عماد الدين أبي جعفر محمّد بن علي الطوسي [ ابن حمزة ]
المحقق: الشيخ نبيل رضا علوان
الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة أنصاريان للطباعة والنشر
المطبعة: مطبعة القدس
الطبعة: ٤
ISBN: 978-964-438-681-7
الصفحات: ٧٠١
فما فضلنا عليه ؟! يا أهل خراسان ما من إمام إلّا وتحت يده كنوز قارون ، إنّ المال الذي نأخذه منكم محبّة لكم وتطهيراً لرؤوسكم فأدّوا إليه المال ، وخرجوا من عنده مقرّين بإمامته .
٣١٣ / ٣ ـ عن موسى بن عبد الله بن الحسين ، قال : لمّا طلب محمّد بن عبد الله بن الحسن الإِمامة وخرج من المدينة أتى بإسماعيل بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب ـ وهو شيخ كبير ضعيف ، قد ذهبت إحدى عينيه ، وذهبت رجلاه ، فصار يحمل حملاً ـ فدعاه إلى البيعة ، فقال له : يا ابن عمّي (١) ، إنّي شيخ كبير ضعيف ، وأنا إلى برّك وعونك أحوج . فقال له : لا بد من أن تبايع . فقال له : وأي شيء تنتفع ببيعتي ؟ والله إنّي لأضيّق (٢) عليك مكان اسم رجل إن كتبته . فقال : لا بد أن تفعله . وأغلظ له في القول ، فقال له إسماعيل : ادع لي جعفر بن محمّد ، فلعلنا نبايع جميعاً .
قال : فدعا بجعفر ، فأتي به ، فقال له إسماعيل : جعلت فداك ، إن رأيت أن تبيّن له فافعل ، لعلّ الله يكفّه عنّا .
قال : «أجمعت على أن لا أكلّمه ، فليريَّ رأيه» فقال إسماعيل لأبي عبد الله : أنشدك الله ، هل تذكر يوماً أتيت فيه أباك محمّد بن عليّ عليه السلام وعليه حلتان صفراوان فأدام النظر إليَّ وبكى ، فقلت له : وما يبكيك ؟ فقال : «يبكيني أنّك تقتل عند كبر سنّك ضياعاً لا ينتطح في دمك عنزان» قال : قلت : متى ذاك ؟ قال : «نعم ، إذا دعيت إلى الباطل فأبيته ، فإذا نظرت إلى الأحول مشؤوم قومه سميّي من آل الحسن ، على منبر رسول الله (ص) يدعو إلى نفسه فسمّي بغير اسمه
___________________
٣ ـ الكافي ٥ : ٢٩١ ـ ٢٩٩ ، ذكر الحديث بتمامة ، إثبات الهداة ٣ : ٧٦ / ٣ .
(١) في م ، ك : يا ابن أخي .
(٢) في م ، ك : لا أضيق .
فأحدث عهدك واكتب (١) وصيّتك ، فإنّك مقتول من يومك ، أو من غدك» ؟
فقال له أبو عبد الله عليه السلام : «اللّهمّ نعم ، وهذا وربّ الكعبة لا يصوم من شهر رمضان إلّا قليلاً ، فاستودعك الله يا أبا الحسن ، وأعظم الله أجرنا فيك ، وأحسن الخلافة على ما خلّفت ، إنّا لله وإنّا إليه راجعون» ثمّ احتمل إسماعيل .
فقال : فوالله ، ما أمسينا حتّى دخل عليه بنو أخيه بنو معاوية بن عبد الله بن جعفر فوطأوه حتى قتلوه .
وفي الحديث طول ، نذكر تمامه في باب أبي عبد الله عليه السلام .
٣١٤ / ٤ ـ عن أبي بصير ، قال : سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول لرجل من أهل خراسان : «كيف أبوك ؟» فقال : صالح . قال : «قد هلك أبوك بعدما خرجت حيث صرت إلى جرجان» .
ثمّ قال له : «كيف أخوك ؟» قال : خلّفته صالحاً . قال : «قتله جاره صبيحة يوم كذا ، ساعة كذا» فبكى الرجل ، ثمّ قال : إنّا لله وإنّا إليه راجعون بما أصبت به . قال أبو جعفر عليه السلام : «اسكت فقد صارا إلى الجنّة ، والجنّة خير لهما ممّا كانا فيه» .
قال الرجل : فداك أبي وأمّي ، إنّي خلّفت ابني ومعه وجع شديد ؛ ولم تنبئني (٢) عنه قال : «قد برئ ، وزوّجه عمّه ابنته ، وأنت
___________________
(١) في ص : وإذا حدّثتك نفسك فاكتب . وفي ر : وإذا حدّثتك نفسك فاذكر وأخذت عهدك فاذكر .
٤ ـ مناقب ابن شهراشوب ٤ : ١٩٢ ، وعنه مدينة المعاجز : ٣٤٧ / ٨٦ الخرائج والجرائح : ٢ : ٥٩٥ / ٦ .
(٢) في هامش ر ، ص ، ش ، ع : تسألني .
تقدم إن شاء الله وقد ولد لهما غلام ، واسمه (عليٌّ) وهو لنا شيعة ، وأمّا ابنك فليس لنا شيعة ، وهو لنا عدو ، فلا يغرّنك عبادته وخشوعه» .
فقام الرجل من عنده وهو وقيذ (١) فقلت : جعلت فداك ، من هذا ؟ فقال : «رجل من أهل خراسان ، وهو لنا شيعة» .
٣١٥ / ٥ ـ عن محمّد بن مسلم ، قال : سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول لرجل من أهل إفريقية : «ما حال راشد ؟» فقال : خلّفته صالحاً يقرؤك السلام . فقال : «رحمه الله»
قال : أو مات ؟! قال : «نعم ، رحمه الله» قال : ومتى مات ؟! قال : «بعد خروجك بيومين» .
قال : لا والله ما مرض ولا كانت به علّة ! قال : «وإنّ من يموت من غير علّة أكثر» .
قلت أنا : فمن الرجل ؟ قال : «كان لنا ولياً ومحباً من أهل إفريقية» .
٣١٦ / ٦ ـ أبو بصير ، قال : لمّا توفي عليّ بن ذراع وردت المدينة ، ودخلت على أبي جعفر عليه السلام فقال لي : «مات عليّ بن ذراع ؟» قلت : نعم رحمه الله .
قال : «أحدّثك بكذا وكذا ؟» ولم يدع شيئاً ممّا حدّثني به عليّ ، فقلت عند ذلك : والله ما كان عندي حين حدّثني بهذا الحديث أحد ،
___________________
(١) الوقيذ : البطيء الثقيل ، والشديد المرض «القاموس المحيط ـ وقذ ـ ١ : ٣٧٤» .
٥ ـ دلائل الإِمامة : ١٠٠ ، مناقب ابن شهراشوب ٤ : ١٩٣ ، مدينة المعاجز : ٣٣٠ / ٣٧ ، عن الدلائل .
(٢) في النسخ : ما من حق ، وما أثبتناه من هامش ر .
٦ ـ عنه مدينة المعاجز : ٣٤٨ / ٩١ .
ولا خرج منّي إلى أحد حتّى أتيتك ، فمن أين علمت هذا ؟! قال : فغمز بيده فخذي ، وقال : «هيهات ، هيهات ، الآن اسكت» .
٣١٧ / ٧ ـ عن أبي حمزة الثماليّ ، قال : خرجت (١) مع أبي جعفر عليه السلام ومعنا سليمان بن خالد إلى حائط من حيطان المدينة ، فما سرنا إلّا قليلاً حتّى قال : «الساعة يستقبلنا رجلان قد سرقا سرقة أضمرا (٢) عليها» فما سرنا إلّا قليلاً حتّى استقبلنا الرجلان ، فقال أبو جعفر عليه السلام لغلمانه : «عليكم بالسارقين» فأخذا حتّى أتي بهما بين يديه فقال لهما : «أسرقتما ؟» فحلفا بالله ما سرقنا .
فقال أبو جعفر : «والله لئن لم تخرجا ما سرقتما لأبعثن إلى الموضع الذي وضعتما فيه [ سرقتكما ] ، ولأبعثن به إلى صاحبه الذي سرقتما منه» فأبيا أن يردا الذي سرقاه (٣) .
فقال أبو جعفر عليه السلام لغلمانه : «أوثقوهما (٤) ، وانطلق أنت يا سليمان إلى ذلك الجبل ـ وأشار بيده إلى ناحية منه ـ فاصعد أنت وهؤلاء الغلمان معك ، فإنّ في قلّة الجبل كهفاً فاستخرجوا ما فيه وأتوني به» .
قال سليمان : فانطلقت إلى الجبل وصعدت إلى الكهف فاستخرجنا منه عيبتين (٥) محشوتين حتّى دخلت بهما على أبي جعفر
___________________
٧ ـ رجال الكشي : ٣٥٦ / ٦٦٤ ، الخرائج والجرائح ١ : ٢٧٦ / ٨ ، مناقب ابن شهراشوب ٤ : ١٨٥ ، كشف الغمة ٢ : ١٤٤ / ٣٥٦ ، الصراط المستقيم ٢ : ١٨٢ ، وفيه قطعة منه .
(١) كذا في ر ، وفي باقي النسخ : كنت .
(٢) في ر : أصرَّ .
(٣) في ص : سرقا .
(٤) في م : استوثقوا منهما .
(٥) العيبة : زبيل من أدم ، وما يجعل فيه الثياب «القاموس ـ عيب ـ ١ : ١١٣» .
عليه السلام ، فقال : «يا سليمان ، لترى غداً العجب» .
فلمّا أصبحنا أخذ أبو جعفر عليه السلام بأيدينا ودخلنا معه على والي المدينة ، وقد دخل المسروق منه برجال براء فقال : هؤلاء سرقوا . فأراد الوالي أن يعاقب القوم ، فقال أبو جعفر عليه السلام ابتداءً منه : «إنّ هؤلاء ليسوا سرّاقه ، إنّ السارقين عندي»
فقال للرجل : «ما ذهب منك ؟» قال : عيبة فيها كذا وكذا . فادعى ما لم يذهب له . قال أبو جعفر عليه السلام : «لِمَ تكذب ؟ فما أنت أعلم بما ذهب لك منّي» فهمّ الوالي أن يبطش به ، فكفّه أبو جعفر عليه السلام .
ثمّ قال : «يا غلام إئتني بعيبة كذا وكذا» فأتى بها ، ثمّ قال للوالي : «إن ادَّعى فوق هذا فهو كاذب مبطل ، وعندي عيبة أخرى لرجل آخر ، وهو يأتيك إلى أيّام ، وهو من أهل بربر ، فإذا أتاك فارشده (١) إليّ ، وأمّا هذان السارقان فإنّي لست ببارح حتّى تقطعهما» . فأتي بهما ، فقال أحدهما : تقطعنا ولم نقرّ على أنفسنا ؟ فقال الوالي : ويلكما ، يشهد عليكما مَن لو شهد على أهل المدينة لأجزت شهادته .
فلمّا قطعهما قال أحدهما : يا أبا جعفر ، لقد شهدت بحق ، وما يسرني أنّ الله أجرى توبتي على يد غيرك ، وإنّ لي بناء خارج المدينة ، وإنّي لأعلم أنّكم أهل بيت النبوة ومعدن العلم . فرّق له أبو جعفر عليه السلام وقال : «أنت على خير وإلى خير» .
ثمّ التفت إلى الوالي وإلى جماعة من الناس فقال : «والله ، لقد سبق يده بدنه إلى الجنّة بعشرين سنة» .
فقال سليمان بن خالد لأبي حمزة الثماليّ : يا أبا حمزة ، ورأيت دلالة أعجب من هذه ؟ فقال أبو جعفر عليه السلام : «يا سليمان ،
___________________
(١) في ر : فأرسله .
العجب في العيبة الأخرى» فوالله ما لبثنا إلّا ثلاثة حتّى أتى البربريّ إلى الوالي ، فأخبره بقصّة عيبته ، فأرشده إلى أبي جعفر ، فأتاه فقال له أبو جعفر : «ألا أخبرك بما في عيبتك قبل أن تخبرني بما فيها» فقال له البربري : إن أنت أخبرتني بما فيها علمت أنّك إمام فرض الله طاعتك .
فقال عليه السلام : «فيها ألف دينار لك ، وألف دينار لغيرك ، ومن الثياب كذا وكذا» .
قال : فما اسم الرجل الذي له ألف دينار ؟ قال : «محمّد بن عبد الرحمن ، وهو على الباب ينتظر ، أتراني أخبرتك بالحق» .
فقال البربريّ : آمنت بالله وحده لا شريك له ، وبمحمّد (ص) رسوله وأشهد أنّكم أهل بيت الرحمة الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً . فقال أبو جعفر : «لقد هديت فخذ واشكر» .
قال سليمان : فحججت بعد ذلك بعشر (١) سنين فكنت أرى الأقطع من أصحاب أبي جعفر عليه السلام .
٣١٨ / ٨ ـ وعن محمّد بن عمر النخعيّ ، قال : أخبرني رجل من أصحابنا من بني أسد ، وكان من أصحاب أبي جعفر عليه السلام ، قال : كنت مع عبد الله بن معاوية بفارس فبينما نحن نتحدّث فتحدّثوا وأنا ساكت ، فقال عبد الله بن معاوية : مالك ساكت لا تتكلم ؟ فوالله إنّي لعارف برأيك ، وإنّك لعلى الحق المبين .
ثمّ قال : سأحدّثك بما رأت عيناي وسمعت أذناي من أبي جعفر عليه السلام .
ثمّ قال : إنّه كان بالمدينة رجل من آل مروان وإنّه أرسل إليَّ ذات يوم ، فأتيته وما عنده أحد من الناس ، فقال : يا ابن معاوية ، ما
___________________
(١) في م : بعشرين .
٨ ـ وعنه في مدينة المعاجز : ٣٤٨ / ٩٢ .
دعوتك إلّا لثقتي (١) بك ، وإنِّي قد علمت أنّه لا يبلّغ عنّي أحد غيرك ، وقد أحببت أن تلقى عمّيك الأحمقين : محمّد بن عليّ وزيد بن عليّ ، وتقول لهما : يقول لكما الأمير : لتكفا عمّا يبلغني عنكما أو ليتركاني . فخرجت من عنده متوجهاً إلى أبي جعفر فلقيته ، وهو يريد المسجد ، فلمّا دنوت منه تبسّم ضاحكاً ، ثمّ قال : «لقد بعث إليك هذا الطاغي فخلا بك ، وقال : الق عمّيك الأحمقين ، وقل لهما : كذا وكذا» فأخبرني بمقالته كأنّه كان حاضراً .
___________________
(١) في ش ، ص : ليقيني .
٧ ـ فصل :
في بيان ظهور آياته في معان شتّى
وفيه : حديثان
٣١٩ / ١ ـ عن أبي عبد الله عليه السلام ، قال : «كان زيد بن الحسن يخاصم أبي في ميراث رسول الله (ص) ويقول : أنا من ولد الحسن وأولى بذلك منك ، لأنّي من ولده الأكبر ، فقاسمني ميراث رسول الله (ص) وادفعه إلي . فأبى أبي ذلك ، فتخاصما إلى القاضي ، وكان يختلف معه زيد بن عليّ إلى القاضي ، فبينما هم كذلك ذات يوم في خصومتهم إذ قال زيد بن الحسن لزيد بن عليّ : اسكت يا ابن السنديّة . فقال زيد بن عليّ : أف لخصومة تذكر فيها الأمّهات ، والله لا أكلمك بالفصيح من رأسي أبداً حتّى أموت . وانصرف إلى أبي فقال : يا أخي حلفت يميناً ثقة بك وعلمت أنك لا تلزمني ، حلفت أن لا أكلم زيد بن الحسن ، ولا أخاصمه . وذكر ما كان بينهما فأعفاه أبي ، فاغتنمها زيد بن الحسن ، وقال : يلي خصومتي محمد بن علي فأعيبه (١) وأؤذيه فيعتدي عليَّ (٢) ، فعدا على أبي فقال : بيني وبينك القاضي .
___________________
١ ـ الخرائج والجرائح ٢ : ٦٠٠ ، الاحتجاج : ٣٥٥ ، الصراط المستقيم ٢ : ١٨٤ / ٢١ ، مدينة المعاجز : ٣٤٩ / ٩٣ ، عن كتابنا هذا ، مستدرك الوسائل ١٧ : ٣١١ / ١ .
(١) في ك ، م : فاعتبه .
(٢) في ش ، ص ، ك : فيقتدي مني .
فقال : انطلق بنا . فلمّا أخرجه قال أبي : يا زيد ، إنّ معك سكّينة قد أخفيتها ، أرأيت إن نطقت هذه السكّينة التي سترتها مني فشهدت أنّي أولى بالحق منك ، فتكف عنّي ؟! قال : نعم . فحلف له بذلك .
فقال أبي : أيّتها السكّينة انطقي بإذن الله تعالى . فوثبت السكينة من يد زيد بن الحسن على الأرض ثمّ قالت : يا زيد أنت ظالم ، ومحمّد بن عليّ أولى منك بذلك وأحق ، لئن لم تكف لأليَّن قتلك (١) . فخرّ زيد مغشياً عليه ، فأخذ أبي بيده وأقامه .
ثمّ قال : يا زيد ، إن أنطقت هذه الصخرة التي نحن عليها ، تقبل ؟ قال : نعم ، وحلف له على ذلك ، فرجفت الصخرة ممّا يلي زيداً حتى كادت أن تفلق ، ولم ترجف ممّا يلي أبي ، ثمّ قالت ، يا زيد ، أنت ظالم ، ومحمّد أولى منك بالأمر . فخرّ زيد مغشياً عليه فأخذه أبي بيده وأقامه .
وقال : يا زيد ، أرأيت ، إن نطقت هذه الشجرة أتكف ؟ قال : نعم . فدعا أبي الشجرة ، فجاءت تخدّ في الأرض حتّى أظلتهم ، ثمّ قالت : يا زيد ، أنت ظالم ، ومحمّد أحق بالأمر منك ، فكفّ عنه وإلّا هلكت (٣) ، فغشي على زيد ، وأخذ أبي بيده وأقامه ، وقال : يا زيد ، أرأيت هذا ؟ وانصرفت الشجرة إلى موضعها ، فحلف زيد ألّا يتعرض لأبي ، ولا يخاصمه ، وانصرف .
وخرج زيد من يومه إلى عبد الملك بن مروان فدخل عليه ، وقال : أتيتك من عند ساحر كذَّاب لا يحلّ لك تركه . وقصّ عليه ما رأى ، فكتب عبد الملك إلى عامله بالمدينة أن ابعث إليّ محمّد بن عليّ مقيّداً . وقال له : أرأيت إن ولّيتك قتله فتقتله ؟ قال : نعم .
___________________
(١) في ر : لاقتلك ، بدل : لأليَّن قتلك .
(٢) في ر ، ك : تقلع .
(٣) في ش ، ص ، ك : قتلتك .
فلمّا انتهى الكتاب إلى العامل أجاب العامل : ليس كتابي خلافاً عليك يا أمير المؤمنين ، ولا أردّ أمرك ، لكن رأيت أن أراجعك (١) في الكتاب نصيحة لك ، وشفقة عليك ، وإنّ الرجل الذي أردته ليس اليوم على وجه الأرض أعف عنه ، ولا أزهد ، ولا أورع ، وإنّه ليقرأ في محرابه فتجتمع الطير والسباع تعجباً لصوته ، وإنّ قراءته تشبه مزامير آل داود ، وإنّه من أعلم الناس وأرقهم وأشدَّهم اجتهاداً وعبادة ، وكرهت لأمير المؤمنين التعرض له ( إِنَّ اللَّـهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ ) (٢) . فلمّا ورد الكتاب سرّ بما أنهى إليه الوالي ، وعلم أنّه قد نصحه» .
وفي الحديث طول أخذنا موضع الحاجة .
٣٢٠ / ٢ ـ عن جابر بن يزيد الجعفيّ ، قال : خرجت مع أبي جعفر عليه السلام إلى الحجّ وأنا زميله إذ أقبل ورشان (٣) فوقع على غرارة (٤) محمله ، فترنّم ، فذهبت لآخذه فصاح بي : «مه يا جابر ، فإنّه استجار بنا أهل البيت» فقلت : وما الذي شكا إليك ؟ قال : «شكا إليّ أنّه يفرخ في هذا الجبل منذ ثلاث سنين ، وأنّ حيّة تأتيه تأكل أفراخه ، فسألني أن أدعو الله عليها ليقتلها ، ففعلت ، وقد قتلها الله» .
ثمّ سرنا حتّى إذا كان وقت السحر قال لي : «انزل يا جابر» فنزلت ، فأخذت بخطام الجمل ، فنزل فتنحّى يمنة ويسرة وهو يقول :
___________________
(١) في ر ، ك : اجعل .
(٢) سورة الرعد ١٣ الآية : ١١ .
٢ ـ دلائل الإِمامة : ٩٨ ، نحوه ، الخرائج والجرائح ٢ : ٦٠٤ / ١٢ ، كشف الغمة ٢ : ١٩٩ ، مدينة المعاجز : ٣٤٩ / ٩٤ .
(٣) الورشان : طائر أكبر من الحمامة المعروفة «المعجم الوسيط ـ ورش ـ ٢ : ١٠٢٥» .
(٤) وعاء ينسج من مشاقة الجوت يوضع على ظهر الدابة لوضع الأمتعة فيه ، ويعرف بالجوالق والخرج أيضاً . انظر المعجم الوسيط ٢ : ٦٤٨ (غرر) .
«اللّهمّ اسقنا ، واظهر لنا ماءً ، فإذا حجر مربع (١) أبيض بين الرمل فاقتلعه ، فنبع له عين ماء صاف ، فتوضأنا وشربنا منه ، ثمّ ارتحلنا ، فأصبحنا دون قريات ونخل ، فعمد أبو جعفر عليه السلام إلى نخلة يابسة فدنا منها وقال : «أيّتها النخلة اليابسة ، أطعمينا» فلقد رأيت النخلة تنحني حتّى جعلنا نتناول من ثمرها ونأكل ، وإذا أعرابي يقول : ما رأيت ساحراً كاليوم ؟! فقال أبو جعفر عليه السلام : «يا أعرابي ، لا تكذبن علينا أهل البيت ، فإنّه ليس منّا ساحر ولا كاذب ، ولكن علمنا اسماً من أسماء الله تعالى ، نسأل الله به فنعطى ، وندعو به فنجاب» .
___________________
(١) في م : مرتفع .
(٢) في س ، ش : كاهن .
الباب التاسع
في ذكر دلالات الامام الصادق جعفر بن محمّد عليهما السلام
وفيه أربعة فصول
١ ـ فصل :
في بيان ظهور آياته في إحياء الموتى
وفيه : خمسة أحاديث
٣٢١ / ١ ـ عن جميل بن درّاج ، قال : كنت عند أبي عبد الله عليه السلام فدخلت عليه امرأة وذكرت أنّها تركت ابنها على وجهه ميتاً ، فقال لها : «لعلّه لم يمت ، قومي واذهبي إلى بيتك ، واغتسلي ، وصلّي ركعتين ، وادعي الله تعالى وقولي : «يا من وهب لي ولداً ولم يكن شيئاً ، جدّد لي هبتك «ثمّ حركيه ولا تخبري بذلك أحداً» ففعلت ذلك ، ثمّ جاءت فحركته فإذا هو قد بكى .
٣٢٢ / ٢ ـ عن السيّد أبي هاشم إسماعيل بن محمّد الحميريّ ، قال : دخلت على الصادق جعفر بن محمّد عليهم السلام وقلت : يا ابن رسول الله ، بلغني أنّك تقول فيَّ إنّه ليس على شيء ، وأنا قد أفنيت عمري في محبّتكم وهجرت الناس فيكم في كيت وكيت ، فقال : «ألست القائل في محمّد بن الحنفيّة :
___________________
١ ـ بصائر الدرجات : ٢٩٤ / ١ ، مناقب ابن شهراشوب ٤ : ٢٣٩ ، مدينة المعاجز : ٣٨٣ / ٨٥ عن كتابنا هذا .
(١) في م : متكء .
٢ ـ كمال الدين : ٣٣ ، مناقب ابن شهراشوب ٤ : ٢٤٥ ، وفيه مضمونه ، اعلام الورىٰ : ٢٧٨ ، مدينة المعاجز : ٣٨٤ / ٨٧ ، عن كتابنا هذا .
حتّى متى ؟ وإلى متى ؟ وكم المدى ؟ |
|
يا ابن الوصي وأنت حيٌّ ترزق |
تثوى برضوىٰ لا تزال ولا ترى ! |
|
وبنا إليك من الصبابة أولق ؟! |
وأنّ محمّد بن الحنفيّة قام بشعب رضوى أسد عن يمينه ونمرٌ عن شماله ، يؤتى برزقه غدوة وعشيّة ؟!
ويحك ، إنّ رسول الله (ص) وعليّاً والحسن والحسين عليهم السلام كانوا خيراً منه ، وقد ذاقوا الموت !» .
قال : فهل لك على ذلك من دليل ؟
قال : «نعم ، إنّ أبي أخبرني أنّه كان قد صلَّى عليه وحضر دفنه ، وأنا أريك آية» فأخذ بيده فمضى به إلى قبر ، وضرب بيده عليه ، ودعا الله تعالى فانشق القبر عن رجل أبيض الرأس واللحيّة ، فنفض التراب عن رأسه ووجهه ، وهو يقول : يا أبا هاشم ، تعرفني ؟ قال : لا . قال : أنا محمّد بن الحنفية ، إنّ الإِمام بعد الحسين بن عليّ : عليّ بن الحسين ، ثمّ محمّد بن عليّ ، ثمّ هذا . ثمّ أدخل رأسه في القبر وانضمّ عليه القبر ، فقال إسماعيل بن محمّد عند ذلك .
تجعفرت بسم الله والله أكبر |
|
وأيقنت أنّ الله يعفو ويغفر |
ودنت بدين غير ما كنت دائناً |
|
به ونهاني سيّد الناس جعفر |
فقلت له هبني تهودت برهة |
|
وإلّا فديني دين من يتنصر |
ولست بغال ما حييت وراجعاً |
|
إلىٰ ما عليه كنت أخفي وأظهر (١) |
ولا قائلاً قولاً لكيسان بعدها |
|
وإن عاب جهّال مقالي وأكثروا |
والقصيدة طويلة .
٣٢٣ / ٣ ـ عن داود بن كثير الرقيّ ، قال : حجّ رجل من أصحابنا فدخل على أبي عبد الله عليه السلام فقال له : فداك أبي وأمّي ، إنّ
___________________
(١) في ر : أضمر .
٣ ـ عنه مدينة المعاجز : ٣٨٤ ضمن حديث ٨٦ .
أهلي قد توفيت ، وبقيت وحيداً ، فقال أبو عبد الله عليه السلام : «أو كنت تحبها ؟» قال : نعم . فقال : «ارجع إلى منزلك فإنّها سترجع إلى المنزل ، وترجع أنت وهي جالسة تأكل» .
قال : فلمّا رجعت من حجّتي ودخلت المنزل وجدتها قاعدة تأكل ، وبين يديها طبق فيه تمر وزبيب .
٣٢٤ / ٤ ـ عن محمّد بن راشد ، عن أبيه قال : أتيت بعض آل محمّد لأستفتيه عن مسألة ، فسألت عن أعلمهم ، فهديت إلى محمّد بن عبد الله بن الحسن فاستفتيته في ذلك فقال : إنّي لست أدري ما هذا ؟ فقال : أو ليس قد جاء عنكم أنّكم تقولون في أنفسكم أنّكم تدرون بالعلوم كلّها ؟
قال : إنّ ذلك لا يعلمه إلّا الإِمام ، ولست بذلك . قلت له : فمن أين لي بذلك ؟
قال : ائت جعفر بن محمّد عليهما السلام فإنّه عنده لا شك فيه . فأتيته ، فقيل لي : مات السيّد بن محمّد وهو في الجنازة ، فأتيته واستفتيته فأفتاني في مسألتي ، فلمّا أن قمت أخذ بثوبي فجذبني إلى نفسه فقال : «إنَّكم معاشر أهل الحديث تركتم العلم» .
فقلت له : يرحمك الله أنت إمام هذا الزمان ؟ فقال : «نعم والله ، إنّي إمام هذا الزمان» .
فقلت : علامة ودليل . فقال : «سلني عمّا بدا لك أخبرك به إن شاء الله .
فقلت : «إنّ أخاً لي مات في هذه المقبرة فأْمُر أن يُحيا . فقال لي : «ما أنت أهل لذلك ، ولكن أخوك ما كان اسمه ؟» فقلت : أحمد .
___________________
٤ ـ الخرائج والجرائح ٢ : ٧٤٢ ، باختلاف ، مدينة المعاجز : ٤٠٩ / ٩٩ .
فقال : «يا أحمد ، قم بإذن الله تعالى ، وبإذن جعفر بن محمّد ، فقام والله وهو يقول : يا أخي اتبعه . وحلّفني بالطلاق والعتاق ألّا أخبر احداً
٣٢٥ / ٥ ـ عن أبي الحسن عليّ بن محمّد التقي ، عن أبيه محمّد ، عن أبيه عليّ بن موسى عن أبيه موسى بن جعفر عليهما السلام ، قال ـ في حديث طويل أنا أختصره ـ أنّ ملك الهند بعث بجارية رائقة الجمال إلى أبي جعفر بن محمّد عليهما السلام مع بعض ثقاته في تحف وهدايا كثيرة ، وكتب إليه :
بسم الله الرحمن الرحيم
من ملك الهند إلى جعفر بن محمّد الطاهر من كلّ نجس .
أمّا بعد ، هداني الله على يدك فإنّي أهدى إليَّ بعض عمالي جارية لم أر أحسن منها حسناً ، ولا أجمل منها جمالاً ، ولا أعظم منها خطراً ، ولا أعقل منها عقلاً ، ولا أكمل منها كمالاً أن اتخذ منها ولداً يكون له الملك بعدي ، فنظرت إليها فأعجبتني وأعجبني شأنها ، فأقامت بين يدي يوماً وليلة أفكر فيها وفي جلالتها ، فلم أر أحداً يستأهلها غيرك ، فبعثت بها إليك مع شيء من الحلي والحلل والجواهر والطيب ، ثمّ جمعت من جميع وزرائي وعمّالي وأمنائي فاخترت منهم ألف رجل يصلحون للأمانة ، واخترت من الألف مائة ، ومن المائة عشرة ، ومن العشرة واحداً وهو ميزاب بن جنان لم أجد في مملكتي رجلاً أعقل منه (١) ، ولا أشجع ، فبعثت على يده هذه الهدية ، وهذه الجارية .
___________________
٥ ـ الخرائج والجرائح ١ : ٣٠٠ ، مناقب ابن شهراشوب ٤ : ٢٤٢ .
الصراط المستقيم ٢ : ١٨٦ / ٦ ، قطعة منه ، اثبات الهداة ٣ : ١١٥ / ١٣٧ ، باختصار ، مدينة المعاجز : ٣٨٧ / ٩٦ .
(١) في م : «أهيأ منه ولا أنبل منه ولا أوثق منه» .
فلمّا وصل الرجل بما بعث معه إليه ودخل بعد دفع كثير واستشفاع قال له : «إرجع أيّها الخائن من حيث جئت بهديتك» .
فقال : أبعْد شقة بعيدة ، ومشقة شديدة ، وإقامة حول الباب لا تقبل هدية الملك ؟! فقال : «ليس لك عندي جواب ، وما كنت بالذي أقبلها لأنّك خائن فيما أتيت به وائتمنت عليه» . فقال : والله ما خنتك ولا خنت الملك . فقال عليه السلام : «فإن شهد عليك بالخيانة بعض ثيابك تقر بالإِسلام ؟» قال : أو تعفيني عن ذلك وتسأل بما أحييت من بعد ؟ .
فأمر به فخلع من أعلاه فرو ، ثمّ أمر به فبسط في ناحية (١) ، الدار ، ثمّ قام عليه السلام فصلّى ركعتين وأطال الركوع والسجود ، ودعا بما أحبَّ ثمّ رفع رأسه وقد علاه نور وقال : «أيّها الفرو الطائع لله تعالى تكلّم بما تعلم منه ، وصف لنا ما جنى» فانبسط الفرو ثمّ انقبض وانضم حتّى صار كالكبش البازل (٢) فسمعه من في المجلس وهو يقول : يا ابن رسول الله الصادق ، بعث إليك ملك الهند هذا الرجل وائتمنه على هذه الجارية وما معه من المال ، وأوصاه بحفظهما وحياطتهما ، فلم يزل على ذلك حتّى صرنا إلى بعض الصحارى فأصابنا المطر حتّى ابتلّ جميع ما معنا ، فأقمنا في ذلك الموضع شهراً كاملاً حتّى طلعت الشمس واحتبس المطر ، وعلّقنا ما معنا على الحجر والأشجار ، فنادى خادماً كان مع الجارية يخدمها يقال له : بشير (٣) فقال : يا بشير (٤) ، لو دخلت هذه المدينة فأتيتنا بما فيها من الطعام إلى أن تجفّ رواحلنا كنا قد أكلنا من طعام هذه المدينة . فدفع إليه دراهمَ كثيرة ودخل الخادم المدينة .
___________________
(١) في ر ، م ، ك : ساحة .
(٢) البازل : الكامل . «لسان العرب ـ بزل ـ ١١ : ٥٢» .
(٣ ، ٤) في م : بشر .
وأمر ميزاب هذه الجارية أن تخرج من قبّتها إلى مضرب قد نصب لها في الشمس وقال لها : لو خرجت إلى هذا المضرب ونظرت إلى هذه الأشجار وهذه المدينة التي قد أشرفنا عليها . فخرجت الجارية فإذا في الأرض وحل فكشفت عن ساقيها وسقط خمارها ، فنظر الخائن إليها وإلى حسنها وجمالها فراودها عن نفسها فأجابته ، فبسطني في الأرض وأفرش عليَّ الجارية وفجر بها ، وخانك ، يا ابن رسول الله ، هذا ما كان من قصته وقصتها ، وأنا أسألك بالذي جمع لك خير الدنيا والآخرة إلّا سألت الله تعالى ألّا يعذبني بالنار لفجورهما على تنجيسهما إيّاي .
قال موسى عليه السلام : فبكى الصادق عليه السلام وبكيت وبكى من في المجلس واصفرّت ألوانهم .
قال : ففزع : ميزاب وأخذته رعدة شديدة وخوف ، فخرّ ساجداً لله وقال : قد علمت أن جدّك كان بالمؤمنين رؤوفاً رحيماً فارحمني رحمك الله ، وليكن لك أسوة بأخلاق جدّك فلم يعلم الملك بما كان حالي وقصّتي ، وقد أخطأت .
فقال عليه السلام : «لا رحمتك أبداً ولا تعطفت عليك إلّا أن تقرّ بما جنيت» قال : فأقر الهنديّ بما أخبرت به الفروة .
قال : فلمّا لبسها وصارت في عنقه انضمت في حلقه وخنقته حتّى اسودَّ وجهه ، فقال الصادق عليها السلام : «أيُّها الفرو ، خل عنه» فقالت الفرو : أسألك بالذي (جعلك إماماً) (١) إلّا أذنت لي أن أقتله . فقال : «خل عن النجس حتّى يرجع إلى صاحبه فيكون أولى به منا» .
وفي الحديث طول اقتصرنا منه على موضع الحاجة ، فمن أراد الجميع طلبه في موضعه فإنّه مشهور .
___________________
(١) في ر ، م : خلقك .