الثّاقب في المناقب

عماد الدين أبي جعفر محمّد بن علي الطوسي [ ابن حمزة ]

الثّاقب في المناقب

المؤلف:

عماد الدين أبي جعفر محمّد بن علي الطوسي [ ابن حمزة ]


المحقق: الشيخ نبيل رضا علوان
الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة أنصاريان للطباعة والنشر
المطبعة: مطبعة القدس
الطبعة: ٤
ISBN: 978-964-438-681-7
الصفحات: ٧٠١

فما فضلنا عليه ؟! يا أهل خراسان ما من إمام إلّا وتحت يده كنوز قارون ، إنّ المال الذي نأخذه منكم محبّة لكم وتطهيراً لرؤوسكم فأدّوا إليه المال ، وخرجوا من عنده مقرّين بإمامته .

٣١٣ / ٣ ـ عن موسى بن عبد الله بن الحسين ، قال : لمّا طلب محمّد بن عبد الله بن الحسن الإِمامة وخرج من المدينة أتى بإسماعيل بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب ـ وهو شيخ كبير ضعيف ، قد ذهبت إحدى عينيه ، وذهبت رجلاه ، فصار يحمل حملاً ـ فدعاه إلى البيعة ، فقال له : يا ابن عمّي (١) ، إنّي شيخ كبير ضعيف ، وأنا إلى برّك وعونك أحوج . فقال له : لا بد من أن تبايع . فقال له : وأي شيء تنتفع ببيعتي ؟ والله إنّي لأضيّق (٢) عليك مكان اسم رجل إن كتبته . فقال : لا بد أن تفعله . وأغلظ له في القول ، فقال له إسماعيل : ادع لي جعفر بن محمّد ، فلعلنا نبايع جميعاً .

قال : فدعا بجعفر ، فأتي به ، فقال له إسماعيل : جعلت فداك ، إن رأيت أن تبيّن له فافعل ، لعلّ الله يكفّه عنّا .

قال : «أجمعت على أن لا أكلّمه ، فليريَّ رأيه» فقال إسماعيل لأبي عبد الله : أنشدك الله ، هل تذكر يوماً أتيت فيه أباك محمّد بن عليّ عليه السلام وعليه حلتان صفراوان فأدام النظر إليَّ وبكى ، فقلت له : وما يبكيك ؟ فقال : «يبكيني أنّك تقتل عند كبر سنّك ضياعاً لا ينتطح في دمك عنزان» قال : قلت : متى ذاك ؟ قال : «نعم ، إذا دعيت إلى الباطل فأبيته ، فإذا نظرت إلى الأحول مشؤوم قومه سميّي من آل الحسن ، على منبر رسول الله (ص) يدعو إلى نفسه فسمّي بغير اسمه

___________________

٣ ـ الكافي ٥ : ٢٩١ ـ ٢٩٩ ، ذكر الحديث بتمامة ، إثبات الهداة ٣ : ٧٦ / ٣ .

(١) في م ، ك : يا ابن أخي .

(٢) في م ، ك : لا أضيق .

٣٨١

فأحدث عهدك واكتب (١) وصيّتك ، فإنّك مقتول من يومك ، أو من غدك» ؟

فقال له أبو عبد الله عليه السلام : «اللّهمّ نعم ، وهذا وربّ الكعبة لا يصوم من شهر رمضان إلّا قليلاً ، فاستودعك الله يا أبا الحسن ، وأعظم الله أجرنا فيك ، وأحسن الخلافة على ما خلّفت ، إنّا لله وإنّا إليه راجعون» ثمّ احتمل إسماعيل .

فقال : فوالله ، ما أمسينا حتّى دخل عليه بنو أخيه بنو معاوية بن عبد الله بن جعفر فوطأوه حتى قتلوه .

وفي الحديث طول ، نذكر تمامه في باب أبي عبد الله عليه السلام .

٣١٤ / ٤ ـ عن أبي بصير ، قال : سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول لرجل من أهل خراسان : «كيف أبوك ؟» فقال : صالح . قال : «قد هلك أبوك بعدما خرجت حيث صرت إلى جرجان» .

ثمّ قال له : «كيف أخوك ؟» قال : خلّفته صالحاً . قال : «قتله جاره صبيحة يوم كذا ، ساعة كذا» فبكى الرجل ، ثمّ قال : إنّا لله وإنّا إليه راجعون بما أصبت به . قال أبو جعفر عليه السلام : «اسكت فقد صارا إلى الجنّة ، والجنّة خير لهما ممّا كانا فيه» .

قال الرجل : فداك أبي وأمّي ، إنّي خلّفت ابني ومعه وجع شديد ؛ ولم تنبئني (٢) عنه قال : «قد برئ ، وزوّجه عمّه ابنته ، وأنت

___________________

(١) في ص : وإذا حدّثتك نفسك فاكتب . وفي ر : وإذا حدّثتك نفسك فاذكر وأخذت عهدك فاذكر .

٤ ـ مناقب ابن شهراشوب ٤ : ١٩٢ ، وعنه مدينة المعاجز : ٣٤٧ / ٨٦ الخرائج والجرائح : ٢ : ٥٩٥ / ٦ .

(٢) في هامش ر ، ص ، ش ، ع : تسألني .

٣٨٢

تقدم إن شاء الله وقد ولد لهما غلام ، واسمه (عليٌّ) وهو لنا شيعة ، وأمّا ابنك فليس لنا شيعة ، وهو لنا عدو ، فلا يغرّنك عبادته وخشوعه» .

فقام الرجل من عنده وهو وقيذ (١) فقلت : جعلت فداك ، من هذا ؟ فقال : «رجل من أهل خراسان ، وهو لنا شيعة» .

٣١٥ / ٥ ـ عن محمّد بن مسلم ، قال : سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول لرجل من أهل إفريقية : «ما حال راشد ؟» فقال : خلّفته صالحاً يقرؤك السلام . فقال : «رحمه الله»

قال : أو مات ؟! قال : «نعم ، رحمه الله» قال : ومتى مات ؟! قال : «بعد خروجك بيومين» .

قال : لا والله ما مرض ولا كانت به علّة ! قال : «وإنّ من يموت من غير علّة أكثر» .

قلت أنا : فمن الرجل ؟ قال : «كان لنا ولياً ومحباً من أهل إفريقية» .

٣١٦ / ٦ ـ أبو بصير ، قال : لمّا توفي عليّ بن ذراع وردت المدينة ، ودخلت على أبي جعفر عليه السلام فقال لي : «مات عليّ بن ذراع ؟» قلت : نعم رحمه الله .

قال : «أحدّثك بكذا وكذا ؟» ولم يدع شيئاً ممّا حدّثني به عليّ ، فقلت عند ذلك : والله ما كان عندي حين حدّثني بهذا الحديث أحد ،

___________________

(١) الوقيذ : البطيء الثقيل ، والشديد المرض «القاموس المحيط ـ وقذ ـ ١ : ٣٧٤» .

٥ ـ دلائل الإِمامة : ١٠٠ ، مناقب ابن شهراشوب ٤ : ١٩٣ ، مدينة المعاجز : ٣٣٠ / ٣٧ ، عن الدلائل .

(٢) في النسخ : ما من حق ، وما أثبتناه من هامش ر .

٦ ـ عنه مدينة المعاجز : ٣٤٨ / ٩١ .

٣٨٣

ولا خرج منّي إلى أحد حتّى أتيتك ، فمن أين علمت هذا ؟! قال : فغمز بيده فخذي ، وقال : «هيهات ، هيهات ، الآن اسكت» .

٣١٧ / ٧ ـ عن أبي حمزة الثماليّ ، قال : خرجت (١) مع أبي جعفر عليه السلام ومعنا سليمان بن خالد إلى حائط من حيطان المدينة ، فما سرنا إلّا قليلاً حتّى قال : «الساعة يستقبلنا رجلان قد سرقا سرقة أضمرا (٢) عليها» فما سرنا إلّا قليلاً حتّى استقبلنا الرجلان ، فقال أبو جعفر عليه السلام لغلمانه : «عليكم بالسارقين» فأخذا حتّى أتي بهما بين يديه فقال لهما : «أسرقتما ؟» فحلفا بالله ما سرقنا .

فقال أبو جعفر : «والله لئن لم تخرجا ما سرقتما لأبعثن إلى الموضع الذي وضعتما فيه [ سرقتكما ] ، ولأبعثن به إلى صاحبه الذي سرقتما منه» فأبيا أن يردا الذي سرقاه (٣) .

فقال أبو جعفر عليه السلام لغلمانه : «أوثقوهما (٤) ، وانطلق أنت يا سليمان إلى ذلك الجبل ـ وأشار بيده إلى ناحية منه ـ فاصعد أنت وهؤلاء الغلمان معك ، فإنّ في قلّة الجبل كهفاً فاستخرجوا ما فيه وأتوني به» .

قال سليمان : فانطلقت إلى الجبل وصعدت إلى الكهف فاستخرجنا منه عيبتين (٥) محشوتين حتّى دخلت بهما على أبي جعفر

___________________

٧ ـ رجال الكشي : ٣٥٦ / ٦٦٤ ، الخرائج والجرائح ١ : ٢٧٦ / ٨ ، مناقب ابن شهراشوب ٤ : ١٨٥ ، كشف الغمة ٢ : ١٤٤ / ٣٥٦ ، الصراط المستقيم ٢ : ١٨٢ ، وفيه قطعة منه .

(١) كذا في ر ، وفي باقي النسخ : كنت .

(٢) في ر : أصرَّ .

(٣) في ص : سرقا .

(٤) في م : استوثقوا منهما .

(٥) العيبة : زبيل من أدم ، وما يجعل فيه الثياب «القاموس ـ عيب ـ ١ : ١١٣» .

٣٨٤

عليه السلام ، فقال : «يا سليمان ، لترى غداً العجب» .

فلمّا أصبحنا أخذ أبو جعفر عليه السلام بأيدينا ودخلنا معه على والي المدينة ، وقد دخل المسروق منه برجال براء فقال : هؤلاء سرقوا . فأراد الوالي أن يعاقب القوم ، فقال أبو جعفر عليه السلام ابتداءً منه : «إنّ هؤلاء ليسوا سرّاقه ، إنّ السارقين عندي»

فقال للرجل : «ما ذهب منك ؟» قال : عيبة فيها كذا وكذا . فادعى ما لم يذهب له . قال أبو جعفر عليه السلام : «لِمَ تكذب ؟ فما أنت أعلم بما ذهب لك منّي» فهمّ الوالي أن يبطش به ، فكفّه أبو جعفر عليه السلام .

ثمّ قال : «يا غلام إئتني بعيبة كذا وكذا» فأتى بها ، ثمّ قال للوالي : «إن ادَّعى فوق هذا فهو كاذب مبطل ، وعندي عيبة أخرى لرجل آخر ، وهو يأتيك إلى أيّام ، وهو من أهل بربر ، فإذا أتاك فارشده (١) إليّ ، وأمّا هذان السارقان فإنّي لست ببارح حتّى تقطعهما» . فأتي بهما ، فقال أحدهما : تقطعنا ولم نقرّ على أنفسنا ؟ فقال الوالي : ويلكما ، يشهد عليكما مَن لو شهد على أهل المدينة لأجزت شهادته .

فلمّا قطعهما قال أحدهما : يا أبا جعفر ، لقد شهدت بحق ، وما يسرني أنّ الله أجرى توبتي على يد غيرك ، وإنّ لي بناء خارج المدينة ، وإنّي لأعلم أنّكم أهل بيت النبوة ومعدن العلم . فرّق له أبو جعفر عليه السلام وقال : «أنت على خير وإلى خير» .

ثمّ التفت إلى الوالي وإلى جماعة من الناس فقال : «والله ، لقد سبق يده بدنه إلى الجنّة بعشرين سنة» .

فقال سليمان بن خالد لأبي حمزة الثماليّ : يا أبا حمزة ، ورأيت دلالة أعجب من هذه ؟ فقال أبو جعفر عليه السلام : «يا سليمان ،

___________________

(١) في ر : فأرسله .

٣٨٥

العجب في العيبة الأخرى» فوالله ما لبثنا إلّا ثلاثة حتّى أتى البربريّ إلى الوالي ، فأخبره بقصّة عيبته ، فأرشده إلى أبي جعفر ، فأتاه فقال له أبو جعفر : «ألا أخبرك بما في عيبتك قبل أن تخبرني بما فيها» فقال له البربري : إن أنت أخبرتني بما فيها علمت أنّك إمام فرض الله طاعتك .

فقال عليه السلام : «فيها ألف دينار لك ، وألف دينار لغيرك ، ومن الثياب كذا وكذا» .

قال : فما اسم الرجل الذي له ألف دينار ؟ قال : «محمّد بن عبد الرحمن ، وهو على الباب ينتظر ، أتراني أخبرتك بالحق» .

فقال البربريّ : آمنت بالله وحده لا شريك له ، وبمحمّد (ص) رسوله وأشهد أنّكم أهل بيت الرحمة الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً . فقال أبو جعفر : «لقد هديت فخذ واشكر» .

قال سليمان : فحججت بعد ذلك بعشر (١) سنين فكنت أرى الأقطع من أصحاب أبي جعفر عليه السلام .

٣١٨ / ٨ ـ وعن محمّد بن عمر النخعيّ ، قال : أخبرني رجل من أصحابنا من بني أسد ، وكان من أصحاب أبي جعفر عليه السلام ، قال : كنت مع عبد الله بن معاوية بفارس فبينما نحن نتحدّث فتحدّثوا وأنا ساكت ، فقال عبد الله بن معاوية : مالك ساكت لا تتكلم ؟ فوالله إنّي لعارف برأيك ، وإنّك لعلى الحق المبين .

ثمّ قال : سأحدّثك بما رأت عيناي وسمعت أذناي من أبي جعفر عليه السلام .

ثمّ قال : إنّه كان بالمدينة رجل من آل مروان وإنّه أرسل إليَّ ذات يوم ، فأتيته وما عنده أحد من الناس ، فقال : يا ابن معاوية ، ما

___________________

(١) في م : بعشرين .

٨ ـ وعنه في مدينة المعاجز : ٣٤٨ / ٩٢ .

٣٨٦

دعوتك إلّا لثقتي (١) بك ، وإنِّي قد علمت أنّه لا يبلّغ عنّي أحد غيرك ، وقد أحببت أن تلقى عمّيك الأحمقين : محمّد بن عليّ وزيد بن عليّ ، وتقول لهما : يقول لكما الأمير : لتكفا عمّا يبلغني عنكما أو ليتركاني . فخرجت من عنده متوجهاً إلى أبي جعفر فلقيته ، وهو يريد المسجد ، فلمّا دنوت منه تبسّم ضاحكاً ، ثمّ قال : «لقد بعث إليك هذا الطاغي فخلا بك ، وقال : الق عمّيك الأحمقين ، وقل لهما : كذا وكذا» فأخبرني بمقالته كأنّه كان حاضراً .

___________________

(١) في ش ، ص : ليقيني .

٣٨٧

٧ ـ فصل :

في بيان ظهور آياته في معان شتّى

وفيه : حديثان

٣١٩ / ١ ـ عن أبي عبد الله عليه السلام ، قال : «كان زيد بن الحسن يخاصم أبي في ميراث رسول الله (ص) ويقول : أنا من ولد الحسن وأولى بذلك منك ، لأنّي من ولده الأكبر ، فقاسمني ميراث رسول الله (ص) وادفعه إلي . فأبى أبي ذلك ، فتخاصما إلى القاضي ، وكان يختلف معه زيد بن عليّ إلى القاضي ، فبينما هم كذلك ذات يوم في خصومتهم إذ قال زيد بن الحسن لزيد بن عليّ : اسكت يا ابن السنديّة . فقال زيد بن عليّ : أف لخصومة تذكر فيها الأمّهات ، والله لا أكلمك بالفصيح من رأسي أبداً حتّى أموت . وانصرف إلى أبي فقال : يا أخي حلفت يميناً ثقة بك وعلمت أنك لا تلزمني ، حلفت أن لا أكلم زيد بن الحسن ، ولا أخاصمه . وذكر ما كان بينهما فأعفاه أبي ، فاغتنمها زيد بن الحسن ، وقال : يلي خصومتي محمد بن علي فأعيبه (١) وأؤذيه فيعتدي عليَّ (٢) ، فعدا على أبي فقال : بيني وبينك القاضي .

___________________

١ ـ الخرائج والجرائح ٢ : ٦٠٠ ، الاحتجاج : ٣٥٥ ، الصراط المستقيم ٢ : ١٨٤ / ٢١ ، مدينة المعاجز : ٣٤٩ / ٩٣ ، عن كتابنا هذا ، مستدرك الوسائل ١٧ : ٣١١ / ١ .

(١) في ك ، م : فاعتبه .

(٢) في ش ، ص ، ك : فيقتدي مني .

٣٨٨

فقال : انطلق بنا . فلمّا أخرجه قال أبي : يا زيد ، إنّ معك سكّينة قد أخفيتها ، أرأيت إن نطقت هذه السكّينة التي سترتها مني فشهدت أنّي أولى بالحق منك ، فتكف عنّي ؟! قال : نعم . فحلف له بذلك .

فقال أبي : أيّتها السكّينة انطقي بإذن الله تعالى . فوثبت السكينة من يد زيد بن الحسن على الأرض ثمّ قالت : يا زيد أنت ظالم ، ومحمّد بن عليّ أولى منك بذلك وأحق ، لئن لم تكف لأليَّن قتلك (١) . فخرّ زيد مغشياً عليه ، فأخذ أبي بيده وأقامه .

ثمّ قال : يا زيد ، إن أنطقت هذه الصخرة التي نحن عليها ، تقبل ؟ قال : نعم ، وحلف له على ذلك ، فرجفت الصخرة ممّا يلي زيداً حتى كادت أن تفلق ، ولم ترجف ممّا يلي أبي ، ثمّ قالت ، يا زيد ، أنت ظالم ، ومحمّد أولى منك بالأمر . فخرّ زيد مغشياً عليه فأخذه أبي بيده وأقامه .

وقال : يا زيد ، أرأيت ، إن نطقت هذه الشجرة أتكف ؟ قال : نعم . فدعا أبي الشجرة ، فجاءت تخدّ في الأرض حتّى أظلتهم ، ثمّ قالت : يا زيد ، أنت ظالم ، ومحمّد أحق بالأمر منك ، فكفّ عنه وإلّا هلكت (٣) ، فغشي على زيد ، وأخذ أبي بيده وأقامه ، وقال : يا زيد ، أرأيت هذا ؟ وانصرفت الشجرة إلى موضعها ، فحلف زيد ألّا يتعرض لأبي ، ولا يخاصمه ، وانصرف .

وخرج زيد من يومه إلى عبد الملك بن مروان فدخل عليه ، وقال : أتيتك من عند ساحر كذَّاب لا يحلّ لك تركه . وقصّ عليه ما رأى ، فكتب عبد الملك إلى عامله بالمدينة أن ابعث إليّ محمّد بن عليّ مقيّداً . وقال له : أرأيت إن ولّيتك قتله فتقتله ؟ قال : نعم .

___________________

(١) في ر : لاقتلك ، بدل : لأليَّن قتلك .

(٢) في ر ، ك : تقلع .

(٣) في ش ، ص ، ك : قتلتك .

٣٨٩

فلمّا انتهى الكتاب إلى العامل أجاب العامل : ليس كتابي خلافاً عليك يا أمير المؤمنين ، ولا أردّ أمرك ، لكن رأيت أن أراجعك (١) في الكتاب نصيحة لك ، وشفقة عليك ، وإنّ الرجل الذي أردته ليس اليوم على وجه الأرض أعف عنه ، ولا أزهد ، ولا أورع ، وإنّه ليقرأ في محرابه فتجتمع الطير والسباع تعجباً لصوته ، وإنّ قراءته تشبه مزامير آل داود ، وإنّه من أعلم الناس وأرقهم وأشدَّهم اجتهاداً وعبادة ، وكرهت لأمير المؤمنين التعرض له ( إِنَّ اللَّـهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ ) (٢) . فلمّا ورد الكتاب سرّ بما أنهى إليه الوالي ، وعلم أنّه قد نصحه» .

وفي الحديث طول أخذنا موضع الحاجة .

٣٢٠ / ٢ ـ عن جابر بن يزيد الجعفيّ ، قال : خرجت مع أبي جعفر عليه السلام إلى الحجّ وأنا زميله إذ أقبل ورشان (٣) فوقع على غرارة (٤) محمله ، فترنّم ، فذهبت لآخذه فصاح بي : «مه يا جابر ، فإنّه استجار بنا أهل البيت» فقلت : وما الذي شكا إليك ؟ قال : «شكا إليّ أنّه يفرخ في هذا الجبل منذ ثلاث سنين ، وأنّ حيّة تأتيه تأكل أفراخه ، فسألني أن أدعو الله عليها ليقتلها ، ففعلت ، وقد قتلها الله» .

ثمّ سرنا حتّى إذا كان وقت السحر قال لي : «انزل يا جابر» فنزلت ، فأخذت بخطام الجمل ، فنزل فتنحّى يمنة ويسرة وهو يقول :

___________________

(١) في ر ، ك : اجعل .

(٢) سورة الرعد ١٣ الآية : ١١ .

٢ ـ دلائل الإِمامة : ٩٨ ، نحوه ، الخرائج والجرائح ٢ : ٦٠٤ / ١٢ ، كشف الغمة ٢ : ١٩٩ ، مدينة المعاجز : ٣٤٩ / ٩٤ .

(٣) الورشان : طائر أكبر من الحمامة المعروفة «المعجم الوسيط ـ ورش ـ ٢ : ١٠٢٥» .

(٤) وعاء ينسج من مشاقة الجوت يوضع على ظهر الدابة لوضع الأمتعة فيه ، ويعرف بالجوالق والخرج أيضاً . انظر المعجم الوسيط ٢ : ٦٤٨ (غرر) .

٣٩٠

«اللّهمّ اسقنا ، واظهر لنا ماءً ، فإذا حجر مربع (١) أبيض بين الرمل فاقتلعه ، فنبع له عين ماء صاف ، فتوضأنا وشربنا منه ، ثمّ ارتحلنا ، فأصبحنا دون قريات ونخل ، فعمد أبو جعفر عليه السلام إلى نخلة يابسة فدنا منها وقال : «أيّتها النخلة اليابسة ، أطعمينا» فلقد رأيت النخلة تنحني حتّى جعلنا نتناول من ثمرها ونأكل ، وإذا أعرابي يقول : ما رأيت ساحراً كاليوم ؟! فقال أبو جعفر عليه السلام : «يا أعرابي ، لا تكذبن علينا أهل البيت ، فإنّه ليس منّا ساحر ولا كاذب ، ولكن علمنا اسماً من أسماء الله تعالى ، نسأل الله به فنعطى ، وندعو به فنجاب» .

___________________

(١) في م : مرتفع .

(٢) في س ، ش : كاهن .

٣٩١

٣٩٢

الباب التاسع

في ذكر دلالات الامام الصادق جعفر بن محمّد عليهما السلام

وفيه أربعة فصول

٣٩٣

٣٩٤

١ ـ فصل :

في بيان ظهور آياته في إحياء الموتى

وفيه : خمسة أحاديث

٣٢١ / ١ ـ عن جميل بن درّاج ، قال : كنت عند أبي عبد الله عليه السلام فدخلت عليه امرأة وذكرت أنّها تركت ابنها على وجهه ميتاً ، فقال لها : «لعلّه لم يمت ، قومي واذهبي إلى بيتك ، واغتسلي ، وصلّي ركعتين ، وادعي الله تعالى وقولي : «يا من وهب لي ولداً ولم يكن شيئاً ، جدّد لي هبتك «ثمّ حركيه ولا تخبري بذلك أحداً» ففعلت ذلك ، ثمّ جاءت فحركته فإذا هو قد بكى .

٣٢٢ / ٢ ـ عن السيّد أبي هاشم إسماعيل بن محمّد الحميريّ ، قال : دخلت على الصادق جعفر بن محمّد عليهم السلام وقلت : يا ابن رسول الله ، بلغني أنّك تقول فيَّ إنّه ليس على شيء ، وأنا قد أفنيت عمري في محبّتكم وهجرت الناس فيكم في كيت وكيت ، فقال : «ألست القائل في محمّد بن الحنفيّة :

___________________

١ ـ بصائر الدرجات : ٢٩٤ / ١ ، مناقب ابن شهراشوب ٤ : ٢٣٩ ، مدينة المعاجز : ٣٨٣ / ٨٥ عن كتابنا هذا .

(١) في م : متكء .

٢ ـ كمال الدين : ٣٣ ، مناقب ابن شهراشوب ٤ : ٢٤٥ ، وفيه مضمونه ، اعلام الورىٰ : ٢٧٨ ، مدينة المعاجز : ٣٨٤ / ٨٧ ، عن كتابنا هذا .

٣٩٥

حتّى متى ؟ وإلى متى ؟ وكم المدى ؟

يا ابن الوصي وأنت حيٌّ ترزق

تثوى برضوىٰ لا تزال ولا ترى !

وبنا إليك من الصبابة أولق ؟!

وأنّ محمّد بن الحنفيّة قام بشعب رضوى أسد عن يمينه ونمرٌ عن شماله ، يؤتى برزقه غدوة وعشيّة ؟!

ويحك ، إنّ رسول الله (ص) وعليّاً والحسن والحسين عليهم السلام كانوا خيراً منه ، وقد ذاقوا الموت !» .

قال : فهل لك على ذلك من دليل ؟

قال : «نعم ، إنّ أبي أخبرني أنّه كان قد صلَّى عليه وحضر دفنه ، وأنا أريك آية» فأخذ بيده فمضى به إلى قبر ، وضرب بيده عليه ، ودعا الله تعالى فانشق القبر عن رجل أبيض الرأس واللحيّة ، فنفض التراب عن رأسه ووجهه ، وهو يقول : يا أبا هاشم ، تعرفني ؟ قال : لا . قال : أنا محمّد بن الحنفية ، إنّ الإِمام بعد الحسين بن عليّ : عليّ بن الحسين ، ثمّ محمّد بن عليّ ، ثمّ هذا . ثمّ أدخل رأسه في القبر وانضمّ عليه القبر ، فقال إسماعيل بن محمّد عند ذلك .

تجعفرت بسم الله والله أكبر

وأيقنت أنّ الله يعفو ويغفر

ودنت بدين غير ما كنت دائناً

به ونهاني سيّد الناس جعفر

فقلت له هبني تهودت برهة

وإلّا فديني دين من يتنصر

ولست بغال ما حييت وراجعاً

إلىٰ ما عليه كنت أخفي وأظهر (١)

ولا قائلاً قولاً لكيسان بعدها

وإن عاب جهّال مقالي وأكثروا

والقصيدة طويلة .

٣٢٣ / ٣ ـ عن داود بن كثير الرقيّ ، قال : حجّ رجل من أصحابنا فدخل على أبي عبد الله عليه السلام فقال له : فداك أبي وأمّي ، إنّ

___________________

(١) في ر : أضمر .

٣ ـ عنه مدينة المعاجز : ٣٨٤ ضمن حديث ٨٦ .

٣٩٦

أهلي قد توفيت ، وبقيت وحيداً ، فقال أبو عبد الله عليه السلام : «أو كنت تحبها ؟» قال : نعم . فقال : «ارجع إلى منزلك فإنّها سترجع إلى المنزل ، وترجع أنت وهي جالسة تأكل» .

قال : فلمّا رجعت من حجّتي ودخلت المنزل وجدتها قاعدة تأكل ، وبين يديها طبق فيه تمر وزبيب .

٣٢٤ / ٤ ـ عن محمّد بن راشد ، عن أبيه قال : أتيت بعض آل محمّد لأستفتيه عن مسألة ، فسألت عن أعلمهم ، فهديت إلى محمّد بن عبد الله بن الحسن فاستفتيته في ذلك فقال : إنّي لست أدري ما هذا ؟ فقال : أو ليس قد جاء عنكم أنّكم تقولون في أنفسكم أنّكم تدرون بالعلوم كلّها ؟

قال : إنّ ذلك لا يعلمه إلّا الإِمام ، ولست بذلك . قلت له : فمن أين لي بذلك ؟

قال : ائت جعفر بن محمّد عليهما السلام فإنّه عنده لا شك فيه . فأتيته ، فقيل لي : مات السيّد بن محمّد وهو في الجنازة ، فأتيته واستفتيته فأفتاني في مسألتي ، فلمّا أن قمت أخذ بثوبي فجذبني إلى نفسه فقال : «إنَّكم معاشر أهل الحديث تركتم العلم» .

فقلت له : يرحمك الله أنت إمام هذا الزمان ؟ فقال : «نعم والله ، إنّي إمام هذا الزمان» .

فقلت : علامة ودليل . فقال : «سلني عمّا بدا لك أخبرك به إن شاء الله .

فقلت : «إنّ أخاً لي مات في هذه المقبرة فأْمُر أن يُحيا . فقال لي : «ما أنت أهل لذلك ، ولكن أخوك ما كان اسمه ؟» فقلت : أحمد .

___________________

٤ ـ الخرائج والجرائح ٢ : ٧٤٢ ، باختلاف ، مدينة المعاجز : ٤٠٩ / ٩٩ .

٣٩٧

فقال : «يا أحمد ، قم بإذن الله تعالى ، وبإذن جعفر بن محمّد ، فقام والله وهو يقول : يا أخي اتبعه . وحلّفني بالطلاق والعتاق ألّا أخبر احداً

٣٢٥ / ٥ ـ عن أبي الحسن عليّ بن محمّد التقي ، عن أبيه محمّد ، عن أبيه عليّ بن موسى عن أبيه موسى بن جعفر عليهما السلام ، قال ـ في حديث طويل أنا أختصره ـ أنّ ملك الهند بعث بجارية رائقة الجمال إلى أبي جعفر بن محمّد عليهما السلام مع بعض ثقاته في تحف وهدايا كثيرة ، وكتب إليه :

بسم الله الرحمن الرحيم

من ملك الهند إلى جعفر بن محمّد الطاهر من كلّ نجس .

أمّا بعد ، هداني الله على يدك فإنّي أهدى إليَّ بعض عمالي جارية لم أر أحسن منها حسناً ، ولا أجمل منها جمالاً ، ولا أعظم منها خطراً ، ولا أعقل منها عقلاً ، ولا أكمل منها كمالاً أن اتخذ منها ولداً يكون له الملك بعدي ، فنظرت إليها فأعجبتني وأعجبني شأنها ، فأقامت بين يدي يوماً وليلة أفكر فيها وفي جلالتها ، فلم أر أحداً يستأهلها غيرك ، فبعثت بها إليك مع شيء من الحلي والحلل والجواهر والطيب ، ثمّ جمعت من جميع وزرائي وعمّالي وأمنائي فاخترت منهم ألف رجل يصلحون للأمانة ، واخترت من الألف مائة ، ومن المائة عشرة ، ومن العشرة واحداً وهو ميزاب بن جنان لم أجد في مملكتي رجلاً أعقل منه (١) ، ولا أشجع ، فبعثت على يده هذه الهدية ، وهذه الجارية .

___________________

٥ ـ الخرائج والجرائح ١ : ٣٠٠ ، مناقب ابن شهراشوب ٤ : ٢٤٢ .

الصراط المستقيم ٢ : ١٨٦ / ٦ ، قطعة منه ، اثبات الهداة ٣ : ١١٥ / ١٣٧ ، باختصار ، مدينة المعاجز : ٣٨٧ / ٩٦ .

(١) في م : «أهيأ منه ولا أنبل منه ولا أوثق منه» .

٣٩٨

فلمّا وصل الرجل بما بعث معه إليه ودخل بعد دفع كثير واستشفاع قال له : «إرجع أيّها الخائن من حيث جئت بهديتك» .

فقال : أبعْد شقة بعيدة ، ومشقة شديدة ، وإقامة حول الباب لا تقبل هدية الملك ؟! فقال : «ليس لك عندي جواب ، وما كنت بالذي أقبلها لأنّك خائن فيما أتيت به وائتمنت عليه» . فقال : والله ما خنتك ولا خنت الملك . فقال عليه السلام : «فإن شهد عليك بالخيانة بعض ثيابك تقر بالإِسلام ؟» قال : أو تعفيني عن ذلك وتسأل بما أحييت من بعد ؟ .

فأمر به فخلع من أعلاه فرو ، ثمّ أمر به فبسط في ناحية (١) ، الدار ، ثمّ قام عليه السلام فصلّى ركعتين وأطال الركوع والسجود ، ودعا بما أحبَّ ثمّ رفع رأسه وقد علاه نور وقال : «أيّها الفرو الطائع لله تعالى تكلّم بما تعلم منه ، وصف لنا ما جنى» فانبسط الفرو ثمّ انقبض وانضم حتّى صار كالكبش البازل (٢) فسمعه من في المجلس وهو يقول : يا ابن رسول الله الصادق ، بعث إليك ملك الهند هذا الرجل وائتمنه على هذه الجارية وما معه من المال ، وأوصاه بحفظهما وحياطتهما ، فلم يزل على ذلك حتّى صرنا إلى بعض الصحارى فأصابنا المطر حتّى ابتلّ جميع ما معنا ، فأقمنا في ذلك الموضع شهراً كاملاً حتّى طلعت الشمس واحتبس المطر ، وعلّقنا ما معنا على الحجر والأشجار ، فنادى خادماً كان مع الجارية يخدمها يقال له : بشير (٣) فقال : يا بشير (٤) ، لو دخلت هذه المدينة فأتيتنا بما فيها من الطعام إلى أن تجفّ رواحلنا كنا قد أكلنا من طعام هذه المدينة . فدفع إليه دراهمَ كثيرة ودخل الخادم المدينة .

___________________

(١) في ر ، م ، ك : ساحة .

(٢) البازل : الكامل . «لسان العرب ـ بزل ـ ١١ : ٥٢» .

(٣ ، ٤) في م : بشر .

٣٩٩

وأمر ميزاب هذه الجارية أن تخرج من قبّتها إلى مضرب قد نصب لها في الشمس وقال لها : لو خرجت إلى هذا المضرب ونظرت إلى هذه الأشجار وهذه المدينة التي قد أشرفنا عليها . فخرجت الجارية فإذا في الأرض وحل فكشفت عن ساقيها وسقط خمارها ، فنظر الخائن إليها وإلى حسنها وجمالها فراودها عن نفسها فأجابته ، فبسطني في الأرض وأفرش عليَّ الجارية وفجر بها ، وخانك ، يا ابن رسول الله ، هذا ما كان من قصته وقصتها ، وأنا أسألك بالذي جمع لك خير الدنيا والآخرة إلّا سألت الله تعالى ألّا يعذبني بالنار لفجورهما على تنجيسهما إيّاي .

قال موسى عليه السلام : فبكى الصادق عليه السلام وبكيت وبكى من في المجلس واصفرّت ألوانهم .

قال : ففزع : ميزاب وأخذته رعدة شديدة وخوف ، فخرّ ساجداً لله وقال : قد علمت أن جدّك كان بالمؤمنين رؤوفاً رحيماً فارحمني رحمك الله ، وليكن لك أسوة بأخلاق جدّك فلم يعلم الملك بما كان حالي وقصّتي ، وقد أخطأت .

فقال عليه السلام : «لا رحمتك أبداً ولا تعطفت عليك إلّا أن تقرّ بما جنيت» قال : فأقر الهنديّ بما أخبرت به الفروة .

قال : فلمّا لبسها وصارت في عنقه انضمت في حلقه وخنقته حتّى اسودَّ وجهه ، فقال الصادق عليها السلام : «أيُّها الفرو ، خل عنه» فقالت الفرو : أسألك بالذي (جعلك إماماً) (١) إلّا أذنت لي أن أقتله . فقال : «خل عن النجس حتّى يرجع إلى صاحبه فيكون أولى به منا» .

وفي الحديث طول اقتصرنا منه على موضع الحاجة ، فمن أراد الجميع طلبه في موضعه فإنّه مشهور .

___________________

(١) في ر ، م : خلقك .

٤٠٠