما حدّث به الشيخ أبو جعفر محمّد بن معروف الهلالي الخرّاز ، وقد أتى له مائة وثمان وعشرون سنة قال : أتيت (٢) إلى أبي عبد الله جعفر عليه السلام إلى الحيرة فأقمت بها ثلاثة أيّام ، فما قدرت عليه من كثرة الناس ، فلمّا كان اليوم الرابع مضى إلى قبر أمير المؤمنين عليه السلام ، فمضيت معه ، فلمّا صار (٣) إلى بطن الطريق ، غلبه البول ، فاعتزل عن الجادّة فبال ، ثمّ نبش الرحل فخرج له الماء ، فتطهّر للصلاة فقام وصلّى ركعتين ، ودعا ربّه فقال في دعائه :

«اللَّهم لا تجعلني ممّن تقدم فمرق ، ولا ممّن تأخر فرهق ، واجعلني من النمط الأوسط» .

وقال لي : «يا غلام ، لا تتحدث بما رأيت» .

وقد أوردت له في معجزاته .

___________________

(١) سورة البقرة / الآية : ٦٠ .

٨ ـ دلائل الإِمامة : ١١٥ ، مناقب ابن شهراشوب : ٤ : ٢٣٨ ، وفيه : عن محمد بن ميمون الهلالي ، وما في المتن والدلائل هو الصواب ، راجع «معجم رجال الحديث ١٧ : ٢٦٧ / ١١٨١٠ و ١١ : ٣٤٣ / ٨٠١٢ ، ورجال الشيخ : ٤٨١ / ٢٩ فيمن لم يرو عنهم عليهم السلام في ترجمة علي بن الحسن القشيري» .

(٢) في ر : مضيت .

(٣) في ع : صرنا .

١٥٨

١٤٨ / ٩ ـ ما رواه داود الرّقيّ من إظهار الماء في السبخة في طريق الحجّ عيناً فوّارة ، وما رواه يحيى بن هرثمة .

وقد ذكرناه في آيات أبي جعفر الثاني عليه السلام من ظهور عين الماء له حين خرج من المدينة معه إلى المتوكل ، وأمثال ذلك كثيرة لا تحصى .

وأمّا ابتلاع الأرض لقارون ، وهو أنّ قارون قال لامرأة كانت بغياً ذات جمال وهيئة : أعطيك مائة ألف درهم إن جئت غداً إلى موسى عليه السلام وهو جالس في بني إسرائيل يتلو عليهم التوراة ، وقلت : يا معشر بني إسرائيل ، إنّ موسى دعاني إلى نفسه فأنعمت له .

ثم قالت في نفسها : قد فعلت ما فعلت فأذهب إلى بني إسرائيل وأرميه بالفاحشة ؟! لا والله لا أفعل .

فلمّا كان في الغد جلس موسى عليه السلام في بني إسرائيل ، وجاءه قارون في زينته ، وعليه ثياب حمر ، وجاءت المرأة ، فقامت على رؤوسهم ثم قالت لموسى عليه السلام : إنّ قارون أعطاني مائة ألف درهم على أن أقوم على بني إسرائيل اليوم ، وأقول لهم : إنّ موسى دعاني إلى نفسه ، بحضرتك ومعاذ الله أن يكون ذلك ، لقد أكرمك الله تعالى . فغضب موسى عليه السلام فقال للأرض : خذيه . فأخذته إلى ساقه ، فقال : يا موسى ، الله الله ، ارحمني .

فقال عليه السلام : خذيه . فأخذته إلى حقويه ، فقال : يا موسى ، الله الله ، ارحمني ،

فقال عليه السلام : خذيه . فابتلعته الأرض حتّى غاب (١) .

وقد ظهر على يد ولي الله جعفر بن محمّد الصادق عليه السلام ما يوازي ذلك شرفاً .

___________________

٩ ـ مدينة المعاجز : ٤١٧ .

(١) روى ابن كثير في قصص الأنبياء ٢ : ١٦٥ مثله .

١٥٩

١٤٩ / ١٠ ـ وهو ما حدّث به صالح بن الأشعث البزّاز الكوفيّ ، قال : كنت بين يدي المفضّل إذ وردت عليه رقعة من مولانا الصادق عليه السلام ، فنظر فيها ، فنهض قائماً واتكأ عليَّ ، ثمّ تسايرنا (١) إلى باب حجرة الصادق عليه السلام ، فخرج إليه عبد الله بن وشاح ، فقال : أسرع يا مفضّل في خطواتك ، أنت وصاحبك هذا .

فدخلنا فإذا بالمولى الصادق عليه السلام قد قعد على كرسي ، وبين يديه امرأة ، فقال : يا مفضّل ، خذ هذه الامرأة وأخرجها إلى البرية في ظاهر البلد فانظر ما يكون من أمرها وعد إليّ سريعاً .

فقال المفضل : فامتثلت ما أمرني به مولاي عليه السلام وسرت بها إلى برية البلد ، فلمّا توسطتها سمعت منادياً ينادي : إحذر يا مفضل . فتنحيت عن المرأة ، فطلعت غمامة سوداء ثمّ أمطرت عليها حجارة حتّى لم يكن (٢) للمرأة حساً ولا أثراً فهالني ما رأيته ! ورجعت مسرعاً إلى مولاي عليه السلام ، وهممت أن أحدثه بما رأيت ، فسبق إلي الحديث ، فقال عليه السلام : «يا مفضل ، أتعرف المرأة ؟» فقلت : لا يا مولاي . فقال : «هذه امرأة الفضال بن عامر ، وقد كنت سيّرته إلى فارس ليفقّه أصحابي بها ، فلمّا كان عند خروجه من منزله قال لامرأته : هذا مولاي جعفر شاهد عليك ، لا تخونيني في نفسك . فقالت : نعم ، إن خنتك في نفسي أمطر الله عليَّ من السماء عذاباً واقعاً . فخانته في نفسها من ليلتها ، فأمطر الله عليها ما طلبت ، يا مفضل ، إذا هتكت امرأة سترها ، وكانت عارفة بالله ، هتكت حجاب الله ، وقصمت ظهرها ، والعقوبة إلى العارفين والعارفات أسرع» .

وأمّا تظليل الغمام عليهم فهو أنّ موسى عليه السلام لمّا مكث

___________________

١٠ ـ مناقب ابن شهراشوب ٢ : ٢٣٩ .

(١) في ع : تياسرنا .

(٢) في ص ، ع : أرَ .

١٦٠