الثّاقب في المناقب

عماد الدين أبي جعفر محمّد بن علي الطوسي [ ابن حمزة ]

الثّاقب في المناقب

المؤلف:

عماد الدين أبي جعفر محمّد بن علي الطوسي [ ابن حمزة ]


المحقق: الشيخ نبيل رضا علوان
الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة أنصاريان للطباعة والنشر
المطبعة: مطبعة القدس
الطبعة: ٤
ISBN: 978-964-438-681-7
الصفحات: ٧٠١

شئت ـ بسائقها وقائدها وناعقها ، ومحطّ رحالها إلى يوم القيامة» (١) .

١١٥ / ٤ ـ وقوله وقد روى عنه عباية بن ربعي الأسدي ، قال : سمعته وهو يقول : «سلوني قبل أن تفقدوني ، ألا تسألوني عن علم البلايا والمنايا والأنساب» .

وحديث الجفر ، والجامعة ، ومصحف فاطمة عليها السلام ، وغير ذلك غير خاف عند علماء أهل البيت عليهم السلام وفي إحصاء ذلك كثرة .

١١٦ / ٥ ـ فقد روى أبو إسحاق السبيعي أنّ الحسن بن عليّ عليهما السلام ، قال في الخطبة الّتي خطبها بعد وفاة أمير المؤمنين عليه السلام : «وكان رسول الله (ص) يوجهه ويكنفه ، جبرئيل عن يمينه ، وميكائيل عن شماله لا يرجع حتّى يفتح الله على يده» .

١١٧ / ٦ ـ ويصدق ذلك ما رواه جابر بن عبد الله ، قال : قال رسول الله (ص) : «ما اعتصىٰ عليَّ أهل مملكة قط إلّا رميتهم بسهم الله» قلنا : يا رسول الله ، وما سهم الله ؟

قال : «عليّ بن أبي طالب ، ما بعثته في سرية قط إلّا رأيت جبريل عن يمينه ، وميكائيل عن يساره وملك الموت أمامه في سحابة تظله ، حتّى يعطي الله لحبيبي النصر والظفر» .

___________________

(١) أمالي الطوسي : ١ : ٥٨ / ٨٦ ، مثله ، نهج البلاغة ١ : ١٨٢ / ٨٩ ، شرح النهج ٧ : ٤٤ / ٩٢ ، المناقب ٢ : ٣٩ .

٤ ـ بصائر الدرجات : ٢٨٦ / ١ وباب ٢ من نفس الصفحة ـ ذكره بأسانيد متعددة مثله .

٥ ـ أمالي الطوسي ١ : ٢٧٦ ، تفسير فرات : ٧٢ ، ارشاد المفيد : ١٨٨ ، اعلام الورىٰ : ٢٠٨ ، شرح النهج ١٦ : ٣٠ ، مقاتل الطالبيين : ٣٠ ـ ٣١ وفي المصادر كلها ورد بالمثل .

٦ ـ كفاية الطالب : ١٣٤ ، المناقب لابن شهراشوب ٢ : ١٣٩ .

١٢١

١١٨ / ٧ ـ وقال رسول الله (ص) : «إنّ الله تعالى جعل ملائكة سياحين في الأرض ، فإذا مرّوا بآل محمّد مسحوا بأجنحتهم رؤوسهم» .

١١٩ / ٨ ـ روى أبو جعفر الباقر عليه السلام ، قال : «قال أمير المؤمنين عليه السلام ـ بعد قتل عثمان بن عفان ـ : أنشدكم بالله ، هل فيكم أحد سلّم عليه جبرئيل وميكائيل وإسرافيل في ثلاثة آلاف من الملائكة يوم بدر غيري ؟» قالوا : لا .

١٢٠ / ٩ ـ روى الأصبغ بن نباتة ، قال : دخلت على أمير المؤمنين ، والحسن والحسين عليهم السلام عنده ، وهو ينظر إليهما نظراً شديداً ، قلت له : بارك الله لك في فتيانك ، وبلّغ بهما أملهما فيك ، وبلّغ بك أملك فيهما .

فقال : «خرجت يوماً وصلّيت مع رسول الله (ص) ، فلمّا انصرفت قلت : يا رسول الله إنّي كنت في ضيعة لي ، فجئت نصف النهار وأنا جائع ، مُعْيٍ ، فسألت ابنة رسول الله (ص) هل عندها شيء تطعمني ، فقامت لتهء شيئاً ، فأقبل ابناك الحسن والحسين مظهرين ، يقولان : حسبنا جبرئيل ورسول الله (ص) . فقلت : كيف حسبكما جبرئيل ورسول الله ؟ فقال الحسن : كنت أنا في حجر رسول الله (ص) ، والحسين في حجر جبرئيل ، فكنت أنا أثب من حجر رسول الله إلى حجر جبرئيل ، والحسين يثب من حجر جبرئيل إلى حجر رسول الله .

فقال رسول الله (ص) : صدق ابناي ، ما زلت أنا وجبرئيل نلهو بهما منذ أصبحنا حتّى زالت الشمس .

___________________

٧ ـ الخرائج والجرائح ٢ : ٥٣٠ ، ذيل حديثي ٦ ، ٧ .

٨ ـ بصائر الدرجات : ١١٥ / ١ .

٩ ـ مناقب الخوارزمي : ٢٣٨ ، عن جابر ألا إنّه قال : والله ما كنا نعرف المنافقين إلّا ببغضهم عليَّاً عليه السلام .

١٢٢

قلت ففي أي صورة كان جبرئيل ؟ قال : في الصورة التي كان ينزل عليَّ فيها» .

وأمثال ذلك لا تحصى كثرة .

وقد جعل الله تعالى عليّاً أمير المؤمنين علماً بين الإِيمان والنفاق ، وبين من ولد لرشده ، وبين من ولد لغيّه .

فقال رسول الله (ص) : «حبّك إيمان وبغضك نفاق» (١) .

وقال رسول الله (ص) له : «لا يحبّك إلّا مؤمن ، ولا يبغضك إلّا منافق» (٢) .

١٢١ / ١٠ ـ روى ابن عبّاس رضي الله عنه في حديث طويل أنّه (ص) قال : «لا يحبك إلّا طاهر الولادة ، ولا يبغضك إلّا خبيث الولادة» .

١٢٢ / ١١ ـ روي عن عائشة ـ مع انحرافها عن عليّ عليه السلام ـ قالت : كنا نختبر أولادنا على عهد رسول الله (ص) بحبّ عليّ ابن أبي طالب عليه السلام ، فمن أحبّه علمنا أنه لرشده .

وقد ذُكر في ذلك أبيات عنها :

إذا ما التبر (٣) حك على المحك

تبين غشه من غير شكِّ

___________________

(١) أمالي الصدوق : ٤٩٦ / ٥

(٢) تاريخ بغداد ٨ : ٤١٧ و ١٤ : ٤٢٦ ، علل الشرايع : ١٤٥ / ١٢ ، أمالي الطوسي ٢ : ١٦١ ، كفاية الطالب : ٦٨ ، الصواعق المحرقة : ١٢٢ ، وابن حنبل في مسنده ١ : ٨٤ ، ٩٥ ، ١٢٨ و ٦ : ٢٩٢ .

١٠ ـ الاحتجاج : ٦٩ .

١١ ـ رواه المجلسي في بحاره ٣٩ : ٢٩٦ عن شرح النهج ١ : ٤٨٦ طبع مصر .

(٣) في ر : الغش .

١٢٣

ففينا الغش والذهب المصفى

عليّ بيننا شبه المحكِّ

١٢٣ / ١٢ ـ وكان جابر بن عبد الله الأنصاريّ رضي الله عنه وهو يدور على مجالس الأنصار ويقول : «عليّ خير البشر فمن أبى فقد كفر» ، يا معشر الأنصار أدّبوا أولادكم على حبّ عليّ ، فمن أبى فانظروا في شأن أمه .

وأمثال هذا كثيرة ولا يمكن استيفاؤها .

___________________

١٢ ـ رواه الصدوق في علل الشرايع : ١٤٢ / ٤ ، والأمالي : ٤٧ وابن شهراشوب في المناقب ٣ : ٦٧ ، نقله عن ابن مجاهد في التاريخ والطبري في الولاية والأعمش عن أبي وائل وعن عطية عن عائشة .

١٢٤

٢ ـ فصل :

في ذكر نوح وهود وصالح

وفيه : خمسة أحاديث

إنّ الله سبحانه وتعالى لم يذكر في كتابه المجيد لأحد منهم آية سوى آية الناقة لصالح ، فإنّه تعالى جعلها له آية ، وذكرها في كتابه العزيز فقال عزّ من قائل : ( هَـٰذِهِ نَاقَةُ اللَّـهِ لَكُمْ آيَةً (١) ) فأمّا الطوفان ، والريح ، وإهلاك قوم منهم بسبب آية تخالف العادة ، وأنّه تعالى كان عذَّبهم بالماء والريح ، وأفناهم وقطع دابرهم ، وأبادهم ، وجعلهم عبرة لمن عقل ، وعظة لمن تدبّر ، وحديثاً لمن تذكّر ، على وجه يخرق العادة ، ثمّ لم يجعل ذلك لنبيّنا (ص) ، ولا لأحد من أوصيائه ، لأنّه سبحانه وتعالى جعله (ص) نبيّ الرحمة كما قال عزّ اسمه : ( وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ ) (٢) .

وكان (ص) أحسن الأنبياء خلقاً ، وأكرمهم سجية ، وأعلاهم فضلاً .

١٢٤ / ١ ـ وقد قال (ص) من كرمه الفائض وخلقه الجميل : «لكلّ

___________________

(١) سورة الأعراف / الآية : ٧٣ .

(٢) سورة الأنبياء / الآية : ١٠٧ .

١ ـ الخصال ١ : ٢٩ / ١٠٣

١٢٥

نبيّ دعوة مستجابة ، وإنّي أخبأت دعوتي شفاعة لأهل الكبائر من أمتي» .

وإنّما فعل تعالى بالأمم الماضية من العذاب المدمر ، والهلاك الشامل ، ليعتبر بهم من يجيء بعدهم ، بعدما استحقوا ذلك بأفعالهم القبيحة ، وإصرارهم على الكبائر ، وتماديهم على الكفر والجحود ، وإنّ الله سبحانه وتعالى لم يغلق على نبيّنا ، وعلى من بعث إليه باب التوبة ، ولم يسدّ لهم طريق الأوبة إلى يوم القيامة ، ورفع عنهم عذاب الاستئصال ببركته (ص) .

١٢٥ / ٢ ـ وقد روي أنّ نوحاً عليه السلام لمّا دخل السفينة حمل معه من كلّ زوجين اثنين ، كما قال سبحانه وتعالى في كتابه العزيز ، وقد حمل معه أصل كلّ شيء من القضبان والبذور والحب والنوى ، فلمّا هبط بسلام ، أخذ القضبان التي كانت معه فغرسها ، فنبتت وربت وأورقت وأثمرت من ساعتها :

وإنّ الله تعالى قد فضّل أئمتنا عليهم السلام بمثل ذلك وهو :

١٢٦ / ٣ ـ ما روى أبو هارون العبدي ، قال : كنت عند أبي عبد الله عليه السلام إذ دخل عليه رجل وقال : بما تفتخرون علينا ولد عبد المطلب (١) .

وكان بين يديه طبق فيه رطب ، فأخذ عليه السلام رطبة ففلقها واستخرج نواها ، ثمّ غرسها في الأرض وتفل عليها ، فخرجت من

___________________

٢ ـ . . .

٣ ـ الخرائج والجرائح ٢ : ٦٢٤ ، مثله ، ومدينة المعاجز : ١٦٧ / ٤٦٨ ، والصراط المستقيم ٢ : ١٨٨ / ١٩ ، وفي جميع المصادر : عن المعلى بن حنيس .

(١) في ر ، ص ، ع : أبي طالب .

١٢٦

ساعتها ، وربت حتّى أدركت وحملت ، واجتنى منها رطباً ، فقدّم إليه في طبق ، وأخذ واحدة ففلقها فأكل ، وإذا على نواها مكتوب : لا إله إلا الله ، محمّد رسول الله ، أهل بيت رسول الله (ص) خزّان الله في أرضه .

ثمّ قال أبو عبد الله عليه السلام : «أتقدرون على مثل هذا ؟!» .

قال الرجل : والله لقد دخلت عليك وما على بسيط الأرض أحد أبغض عليَّ منك وقد خرجت وما على بسيط الأرض أحد أحبّ إليّ منك .

وأما الناقة ، وما أظهر الله سبحانه وتعالى بها من الآية ، فقد آتى ربّنا تبارك وتعالى أهل البيت عليهم السلام (١) ما يقارب ذلك ويدانيه ، ويجانسه ويحاكيه . وهو :

١٢٧ / ٤ ـ ما حدثنا به شيخي أبو جعفر محمّد بن الحسين بن جعفر الشوهاني رحمه الله في داره بمشهد الرضا عليه السلام ، بإسناده يرفعه إلى عطاء ، عن ابن عبّاس رضي الله عنه ، قال : قدم أبو الصمصام العبسيّ على رسول الله (ص) ، وأناخ ناقته على باب المسجد ، ودخل وسلّم وأحسن التسليم ، ثمّ قال : أيّكم الفتى الغوي الذي يزعم أنه نبيّ ؟

فوثب إليه سلمان الفارسيّ رضي الله عنه ، فقال : يا أخا العرب ، أما ترى صاحب الوجه الأقمر ، والجبين الأزهر ، والحوض والشفاعة ، والقرآن والقبلة ، والتاج واللواء (٢) ، والجمعة والجماعة ، والتواضع

___________________

(١) في ع : بيت نبيه صلوات الله عليهم .

٤ ـ مناقب ابن شهراشوب ٢ / ٣٣٢ ، إرشاد القلوب : ٢٧٨ ، والخرائج والجرائح : ١ : ١٧٥ قطعة منه .

(٢) في ص ، ع ، وهامش ك : الهراوة .

١٢٧

والسكينة ، والمسكنة (١) والإِجابة ، والسيف والقضيب ، والتكبير والتهليل ، والاقسام والقضية ، والأحكام الحنيفة ، والنور والشرف ، والعلو والرفعة ، والسخاء ، والشجاعة ، والنجدة ، والصلاة المفروضة ، والزكاة المكتوبة ، والحج ، والإِحرام ، وزمزم ، والمقام ، والمشعر الحرام ، واليوم المشهود ، والمقام المحمود ، والحوض المورود ، والشفاعة الكبرى ، ذلك سيّدنا ومولانا محمّد رسول الله (ص) .

فقال الأعرابي : إن كنت نبيّاً فقل متى تقوم الساعة ؟ ومتى يجيء المطر ؟ وأي شيء في بطن ناقتي هذه ؟ وأي شيء أكتسب غداً ؟ ومتى أموت ؟

فبقي النبيّ (ص) ساكتاً لا ينطق بشيء ، فهبط الأمين جبرئيل عليه السلام وقال : يا محمّد ، إقرأ هذه الآية . ( إِنَّ اللَّـهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّـهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ) (٢) .

قال الأعرابي : مدّ يدك فإني أشهد أن لا إله إلا الله ، وأقر أنّك محمد رسول الله ، فأي شيء لي عندك إن أتيتك بأهلي وبني عمّي مسلمين ؟

فقال له النبيّ (ص) : «لك عندي ثمانون ناقة حمر الظهور ، بيض البطون ، سود الحدق ، عليها من طرائف اليمن ونقط الحجاز» .

ثمّ التفت النبي (ص) إلى علي بن أبي طالب عليه السلام وقال : «اكتب يا أبا الحسن :

بسم الله الرحمن الرحيم ، أقرّ محمّد بن عبد الله بن

___________________

(١) في ص ، ك : المسألة .

(٢) سورة لقمان / الآية : ٣٤ .

١٢٨

عبد المطلب بن هشام بن عبد مناف ، وأشهد على نفسه في صحة عقله وبدنه ، وجواز أمره ، أنّ لأبي الصمصام العبسيّ عليه ، وعنده ، وفي ذمّته ثمانين ناقة ، حمر الظهور ، بيض البطون ، سود الحدق ، عليها من طرائف اليمن ونقط الحجاز ، وأشهد عليه جميع أصحابه» .

وخرج أبو الصمصام إلى أهله فقبض النبيّ (ص) ، فقدم أبو الصمصام وقد أسلم بنو العبس كلّهم ، فقال أبو الصمصام : يا قوم ، ما فعل رسول الله (ص) ؟ قالوا : قبض .

قال : فمن الوصيّ بعده ؟ قالوا : ما خلّف فينا أحداً .

قال : فمن الخليفة من بعده ؟ قالوا : أبو بكر .

فدخل أبو الصمصام المسجد فقال : يا خليفة رسول الله ، إنّ لي على رسول الله (ص) ثمانين ناقة حمر الظهور ، بيض البطون ، سود الحدق ، عليها من طرائف اليمن ونقط الحجاز .

فقال أبو بكر : يا أخا العرب ، سألت ما فوق العقل ، والله ما خلّف فينا رسول الله (ص) لا صفراء ولا بيضاء ، وخلّف فينا بغلته الدلدل ، ودرعه الفاضلة ، فأخذها أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب ، وخلّف فينا فدكاً (فأخذناها نحن) (١) ، ونبيّنا محمّد لا يورث فصاح سلمان الفارسيّ رضي الله عنه : كردى ونكردى وحق أمير ببردى يا أبا بكر باز كذار اين كار بكسى كه حق اوست . فقال : ردّ العمل إلى أهله . ثمّ ضرب يده على يدي أبي الصمصام ، فأقامه إلى منزل عليّ عليه السلام ـ وهو يتوضأ وضوء الصلاة ـ فقرع سلمان الباب ، فنادى عليّ عليه السلام : «ادخل أنت وأبو الصمصام العبسيّ» .

___________________

(١) في ر ك ، ع ، ص : فأخذتها بحق . مكرر ما بين المعقوفين من ر .

١٢٩

فقال أبو الصمصام : أعجوبة وربّ الكعبة ، من هذا الذي سمّاني باسمي ولم يعرفني ؟!

فقال سلمان رضي الله عنه : هذا وصيّ رسول الله (ص) .

هذا الذي قال له رسول الله (ص) : «أنا مدينة العلم وعليّ بابها ، فمن أراد العلم فليأت الباب» .

هذا الذي قال رسول الله (ص) : «عليّ خير البشر فمن رضي فقد شكر ، ومن أبى فقد كفر» .

هذا الذي قال الله تعالى فيه : ( وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيًّا ) (١)

هذا الذي قال الله تعالى فيه : ( أَفَمَن كَانَ مُؤْمِنًا كَمَن كَانَ فَاسِقًا لَّا يَسْتَوُونَ ) (٢) عند الله .

هذا الذي قال الله تعالى فيه : ( أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّـهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّـهِ لَا يَسْتَوُونَ عِندَ اللَّـهِ ) (٣) .

هذا الذي قال الله تعالى فيه : ( يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ ) (٤) الآية .

هذا الذي قال الله تعالى فيه : ( فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ ) (٥) الآية .

___________________

(١) سورة مريم / الآية : ٥٠ .

(٢) سورة السجدة / الآية : ١٨ .

(٣) سورة التوبة / الآية : ١٩ .

(٤) سورة المائدة / الآية : ٦٧ .

(٥) سورة آل عمران / الآية : ٦١ .

١٣٠

هذا الذي قال الله تعالى فيه : ( لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ ) (١)

هذا الذي قال الله فيه : ( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّـهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ) (٢) .

هذا الذي قال الله تعالى فيه : ( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّـهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ) (٣) .

ادخل يا أبا الصمصام وسلم عليه ، فدخل وسلّم عليه ثمّ قال : إنّ لي على رسول الله (ص) ثمانين ناقة حمر الظهور ، بيض البطون ، سود الحدق ، عليها من طرائف اليمن ونقط الحجاز .

فقال عليّ عليه السلام : «أمعك حجّة ؟» قال : نعم ، ودفع الوثيقة إليه .

فقال أمير المؤمنين عليه السلام : «يا سلمان ناد في الناس ، ألا من أراد أن ينظر إلى قضاء دين رسول الله (ص) فليخرج (٤) غداً إلى خارج المدينة» .

فلمّا كان بالغداة (٥) خرج الناس وقال المنافقون : كيف يقضي الدين وليس معه شيء ؟! غداً يفتضح ، ومن أين له ثمانون ناقة حمر الظهور ، بيض البطون ، سود الحدق ، عليها طرائف اليمن ونقط الحجاز ؟! .

فلمّا كان الغد اجتمع الناس ، وخرج عليّ عليه السلام في أهله

___________________

(١) سورة الحشر / الآية : ٢٠ .

(٢) سورة الأحزاب / الآية : ٣٣ .

(٣) سورة المائدة / الآية : ٥٥ .

(٤) في ر : فليجتمع الناس .

(٥) في ع : بعد الغداة .

١٣١

ومحبّيه ، وجماعة من أصحاب رسول الله (ص) ، وأسرّ إلى ابنه الحسن سرّاً لم يدر أحد ما هو ، ثمّ قال : «يا أبا الصمصام امض مع ابني الحسن إلى كثيب الرمل» .

فخرج الحسن عليه السلام ومضى معه أبو الصمصام ، وصلَّى ركعتين على (١) الكثيب ، فكلّم الأرض بكلمات ، لا يُدرَى ما هي ، وضرب الأرض ـ أي ضرب الكثيب ـ بقضيب رسول الله (ص) ، فانفجر الكثيب عن صخرة ململمة ، مكتوب عليها سطران من نور :

السطر الأوّل ( بسم الله الرحمن الرحيم ، لا إله إلّا الله ، محمّد رسول الله ) .

وعلى الآخر : ( لا إله إلّا الله ، عليّ ولي الله ) .

وضرب الحسن تلك الصخرة بالقضيب فانفجرت عن خطام ناقة ، قال الحسن عليه السلام : «قُد يا أبا الصمصام» فقاد فخرج منها ثمانون ناقة ، حمر الظهور ، بيض البطون ، سود الحدق ، عليها من طرائف اليمن ونقط الحجاز ، ورجع إلى عليّ عليه السلام فقال له : «استوفيت حقك يا أبا الصمصام ؟!» فقال نعم .

قال : «سلم الوثيقة» فسلّمها إليه ، فخرقها .

ثمّ قال : «هكذا أخبرني أخي وابن عمّي (ص) ، إنّ الله عزّ وجلّ خلق هذه النوق في هذه الصخرة ، قبل أن يخلق الله ناقة صالح بألفي عام» .

ثمّ قال المنافقون : هذا من سحر عليّ قليل (٢) .

وروي هذا الخبر على وجه آخر ، وهو :

___________________

(١) في ر : عند .

(٢) في م : ما هذا من سحر علي بقليل .

١٣٢

١٢٨ / ٥ ـ ما روى أبو محمّد الإِدريسيّ ، عن حمزة بن داود الديلميّ ، عن يعقوب بن يزيد الأنباريّ ، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر ، عن حبيب الأحول ، عن أبي حمزة الثماليّ ، عن شهر بن حوشب ، عن ابن عبّاس رضي الله عنه ، قال : لمّا قبض النبيّ (ص) ، وجلس أبو بكر مكانه ، نادى في الناس : ألا من كان له على رسول الله دين ، أو عدة ، فليأت أبا بكر ، وليأت معه بشاهدين ، ونادىٰ عليّ عليه السلام بذلك علىٰ الاطلاق من غير طلب شاهدين . فجاء أعرابي متلثماً متقلداً بسيفه ، متنكباً كنانته وفرسه ، لا يُرى منه إلّا حافره ـ وساق الحديث ولم يذكر الاسم ولا القبيلة ـ وكان ما وعد به مائة ناقة ، حمر بأزمّتها وأثقالها ، موقرة ذهباً وفضة بعبيدها ، فلمّا ذهب سلمان رضي الله عنه بالأعرابي إلى أمير المؤمنين عليه السلام ، قال له حين بصر به : «مرحباً بطالب عدة والده من رسول الله (ص)» .

فقال : ما وعد أبي فداك أبي وأمي يا أبا الحسن ؟ فقال : «إنّ أباك قدم على رسول الله وقال : أنا رجل مطاع في قومي ، إن دعوتهم إلى الإِسلام أجابوني ، وإني ضعيف الحال ، فما تجعل لي إن دعوتهم إلى الإِسلام فأسلموا ؟

فقال (ص) : «من أمر الدنيا ، أم من أمر الآخرة ؟» قال : وما عليك أن تجمعهما لي يا رسول الله ، وقد جمعهما الله لأناس كثيرة ؟!

فتبسّم النبيّ (ص) وقال : أجمع لك خير الدنيا والآخرة ، فأمّا في الآخرة فأنت رفيقي في الجنّة ، وأمّا في الدنيا فقل ما تريد .

قال : مائة ناقة حمر بأزمّتها وعبيدها ، موقرة ذهباً وفضة .

___________________

٥ ـ الخرائج والجرائح ١ : ١٧٥ ، خصائص الأئمة : ٤٩ ، نحوه ، مدينة المعاجز : ٨٦ / ٢٢١ ، غاية المرام : ٦٦٥ ـ باب ١٢٨ ـ ح ، اثبات الهداة ٢ : ٤٥٧ / ١٩٠ ، ٤٩٤ / ٣٣٦ ، مثله .

١٣٣

ثمّ قال : وإن دعوتهم فأجابوني ، وقضى عليَّ الموت ، ولم ألقك فتدفع ذلك إلى ولدي ، فقال : نعم . فقال أبوك : فإن أتيتك وقد رفعك الله ولم أدركك (١) ، يكون من بعدك من يقوم عنك فيدفع ذلك إليَّ أو إلى ولدي ؟

قال : نعم ، على أن لا أراك ولا تراني في دار الدنيا بعد يومي هذا ، وسيجيبك قومك فإذا حضرتك الوفاة فليصر ولدك إلى وليّي من بعدي ووصيّي» . وقد مضى أبوك ودعا قومه فأجابوه ، وأمرك بالمصير إلى رسول الله (ص) ، أو إلى وصيّه فها أنا وصيّه ، ومنجز وعده» . فقال الأعرابي : صدقت يا أبا الحسن .

ثم كتب له عليّ خرقة بيضاء وناولها الحسن عليه السلام وقال : «يا أبا محمّد ، سر بهذا الرجل إلى وادي العقيق ، وسلّم على أهله ، واقذف الخرقة ، وانتظر ساعة حتّى ترى ما يفعل ، فإن دفع إليك شيء ، فادفعه إلى الرجل» . ومضيا بالكتاب .

قال ابن عبّاس رضي الله عنه : فسرت من حيث لم يرني ، فلمّا أشرف الحسن بن عليّ عليه السلام على الوادي ، نادى بأعلى صوته : «السلام عليكم أيها السكّان البررة الأتقياء ، أنا ابن وصيّ رسول الله (ص) ، أنا الحسن بن عليّ سبط رسول الله (ص) ، وابن وصيّه ورسوله إليكم» . وقد قذف الخرقة في الوادي ، فسمعت من ذلك الوادي صوتاً : لبيك لبيك يا سبط رسول الله وابن البتول ، وابن سيّد الأوصياء ، سمعنا وأطعنا ، انتظر لندفع إليك . فبينا أنا كذلك إذ ظهر غلام ـ ولم أدر من أين ظهر ـ وبيده زمام ناقة حمراء ، تتبعها ست ، ولم يزل يخرج غلام بعد غلام في يد كلّ غلام قطار ، حتّى عددت مائة ناقة حمراء بأزمّتها وأحمالها ، فقال الحسن عليه السلام : «خذ بزمام نوقك وعبيدك ومالك وامض بها ، رحمك الله» .

___________________

(١) في ر ، م ، ك : القك .

١٣٤

وأما السفينة التي قدّرها الله تبارك وتعالى لنوح عليه السلام سبباً لنجاة أهله من الماء ، فإنّ الله سبحانه وتعالى جعل أهل بيت نبيّه (ص) سفينة لنجاة أمّته من النار فقال (ص) : «مثل أهل بيتي كمثل سفينة نوح ، فمن ركبها نجا ، ومن تخلّف عنها هلك» (١) .

فبيّن (ص) أن بهم (٢) نجاة أمّته كما أنّ بها نجاة قوم نوح عليه السلام من الغرق ، وهذا دليل قاطع على أنّ الواجب اتباعهم والاقتداء بهم ، لأنّ من آمن به واتبعه نجا ، ومن لم يؤمن به ولم يركب السفينة هلك ، ولمّا جعل نفس أهل بيته السفينة ، وأمرهم بركوبها ، دلّ على أنّهم المقتدىٰ بهم ، وهذا واضح بحمد الله تعالى ولطفه ومنه .

___________________

(١) المستدرك للحاكم ٣ : ١٥١ ، تاريخ بغداد ١٢ : ٩١ ، وأخرجه في احقاق الحق ٩ : ٢٧٠ عن مصادر جمّة فراجع .

(٢) في ع : أنّهم .

١٣٥

٣ ـ فصل :

في ذكر إبراهيم خليل الله

وفيه : سبعة أحاديث

وأمّا إبراهيم خليل الله صلوات الله عليه فإنّ الله تعالى ذكر له آيتين في القرآن : إحداهما قوله تعالى : ( قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ * وَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَخْسَرِينَ ) (١) .

والثانية قوله تعالى : ( وَاتَّخَذَ اللَّـهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً ) (٢) ( فَخُذْ أَرْبَعَةً مِّنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَىٰ كُلِّ جَبَلٍ مِّنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّـهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ) (٣) .

والسبب في همَّ نمرود بإحراقه ، أنّه لمّا خرج القوم إلى عيدهم ، دخل إبراهيم عليه السلام إلى آلهتهم بقدوم (٤) ، فأخذها وكسرها إلّا كبيرها ، ثمّ وضع القدوم على عنقه ، فلمّا رأى نمرود ذلك أجّج له ناراً عظيمة ، وألقاه بالمنجنيق فيها ، فوقاه الله حَرّ النار ، وجعلها عليه برداً وسلاماً .

___________________

(١) سورة الأنبياء / الآيتان : ٦٩ ، ٧٠ .

(٢) سورة النساء / الآية : ١٢٥ .

(٣) سورة البقرة / الآية : ٢٦٠ .

(٤) القدوم : الآلة التي ينحت بها النجار «مجمع البحرين ـ قدم ـ ٦ : ١٣٧» .

١٣٦

والسبب في طلب إبراهيم عليه السلام إحياء الموتى من الله تعالى ، أنّه لمّا حاجّ نمرود في ربّه تعالى ، قال إبراهيم : ربي الذي يحيي ويميت ، قال : أنا أحيي وأميت وموَّه على الأغبياء ، ودلّس على الضعفاء بإطلاق من أراد قتله من السجن ، وقتل من برئ من عرض الناس ، فلمّا بهت لقوله تعالى : ( فَإِنَّ اللَّـهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ ) (١) طالبه نمرود بإحياء الموتى ، فأخذ أربعة من الطير ، وقطَّعهن ، وخلط أجزاءهن ، وفرّقها على جبال ، ودعاهنّ ، وقد أخذ بيده رؤوسهن ، فأتينه سعياً .

وقد أعطى الله سبحانه وتعالى لأئمتنا عليهم السلام مثل ذلك ، وهو أنّه لمّا أمر الدوانيقي الحسن بن زيد ـ وهو واليه على المدينة ـ بإحراق دار أبي عبد الله عليه السلام بأهلها فأضرم فيها النار (٢) وقويت ، خرج عليه السلام من البيت ودخل النار ، ووقف ساعة في معظمها ، ثمّ خرج منها وقال : «أنا ابن أعراق الثرى» وعرق الثرى لقب إبراهيم عليه السلام (٣) .

١٢٩ / ١ ـ ومثل ذلك ما رواه المفضّل ، قال : لمّا توفي جعفر الصادق عليه السلام ، فادعى الإِمامة عبد الله بن جعفر ولده ، فأمر موسى عليه السلام بجمع حطب كثير في وسط داره ، وأرسل إلى عبد الله يسأله المصير إليه ، فلمّا صار إليه ، ومع موسى عليه السلام جماعة من وجوه الإِمامية ، أمر موسى أن يجعل النار في الحطب ، حتّى صار كلّه جمراً ، ثمّ قام موسى عليه السلام ، وجلس بثيابه في وسط النار ،

___________________

(١) سورة البقرة / الآية : ٢٥٨ .

(٢) في ر ، م ، ك : فاشعل النار .

(٣) مناقب ابن شهراشوب ٣ : ٢٣٦ ، باختصار ، اثبات الهداة ٣ : ٧٨ / ٦ .

١ ـ الخرائج والجرائح ١ : ٣٠٨ ، كشف الغمة ٢ / ٢٤٦ ، الصراط المستقيم ٢ : ١٨٩ ، مدينة المعاجز : ٤٥٩ / ٩٣ .

١٣٧

وأقبل نحو (١) القوم ساعة ، ثمّ قام ونفض ثوبه ، ورجع إلى المجلس .

فقال لأخيه عبد الله : «أنت (٢) تزعم أنّك الإِمام بعد أبيك ، فاجلس في ذلك . قالوا : فرأينا عبد الله قد تغيّر لونه ، فقام يجرّ رداءه ، حتّى خرج من دار موسى عليه السلام .

وما يقارب ذلك ويدانيه .

١٣٠ / ٢ ـ ما حدّث به عبد الله بن العلاء ، عن أبي عبد الله عليه السلام ، عن أبيه ، قال : «كنت مع أبي عليّ بن الحسين عليهما السلام نعود شيخاً من الأنصار ، إذ أتاه آتٍ فقال : إلحق دارك فقد (٣) احترقت . فقال عليه السلام : والله ما احترقت . فذهب ، ولم يلبث أن عاد ، وقال : والله قد احترقت . فقال عليه السلام : والله ، ما احترقت . وعاد ومعه جماعة من أهلنا وموالينا ، يبكون ويقولون لأبي صلوات الله عليه : قد احترقت دارك . فقال أبي : كلا ، والله ، ما احترقت ولا كَذبت ولا كُذِّبتُ ، وإنّي لأوثق بما في يدي منكم ، لما أخبر به أعينكم .

وقام أبي ، وقمت معه حتّى أتينا والنار تتوقد عن أيمان منازلنا وعن شمائلها ، وكلّ جانب منها ، ثمّ عدل أبي إلى المسجد فخرّ لله ساجداً ، وقال في سجوده : وعزتك وجلالك لا أرفع رأسي حتّى تطفيها» .

فقال : «والله ، ما رفع رأسه حتّى خمدت النار ، وصار إلى داره وقد احترق ما حولها» .

وأما إحياء الموتى ، وهو :

___________________

(١) في الخرائج : يحدث .

(٢) في الخرائج : إن كنت .

٢ ـ مناقب ابن شهراشوب ٤ : ١٥٠ ، كشف الغمة ٢ : ٧٤ مختصراً .

(٣) في هامش ر ، ع : فإنّها .

١٣٨

١٣١ / ٣ ـ ما رواه يونس (١) بن ظبيان قال : كنّا عند أبي عبد الله عليه السلام أنا ، والمفضّل بن عمر ، وأبو سلمة السرّاج ، والحسن بن ثوير بن أبي فاختة ، فسألنا أبا عبد الله عليه السلام عن قول إبراهيم صلوات الله عليه : ( رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَىٰ ـ إلى قوله ـ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِّنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ) (٢) .

فقال أبو عبد الله عليه السلام : «أتريدون أن أريكم ما أري إبراهيم عليه السلام ؟» . قلنا : نعم .

فقال : «يا طاووس ، يا باز ، يا غراب ، يا ديك» ، فإذا نحن بطاووس وباز وغراب وديك ، فقطَّعهن ، وفرّق لحمهن على الجبال ، ثمّ دعاهن (٣) فإذا العظام تتطاير بعضها إلى بعض ، واللحم إلى اللحم ، والعصب إلى العصب ، حتّى عادت كما كانت بإذن الله تعالى .

فقال : أبو عبد الله عليه السلام : «قد أريتكم ما أرى إبراهيم قومه ، وقد أعطينا من الكرامة ما أعطي إبراهيم عليه السلام» .

وهذه كما علمت شاكلة لتلك ، ومعادلة لها ، وفي القرآن آية أخرى لخليل الله إبراهيم عليه السلام ، وهي ما ردَّ الله على سارة زوجته الشباب بعد الشيبة ، وجعلها ولوداً بعد العقم واليأس ، كما قال الله تعالى : ( وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِن وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ * قَالَتْ يَا وَيْلَتَىٰ أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَـٰذَا بَعْلِي شَيْخًا

___________________

٣ ـ الخرائج والجرائح ١ : ٢٩٧ ، كشف الغمة ٢ : ٣٠٠ ، مدينة المعاجز : ٣٨٧ / ٩٥ .

(١) في النسخ : داود ، والصحيح ما أثبتناه ، راجع «تنقيح المقال ٣ : ٣٣٧» .

(٢) سورة البقرة / الآية : ٢٦٠ .

(٣) في م : «فذبحهن ثم فصلهن أعضاء ثم أمر أن تفرق أعضاؤهن ثم قال : يا طاوس يا بازي يا غراب يا ديك» .

١٣٩

إِنَّ هَـٰذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ ) (١) وقد أظهر الله على يد زين العابدين عليه السلام ما يماثل ذلك .

١٣٢ / ٤ ـ وهو ما روى عبد الكريم بن عمرو الخثعميّ ، عن حبابة الوالبية ، قالت : رأيت أمير المؤمنين عليّاً عليه السلام في شرطة الخميس ، ومعه دِرَّة لها سبابتان (٢) ، يضرب بها بياع الجري ، والمارماهي ، والزمار ، ويقول لهم : «يا بياعي مسوخ بني إسرائيل ، وجند بني مروان ، فقام إليه ابن الأحنف فقال له : يا أمير المؤمنين وما جند بني مروان ؟ فقال : «أقوام حلقوا اللحى وتركوا الشوارب» .

فلم أر ناطقاً أحسن نطقاً منه ، ثمّ اتّبعته ، فلم أزل أقفو أثره ، حتّى قعد في رحبة المسجد ، فقلت له : يا أمير المؤمنين ، وما دلالة الإِمامة ؟ قال : «إئتيني بتلك الحصاة» ، ـ وأشار بيده إلى حصاة ـ ، فأتيته بها ، فطبع لي بخاتمه فيها ، ثمّ قال لي : «يا حبابة إذا ادَّعى مدع الإِمامة (فقدر أن يطبع) (٣) كما رأيتِ ، فاعلمي أنه إمام مفترض الطاعة ، والإِمام لا يعزب عنه شيء يريده» .

قالت : ثمّ انصرفت حتّى قبض أمير المؤمنين عليه السلام ، فجئت إلى الحسن ، وهو في مجلس أمير المؤمنين عليه السلام ، والناس يسألونه فقال لي : «يا حبابة الوالبية» قلت : نعم لبيك يا مولاي .

فقال : «أين ما معك» . فأعطيته الحصاة ، فطبع فيها كما طبع أمير المؤمنين عليه السلام .

قالت الوالبية : ثمّ أتيت الحسين عليه السلام ، وهو في مسجد

___________________

(١) سورة هود / الآيتان : ٧١ ، ٧٢ .

٤ ـ كمال الدين ٢ : ٥٣٦ / ١ ، اعلام الورى : ٢٠٨ .

(٢) سبابتان : اي طرفان «مجمع البحرين ـ سبب ـ ٢ / ٨١» .

(٣) في ر ، ص : وفعل .

١٤٠