الثّاقب في المناقب

عماد الدين أبي جعفر محمّد بن علي الطوسي [ ابن حمزة ]

الثّاقب في المناقب

المؤلف:

عماد الدين أبي جعفر محمّد بن علي الطوسي [ ابن حمزة ]


المحقق: الشيخ نبيل رضا علوان
الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة أنصاريان للطباعة والنشر
المطبعة: مطبعة القدس
الطبعة: ٤
ISBN: 978-964-438-681-7
الصفحات: ٧٠١

الصادق فيما ادَّعاه ، المحق فيما ابتناه ، المقتدى بفعاله ، المهتدى بمقاله .

فإن ظهر لا عقيب (١) دعواه كان ذلك تنبيهاً للحاضر ، وتعريفاً للناظر ، وتذكيراً للمتأمل الذاكر ، سواء كان ابتداءً من القديم تعالى ، أو بسبب أمر يقتضي ذلك ، سواء ظهر على يده ، أو على يد غيره من إجابة الدعاء ، أو دفع البلاء ، أو كبت عدوّ ، أو عون وليّ ، أو نفاذ أمر ، أو إنهاء عذر ، أو تقديم نذر ، أو إحياء سنّة ، أو تضعيف (٢) منّة ، أو ترغيب في الإِسلام ، أو ترهيب عن الآثام .

ونحن نذكر ـ بعون الله ـ من ذلك مقدار مائة آية له (ص) ، ليسهل حفظه ، ولا يبعد حظه ، ومن الله استمد (٣) التوفيق على العمل ، والعصمة من الزلل ، لأنّه وليّ ذلك والقادر عليه .

___________________

(١) في ر : بعقب .

(٢) أضعف الشيء وضعفه وضاعفه : زاد على أصل الشيء وجعله مثليه . أو أكثر ، وهو التضعيف والاضعاف . «لسان العرب ـ ضعف ـ ٩ : ٢٠٤» .

(٣) في ش ، ص ، ع ، ك : استمداد .

٤١

٢ ـ فصل :

في بيان ظهور آياته التي ظهرت على يديه في المياه

وفيه : أحد عشر حديثاً

١ / ١ ـ عن أمير المؤمنين عليه السلام ، قال : «إنّ رسول الله (ص) كان في بعض غزواته فنفد الماء ، فقال : يا عليّ قم إلى هذه الصخرة ، وقل : أنا رسول رسول الله إليكِ ، انفجري ماءً ، فوالذي أكرمه بالنبوّة ، لقد بلّغتها الرسالة ، فطلع منها مثل ثدي البعير ، فسال منها من كلّ ثدي ماء ، فلمّا رأيت ذلك أسرعت إلى النبيّ (ص) وأخبرته ، فقال : إنطلق يا عليّ فخذ من الماء . وجاء القوم حتّى ملأوا قربهم وإداواتهم ، وسقوا دوابهم ، وشربوا ، وتوضأوا» .

٢ / ٢ ـ وعنه عليه السلام أنّه قال : «أمرني (ص) في بعض غزواته ، وقد نفد الماء ، فقال : يا عليّ آتني بتور . فأتيته به ، فوضع يده اليمنى ويدي معها في التور ، فقال : انبع فنبع الماء من بين أصابعنا» (١) .

والتور : شبه ركوة يغسل منها اليد والوجه .

___________________

١ ـ إثبات الهداة ٢ : ٤١٧ / ٥٠ باختلاف .

٢ ـ مناقب ابن شهر اشوب ١ : ١٠٥ ، دلائل النّبوة للبيهقي ٤ : ١٢٩ نحوه .

(١) في ر ، ك ، م : أصابعه .

٤٢

٣ / ٣ ـ عن أبان بن عثمان ، عن أبي عبد الله عليه السلام أن قال : «لمّا نزل رسول الله (ص) الحديبية ، شكوا إليه العطش وقلّة الماء ، فقال (ص) : اطلبوا لي ماءً . فأتي بماء ، فشرب (ص) ، وغسل منه وجهه ، وصبّه في القليب ، فجاشت حتَّى اغترف الناس بالقصاع منه» .

٤ / ٤ ـ عن عليّ عليه السلام ، قال : «بعثني رسول الله (ص) في بعض غزواته إلى رَكِيّ ، فأتيت الركيّ ، فإذا ليس فيه ماء ؛ فرجعت إليه فأخبرته ، فقال : فيه طين ؟ فقلت : نعم ، فقال : آتني بشيء منه ، فأتيته بطين منه ، فتكلّم فيه ، فقال : إذهب والقه بالركيَّ ، فألقيته فيه ، فإذا الماء قد ارتفع حتّى امتلأ الركيَّ وفاض من جانبيه ، فجئت مسرعاً ، فأخبرته بالذي رأيت ، فقال : أما تعجب يا عليّ أنَّ الله أنبعه بقدرته» .

٥ / ٥ ـ عن أبي هدبة إبراهيم بن هدبة ، عن أنس ، قال : كان رسول الله (ص) في بعض غزواته ، فغلبهم العطش ، فإذا بجارية سوداء حبشية ، معها راوية ، فقال له أصحابه : يا رسول الله هذه راوية ماء .

قال : فأخذ بخطام البعير ، والجارية تقول : يا عبد الله ما تريد

___________________

٣ ـ الخصائص الكبرى طبعة بيروت ١ / ٣٩٨ و ١ : ٣٤٥ ، والواقدي في المغازي ٢ / ٥٩٠ ، وابن شهر اشوب في مناقبه ١ : ١٠٤ نحوه . ورواه البخاري ٥ : ٣٦ / ٨٣ ، ٨٤ في المناقب نحوه . وانظر ج ٧ ص ٢٠٧ ح ٦٣ .

٤ ـ الخصال ٢ : ٥٧٧ / ١ ، إثبات الهداة ١ : ٢٩٠ / ١٨٠ .

٥ ـ صحيح مسلم ١ : ٤٧٤ / ٣١٢ ، صحيح البخاري ١ : ١٥٢ / ١٠ ، مصابيح السنة ٤ : ٩٢ / ٤٥٩٨ ، التاج الجامع للأصول ٣ : ٣٧٨ ، باختلاف .

٤٣

منّي ؟! قال : «لا بأس عليك» ثمّ نادى أصحابه : «هاتوا أوعيتكم» . فجاؤوا بها ، فحلّ الراوية ، فلم يبق فيها شيء من الماء ، وملأ القوم أوعيتهم ، ثمّ قال : «زوّدوها من تمركم» . فزوّدوها كسراً وتمرات ، ثمّ قال للجارية : «أدني منّي» . فمسح يده (ص) على وجهها فابيضَّ وجهها ، ثمّ مسح يده على الراوية ، وقال : «بسم الله» ، فإذا الراوية كأنّها لم ينقص منها شيء .

قال : فذهبت الجارية إلى أهلها ، فقال مولاها : أمّا البعير فبعيري ، والراوية راويتي ، والجارية ليست بجاريتي ، فقالت : أو لست بجاريتك ؟!

قال : فما بال وجهك أبيض ؟! قالت : استقبلني رجل يسمّى محمّد رسول الله (ص) . . . وقصَّت عليه القصّة .

قال : فأتى مولاها رسول الله (ص) ، وقال : يا رسول الله إنّ لنا بئراً مغورة ، وإنّ ماءنا من مكان بعيد .

قال : «فأرنيها» . فأراه ، فتفل فيها بريقه الشريف (١) وقال : «بسم الله» ولولا أنّه قال ذلك لغرَّقهم الماء ، لكن صار ثلثيها ، وشربوا منها ماءً عذباً .

وفي ذلك عدّة آيات .

٦ / ٦ ـ عن عليّ عليه السلام قال : «كان رسول الله (ص) في غزوةٍ ، فشكونا إليه الظمأ ، فدعا بركوة يمانية ، ثمّ نصب يده المباركة فيها ، فتفجَّرت من بين أصابعه عيون الماء ، فصدرنا وصدرت الخيل رواء ، وملأنا كلّ مزادة (٢) وسقاء وقربة» .

___________________

(١) «بريقه الشريف» ليس في ك ، ص ، ع .

٦ ـ كشف الغمة ١ : ٢٣ ، الخرائج والجرائح ١ : ٢٨ / ١٧ ، اثبات الهداة : ١ : ٣٣٩ / ٣٤١ باختلاف .

(٢) ليس في ص ، والمزادة : هي الراوية . «الصحاح ـ زيد ـ ٢ : ٤٨٢» .

٤٤

٧ / ٧ ـ وعنه عليه السلام ، قال : «كنّا معه (ص) بالحديبية ، وإذا ثَمّ قليب جافّة ، فأخرج (ص) سهماً من كنانته وناوله البراء بن عازب ، وقال له : اذهب بهذا السهم إلى هذه القليب فاغرزه فيها (١) . ففعل ذلك ، فتفجَّرت اثنتا عشرة عيناً من تحت السهم» .

٨ / ٨ ـ وعنه عليه السلام ، قال : «ويوم الميضاة عبرة وعلامة ، دعا بالميضاة فنصب يده فيها ، ففاض الماء ، وارتفع حتَّى توضّأ منها ثمانية آلاف رجل ، وشربوا حاجتهم ، وسقوا دوابهم ، وحملوا ما أرادوا» .

٩ / ٩ ـ عن عرو بن الزبير ، قال : مرّ النبيّ (ص) في بعض غزواته على ماء يقال له : بيسان (٢) ، فسأل عنه ، فقيل : يا رسول الله اسمه بيسان ، وهو ماء مالح ، فقال (ص) : «بل هو نعمان ، وهو طيّب» فغيّر الاسم ، فغير الله الماء وعذب (٣) .

١٠ / ١٠ ـ عن عمرو بن سعيد (٤) ، قال : قال لي أبو طالب : كنت

___________________

٧ ـ الاحتجاج : ٢١٩ ، ونحوه في كنز الفوائد : ٧٤ ، دلائل البيهقي ٤ : ١١١ ، اثبات الهداة ١ : ٣٣٩ / ٣٤١ .

(١) في ص ، ع : بها .

٨ ـ الاحتجاج : ٢١٩ ، ومثله في كنز الفوائد : ٧٣ ، واثبات الهداة : ١ : ٣٣٩ .

٩ ـ معجم البلدان ، ١ : ٥٢٧ ، معجم ما استعجم ١ : ٢٩٢ .

(٢) في ص : نيسان .

وبيسان : هو موضع في جهة خيبر من المدينة . وروى الحموي في معجم البلدان ١ : ٥٢٧ ، والبكري في معجم ما استعجم ١ : ٢٩٢ هذا الحديث عن الزبير وفيهما أنّ الغزوة هي : غزوة ذي قرد .

(٣) في ر ، ك ، ص ، ع : وعذبه .

١٠ ـ صفة الصفوة ١ : ٧٥ .

(٤) في الأصل : عمر بن إسحاق ، وفي ر : عمير بن إسحاق والصحيح ما أثبتناه ، راجع الاصابة ٢ : ٥٣٩ / ٥٨٤٦ .

٤٥

مع ابن أخي بسوق ذي المجاز (١) ، فاشتدّ الحرّ فعطشت ، فشكوت إليه ، وقد علمت أنّه ليس عنده شيء ، فقال : «يا عمّ عطشت ؟» فقلت : نعم ، فثنى وركهُ ، فنزل ، فألقم عقبه (٢) الأرض ، ثمّ رفع وقال : «اشرب يا عمّ» فشربت حتّى رويت .

١١ / ١١ ـ عن عليّ عليه السلام ، قال : «خرج رسول الله (ص) إلى حنين (٣) ، فإذا هو بوادٍ يشخب ، فقدّرناه فإذا هو قدر أربع عشرة قامة ، فقالوا : يا رسول الله ، العدوّ من ورائنا ، والوادي أمامنا ؛ كما قال أصحاب موسى عليه السلام : ( إِنَّا لَمُدْرَكُونَ ) (٤) ، فنزل رسول الله (ص) فقال : اللهم إنّك جعلت لكلّ نبيّ مرسل دلالة ، فأرني قدرتك .

فركب (ص) ، وعبرت الخيل لا تندى حوافرها ، والإِبل لا تندى أخفافها ، ورجعنا ، فكان فتحنا» .

___________________

(١) ذو المجاز : كان سوقاً من أسواق العرب ، وهو عن يمين الموقف بعرفة . «معجم ما استعجم ٤ : ١١٨٥» .

(٢) في هامش ص : كعبه .

١١ ـ الاحتجاج : ٢١٨ ، الخرائج والجرائح ١ : ٥٤ / ٨٤ ، ومثله في مناقب ابن شهراشوب ١ : ٣٢ ، اثبات الهداة ١ : ٣٣٩ .

(٣) في الخرائج ، والمناقب : خيبر .

(٤) سورة الشعراء / الآية : ٦١ .

٤٦

٣ ـ فصل :

في بيان آياته الواردة في الأطعمة والأشربة

وفيه : تسعة أحاديث

١٢ / ١ ـ أخبرنا أبو صالح عن ابن عبّاس ، قال : كان سبب تزويج النبيّ (ص) بخديجة عليها السلام ، أنَّه أقبل ميسرة ـ عبد(١) خديجة ـ وكان النبيّ (ص) قد نزل تحت شجرة ، فرآه الراهب ، فقال : مَن هذا الذي معك ؟ فقال : من أهل مكَة ، قال : فإنّه نبيّ ، والله ما جلس في هذا المجلس بعد عيسى عليه السلام أحد غيره .

قال : فأقبل إلى خديجة فقال لها : إنّي كنت آكل معه حتّى أشبع ، ويبقى الطعام ، فدعت خديجة بقناع عليه رطب ، ودعت أختها هالة ، وهي امرأة أبي العاص بن الربيع بن عبد العزى بن عبد الشمس ، ودعت النبيّ (ص) ، فأكلوا حتى شبعوا ولم ينقص منه شيء .

١٣ / ٢ ـ عن عليّ عليه السلام ، قال : «لمّا نزلت : ( وَأَنذِرْ

___________________

١ ـ مناقب ابن المغازلي : ٣٣٠ / ٣٧٧ ، سيرة ابن هشام : ١ : ١٩٩ ، وابن في سيرته ١ : ٢٦١ مثله .

(١) في م ، ك : غلام .

٢ ـ أمالي الطوسي ٢ : ١٩٤ ، اثبات الوصية : ٩٩ .

٤٧

عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ ) (١) دعا رسول الله (ص) ثلاثين (٢) من أهل بيته ، وكان الرجل منهم ليأكل جذعة ويشرب زقاً (٣) ، فقرّب إليهم رجلاً فأكلوا حتّى شبعوا» .

وفي الحديث طول .

١٤ / ٣ ـ عن أبان بن عثمان ، يرفعه بإسناده ، قال : إنّ أبا أمامة أسعد بن الأرت (٤) [كان] يبعث إلى رسول الله (ص) كلّ يوم غداءً وعشاءً في قصعة ، ثريداً عليه عُراق ، وكان يأكل معه مَنْ حوله حتّى يشبعوا ، ثمّ ترد القصعة كما هي .

١٥ / ٤ ـ عن عمر بن ذر (٥) قال : حدّثنا مجاهد أنَّ أبا هريرة كان يقول : والله الذي لا إله إلّا هو ، إنِّي كنت لأعتمد بيدي على الأرض من الجوع ، وإنّي كنت لأشدّ الحجر على بطني من الجوع ، ولقد قعدت يوماً على طريقهم الذي يخرجون منه (٦) ، فمرّ بي أبو بكر

___________________

(١) سورة الشعراء / الآية : ٢١٤ .

(٢) في ع (خ ل) ، ك : الأربعين .

(٣) في ر ، ك : قرباً .

٣ ـ . . .

(٤) كذا في النسخ ، وهو أسعد بن زرارة بن عدس بن عبيد الأنصاري الخزرجي ، كنيته أبو أمامة ، توفي بالذبحة في حياة الرسول (ص) قبل بدر ، راجع «أسد الغابة ١ : ٧١ و ٥ : ١٣٨ ، والاصابة ١ : ٣٢ ، وسير أعلام النبلاء ١ : ٢٩٩ ، ورجال الطوسي : ٥ / ٣٣ ، ومعجم رجال الحديث ٣ : ٨٤» .

٤ ـ مسند أحمد بن حنبل ٢٠ : ٥١٥ ، صحيح البخاري ٨ : ١١٩ باختلاف يسير .

(٥) هو عمر بن ذر بن عبد الله بن زرارة الهمداني الكوفى ، روى عن مجاهد ، وروىٰ عنه أبو حنيفة وخلق كثير ، راجع «الجرح والتعديل ٦ : ١٠٧ ، حلية الأولياء ٥ : ١٠٨ ، تهذيب التهذيب ٧ : ٤٤٤ ، سير أعلام النبلاء ٦ : ٣٨٥» وفي نسخه ر : عمر بن زر .

(٦) في ر ، ك ، م ، ع : فيه .

٤٨

فسألته عن آيةٍ من كتاب الله ، وما سألته إلّا ليشبعني ، فمرّ بي ولم يفعل .

ثمّ مرّ بي عمر فسألته عن آية من كتاب الله ، وما سألته إلّا ليشبعني ولم يفعل .

ثمّ مرّ بي أبو القاسم (ص) ، فتبسّم حين رآني ، وعرف ما في نفسي ، وما في وجهي ، فقال : «يا أبا هريرة» . فقلت : لبيك يا رسول الله ، [قال] : «التحق» .

ومضى ، واتبعته ودخل ، واستأذنت ، فأذن لي ، ودخلت ، فوجدت لبناً في قدح فقال : «من أين هذا اللبن ؟» قالوا : أهداه لك فلان ـ أو فلانة ـ .

قال : «يا أبا هريرة» قلت : لبّيك يا رسول الله . قال : «إلحق أهل الصُّفّة وادعهم» .

قال : وأهل الصُّفّة أضياف أهل الإِسلام لا يأوون (١) إلى أهل ومال ، وإذا أتته (ص) صدقة بعث بها إليهم ، ولم يتناول شيئاً ، وإذا أتته هديّة أصاب منها وأشركهم فيها ، فساءني ذلك ، فقلت : ما هذا اللبن في أهل الصفّة ؟! كنت أرجو أن أصيب من هذا اللبن شربة أتقوّى بها ، وأنا الرسول ؟! فإذا جاؤوا فأمرني فكنت أعطيهم ، وما عسى أن يبلغني من هذا اللبن ؟! ولم يكن بد من طاعة الله عزّ وجل ، ومن طاعة رسوله ، فأتيتهم فدعوتهم ، فأقبلوا حتّى استأذنوا ، فأذن لهم ، فأخذوا مجالسهم من البيت .

فقال : «يا أبا هريرة» ، فقلت : لبيك يا رسول الله ، قال : «خُذ وأعطهم» فأخذت القدح ، وجعلت أعطيه الرجل ، فيشرب حتّى يروى ، ثمّ يردّ القدح حتّى انتهيت إلى رسول الله (ص) ، وقد روي القوم

___________________

(١) في ع : لا يؤولون .

٤٩

كلّهم ، فأخذ القدح فوضعه على يده ، ونظر إلي فتبسّم وقال : «يا أبا هريرة» . فقلت : لبيك . قال : «بقيت أنا وأنت» قلت : صدقت يا رسول الله ، قال : «اقعد واشرب» .

فشربت حتّى رويت ، فما زال (ص) يقول : «اشرب ، اشرب» حتّى رويت وقلت : والذي بعثك بالحقّ نبيّاً ، ما أجد له مسلكاً .

قال : «فاعطني» قال : فأعطيته ، فحمد الله عزّ وجل ، وأثنىٰ عليه ، وسمّى ، وشرب الفضلة .

١٦ / ٥ ـ عن ابن سيرين ، عن أبي هريرة ، قال : إنّ رسول الله (ص) ، لم يكن شيء أحبّ إليه في الشاة من الكتف ، فدخل على قوم من الأنصار ، فذبح شاة فأمر بها فسلخت ثمّ قطعت ، ثمّ انضجت ، فقال رسول الله (ص) : «هات الكتف» فجاءه به ، ثمّ قال : «هات الكتف» فجاءه به ، ثمّ قال : «هات الكتف» فقال : بأبي أنت وأمي يا رسول الله ، إنّي ذبحت شاة واحدة ، وقد أتيتك بثلاث أكتاف ، قال : «أما إنّك لو سكتّ لجئت بما دعوتُ به» .

١٧ / ٦ ـ عن الصادق عليه السلام ، قال : «إنّ سلمان رضي الله عنه أشار على النبيّ (ص) بحفر الخندق ، فأمر أصحابه أن يحفروا» .

قال : «فأرسلوا إلى النبيّ (ص) جابر بن عبد الله الأنصاري ، وكان أصغر القوم ، فقال : يا رسول الله إنّا لنضرب بالمعاول فما نقدر على

___________________

٥ ـ الخصائص الكبرى ٢ : ٥٥ ، الخرائج والجرائح ١ : ١٥٤ ، عن جابر مثله .

٦ ـ قرب الاسناد : ١٣٨ ، تفسير القمي ٢ : ١٧٨ ، مناقب ابن شهراشوب ١ : ١٠٣ ، الفصول المهمة : ٥٩ ، الخرائج والجرائح ١ : ١٥٢ / ٢٤١ . والواقدي في مغازيه ٢ : ٤٥٢ ، سيرة ابن هشام ٣ : ٢٢٩ ، ودحلان في سيرته ٢ : ٢١٦ ، صحيح البخاري ٥ : ١٣٩ ، صحيح مسلم ٣ : ١٦١٠ ، سيرة ابن كثير ٣ : ١٨٩ ، دلائل النبوة ٣ : ٤٢٢ ، اثبات الهداة ١ : ٣٥٣ .

٥٠

شيء من الأرض . قال : خذ بيدي ، فذهب النبيّ (ص) ليستقل (١) به ، فما استطاع ، فعلم جابر أنّ ذلك الضعف إنّما هو من الجوع ، وكان لا يرجع أحد حتّى يستأذن النبي (ص) .

قال : فأتيته فقلت : يا رسول الله ، إنّي أحبّ أن تأذن لي . قال : «انصرف» فانصرفت ، وطحنت صاعاً ، وذبحت جذعة (٢) ، فأتى النبيّ (ص) حين ظن أنّهم قد فرغوا ، فقال : إنّي أحبّ أن تجيئني أنت ورجل أو رجلان ممّن أحببت .

فقال : أيّها الناس أجيبوا جابر بن عبد الله . وقد عدّوا بالأمس ألف رجل ، قال : فدنا من النبيّ (ص) ، وقال : إنّه ليس عندي إلّا جذعة وصاع طحنته . فقال : أيّها الناس ، أجيبوا جابراً .

قال : فانطلق حتّى دخل على زوجته ، وقال : قد افتضحنا ، قالت : ولم ؟ فأخبرها ، قالت : فأنهيت ما كان عندك إلى النبيّ (ص) ؟ قال : نعم ، قالت : أسكت ، فإنّ رسول الله (ص) لم يكن ليفضحك .

فدخل النبيّ (ص) ، ودعا بعشر صحاف ، وحلّقهم عشرة عشرة ، ثمّ قال لها : سمّي واغرفي وأبقي ، وسمّي واثردي وأبقي .

قال : وسمّى النبيّ (ص) فدعا مائة فما رئي منهم إلّا أثر أصابعهم ، فقاموا ، ثمّ دعا مائة أخرى ، فجلسوا (٣) ، وسمّى النبيّ (ص) فما رُئي منهم إلّا أثر أصابعهم (٤) ، فما زال يجيء مائة ، مائة ، حتّى فرغ القوم ، وكلّ ذلك يسمّي ، قال : فبقي الطعام كما هو حتّى استطعموه العيال ، والجيران ، والصبيان» .

___________________

(١) أقلّ الشيء واستقله : حمله ورفعه . «لسان العرب ـ قلل ـ ١١ : ٥٦٥» .

(٢) الجذع من الدواب والأنعام : صغيرها ، والأنثى : جذعة . «لسان العرب ـ جذع ـ ٨ : ٤٤» .

(٣) «فجلسوا» ليس في ر ، م ، ك ، وفي ع : فتحلقوا .

(٤) في م ، ش زيادة : ثمّ دعا مائة أخرى .

٥١

١٨ / ٧ ـ عن سيف ، عن أبان ، عن أنس بن مالك ، قال : كنّا مع النبيّ (ص) في غزوة فانتقص زاد القوم (١) ، فقال : «هل فيكم أحد معه شيء ؟» فجاءه رجل بكفّ برّ ، بقية برّ ، فبسط له ثوباً ثمّ رمى به عليه ، ثمّ غطاه ، فدعا الله تعالى ، ثم كشف عنه ، فأخذ الناس منه ، ولقد رأيت أحدبَ وهو يشدّ كمّه رباطاً حتّى يملأه ، فأخذ العسكر منه على هذا النحو ، ما بقي أحد إلّا أخذ حاجته ، فأقلع وهو كما هو .

١٩ / ٨ ـ مثله : شكوا إليه في غزوة تبوك نفاد الزاد ، فدعا بفضلة زاد لهم ، فلم يجد إلّا بضع عشرة تمرة ، فطرحت بين يديه ، فمسّها بيده المباركة ، ودعا ربّه ثمّ صاح في الناس فانحلقوا ، وقال : «كلوا بسم الله» فأكل القوم فصاروا كأشبع ما كانوا ، وملأوا مزاودهم وأوعيتهم ، والتمرات كلّها كهيئتها ، يرونها عياناً .

٢٠ / ٩ ـ عن جابر بن عبد الله ، قال : توفي ـ أو استشهد ـ عبد الله بن عمرو بن حزام ، فاستغثت برسول الله (ص) على غرمائه أن يضعوا من دينهم شيئاً ، فأبوا ، فقال (ص) : «إذهب فصنّف تمرك أصنافاً» ففعلت ، ثمّ أعلمته فجاء ، فقعد على أعلاه ـ أو في وسطه ـ ثمّ قال : «كِلْ للقوم» . فكِلتُ لهم حتّى وفيتهم ، وبقي تمري ، كأنّه لم ينقص منه شيء .

___________________

٧ ـ الخرائج والجرائح ١ : ٢٧ / ١٤ ، نحوه .

(١) في ر ، ك ، م : فانفض القوم .

٨ ـ كنز الفوائد ١ : ١٧٠ ، الخرائج والجرائح ١ : ٢٨ / ١٥ ، اعلام الورى : ٣٦ ، اثبات الهداة ٢ : ٨٩ / ٤٣٩ .

٩ ـ مناقب ابن شهراشوب ١ : ١٠٤ .

٥٢

٤ ـ فصل :

في ظهور آياته فيما أُنزل (*) عليه من السماء

وفيه : ثلاثة عشر حديثاً

٢١ / ١ ـ عن أبي عبد الله عليه السلام ، قال : «أمطرت المدينة ليلة مطراً شديداً ، فلمّا أصبحوا خرج رسول الله (ص) بعلي فمرّ برجل من أصحابه ، فخرجوا من المدينة إلى جبل ريّان ـ وهو جبل مسجد الخيف ـ فجلسوا عليه ، فرفع رسول الله (ص) رأسه ، فإذا رمّانة مدلاة من رمّان الجنّة ، فتناولها رسول الله (ص) ففلقها ، وأكل منها وأطعم عليًّا عليه السلام ، وقال : يا فلان هذه الرمّانة من رمّان الجنّة ، لا يأكلها في الدنيا إلّا نبيّ ، أو وصيّ نبيّ» .

٢٢ / ٢ ـ عن عليّ بن الحسين ، عن أبيه عليهما السلام ، قال : «اشتكى الحسن بن عليّ بن أبي طالب عليهما السلام وبرئ ، ودخل بعقبة مسجد النبيّ (ص) ، فسقط في صدره ، فضمّه النبيّ (ص) ، وقال : فداك جدّك تشتهي شيئاً ؟ قال : نعم ، أشتهي خربزاً (١) ، فأدخل

___________________

(*) في م : نزل .

١ ـ مدينة المعاجز : ٥٦ ، نحوه .

٢ ـ مدينة المعاجز : ٥٥ ، عن مصدرنا هذا .

(١) الخربز : كلمة فارسية بمعنى : البطيخ .

٥٣

النبيّ (ص) يده تحت جناحه ثمّ هزّه إلى السقف . قال حذيفة : فأتبعته بصري ، فلم ألحقه ، وإنّي لأراعي السقف ليعود منه ، فإذا هو قد دخل من الباب وثوبه من طرف حجره معطوف ، ففتحه بين يدي النبيّ (ص) ، وكان فيه بطيختان ، ورمّانتان ، وسفرجلتان ، وتفاحتان ، فتبسّم النبيّ (ص) وقال :

«الحمد لله الذي جعلكم مثل خيار بني إسرائيل ، ينزل إليكم رزقكم (١) من جنّات النعيم ، إمض فداك جدّك وكل أنت وأخوك وأبوك وأمّك ، وخبأ لجدّك نصيباً فمضى الحسن عليه السلام ، وكان أهل البيت عليهم السلام يأكلون من سائر الأعداد ويعود ، حتّى قبض رسول الله (ص) ، فتغير البطيخ ، فأكلوه فلم يعد ، ولم يزالوا كذلك حتّى قبضت فاطمة عليها السلام ، فتغيّر الرمّان ، فأكلوه فلم يعد ، ولم يزالوا كذلك حتّى قبض أمير المؤمنين عليه السلام ، فتغيّر السفرجل ، فأكلوه فلم يعد ، وبقيت التفاحتان معي ومع أخي ، فلمّا كان يوم آخر عهدي بالحسن ، وجدتها عند رأسه وقد تغيّرت ، فأكلتها ، وبقيت الأخرى معي» .

٢٣ / ٣ ـ وروي عن أبي محيص أنّه قال (٢) : كنت بكربلاء مع عمر بن سعد لعنه الله فلمّا ركب (٣) الحسين عليه السلام العطش ، استخرجها (٤) من ردائه واشتمها ، وردّها ، فلمّا صرع عليه السلام فتشته فلم أجدها ، وسمعت صوتاً من رجال رأيتهم ، ولم يمكني الوصول إليهم ، أنّ الملائكة تتلذّذ بروائحها عند قبره ، عند طلوع الفجر ، وقيام النهار .

___________________

(١) في م : ربكم وفي ر : عليكم ، بدل : إليكم .

٣ ـ مدينة المعاجز : ٢٥٥ / ٩٧ .

(٢) في م زيادة : كنت عارفاً بها وكنت .

(٣) في ع : كرب .

(٤) في ع : أخرجها .

٥٤

وفي الحديث طول ، أخذت موضع الحاجة .

٢٤ / ٤ ـ وروى أبو موسى في مصنّفه (فضائل البتول عليها السلام) أنّ جبرئيل جاء بالرّمانتين ، والسفرجلتين ، والتفاحتين ، وأعطى الحسن والحسين عليهما السلام ، وأهل البيت يأكلون منها ، فلمّا توفّيت فاطمة عليها السلام تغيّر الرّمان والسفرجل ، والتفاحتان بقيتا معهما ، فمن زار الحسين عليه السلام من مخلصي شيعته بالأسحار وجد رائحتها .

ولست أدري أن الأمرين واحد أم اثنان ؟ وقد وقع هذا الاختلاف في الرواية ، والله أعلم .

٢٥ / ٥ ـ عن عليّ عليه السلام ، قال : «بينما رسول الله (ص) يتضوّر جوعاً ، إذ أتاه جبرئيل عليه السلام بجام من الجنّة فيه تحفة من تحف الجنّة ، فهلّل الجام ، وهلَّلت التحفة في يده ، وسبّحا وكبّرا وحمّدا ، فتناولهما أهل بيته ، ففعلوا (١) مثل ذلك .

فهمّ أن يتناولها بعض أصحابه ، فتناوله جبرئيل عليه السلام ، وقال له : كُلها ، فإنّها تحفة من الجنّة ، أتحفك الله بها ، وإنّها ليست تصلح إلّا لنبيّ ، أو وصي نبيّ ، فأكل (ص) وأكلنا ، وإنّي لأجد حلاوتها إلى ساعتي هذه» .

٢٦ / ٦ ـ عن عبد الرحمن بن أبي ليلى ، مرسلاً ، قال : دخل رسول الله (ص) على فاطمة عليها السلام ، وذكر فضل نفسها ، وفضل زوجها وابنيها ـ في حديث طويل ـ فقالت عليها السلام : «يا رسول الله ،

___________________

٤ ـ مدينة المعاجز : ٥٥ / ١١٣ .

٥ ـ الاحتجاج : ٢١١ ، اثبات الهداة : ١ : ٣٣٧ .

(١) في م : ففعلا .

٦ ـ معالم الزلفى : ٤٠٥ .

٥٥

والله لقد بات ابناي جائعين» فقال : «يا فاطمة ، قومي فهاتي العفاص من المسجد» .

قالت : «يا رسول الله ما لنا من عفاص» قال : «يا فاطمة قومي ، فإنّه من أطاعني فقد أطاع الله ، ومن عصاني فقد عصى الله» .

قال : فقامت فاطمة إلى المسجد ، فإذا هي بعفاص مغطَّى .

قال : فوضعته قُدّام النبيّ (ص) فإذا هو طبق مغطّى بمنديل شامي ، فقال : «عليَّ بعليّ (١) وأيقظي الحسن والحسين» .

ثمّ كشف عن الطبق ، فإذا فيه كعك أبيض يشبه كعك الشام ، وزبيب يشبه زبيب الطائف ، وتمر يشبه العجوة (٢) يسمّى الرائع ـ وفي رواية غيره . وصيحاني مثل صيحاني المدينة ـ فقال لهم النبيّ (ص) : «كلوا» .

٢٧ / ٧ ـ عن سليمان الديلميّ ، عن أبي عبد الله عليه السلام ، قال : «مطروا بالمدينة مطراً جوداً ، فلمّا أن انقشعت السحابة ، خرج رسول الله (ص) ، ومعه عدّة من أصحابه المهاجرين والأنصار ، وعليّ عليه السلام ليس في القوم ، فلمّا خرجوا من باب المدينة ، جلس النبيّ (ص) ينتظر عليّاً ، وأصحابه حوله .

فبينما هو كذلك ، إذ أقبل عليٌّ من المدينة ، فقال له جبرئيل عليه السلام : يا محمد ، هذا عليّ قد أتاك ، نقيّ الكفّين ، نقيّ القلب ، يمشي كمالاً ، ويقول صواباً ، تزول الجبال ولا يزول . فلمّا دنا من النبيّ (ص) ، أقبل يمسح وجهه بكفّه ، ويمسح به وجه (٣) عليّ ،

___________________

(١) في ش : أدعي عليّاً .

(٢) العجوة : ضرب من التمر ، وهو من أجود التمر بالمدينة . «لسان العرب ـ عجا ـ ١٥ : ٣١» .

٧ ـ مدينة المعاجز : ٢٠٨ / ٤٢ .

(٣) في ك : وجهه .

٥٦

ويمسح به وجه نفسه (١) وهو يقول : أنا المنذر وأنت الهادي من بعدي فأنزل الله على نبيّه كلمح البصر : ( إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ ) (٢) .

قال : فقام النبيّ (ص) ، ثمّ ارتفع جبرئيل عليه السلام ، ثمّ رفع رأسه ، فإذا هو بكفّ أشدّ بياضاً من الثلج ، قد أدلت رمّانة ، أشدّ خضرة من الزمرّد ، فأقبلت الرّمانة تهوي إلى النبيّ (ص) بضجيج ، فلمّا صارت في يده ، عضّ منها عضّات ، ثمّ دفعها إلى عليّ عليه السلام ، وقال له : كُل ، وأفضل لابنتي وابنيّ ـ يعني الحسن والحسين عليهما السلام ـ ثمّ التفت إلى الناس ، وقال : أيّها الناس ، هذه هديّة من عند الله إليّ ، وإلى وصيّي ، وإلى ابنتي ، وإلى سبطيّ ، فلو أذن الله لي أن آتيكم منها لفعلت ، فاعذروني عافاكم الله .

قال سلمان : جعلت (٣) فداك ، فما كان ذلك الضجيج ؟ فقال : إنّ الرمانة لمّا اجتنيت ، ضجّت الشجرة (٤) بالتسبيح .

قال : جعلت فداك ، ما تسبيح الشجرة ؟ قال : سبحان من سبّحت له الشجر الناظرة ، سبحان ربّي الجليل ، سبحان من قدح من قضبانها النار المضيئة ، سبحان ربّي الكريم» .

ويقال : إنّه من تسبيح مريم عليها السلام .

٢٨ / ٨ ـ عن عليّ عليه السلام ، قال : «أتاني رسول الله (ص) في منزلي ، ولم يكن طعمنا منذ ثلاثة أيّام ، فقال لي : يا عليّ هل عندك من شيء ؟ فقلت : والذي أكرمك بالكرامة ما طعمت أنا وزوجتي وابناي

___________________

(١) «عليّ ويمسح به وجه نفسه» ليس في ك ، ع .

(٢) سورة الرعد / الآية : ٧ .

(٣) في ع : جعلني الله .

(٤) في م : اضطرب الشجر .

٨ ـ مدينة المعاجز : ٥٤ / ١٠٨ .

٥٧

منذ ثلاثة أيّام .

فقال النبيّ (ص) : يا فاطمة ادخلي البيت ، وانظري هل تجدين شيئاً ؟ فقالت : خرجت الساعة ، فقلت : يا رسول الله ، أدخلها أنا ؟ فقال : ادخل بسم الله ، فدخلت فإذا بطبق عليه رطب ، وجفنة من ثريد ، فحملتها إلى النبيّ (ص) ، فقال : أرأيت (١) الرسول الذي حمل هذا الطعام ؟ فقلت : نعم .

فقال : كيف هو ؟ قلت : من بين أحمر وأخضر وأصفر ، فقال : كلّ خطّ من جناح جبرئيل عليه السلام ، مكلّل بالدرّ والياقوت ، فأكلنا من الثريد حتّى شبعنا ، فما رؤي الأخذ من أصابعنا وأيدينا» .

٢٩ / ٩ ـ عن عبد الرزاق ، عن معمّر ، عن الزهريّ عن سعيد بن المسيب ، قال : إن السماء طشت على عهد رسول الله (ص) ليلاً ، فلمّا أصبح (ص) قال لعليّ عليه السلام : «انهض بنا إلى العقيق ننظر إلى حسن الماء في حفر الأرض» .

قال عليّ عليه السلام : «فاعتمد رسول الله (ص) على يدي فمضينا ، فلمّا وصلنا إلى العقيق نظرنا إلى صفاء الماء في حفر الأرض» .

قال عليّ عليه السلام : «يا رسول الله ، لو أعلمتني من الليل لاتخذت لك سفرة من الطعام» . فقال : يا عليّ ، إنّ الذي أخرجنا إليه لا يضيّعنا فبينا نحن وقوف ، إذ نحن بغمامة قد أظلّتنا ببرق (٢) ورعد حتّى قربت منّا ، فألقت بين يدي رسول الله (ص) سفرة عليها رمّان ، لم تر العيون مثلها ، على كلّ رمّانة ثلاثة أقشار : قشر من اللؤلؤ ، وقشر

___________________

(١) في ر ، ك ، ص : أفرأيت .

٩ ـ معالم الزلفى : ٤٠٣ .

(٢) في ش ، ع ، م : ببريق .

٥٨

من الفضّة ، وقشر من الذهب .

فقال (ص) لي : قل : بسم الله وكل يا عليّ ، هذا أطيب من سفرتك . وكشفنا (١) عن الرمّان ، فإذا فيه ثلاثة ألوان من الحبّ : حبّ كالياقوت الأحمر ، وحبّ كاللؤلؤ الأبيض ، وحبّ كالزمرّد الأخضر ، فيه طعم كلّ شيء من اللذَّة ، فلمّا أكلت ذكرت فاطمة والحسن والحسين ، فضربت بيدي إلى ثلاث رمّانات ، ووضعتهن في كمّي ، ثمّ رفعت السفرة .

ثمّ انقلبنا نريد (٢) منازلنا ، فلقينا رجلان من أصحاب رسول الله (ص) . فقال أحدهما : من أين أقبلت يا رسول الله ؟ قال : من العقيق ، قال : لو أعلمتنا لاتّخذنا لك سفرة تصيب منها ، فقال : إنّ الذي أخرجنا لم يضيعنا . وقال الآخر : يا أبا الحسن ، إنّي أجد منكما رائحة طيبة ، فهل كان عندكم ثمّ طعام ؟ فضربت يدي إلى كمّي لأعطيهما رمّانة فلم أر في كمّي شيئاً ، فاغتممت من ذلك

فلمّا افترقنا ومضى النبيّ (ص) إلى منزله وقربت من باب فاطمة عليها السلام ، وجدت في كمّي خشخشة ، فنظرت فإذا الرمّان في كمّي ، فدخلت وألقيت رمّانة إلى فاطمة ، والاخريين إلى الحسن والحسين ، ثمّ خرجت إلى النبيّ (ص) ، فلمّا رآني قال : يا أبا الحسن ، تحدّثني أم أحدّثك ؟ فقلت : حدّثني يا رسول الله ، فإنّه أشفى للغليل ؛ فأخبر بما كان ، فقلت : يا رسول الله ، كأنّك كنت معي» .

وفي حديث آخر فيه طول ؛ وفي ذلك عدّة آيات .

٣٠ / ١٠ ـ عن أبان ، عن أنس بن مالك ، قال : خرج رسول

___________________

(١) في ص ، ع ، وهامش ك : فكسرنا ، وفي هامش ص : فقشرنا .

(٢) في م : إلى .

١٠ ـ . . .

٥٩

الله (ص) نحو البقيع ، فقال لي : يا أنس «انطلق وادع لي عليّ بن أبي طالب» فانطلقت ، فلقيني (١) عليّ عليه السلام ، فقال : «أين رسول الله ؟» فقلت : إنّ رسول الله أتى نحو البقيع وهو يدعوك .

فانطلق ، فأتاه ، فجعلا يمشيان وأنا خلفهما ، وإذا غمامة قد أظلّتهما نحو البقيع ، ليس على المدينة منها شيء ، فتناول النبيّ (ص) شيئاً من الغمامة ، وأخذ منها شيئاً يشبه الأترج (٢) ، فأكله وأطعم عليًّا ، ثمّ قال : «هكذا يفعل كلّ نبيّ بوصيّه» .

٣١ / ١١ ـ عن ثمامة بن عبد الله ، عن أنس ، قال : بعث إليّ الحجاج ـ لعنه الله ـ يوماً فقال : ما تقول في أبي تراب ؟ فقلت في نفسي : والله لأسوأنك .

قال : خرجت أريد النبيّ (ص) ، وأنا غلام ، وقد صلّى (٣) الفجر ، وهو راكب على حماره ، وعليّ يمشي ، وهو معتنقه بيمينه ، فقال : «يا أنس ، اتبعنا» فاتبعتهما حتّى أتينا أكمة بالمدينة فنزل رسول الله (ص) عن الحمار ، ثمّ جلس هو وعليّ على الأكمة ، وقال : «يا أنس ، كن ها هنا إلى أن آتيك» .

فجلسا يتحدّثان ويضحكان إلى أن طلعت (٤) الشمس ، فقلت : الآن ينزلان ، فجاءت سحابة فأظلّتهما عن الشمس ، فرأيت رسول الله (ص) يتناول منها شيئاً، فيأكله ويطعم عليّاً ، وأنا أنظر ، إلى أن انجلت الغمامة ، فنزلا ويد رسول الله (ص) في يد عليّ ، فقلت : بأبي

___________________

(١) في ر ، ص ، ك ، م : فتلقاني .

(٢) الأترج : هي من أفضل ما يوجد من الثمار في سائر البلدان . «مجمع البحرين ـ ترج ـ ٢ : ٢٨٠» .

١١ ـ أمالي الطوسي ١ : ٣٢٠ .

(٣) في ش ، ك ، ص زيادة : النبيّ (ص) .

(٤) في ك ، م ، ص : ويضحكان إذ طلعت .

٦٠