الثّاقب في المناقب

عماد الدين أبي جعفر محمّد بن علي الطوسي [ ابن حمزة ]

الثّاقب في المناقب

المؤلف:

عماد الدين أبي جعفر محمّد بن علي الطوسي [ ابن حمزة ]


المحقق: الشيخ نبيل رضا علوان
الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة أنصاريان للطباعة والنشر
المطبعة: مطبعة القدس
الطبعة: ٤
ISBN: 978-964-438-681-7
الصفحات: ٧٠١

٨ ـ فصل :

في بيان ظهور آياته في الاخبار بالغائبات

وفيه : ستة أحاديث

٢٢٦ / ١ ـ عن ابن عبّاس رضي الله عنه ، قال : قلت لأمير المؤمنين صلوات الله عليه وآله وسلم ، وهو متوجه إلى البصرة : يا أمير المؤمنين ، إنّك في نفر يسير ، فلو تنحّيت حتّى يلحق بك الناس . فقال : «يجيئكم من غد في فجكم هذا ، من ناحية الكوفة ثلاثة كراديس ، في كلّ كردوس خمسة آلاف وستمائة وخمس وستون رجلًا» .

قال : قلت : ما أصابني والله أعظم من [ تلك ] الضيقة .

قال : فلمّا أن صلّيت الفجر قلت لغلامي : اسرج لي . قال : فتوجّهت نحو الكوفة ، فإذا بغبرة قد ارتفعت ، فسرت نحوها ، فلمّا أن دنوت منهم صيح بي : من أنت ؟ قلت : أنا ابن عبّاس ؛ فكفوا ، فقلت لهم : لمن هذه الراية ؟ قالوا : لفلان . قلت : كم أنتم ؟ فقالوا : طوي الديوان عند الجسر على خمسة آلاف وستمائة وخمسة وستين رجلاً .

قال : فمضوا ، ومضيت على وجهي ، فإذا أنا بغبرة قد ارتفعت ، قال : فدنوت منهم ، فصيح بي : من أنت ؟ فقلت : أنا ابن عبّاس .

___________________

١ ـ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ٢ : ١٨٧ نحوه . وعنه مدينة المعاجز : ١٤١ و ٣٩٨ .

٢٦١

فأمسكوا ، فقلت : لمن هذه الراية ؟ قالوا : لربيعة . فقلت : من رئيسها ؟ قالوا : زيد بن صوحان العبديّ . فقلت : كم أنتم ؟ قالوا : طوي الديوان عند الجسر على خمسة آلاف وستمائة وخمسة وستين رجلاً .

قال : فمضوا ، ومضيت على وجهي ، فإذا بغبرة قد ارتفعت ، فأخذت نحوها ، فصيح بي من أنت ؟ قلت : أنا ابن عبّاس . فسكتوا عنّي ، فقلت : لمن هذه الراية ؟ فقالوا : لفلان ، رئيسها الأشتر ، قال : قلت : كم أنتم ؟ قالوا : طوي الديوان عند الجسر على خمسة آلاف وستمائة وخمسة وستين رجلاً .

فرجعت إلى العسكر ، فقال لي أمير المؤمنين : «من أين أقبلت ؟» فأخبرته ، وقلت له : إنّي لمّا سمعت مقالتك اغتممت ، مخافة أن يجيء الأمر على خلاف ما قلت .

قال : فقال : «نظفر بهؤلاء القوم غداً إن شاء الله تعالى ، ثمّ نقسّم مالهم فيصيب كلّ رجل منا خمسمائة» .

قال : فلمّا أن كان من الغد أمرهم أمير المؤمنين صلوات الله عليه أن لا يحدثوا شيئاً حتّى يكون المبتدأ منهم ، فأقبلوا يرمون رجال أمير المؤمنين صلوات الله عليه فأتوه ، فقال لهم : «ما رأيت أعجب منكم ! تأمروني بالحرب والملائكة لم تنزل بعد ؟!» .

فلمّا كان الزوال دعا بدرع رسول الله (ص) فلبسها وصبها عليه ، ثمّ أقبل على (١) القوم ، فهزمهم الله تعالى ، فقال أمير المؤمنين صلوات الله عليه للخزان : «اقسموا المال على الناس خمسمائة خمسمائة» فقسّموها ، ففضل من المال ألفا درهم ، فقال للخازن : «أي شيء بقي عندك ؟» فقال : ألفا درهم .

فقال : «أعطيت الحسن والحسين ومحمّد بن الحنفية خمسمائة

___________________

(١) في ر ، ع : ثمّ قاتل .

٢٦٢

خمسمائة ، وعزلت لي خمسمائة ؟» قال : لا .

قال : «فهذه لنا» فلم تزدد (١) درهم ، ولم تنقصن درهم .

٢٢٧ / ٢ ـ عن عليّ بن النعمان ، ومحمّد بن سنان ، رفعاه إلى أبي عبد الله صلوات الله عليه ، قال : «إنّ عائشة قالت : التمسوا لي رجلاً شديد العداوة لهذا الرجل ، حتّى ابعثه إليه . فأتيت برجل ، فمثل بين يديها ، فرفعت رأسها وقالت : ما بلغ من عداوتك لهذا الرجل ؟ قال لها : كثيراً ما أتمنى على ربّي أنّه وأصحابه في وسطي فَضُرِبْتُ ضربة بالسيف ، فيسبق السيف الدم .

ثمّ قالت : فأنت له ، فاذهب بكتابي هذا ، فادفعه إليه ، ظاعناً رأيته أو مقيماً ، أما إنّك إن وافيته ظاعناً رأيته راكباً على بغلة رسول الله (ص) متنكباً قوسه ، معلقاً كنانته بقربوس سرجه ، وأصحابه خلفه كأنّهم طيور صواف .

ثمّ قالت له : إن عرض عليك طعامه وشرابه فلا تتناول (٢) منه شيئاً فإنّ فيه السحر فمضيت واستقبلته راكباً ، فناولته الكتاب ففض خاتمه ، ثمّ قرأه وقال : «هذا والله مالا يكون» فثنى رجله ونزل ، فأحدق به أصحابه ، ثمّ قال : أسألك ، قال : نعم . قال : «وتجيبني» قال : نعم .

قال : «أنشدك بالله ، هل قالت : التمسوا لي رجلاً شديد العداوة لهذا الرجل ؟» قال : نعم . «فأتيت بك ، فقالت لك : ما بلغ من عداوتك لهذا الرجل ؟ قلت : كثيراً ما أتمنى على ربّي أنّه وأصحابه في وسطي وأضرب بالسيف ضربة فيسبق السيف الدم ؟»

___________________

(١) في ص : يبق .

٢ ـ بصائر الدرجات : ٢٦٣ / ٤ ، الخرائج والجرائح ٢ : ٧٢٤ / ٢٨ ، مناقب ابن شهراشوب ٢ : ٢٦٠ ، مدينة المعاجز : ١١٦ / ٣١٢ ، اثبات الهداة ٢ : ٤٣٤ / ١٠٠ .

(٢) في ر ، ك ، م : تبغي .

٢٦٣

ثمّ قال : «أنشدك بالله ، أقالت لك إذهب بكتابي هذا فادفعه إليه ظاعناً كان أو مقيماً ، أما إنّك إن وافيته ظاعناً رأيته راكباً بغلة رسول الله (ص) ، متنكباً قوسه ، معلقاً كنانته بقربوس سرجه ، وأصحابه خلفه كأنهم طير صواف ؟» قال : اللّهم نعم .

قال : «أنشدك بالله ، هل قالت لك : إن عرض عليك طعامه وشرابه ، فلا تتناول (١) منه شيئاً ، فإنّ فيه السحر ؟» قال : اللّهم نعم .

قال : «أفمبلغ أنت عني ؟» قال : اللّهمّ نعم ، فإنّي قد أتيتك وما على وجه الأرض خلق أبغض إليَّ منك ، وأنا الساعة ما على وجه الأرض خلق أحبّ إليّ منك ، فمرني بما شئت .

قال : «ادفع إليها كتابي ، وقل لها : ما أطعت الله ولا رسوله حيث أمرك بلزوم بيتك ، فخرجت تترددين في العساكر . وقل لطلحة والزبير : ما أنصفتما الله ولا رسوله حيث خلّفتما حلائلكما في بيوتكما وأخرجتما حليلة رسول الله (ص)» .

فجاء بكتابه حتّى طرحه إليها (٢) ، وبلّغها رسالته ، ثمّ رجع إلى أمير المؤمنين صلوات الله عليه فأصيب بصفين ، فقالت : ما نبعث إليه أحد إلّا أفسده علينا .

٢٢٨ / ٣ ـ عن صعصعة بن صوحان العبديّ ، قال : لمّا قاتل أبو بكر مسيلمة . وأسرت الحنفية ، وجيء بها إلى المدينة ، ووقفت بين يدي أبي بكر .

٢٢٩ / ٤ ـ وقد روي عن جابر بن عبد الله الأنصاريّ رضي الله

___________________

(١) في ر ، ك ، م : تبغي .

(٢) في ر ، ك ، م : عندها .

٣ ، ٤ ـ الخرائج والجرائح ٢ : ٥٨٩ ، عن دعبل الخزاعي مفصلاً ، مدينة المعاجز : ٣٥٠ / ٨٩ .

٢٦٤

عنه ذلك أيضاً ، في حديث طويل ، وأنا أذكر منه نقاوته : فقال : لمّا وقفت دنا إليها طلحة والزبير فطرحا عليها ثوبهما ، فلمّا رأت ذلك قامت وقالت : لست بعريانة فتكسواني فقيل لها : إنّهما يتزايدان عليك ، فأيّهما زاد عليك أخذك من السبي . قالت : لا يكون ذلك أبداً ، ولا يملكني ، ولا يكون لي بعل إلّا من يخبرني بالكلام الذي قلته ساعة خروجي من بطن أمّي .

فسكت الناس ينظر بعضهم إلى بعض ، وورد عليهم ما بهر عقولهم ، وبقوا في دهشة ، فقال أبو بكر : مالكم ينظر بعضكم إلى بعض ؟ فقال الزبير : لقولها الذي سمعت ، جارية من سادات قومها ولم يكن لها عادة بما لقيت ، وقد داخلها الفزع فلا تلوموها إذ قالت ما لا تحصله .

قالت : والله ما داخلني الفزع ولا الجزع ، وما قلت إلّا حقاً ولا نطقت إلّا فصلاً وما كذبت ولا كذّبت . فأخذ أبو بكر وعمر يتحاوران الكلام وأخذ ثوبه من طرحه عليها ، وجلست ناحية من القوم ، فجاء أمير المؤمنين علي صلوات الله عليه وآله فوقف ونظر إليها ، ثمّ ناداها : «يا خولة» فوثبت فقالت : لبيك .

قال : «لمّا كانت أمّك حاملاً بك ، وضربها الطلق ، واشتدّ بها الأمر دعت الله وقالت : اللّهمّ سلّمني من هذا الولد (١) سالماً كان أو هالكاً ؛ وسبقت الدعوة لك بالنجاة ، فناديت من تحتها : لا إله إلّا الله ، يا أمّاه لم تدعين عليَّ وعمّا قليل سيملكني سيّد ، يكون لي منه ولد ؟! فكتبت أمّك ذلك الكلام في لوح نحاس ، فدفنته في الموضع الذي سقطت فيه ، فلمّا كانت تلك الليلة التي قبضت فيها أمّك أوصت إليك بذلك ، فلمّا كان في وقت سبيك أخذت اللوح وشددتيه على عضدك

___________________

(١) في ع : المولود .

٢٦٥

الأيمن ؛ هاتي اللوح فأنا صاحبه ، وأنا أبو ذلك الغلام الميمون واسمه (محمّد)» .

قال : فأخرجته ، فأخذه أبو بكر ودفعه إلى عمر (١) حتّى قرأه عليهم ، فلمّا قرأ بكت طائفة ، وحركت أخرى ، واهتدت (٢) إليه ، فما خالف ما في اللوح كلام عليّ صلوات الله عليه حرفاً وقالوا بأجمعهم : صدق الله ، وصدق رسوله إذ قال : «أنا مدينة العلم وعليّ بابها» .

فقال أبو بكر : خذها يا أبا الحسن ، بارك الله لك فيها .

وفي الحديث طول ، وأنّ أمير المؤمنين صلوات الله عليه قد تزوّجها وأمهرها ، ولم يطأها بملك اليمين .

٢٣٠ / ٥ ـ عن عبد الله بن عبّاس ، قال : جلس أمير المؤمنين صلوات الله عليه لأخذ البيعة بذي قار ، وقال : «يأتيكم من قبل الكوفة ألف رجل لا يزيدون ولا ينقصون» فجزعت لذلك وخفت أن ينقص القوم عن العدد أو يزيدون عليه ، ويفسد الأمر علينا ، حتّى ورد أوائلهم ، فجعلت أحصيهم فاستوفيت عددهم تسعمائة رجل وتسعاً وتسعين رجلاً ، ثمّ انقطع مجيء القوم . فقلت : إنّا لله وإنّا إليه راجعون ، ماذا حمله على ما قال ؟ فبينما أنا متفكر في ذلك إذ رأيت شخصاً قد أقبل حتّى دنا ، وإذا هو رجل عليه قباء صوف ، ومعه سيفه وترسه وإداوته ، فقرب من أمير المؤمنين صلوات الله عليه فقال : امدد يدك أبايعك ، فقال له أمير المؤمنين عليه السلام : «وعلى ما تبايعني ؟»

___________________

(١) في هامش ر ، ك : عثمان .

(٢) في ر ، م : واهتزت .

٥ ـ ارشاد المفيد : ١٦٦ ، الخرائج والجرائح ١ : ٣٠٠ ، ارشاد القلوب : ٢٢٤ ، باختصار ، إعلام الورى : ١٧٠ ، رجال الكشي ١ : ٣١٥ / ١٥٦ ، اثبات الهداة ٢ : ٤٥٢ / ١٦٧ ، مدينة المعاجز : ١٤١ ح ملحق ح ٣٩٧ .

٢٦٦

قال : على السمع والطاعة ، والقتال بين يديك حتّى أموت أو يفتح الله على يديك .

فقال : «ما اسمك ؟» فقال : أويس القرني قال : «أنت أويس القرني ؟» قال : نعم .

قال : «الله أكبر ، أخبرني حبيبي رسول الله (ص) أنّي أدرك رجلاً من أمّته يقال له (أويس القرني) يكون من حزب الله وحزب رسوله ، يموت على الشهادة ، ويدخل في شفاعته مثل ربيعة ومضر» قال ابن عباس : فسرى ذلك عنّي .

٢٣١ / ٦ ـ عن سويد بن غفلة ، قال : إنّ رجلاً جاء إلى أمير المؤمنين عليه السلام فقال : يا أمير المؤمنين إنّي مررت بوادي القرىٰ فرأيت خالد بن عرفطة قد مات بها ، فاستغفر له . فقال أمير المؤمنين : «إنّه لم يمت ، ولا يموت حتّى يقود جيش ضلالة ، صاحب لوائه حبيب بن جماز» فقام رجل من تحت المنبر فقال : والله يا أمير المؤمنين ، إنّي لك شيعة ، وإنّي لك محب ! . فقال : «ومن أنت ؟» قال : أنا حبيب بن جماز : قال : «إياك أن تحملها ، ولتحملنها ، فتدخل بها من هذا الباب» وأومى بيده إلى باب الفيل ، فلمّا مضى أمير المؤمنين ، ومضى الحسن بن عليّ من بعده صلوات الله عليهم ، وكان من أمر الحسين عليه السلام ما كان من ظهوره ، بعث ابن زياد لعنه الله عمر بن سعد إلى الحسين صلوات الله عليه ، وجعل خالد بن عرفطة على مقدّمته (١) وحبيب بن جماز صاحب رايته ، فسار بها حتّى دخل

___________________

٦ ـ بصائر الدرجات : ٣٩٨ / ١١ ، الاختصاص : ٢٨٠ ، الخرائج والجرائح ٢ : ٧٤٥ / ٦٣ ، مناقب ابن شهراشوب ٢ : ٢٧٠ ، ارشاد القلوب : ٢٢٥ ، اعلام الورىٰ : ١٧٥ ، الهداية الكبرىٰ : ١٦١ ، شرح نهج البلاغة ٢ : ٢٨٦ ، ارشاد المفيد : ١٩٠ ، مدينة المعاجز : ١١٩ ح ٣١٩ .

(١) في هامش ر ، ص ، ع : ميمنته .

٢٦٧

المسجد من باب الفيل .

وحديث رشيد الهجري وميثم التمار مشهور عند عامّة الأصحاب ، فلا نذكره .

وكذلك حديث حبيب بن عبد الله الأزديّ في أخبار أصحاب النهروان .

وحديث الإِخبار عن كربلاء ، والإِشارة إلى موضع القتال ومصارع الرجال ، وغير ذلك .

وقد اقتصرنا على طرف من آياته صلوات الله عليه ، وقليلٍ من معجزاته .

٢٦٨

٩ ـ فصل :

في بيان ظهور آياته في أشياء شتى

وفيه : اثنا عشر حديثاً

٢٣٢ / ١ ـ عن رزين الأنماطيّ ، عن أبي عبد الله صلوات الله عليه ، عن أبيه ، عن آبائه ، عليهم السلام : «أنّ أمير المؤمنين صلوات الله عليه دخل الكوفة فأقام بها أياماً ، فبينما هو يدور في طرقها ، فإذا هو بيهوديّ قد وضع يده على رأسه ، وهو يقول : معاشر الناس ، أفبحكم الجاهلية تحكمون ، وبه تأخذون ، وطريقاً لا تحفظون . فدعا به أمير المؤمنين صلوات الله عليه فوقف بين يديه ، وقال له : «ما حالك يا أخا اليهود ؟» فقال : يا أمير المؤمنين ، إنّي رجل تاجر خرجت من ساباط المدائن ومعي ستون حماراً ، فلمّا حضرت موضع كذا أخذ ما كان معي اختطافاً ، ولا أدري أين ذهب بها .

فقال أمير المؤمنين : «لن يذهب منك شيء ؛ يا قنبر اسرج لي فرسي» (١) فأسرج له فرسه ، فلمّا ركبه قال : «يا قنبر ، ويا أصبغ بن نباتة ، خذا بيدي اليهوديّ وانطلقا به أمامي» فانطلقا به حتّى صارا إلى الموضع الذي ذكره فخطَّ أمير المؤمنين صلوات الله عليه بسوطه خطة ،

___________________

١ ـ عنه في مدينة المعاجز : ٤٩ / ٩٥ .

(١) في في ر ، ش ، ص ، ع ، ك : دابتي .

٢٦٩

فقال لهم : «قوموا في وسط هذه الخطة ، ولا تجاوزوها فتخطفكم الجنّ» .

ثمّ قنع فرسه واقتحم في الصحراء وقال : «والله معاشر ولد الجنّ من ولد الحارث بن السيّد ـ وهو إبليس ـ إن لم تردّوا عليه أحمره لنخلعن ما بيننا وبينكم من العهد والميثاق ، ولأضربنكم بأسيافنا حتّى تفيئوا إلى أمر الله» . فإذا أنا بقعقعة اللجم ، وصهيل الخيل ، وقائل يقول : الطاعة لله ولرسوله ولوصيه . ثمّ انحدر في الصحراء ستون حماراً بأحمالها ، لم يذهب منها شيء ، فأدّاها إلى اليهوديّ .

فلمّا دخل الكوفة قال له اليهودي : ما اسم محمّد ابن عمك في التوراة ؟ وما اسمك فيها ؟ وما اسم ولديك ؟ فقال أمير المؤمنين صلوات الله عليه وآله : «سل استرشاداً ولا تسأل تعنتاً ، عليك بكتاب التوراة ، اسم محمّد فيها طاب طاب ، واسمي ايليا ، واسم ولديَّ شبر وشبير» .

فقال اليهوديّ : أشهد أن لا إله إلا الله ، وحده لا شريك له ، وأشهد أنّ محمّداً عبده ورسوله ، وأنّك وصيه من بعده ، وأنّ ما جاء به وجئت به حق .

٢٣٣ / ٢ ـ عن عمّار بن الحضرميّ ، عن زاذان (١) أبي عمرو أنّ رجلاً حدّث عليّاً صلوات الله عليه وآله بحديث ، فقال : «ما أراك إلّا كذبتني» فقال : «لم أفعل . فقال : «أدعو الله عليك إن كنت كذبتني» قال : ادع . فدعا عليه ، فما برح حتّى أعمى الله عينيه .

٢٣٤ / ٣ ـ عن عباد بن عبد الله الأسديّ ، قال : سمعت عليّاً

___________________

٢ ـ عنه في مدينة المعاجز : ١٣٩ / ٣٩٢ .

(١) زاذان ، اختلف في كنيته على أقوال : أبو عمرة ، أبو عمروة ، وفي ك : أبو عمير ، راجع «معجم رجال الحديث ٧ : ٢١٢» .

٣ ـ مناقب ابن شهراشوب ٢ : ٣٣٢ نحوه ، مدينة المعاجز : ١٣٨ / ٣٨٦ ، شرح النهج لابن أبي الحديد ٢ : ٢٨٧ ، صدر الرواية .

٢٧٠

صلوات الله عليه يقول ـ وهو في الرحبة ـ : «أنا عبد الله وأخو رسول الله ، ولا يقولها بعدي إلّا كاذب» (١) .

قال : فقام رجل من غطفان وقال : أنا أقول كما قال هذا الكاذب ، أنا عبد الله وأخو رسول الله فخنق (٢) مكانه .

٢٣٥ / ٤ ـ قال أبو جعفر محمّد بن عمر الجرجانيّ : حدَّثني ابن البواب ، عن الحسن بن زيد ، وحدّثنيه ابن أبي السلميّ ، قال : قال : إن ابن أبي غاضية طلبنا نشتم أمير المؤمنين صلوات الله عليه وآله فهربت ، فبعث إليّ محمّد بن صفوان ـ من ولد أبي خلف الجمحيّ ـ أن أعرني بغلتك . فقلت : لئن أعرتك بغلتي إنّي لكم شبه .

قال : فمشى ـ والله ـ على رجليه أربعة أميال ، فوافى خالداً عامل هشام بن عبد الملك على المدينة فشتم أمير المؤمنين صلوات الله عليه وآله على المنبر ، فقال لابن صفوان : قم يا ابن صفوان . فقام وصعد مرقاة من المنبر ، ثمّ استقبل القبلة بوجهه وقال : اللّهمّ من كان يسب عليّاً لترة (٣) يطلبها عنده ، أو لذحل (٤) فإنّي لا أسبه إلّا فيك ولقد كان صاحب القبر يأتمنه وهو يعلم أنّه خائن .

وكان في المسجد رجل فغلبته عينه ، فرأى أنّ القبر انفرج (٥) ، وخرجت منه كف قائل يقول : إن كنت كاذباً فعليك لعنة الله (٦) ، وإن

___________________

(١) في هامش ر ، ع ، ك : كافر .

(٢) في ش ، ص ، ع ، م : فمسخ .

٤ ـ مناقب ابن شهراشوب ٢ : ٣٢٣ ، مختصراً ، مدينة المعاجز : ١٣٨ / ٨٧ .

(٣) الترة : التبعة أو الثأر «النهاية ـ وتر ـ ٥ : ١٤٩ ، لسان العرب ـ وتر ـ ٥ : ٢٧٤» .

(٤) الذحل : الثأر ، وقيل : العداوة والحقد «لسان العرب ـ ذحل ـ ١١ : ٢٥٦» .

(٥) في م : انفتح .

(٦) في ع : فلعنك الله .

٢٧١

كنت كاذباً فأعماك الله .

فنزل الجمحيّ من المنبر فقال لابنه ، وهو جالس إلى ركن البيت : قم . فقام إليه فقال : أعطني يدك أتكئ عليها . فمضى به إلى المنزل .

فلمّا خرجا من المسجد نحو المنزل قال لابنه : هل نزل بالناس شرّ وغشيهم ظلمة ؟ قال : كيف ذلك ؟ قال : لأنّي لا أبصر شيئاً .

قال : ذلك والله بجرأتك على الله ، وقولك الكذب على منبر رسول الله (ص) . فما زال أعمى حتّى مات ، لعنة الله عليه .

٢٣٦ / ٥ ـ عن أنس ، قال : كنت عند رسول الله (ص) أنا وأبو بكر وعمر في ليلة ظلماء مكفهرة ، فقال (ص) : «ائتوا باب عليّ» فأتيناه (١) فنقر أبو بكر الباب نقراً خفياً ، فخرج عليّ صلوات الله عليه وآله متأزراً بإزار من صوف ، مرتدياً بمثله ، في كفّه سيف رسول الله (ص) ، فقال لنا : «أحدث حدث ؟» فقلنا : خير ، أمرنا رسول الله (ص) أن نأتي بابك ، وهو بالأثر .

فإذا قد أقبل رسول الله (ص) فقال : «يا عليّ» قال : «لبيك» .

قال : «أخبر أصحابي بما أصابك البارحة» . قال عليّ : «يا رسول الله إنّي لاستحيي» فقال رسول الله (ص) : «إنّ الله لا يستحيي من الحقّ» .

فقال عليّ صلوات الله عليه وآله : «يا رسول الله ، أصابتني جنابة البارحة من فاطمة ، وطلبت في البيت ماءً فلم أجده ، فبعثت الحسن

___________________

٥ ـ مناقب المغازلي : ٩٤ ، مناقب الخوارزمي : ٢١٦ ، مثله ، الطرائف : ٨٥ / ١٢٠ ، مصباح الأنوار : ١٦٥ / ٣٥ ، غاية المرام : ٦٣٧ ، وعنه معالم الزلفى : ٤١٠ ح ٩١ .

(١) في ص ، ك : اطلبوا عليّاً فخرجنا إليه .

٢٧٢

كذا والحسين كذا ، فأبطا عليّ ، فاستلقيت على قفاي ، فإذا أنا بهاتف من سواد البيت : قم يا عليّ وخذ السطل ؛ واغتسل ، وإذا أنا بسطل مملوء من الماء ، وعليه منديل من سندس ، فأخذت السطل ، واغتسلت ، ومسحت بدني بالمنديل ، ورددت المنديل على رأس السطل ، فقام السطل في الهواء ، فأصابت قطرة منه هامتي ، فوجدت بردها على فؤادي» .

فقال النبيّ (ص) : «بخ بخ يا بن أبي طالب ، أصبحت وخادمك جبرئيل ، أمّا الماء فمن نهر الكوثر ، وأمّا السطل والمنديل فمن الجنّة ، كذا أخبرني جبرئيل عليه السلام» .

٢٣٧ / ٦ ـ عن أحمد بن عمّارة ، عن عبد الله بن عبد الجبّار ، قال : أخبرني مولاي وسيّدي الحسن بن عليّ بن محمّد بن عليّ بن موسى بن جعفر بن محمّد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب ، عن أبيه ، عن آبائه ، عن الحسين بن عليّ صلوات الله عليهم ، قال : «كنت مع أبي على شاطئ الفرات ، فنزع قميصه وغاص في الماء ، فجاء موج فأخذ القميص ، فخرج أمير المؤمنين عليه السلام وإذا بهاتف يهتف : يا أمير المؤمنين ، خذ ما عن يمينك . فإذا منديل فيه قميص ملفوف ، فأخذ القميص ولبسه ، فسقطت من جيبه رقعة ، مكتوب فيها : بسم الله الرحمن الرحيم ، هدية من الله العزيز الحكيم إلى عليّ بن أبي طالب ، هذا قميص هارون بن عمران ( كَذَٰلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْمًا آخَرِينَ ) (١)» .

٢٣٨ / ٧ ـ عن الحسين بن عبد الرحمن التمّار ، قال : انصرفت

___________________

٦ ـ مناقب ابن شهراشوب ٢ : ٢٢٩ ، مائة منقبة : ٩٦ ، مدينة المعاجز : ١٦ / ١٤ ، إثبات الهداة ٢ : ٤٦٠ / ٢٠١ .

(١) سورة الدخان / الآية : ٢٨ .

٧ ـ تأويل الآيات ٢ : ٨٣٧ / ٥ ، عنه مدينة المعاجز ١١٠ ح ٢٩٣ .

٢٧٣

عن مجلس بعض الفقهاء ، فمررت بسليمان الشاذكونيّ ، فقال لي : من أين أقبلت ؟ قلت : من مجلس فلان العالم . قال : فما قوله ؟ قلت : شيئاً من مناقب أمير المؤمنين صلوات الله عليه . فقال : والله لأحدثنك بفضيلة سمعتها من قرشي عن قرشي .

قال : رجفت قبور البقيع على عهد عمر بن الخطّاب فضجّ أهل المدينة من ذلك ، فخرج عمر ومعه أهل المدينة إلى المصلى يدعون الله تعالى ليسكن عنهم الرجفة ، فما زالت تزيد في كلّ يوم إلى أن تعدى ذلك إلى حيطان المدينة ، وعزم أهلها بالنقلة عنها ، قال عمر انطلقوا بنا إلى أبي الحسن عليّ بن أبي طالب صلوات الله عليه وآله . فمضى إليه ودخل عليه ومعه أهل المدينة ، فلمّا بصر به قال : يا أبا الحسن ، أما ترى إلى قبور البقيع ورجفتها ، حتّى قد تعدى ذلك إلى حيطان المدينة ، وقد عزم أهلها بالنقلة عنها ، والخروج منها ؟

فقال أمير المؤمنين صلوات الله وسلامه عليه : «عليّ بمائة من أصحاب رسول الله (ص)» فجاؤوا بهم ، فاختار من المائة عشرة ، فجعلهم خلفه ، وجعل التسعين خلفهم ، ودعا سلمان ، وأبا ذر ، والمقداد بن الأسود الكنديّ ، وعمّاراً فجعلهم أمامه ، فلم يبق بالمدينة بنت عاتق إلّا خرجت إلى البقيع ، حتّى إذا توسطه ضرب الأرض برجله ، وقال : «مالك مالك مالك» ثلاثاً فسكنت الرجفة ، وقال أمير المؤمنين : «صدق حبيبي رسول الله (ص) ، فلقد أنبأني بهذا الخبر ، وبهذا اليوم ، وباجتماع الناس له» .

٢٣٩ / ٨ ـ في كلام آخر عن التمّار ، رفعه بإسناده ، قال : كان أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام مع بعض أصحابه في مسجد الكوفة ، فقال له رجل : بأبي أنت وأمّي ، إنّي لأتعجب من هذه الدنيا

___________________

٨ ـ بصائر الدرجات : ٣٩٥ / ٣ ، الاختصاص : ٢٧٠ .

٢٧٤

التي في أيدي هؤلاء القوم (١) ، وليست عندكم ؟! فقال : «أترى أنّا نريد الدنيا ولا نعطاها ؟» .

ثمّ قبض قبضة من الحصى ، فإذا هي جواهر ، فقال : «ما هذا ؟» قال : هذا من أجود الجواهر . فقال : «لو أردنا هذا لكان ، ولكنا لم نرد» ثمّ رمى بالحصى فعاد كما كان .

٢٤٠ / ٩ ـ عن الحسن البصريّ ، قال : أتانا أمير المؤمنين صلوات الله عليه وآله ـ وكنت يومئذ غلاماً قد أيفعت ـ فدخل منزله ـ في حديث طويل ـ ثمّ خرج وتبعه الناس ، فلمّا صار إلى الجبانة نزل واكتنفه الناس ، فخطَّ بسوطه خطة ، فأخرج منها ديناراً ، ثمّ خطَّ خطة أخرى فأخرج منها ديناراً آخر ، حتّى أخرج منها ثلاثة دنانير ، فقلّبها في يده حتّى أبصرها الناس ، ثمّ ردَّها وغرسها بابهامه ، ثمّ قال : «ليليك بعدي محسن أو مسيء» .

ثمّ ركب بغلة رسول الله (ص) وانصرف إلى منزله ، وأخذنا العلامة (٢) وصرنا إلى الموضع حتّى إذا بلغنا الرشح (٣) فلم نصب شيئاً ، فقلنا للحسن : ما ترى ذلك من أمير المؤمنين عليه السلام ؟ فقال : «أمّا أنا فلا أرى أن كنوز الأرض تسير إلّا لمثله» .

٢٤١ / ١٠ ـ عن إبراهيم بن محمّد الأشعريّ ، عمّن رواه ، قال : إنّ أمير المؤمنين صلوات الله عليه وآله وسلّم أراد أن يبعث بمال إلى البصرة ، فعلم بذلك رجل من أصحابه ، فقال في نفسه : لو أتيته فسألته

___________________

(١) في ص : الناس ، وفي ر : الفلاح .

٩ ـ بصائر الدرجات : ٣٩٥ / ٤ ، الاختصاص : ٢٧١ .

(٢) في المخطوطات : الفلاح ، وما أثبتناه من المصادر .

(٣) الرشح : أي وصلوا في الحفر إلى الماء في قعر الأرض .

١٠ ـ بصائر الدرجات : ٢٦٠ / ٢٠ نحوه .

٢٧٥

أن يبعث معي بهذا المال ، فإذا دفعه إليّ أخذت طريق الكرخة (١) فذهبت به .

فأتاه وقال : بلغني أنّك تريد أن تبعث بمال إلى البصرة ؟ قال : «نعم» قال : فادفعه إليّ فأبلغه ، واجعل لي ما تجعل لمن تبعثه . فقد عرفت صحبتي .

قال : فقال له أمير المؤمنين صلوات الله عليه : «خذ طريق الكرخة» (٢) .

٢٤٢ / ١١ ـ حدّث أبو مهاجر زيد بن رواحة العبديّ ، قال : دخلت الكوفة بعد موت الحجّاج فدخلت المسجد الجامع وأنا أقول : الحمد لله الذي أخلى منه الديار والآثار ، وجعل مصيره إلى النار ؛ فسمعني رجل كان هناك جالساً إلىٰ بعض سواري المسجد ، فقال لي : يا رجل ، خف الله تعالى على نفسك ، واحبس على لسانك ، فإنّك في أرض مسبعة ، وأوطان موحشة ، فإن يك خائناً فقد هلك ، وإن يك حامداً فقد ملك .

قال : فأنست به وجلست إليه فتحدّثنا ساعة ، ورأيت جماعة منكبة على رجل وهو يحدّثهم ، وهم يسمعون منه ، ويكتبون عنه ، فقلت لصاحبي : من هذا الرجل ؟ فقال : رجل شهد مع أمير المؤمنين صلوات الله عليه البصرة وصفّين والنهروان ، والناس يسمعون منه ، ويأخذون عنه ، وهو رجل له أصل وشرف ولب وعقل .

فقلت له : هل لك أن تدنو منه ، فلعلنا نسمع منه شيئاً ننتفع به . قال : نعم . فدنونا منه ، فإذا هو يحدِّث عن أمير المؤمنين صلوات الله

___________________

(١ ، ٢) في المخطوطات : المكرخة ، وما أثبتناه من المصادر .

والكرخة : مدينة بخوزستان عامرة صغيرة ، انظر «أحسن التقاسيم : ٣٦ ، ٣١٢» .

١١ ـ مدينة المعاجز : ٩٨ / ٢٥١ ، ذيله الرواية .

٢٧٦

عليه ، ويقول : سمعت ، ورأيت ؛ فاغتنمت (١) ، وأقبلت عليه ، وأمهلته حتّى انفضَّ عنه أكثر من كان عنده ، وقلت له : أنا رجل من أهل البصرة ، خرجت لطلب العلم ، وأحببت أن أسمع منك شيئاً أحدِّث به عنك .

فقال : يا أهل البصرة ، ما أجرأ الناس على الله تعالى وعلى رسوله (ص) ، وعلى هتك الدين وفتنة المسلمين ! ألا بشرٍ عليكم أهل الغدر والنكث ، بتوثبكم على أهل الحقّ والصدق ، وإنّ أول الفتنة في هذا الدين من بين أفنيتكم وأنديتكم ولمّا ضربت بجرانها وكنانها ، تراغى إليها الأكابر ، واصطلى بها الأصاغر ، فأذكوا شواظَّها ، وألكوا في دلاظها (٢) ، حتّى إذا عمّهم عارها وشنارها رماها الله تعالى بأمير المؤمنين عليه السلام وسيّد الوصيّين وأخي رسول ربّ العالمين ، فأقشع به عنكم الإِفك ، وجلى به عنكم الشرك ، وقتل به أهل النكث والإِفك ، وقامت به حجّة الحق ، وما كنتم بررة راشدين ، ولا جهلة مسترشدين ، ولقد استبدلتم الذي هو أدنى بالذي هو خير ، واستحببتم العمى على الهدى ، فبعداً للقوم الظالمين .

قال : فأمسكت عنه حتّى فرغ من كلامه ، ثمّ قلت : أيّها الشيخ ، لقد عممت أهل البصرة ، وقد كان فيهم المؤمن والكافر ، والبر والفاجر ، والسعيد والشقي ، ولقد نصر الله تعالى وليّه ودينه منهم بقوم كما قال الله تعالى : ( إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَذِكْرَىٰ لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ ) (٣) قد كشف الله لهم عن قلوبهم وأبصارهم حتّى

___________________

(١) في ر ، ك : فاغتمدت ، وفي م ، وهامش ك : فاغتممت .

(٢) وألكوا في دلاظها : المراد أنهم لاكوا هذه الفتنة وعلكوها ، انظر لسان العرب ٧ / ٤٤٤ مادة (دلظ) ، وج ١٠ / ٣٩١ (الك) ، وفي بعض النسخ : أفكوا . والمراد : تقلبوا أو احترقوا في نار هذه الفتنة . انظر لسان العرب : ١٠ : ٣٩١ (أفك) .

(٣) سورة ق الآية : ٣٧ .

٢٧٧

عرفوا الحقّ من الباطل ، والمحق من المبطل ، فجاهدوا في الله مع وليّه حقّ الجهاد .

قال : صدقت ولقد كان معنا منهم يومئذ قوم صبروا ونصروا ، فمن أنت ؟ قلت : أنا رجل من عبد القيس . فقال : أهلاً بك ومرحباً ، بأبي قومك ويومك . ثمّ أدناني وقرّبني ، وأقبل عليّ ، ثمّ قال لي : والله ، لأحدّثنك بما تقرّ به عينك ، وتقوى به بصيرتك ، ويزداد به إيمانك .

ثمّ قال : قم بنا ، وأخذ بيدي إلى منزله ، وأكرمني ، وأحسن ضيافتي ، وقال : سمعت أمير المؤمنين عليه السلام يقول : «قيّدوا العلم بالكتابة» وقام ، وأخرج صحيفة من جلد أبيض ، فيه كتابة فقرأ عليَّ : «حدّثني ربيعة بن سالم الهمدانيّ ، قال : لمّا كان اليوم الذي قتل فيه عمّار بن ياسر رضي الله عنه وكان ابتدأنا من صفين حرباً وطعناً ، فاستندت إلى قفة (١) كانت هناك ، وأشرفت على الناس ، وقد تزحزحوا عن مقاماتهم ، وهم يتكفؤون تكفؤ السفينة بأهلها ، فمن بين متقدّم لقتال ، ومتأخر عن كلال ، ما يسمع إلّا صهيل الخيل ، وغمغمة الرجال ، وقعقعة اللجم ، واصطكاك القنا باختلافها ، وخفق الرايات ، وقد أخذ العدو الماء ، وحفظ الموارد ، والناس معطشون ، وقد مدّت الخيل أعناقها ولجمها ، وعضت على الشكائم ، وقلقلت في مواقفها ، وقهقرت على أكفالها ، وصهلت لأوجالها ، وتداعى الناس بآبائهم (واعتزوا بأنسابهم) (٢) والناس ملتفون ، والنساء على المطايا خلال الصفوف يُحرضنّ الرجال على القتال ، وقراء القرآن يتلون ما ذكره الله تعالى في كتابه من فضل الجهاد والمجاهدين والصبر عند مواقف الصدق ، وقد سمحوا بالأنفس والأموال كأن قد عاينوا الثواب ، واستيقنوا

___________________

(١) القفة : الشجرة اليابسة البالية . «النهاية ـ ٤ : ٦١» .

(٢) في هامش ر : واعتزلوا نسائهم .

٢٧٨

المآب ، وأقبلت قبيلة همدان برايتها مع سعيد بن قيس كأنّها سحابة مودقة .

قال ربيعة : فاتكيت على رمحي ، ورفعت (١) طرفي إلى السّماء ، وقلت في نفسي : يا ربّ ، هذا أخو نبيّك ووصيّه ، وأحبّ الخلق (٢) إليه ، وأزلفهم لديه ، وأقربهم منه ، وأنصرهم له ، وأعلمهم بالدّين ، وأنصحهم للمسلمين ، وأهداهم للحقّ ، وأعلمهم بالكتاب ، وأعملهم به ، وبما يأتي ويذر ، فثبّت كلمته ، وقصهم على دعوته ، إنّ هذا الأمر ما يرد بهذا الخلق ، ولله الخلق والأمر ، يصيب برحمته من يشاء ، اللّهمّ وقد ضعفت عن حمل ذلك ، فافتح اللهم لي ما تثبّت به قلبي ، وتشرح به صدري ، وتطلق به لساني ، وتذهب به نزغ الشيطان الرجيم ، وهمزه وكيده ووسوسته وخيله ورجله .

قال ربيعة : فلمّا استتم الدعاء إذا أنا بمقرعة بين كتفي ، فالتفت فإذا أنا بأمير المؤمنين عليه السلام وهو على بغلة رسول الله (ص) وبيده عنزة (٣) رسول الله (ص) ، وكأنّ وجهه كدائرة القمر إذا أبدر ، فقال لي : «يا ربيعة ، لشد ما جزعت ، إنّما الناس رائح ومقيم ، فالرائح من يحببه هذا اللقاء إلى جنّة المأوى ، وإلى سدرة المنتهى ، وإلى جنّة عرضها كعرض السّماء والأرض ، أعدّت للمتقين ؛ والمقيم بين اثنين : إمّا نعم مقلّة ، أو فتنة مضلّة ، يا ربيعة ، حيّ على معرفة ما سألت ربا»

ومَرَّ يفري الأرض فرياً واتبعته حتّى خرج عن العسكر ، وجازه بميل أو نحوه ، وثنى رجله عن البغلة ، ونزل وخر على الأرض للدُّعاء ، يقلّب كفّيه بطناً وظهراً ، فما ردّ يده حتّى نشأت قطعة سحابة كأنّها

___________________

(١) في ر : رجعت .

(٢) في ص ، ع : الناس .

(٣) العنزة : مثل نصف الرمح أو أكبر . «النهاية ٣ : ٣٠٨» .

٢٧٩

هقل (١) نعام تدب بين (٢) السماء والأرض ، حتّى أظلّتنا ، فما عدا ظلّها مركبنا ، حتّى (٣) هطلت بشيء كأفواه القرب ، وشرب فرسي . من تحت حافره ، وملأت مزادي ، وارتويت ، ورويت ، فرسي ، ثمّ عاد فركب بغلته ، وعادت السحابة من حيث جاءت ، وعدت إلى العسكر ، فتركني وانغمس في الناس .

٢٤٣ / ١٢ ـ عن عاصم بن شريك ، عن أبي البختري ، عن أبي عبد الله الصادق ، عن آبائه عليهم السلام ، قال : «أتى أمير المؤمنين عليه السلام منزل عائشة ، فنادى : «يا فضة ، أئتينا بشيء من ماء نتوضأ به ،» فلم يجبه أحد ، ونادى ثلاثاً ، فلم يجبه أحد ، فولّى عن الباب يريد منزل الموفقة السعيدة الحوراء الإنسية فاطمة عليها السلام ، فإذا هو بهاتف يهتف ويقول : يا أبا الحسن دونك الماء فتوضأ به . فإذا هو بإبريق من ذهب مملوء ماء عن يمينه ، فتوضأ ، ثمّ عاد الإِبريق إلى مكانه ، فلمّا نظر إليه رسول الله (ص) قال : «يا عليّ ما هذا الماء الذي أراه يقطر كأنّه الجمان (٤) ؟» .

قال : «بأبي أنت وأمّي ، أتيت منزل عائشة فدعوت فضة تأتينا بماء للوضوء ثلاثاً فلم يجبني أحد ، فوليت ، فإذا أنا بهاتف يهتف وهو يقول : يا عليّ دونك الماء . فالتفت فإذا أنا بإبريق من ذهب مملوء ماء» .

فقال : «يا عليّ تدري من الهاتف ؟ ومن أين كان الإِبريق ؟»

___________________

(١) الهقل : الغني من النعام . «القاموس المحيط ـ هقل ـ ٤ : ٧١» .

(٢) في م : بدت من .

(٣) في ر : ثم .

١٢ ـ أمالي الصدوق : ١٨٧ نحوه ؛ مائة منقبة لابن شاذان : ٩٩ منقبة ٤٢ نحوه ، عنه معالم الزلفى : ٤١١ ، ومدينة المعاجز : ٩٦ ح ٢٤٦ .

(٤) الجمانة : حبّة تعمل من الفضة كالدرّة ، وجمعها جمان . «الصحاح ٥ : ٢٠٩٢» .

٢٨٠