الثّاقب في المناقب

عماد الدين أبي جعفر محمّد بن علي الطوسي [ ابن حمزة ]

الثّاقب في المناقب

المؤلف:

عماد الدين أبي جعفر محمّد بن علي الطوسي [ ابن حمزة ]


المحقق: الشيخ نبيل رضا علوان
الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة أنصاريان للطباعة والنشر
المطبعة: مطبعة القدس
الطبعة: ٤
ISBN: 978-964-438-681-7
الصفحات: ٧٠١

١٠ ـ فصل :

في ظهور آياته في معان شتى

وفيه : اثنا عشر حديثاً

٤٥٣ / ١ ـ عن العبّاس بن السندي الهمداني ، عن بكير قال : قلت لأبي جعفر عليه السلام : عمّتي (١) تشتكي من ريح بها . فقال : «ائتني بها» .

فأتيته بها فدخلت عليه فقال لها : «ما تشتكين ؟» قالت : ركبتي جعلت فداك ، فمسح بيده الشريفة على ركبتيها من وراء الثياب ، وتكلّم بكلام ، فخرجت ولم تجد من الوجع شيئاً .

٤٥٤ / ٢ ـ عن أبي هاشم الجعفري ، قال : دخلت معه بستاناً ذات يوم فقلت له : جعلت فداك ، إنّي مولع بأكل الطين فادع الله تعالى لي ، فسكت ثمّ قال بعد أيّام : «يا أبا هاشم ، قد أذهب الله عنك أكل الطين» .

قال أبو هاشم : فما شيء أبغض إليّ منه .

___________________

١ ـ دلائل الإِمامة : ٢١٣ ، الخرائج والجرائح ١ : ٣٧٦ / ٣ مثله ، كشف الغمة ٢ : ٣٦٦ .

(١) في ك ، م : ابنة عمي .

٢ ـ الكافي ١ : ٤١٤ / ذيل حديث ٥ ، ارشاد المفيد : ٣٢٦ ، مناقب ابن شهراشوب ٤ : ٣٩٠ ، كشف الغمة ٢ : ٣٦١ .

٥٢١

٤٥٥ / ٣ ـ عن علي بن أسباط ، قال : خرجت مع أبي جعفر عليه السلام من الكوفة وهو راكب على حمار ، فمر بقطيع غنم ، فتركت شاة الغنم وَعدت إليه وهي ترغو (١) فاحتبس عليه السلام ، وأمرني أن أدعو الراعي إليه ، ففعلت ، فقال أبو جعفر عليه السلام : «أيّها الراعي ، إنّ هذه الشاة تشكوك وتزعم أن لها رجلين وأنك تحيف (٢) عليها بالحلب ، فإذا رجعت إلى صاحبها بالعشي لم يجد معها لبناً ، فإن كففت من ظلمها ، وإلّا دعوت الله تعالى أن يبتر عمرك» .

فقال الراعي : إنّي أشهد أن لا إله إلَّا الله ، وأشهد أنّ محمّداً رسول الله ، وأنّك وصيه ، أسألك لما أخبرتني من أين علمت هذا الشأن ؟

فقال أبو جعفر عليه السلام : «نحن خزّان الله على علمه وغيبه وحكمته ، وأوصياء أنبيائه ، وعباد مكرمون» .

٤٥٦ / ٤ ـ عن محمّد بن الفرج ، قال : كتب إليَّ أبو جعفر عليه السلام : «احمل إليَّ الخمس ، فإني لست آخذ منكم سوى عامي هذا» فقبض عليه السلام في تلك السنة .

٤٥٧ / ٥ ـ عن يوسف بن زياد ، عن الحسن بن علي ، عن أبيه ، قال : جاء رجل إلى محمّد بن علي بن موسى عليهم السلام فقال : يا ابن رسول الله ، إنّ أبي قد مات ، وكان له ألف دينار ، ففاجأه

___________________

٣ ـ عنه في مدينة المعاجز : ٥٣٤ .

(١) الرغاء : صوت ذوات الخف «لسان العرب ـ رغا ـ ١٤ : ٣٢٩» .

(٢) الحيف : الظلم والجور «لسان العرب ـ حيف ـ ٩ : ٦٠» .

٤ ـ مناقب ابن شهراشوب ٤ : ٣٨٩ ، إعلام الورىٰ : ٣٣٥ ، مدينة المعاجز : ٥٣٥ .

٥ ـ الخرائج والجرائح ٢ : ٦٦٥ / ٥ عن أبي هاشم الجعفري ، مناقب ابن شهراشوب ٤ : ٣٩١ .

٥٢٢

الموت ، ولست أقف على ماله ، ولي عيال كثيرة ، وأنا من مواليكم فاغنني ، فقال أبو جعفر عليه السلام : «إذا صلّيت العشاء الآخرة فصلّ على محمّد وآل محمّد مائة مرّة ، فإنّ أباك يأتيك ويخبرك بأمر المال» .

ففعل الرجل ذلك فأتاه أبوه في منامه فقال : يا بني مالي في موضع كذا فخذه . فذهب الرجل فأخذ الألف دينار وأبوه واقف فقال يا بني اذهب إلى ابن رسول الله (ص) فأخبره بأنّي قد دللتك عليه ، فإنّه كان أمرني بذلك ، فجاء الرجل وأخبره بالمال وقال : الحمد لله الذي أكرمك واصطفاك .

٤٥٨ / ٦ ـ عن أبي الصلت الهروي ، قال : حضرت مجلس الإِمام محمّد بن علي بن موسى عليهم السلام ، وعنده جماعة من الشيعة وغيرهم ، فقام إليه رجل وقال : يا سيدي ، جعلت فداك . فقال عليه السلام : «لا تقصّر واجلس» .

ثمّ قام إليه آخر فقال : يا مولاي ، جعلت فداك . فقال : «إن لم تجد أحداً فارم بها في الماء ، فإنّها تصل إليه» .

قال : فجلس الرجل ، فلمّا انصرف من كان في المجلس قلت له : جعلت فداك ، رأيت عجباً ! قال : «نعم ، تسألني عن الرجلين ؟» قلت : نعم يا سيدي .

قال : «أمّا الأول فإنّه قام يسألني عن الملّاح يقصّر في السفينة ؟ قلت : لا ، لأنّ السفينة بمنزلة بيته ليس بخارج منها ؛ والآخر قام يسألني عن الزكاة إن لم يصب أحداً من شيعتنا فإلى من يدفعه ؟ فقلت له : إن لم تصب لها (١) أحداً فارم بها في الماء ، فإنّها تصل إلى أهلها»

___________________

٦ ـ عنه في مدينة المعاجز : ٥٣٤ .

(١) في ص ، ك : تجد .

٥٢٣

٤٥٩ / ٧ ـ عن صالح بن عطية الأضخم قال : حججت فشكوت إلى أبي جعفر عليه السلام الوحدة ، فقال لي : «إنّك لا تخرج من الحرم حتّى تشتري جارية ترزق منها ابناً» . فقلت : تشير إليَّ ؟ قال : «نعم» وركب إلى النخّاس ونظر إلى جارية فقال : «اشترها» فاشتريتها ، فولدت محمّداً .

٤٦٠ / ٨ ـ عن عمران بن محمد الأشعري قال : دخلت على أبي جعفر عليه السلام فقضيت حوائجي وقلت له : إنّ أم الحسين تقرئك السلام وتسألك ثوباً من ثيابك تجعله كفناً لها . قال : «قد استغنت عن ذلك» . فخرجت ولست أدري ما معنى ذلك ، حتىٰ أتى الخبر بأنّها قد ماتت قبل ذلك بثلاثة عشر يوماً ، أو أربعة عشر يوماً .

٤٦١ / ٩ ـ عن ابن أورمة قال : إنّ المعتصم دعا جماعة من وزرائه وقال : اشهدوا لي على محمّد بن علي بن موسى الرضا زوراً واكتبوا بأنّه أراد أن يخرج .

ثمّ دعاه فقال : إنّك أردت أن تخرج عليَّ . فقال : «والله ما فعلت شيئاً من ذلك» .

قال : إنَّ فلاناً وفلاناً شهدوا عليك . وأحضروا فقالوا : نعم ، هذه الكتب أخذناها من بعض غلمانك .

قال : وكان جالساً في [ بَهْوٍ ] فرفع أبو جعفر عليه السلام يده وقال : «اللهم إن كانوا كذبوا عليَّ فخذهم» .

قال : فنظرنا إلى ذلك البهو يرجف ويذهب ويجيء ، وكلما قام

___________________

٧ ـ إثبات الوصية : ١٩١ ، الخرائج والجرائح ٢ : ٦٦٦ / ٧ ، فرج المهموم : ٢٣٢ ، مدينة المعاجز : ٥٣٤ / ٧٢ .

٨ ـ إثبات الوصية : ١٩١ ، عيون المعجزات : ١٢٤ .

٩ ـ الخرائج والجرائح ٢ : ٦٧٠ / ١٨ ، مدينة المعاجز : ٥٣٣ / ٥٧ .

٥٢٤

واحد وقع ، فقال المعتصم : يا ابن رسول الله ، تبت ممّا قلت ، فادع ربّك أن يسكّنه . فقال : «اللهم سكّنه ، وإنّك تعلم بأنّهم أعداؤك وأعدائي» .

٤٦٢ / ١٠ ـ عن محمّد بن ميمون ، قال : كنت مع الرضا عليه السلام بمكّة قبل خروجه إلى خراسان ، قال : فقلت له : إنّي أريد أن أتقدّم إلى المدينة ، فاكتب معي كتاباً إلى أبي جعفر عليه السلام ، فتبسّم وكتب ، وحضرت إلى المدينة ، وقد كان ذهب بصري ، فأخرج الخادم أبا جعفر عليه السلام إلينا فحمله من المهد ، فتناول الكتاب وقال لموفق الخادم : «فضّه وانشره» ففضه ونشره بين يديه ، فنظر فيه ، ثمّ قال : «يا محمد ، ما حال بصرك ؟» قلت : يا ابن رسول الله ، اعتلت عيناي فذهب بصري كما ترى .

قال : فمدّ يده ومسح بها على عيني ، فعاد بصري إليَّ كأصحّ ما كان ، فقبّلت يده ورجله ، وانصرفت من عنده وأنا بصير ، والمنّة الله .

٤٦٣ / ١١ ـ عن محمد بن عمر (١) بن واقد الرازي قال : دخلت على أبي جعفر محمّد الجواد بن الرضا عليهم السلام ومعي أخي به بهق شديد ، فشكا إليه ذلك البهق ، فقال : «عافاك الله مما تشكو» فخرجنا من عنده وقد عوفي ، فما عاد إليه ذلك البهق إلى أن مات .

قال محمّد بن عمر : وكان يصيبني وجع في خاصرتي في كل أسبوع ، فيشتد ذلك بي أياماً ، فسألته أن يدعو لي بزواله عنّي ، فقال : «وأنت ، فعافاك الله» فما عاد إلى هذه الغاية .

___________________

١٠ ـ إثبات الوصية : ٢٠٣ ، الخرائج والجرائح ١ : ٣٧٢ / ١ ، كشف الغمة ٢ : ٣٦٥ .

١١ ـ الخرائج والجرائح : ١ : ٣٧٧ / ٥ ، كشف الغمة ٢ : ٣٦٧ .

(١) في ر ، ش ، ص ، ك : عمران . وفي الخرائج وكشف الغمة : عمير .

٥٢٥

٤٦٤ / ١٢ ـ عن إسماعيل بن عباس الهاشمي ، قال : جئت إلى أبي جعفر عليه السلام يوم عيد فشكوت إليه ضيق المعاش فرفع المصلّى ، فأخذ من التراب سبيكة من ذهب فأعطانيها ، فخرجت بها إلى السوق فكان فيها ستة عشر مثقالاً (١) من الذهب .

___________________

١٢ ـ الخرائج والجرائح ١ : ٣٨٣ / ١٢ ، كشف الغمة ٢ : ٣٦٨ ، الصراط المستقيم ٢ : ٢٠٠ / ٨ ، مدينة المعاجز : ٥٣١ / ٤٩ .

(١) في ك ، م : سبعة عشر ديناراً .

٥٢٦

الباب الثالث عشر

في آيات أبي الحسن علي النقي عليه السلام

وفيه ستة فصول

٥٢٧
٥٢٨

١ ـ فصل :

في بيان ظهور آياته في إحياء الموتى

وفيه : حديث واحد

٤٦٥ / ١ ـ عن محمّد بن حمدان ، عن إبراهيم بن بلطون ، عن أبيه قال : كنت أحجب المتوكل ، فأهدي له خمسون غلاماً من الخزر ، فأمرني أن أتسلمهم وأحسن إليهم ، فلمّا تمّت سنة كاملة كنت واقفاً بين يديه إذ دخل عليه أبو الحسن علي بن محمّد النقي عليهما السلام ، فلمّا أخذ مجلسه أمرني أن أخرج الغلمان من بيوتهم ، فأخرجتهم ، فلمّا بصروا بأبي الحسن عليه السلام سجدوا له بأجمعهم ، فلم يتمالك المتوكل أن قام يجرّ رجليه حتّى توارى خلف الستر ، ثمّ نهض أبو الحسن عليه السلام .

فلمّا علم المتوكل بذلك خرج إليَّ وقال : ويلك (١) يا بلطون ، ما هذا الذي فعل هؤلاء الغلمان ؟ فقلت : لا والله ، ما أدري . قال : سلهم . فسألتهم عمّا فعلوا فقالوا : هذا رجل يأتينا كل سنة فيعرض علينا الدين ، ويقيم عندنا عشرة أيّام ، وهو وصي نبي المسلمين . فأمرني بذبحهم ، فذبحتهم عن آخرهم .

فلمّا كان وقت العتمة صرت إلى أبي الحسن عليه السلام ، فإذا

___________________

١ ـ عنه مدينة المعاجز : ٥٥١ / ٦٠ .

(١) في ر : ويحك .

٥٢٩

خادم على الباب فنظر إليَّ ، فلمّا بصر بي قال : «ادخل» فدخلت ، فإذا هو ـ عليه السلام ـ جالس فقال : «يا بلطون ما صنع القوم ؟» فقلت : يا ابن رسول الله ذُبحوا والله عن آخرهم ، فقال لي : «كلهم ؟» فقلت : إي والله .

فقال عليه السلام : «أتحب أن تراهم ؟» قلت : نعم ، يا ابن رسول الله . فأومأ بيده أن ادخل الستر ، فدخلت فإذا أنا بالقوم قعود وبين أيديهم فاكهة يأكلون .

٥٣٠

٢ ـ فصل :

في بيان ظهور آياته مع الماء والشجر

وفيه : حديث واحد

٤٦٦ / ١ ـ عن يحيى بن هرثمة ، قال : أنا صحبت (١) أبا الحسن عليه السلام من المدينة إلى سرّ من رأى في خلافة المتوكل ، فلمّا صرنا ببعض الطريق عطشنا عطشاً شديداً ، فتكلمنا ، وتكلم الناس في ذلك ، فقال أبو الحسن عليه السلام : «الآن نصير إلى ماء عذب فنشربه» .

فما سرنا إلّا قليلاً حتّى صرنا إلى تحت شجرة ينبع منها ماء عذب بارد ، فنزلنا عليه وارتوينا وحملنا معنا وارتحلنا ، وكنت علّقت سيفي على الشجرة فنسيته .

فلمّا صرت غير بعيد في بعض الطريق ذكرته ، فقلت لغلامي : ارجع حتّى تأتيني بالسيف ، فمرّ الغلام ركضاً ، فوجد السيف وحمله ورجع متحيراً ، فسألته عن ذلك فقال لي : إنّي رجعت إلى الشجرة ، فوجدت السيف معلقاً عليها ، ولا عين ولا ماء ولا شجر ، فعرفت الخبر ، فصرت إلى أبي الحسن عليه السلام فأخبرته بذلك ، فقال : «احلف أن لا تذكر ذلك لأحد» فقلت : نعم .

___________________

١ ـ عنه مدينة المعاجز : ٥٥١ / ٦١ .

(١) في ش ، ص : أشخصت .

٥٣١

٣ ـ فصل :

في بيان معجزاته في الحجر والرمل

وفيه : ثلاثة أحاديث

٤٦٧ / ١ ـ عن أبي هاشم الجعفري ، قال : خرجت مع أبي الحسن عليه السلام إلى سرّ من رأى نتلقى بعض القادمين فأبطأوا ، فطرح لأبي الحسن عليه السلام غاشية السرج فجلس عليها ، فنزلت عن دابّتي وجلست بين يديه وهو يحدّثني ، فشكوت إليه قصور يدي ، فأهوى بيده إلى رمل كان عليه جالساً وناولني منه كفَّاً وقال : «اتسع بهذا يا أبا هاشم ، واكتم ما رأيت» فجئت به معي ، ورجعنا فأبصرته فإذا هو يتقد كالنيران ذهباً أحمر .

فدعوت صائغاً إلى منزلي ، وقلت له : اسبك لي هذا فسبكه وقال لي : ما رأيت ذهباً أجود منه ، وهو كهيئة الرمل ، فمن أين لك هذا ؟ فما رأيت أعجب منه ! قلت : هذا شيء كان عندنا قديماً تدّخره لنا عجائزنا على طول الأيّام .

٤٦٨ / ٢ ـ وعنه قال : حججت سنة حج فيها بغا ، فلمّا صرت

___________________

١ ـ الخرائج والجرائح ٢ : ٦٧٣ ، مناقب ابن شهراشوب ٤ : ٤٠٩ ، قطعة منه ، إعلام الورى : ٣٦٠ ، الصراط المستقيم ٢ : ٢٠٥ / ١٩ ، مدينة المعاجز : ٥٤٤ / ٣٣ .

٢ ـ عنه مدينة المعاجز : ٥٥١ / ٦٢ .

٥٣٢

إلى المدينة إلى باب أبي الحسن عليه السلام وجدته راكباً في استقبال بغا ، فسلّمت عليه فقال : «إمضِ بنا إذا شئت» . فمضيت معه حتّى خرجنا من المدينة ، فلمّا أصحرنا التفت إلى غلامه وقال : «إذهب فانظر في أوائل العسكر» . ثمّ قال : «انزل بنا يا أبا هاشم» .

قال : فنزلت وفي نفسي أن أسأله شيئاً وأنا أستحيي منه ، وأقدّم وأؤخر .

قال : فعمل بسوطه في الأرض خاتم سليمان ، فنظرت فإذا في آخر الأحرف مكتوب : «خذ» وفي الآخر «اكتم» وفي الآخر «اعذر» ثمّ اقتلعه بسوطه وناولنيه فنظرت ، فإذا بنقرة (١) صافية فيها أربعمائة مثقال ، فقلت : بأبي أنت وأمّي ، لقد كنت شديد الحاجة إليها ، وأردت كلامك وأقدّم وأؤخر ، والله أعلم حيث يجعل رسالته ، ثمّ ركبنا .

٤٦٩ / ٣ ـ وعنه قال : دخلت على أبي الحسن عليه السلام فكلّمني بالهندية ، فلم أحسن أن أردّ عليه ، وكان بين يديه ركوة ملأى حصا ، فتناول حصاة واحدة فوضعها في فيه ملياً ، ثمّ رمى بها إليَّ فوضعتها في فمي ، فوالله ما رجعت من عنده حتى تكلّمت بثلاث وسبعين لساناً ، أولها الهندية .

___________________

(١) النقرة : القطعة المذابة ، وقيل السبيكة «لسان العرب ـ نقر ـ ٥ : ٢٢٩» .

٣ ـ الخرائج والجرائح ٢ : ٦٧٣ / ٢ ، مناقب ابن شهراشوب ٤ : ٤٠٨ . إعلام الورىٰ : ٣٤٣ ، الأنوار البهية : ٢٢٧ .

٥٣٣

٤ ـ فصل :

في بيان ظهور آياته في الإِعلام عن آجال الناس

وفيه : سبعة أحاديث

٤٧٠ / ١ ـ عن حسين الأسباطي ، قال : قدمت على أبي الحسن علي عليه السلام بالمدينة فقال : «ما خبر الواثق عندك ؟» قلت : جعلت فداك ، خلّفته في عافية ، أنا من أقرب الناس عهداً به منذ عشرة أيام ، فقال : «إنّ الناس يقولون إنّه مات» . فعلمت أنّه يعني نفسه .

ثمّ قال : «ما فعل جعفر ؟» قلت : تركته أسوأ الناس حالاً في السجن ، قال : فقال : «أما إنّه صاحب الأمر» .

فقال : «ما فعل ابن الزيّات ؟» قلت : الناس معه والأمر أمره ، قال : «أما إنّه شؤم عليه» .

ثمّ سكت وقال : «لا بد أن تجري مقادير الله وأحكامه» فأخبر أن مات الواثق ، وقعد المتوكل جعفر ، وقتل ابن الزيّات ، قلت : متى جعلت فداك ؟ قال : «بعد خروجك بستة أيام» .

٤٧١ / ٢ ـ عن محمّد بن الفرج الرُّخَّجي ، قال إنّ أبا الحسن

___________________

١ ـ الكافي ١ : ٤١٦ / ١ ، ارشاد المفيد : ٣٢٩ ، الخرائج والجرائح ١ : ٤٠٧ / ١٣ ، إعلام الورىٰ : ٣٤١ ، روضة الواعظين : ٢٤٤ .

٢ ـ الكافي ١ : ٤١٨ ، ارشاد المفيد : ٣٣٠ ، كشف الغمة ٢ : ٣٨٠ ، إعلام الورىٰ : ٣٤١ .

٥٣٤

عليه السلام كتب إليّ : «يا محمّد ، اجمع أمرك ، وخذ حذرك» .

قال : فأنا في جمع أمري لست أدري ما الَّذي أراد حتّى ورد عليَّ رسول ، وحملني من وطني مصفداً بالحديد ، وضرب على كلّ ما أملك .

فمكثت في السجن ثماني سنين ، ثمّ ورد عليَّ الكتاب منه وأنا في السجن : «يا محمد بن الفرج ، لا تنزل في ناحية الجانب الغربي» . فقرأت الكتاب ، فقلت في نفسي . يكتب إليَّ أبو الحسن عليه السلام بهذا وأنا في السجن ؟! إنّ هذا لعجب .

فما مكثت إلَّا أيّاماً يسيرة حتّى أفرج عنّي ، وخليت قيودي ، وخلّي سبيلي ، فكتبت إليه بعد خروجي أسأله أن يسأل الله تعالى أن يردّ عليَّ ضيعتي ، فكتب إليّ : «سوف تعود إليك ، وتردَ عليك ، وما يضرُّك أن لا تردّ عليك» .

قال علي بن محمد النوفلي : فلمّا شخص محمّد بن الفرج الرُّخَّجي إلى العسكر كتب له بردّ ضيعته ، فلم يصل الكتاب حتّى مات .

٤٧٢ / ٣ ـ عن أبي يعقوب قال : رأيت أبا الحسن عليه السلام مع أحمد بن الخصيب يتسايران ، وقد قصر أبو الحسن عليه السلام عنه ، فقال له ابن الخصيب : سر جعلت فداك . فقال له أبو الحسن عليه السلام : «أنت المتقدم» فما لبثنا إلّا أربعة أيام حتّى وقع الدَّهق (٢) على ساق ابن الخصيب وقتل .

___________________

(١) في ر : فانّي .

٣ ـ إرشاد المفيد : ٣٣١ ، كشف الغمة ٢ : ٣٨٠ ، إعلام الورىٰ : ٣٤٢ ، الكامل في التاريخ للطبري ١١ : ٦٥ .

(٢) الدهق : خشبتان يغمز بهما الساق «لسان العرب ـ غمز ـ ١٠ : ١٠٦» .

٥٣٥

٤٧٣ / ٤ ـ عن الحسن بن محمّد بن جمهور ، قال : كان لي صديق مؤدب ولد (١) بغا أو وصيف ـ الشكّ منّي ـ فقال لي : قال الأمير [ عند ] منصرفه من دار الخلافة : حبس أمير المؤمنين هذا الذي يقولون له ابن الرضا اليوم ودفعه إلي علي بن كركر ، فسمعته يقول : «أنا أكرم على الله من ناقة صالح ( تَمَتَّعُوا فِي دَارِكُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ذَٰلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ ) (٢) ليس يفصح بالآية ولا بالكلام ، أيّ شيء هذا ؟

قال : قلت : أعزك الله تعالى توعدك أنظر ما يكون بعد ثلاثة أيّام .

فلمّا كان من الغد أطلقه واعتذر إليه ، فلمّا كان اليوم الثالث وثب عليه باغر وبغلون أوتامش وجماعة معهم ، فقتلوه وأقعدوا المنتصر ولده خليفة .

٤٧٤ / ٥ ـ عن سعيد بن سهل البصري الملقّب بالملاح قال : حدث لبعض أولاد الخلفاء وليمة ، فدعانا مع أبي الحسن عليه السلام ، فدخلنا فلمّا رأوه أنصتوا إجلالاً له ، وجعل شابٌّ في المجلس لا يوقّره ، وجعل يلعب ويضحك ، فأقبل عليه وقال : «يا هذا ، أتضحك ملء فمك وتذهل عن ذكر الله تعالى وأنت بعد ثلاثة أيّام من أهل القبور ؟!» فقلنا . هذا دليل حتى ننتظر ما يكون .

قال : فأمسك الفتى وكفّ عمّا هو فيه ، وطعمنا وخرجنا ، فلمّا كان بعد يوم اعتلّ الفتى ومات في اليوم الثالث من أول النهار ، ودفن في آخره .

___________________

٤ ـ إعلام الورىٰ : ٣٤٦ .

(١) في ش : ولدي .

(٢) سورة هود الآية : ٦٥ .

٥ ـ مناقب ابن شهراشوب ٤ : ٤١٤ ، إعلام الورىٰ : ٣٤٦ .

٥٣٦

٤٧٥ / ٦ ـ وعنه ، قال : اجتمعنا أيضاً في وليمة لبعض أهل سرّ من رأى وأبو الحسن عليه السلام معنا ، فجعل رجل يلعب (١) ، ويمزح ولا يرى له إجلالاً فأقبل علىٰ جعفر وقال : «إنّه لا يأكل من هذا الطعام ، وسوف يرد عليه من خبر أهله ما ينغص عيشه» فقدّمت المائدة فقال : ليس بعد هذا خبر وقد بطل قوله ، فوالله لقد غسل الرجل يده وأهوى إلى الطعام فإذا غلامه قد دخل من باب البيت يبكي وقال له : إلحق أمّك فقد وقعت من فوق البيت وهي إلى الموت أقرب .

فقال جعفر : قلت : والله لا وقفت بعد هذا ، وقطعت عليه أنّه الإِمام .

٤٧٦ / ٧ ـ عن أبي يعقوب قال : رأيت محمّد بن الفرج قبل موته بالعسكر في عشية من العشايا وقد استقبل أبا الحسن عليه السلام ، فنظر إليه نظراً شافياً ، واعتلّ محمّد بن الفرج من الغد ، فدخلت عليه عائداً بعد أيّام من علته ، فحدّثني أنّ أبا الحسن عليه السلام أنفذ إليه بثوب ورأيته مدرجاً تحت رأسه . قال : وكفّن والله فيه .

___________________

٦ ـ مناقب ابن شهراشوب ٤ : ٤١٥ ، إعلام الورى : ٣٤٧ .

(١) في ر ، ك ، م : يعبث .

٧ ـ ارشاد المفيد : ٣٣١ ، كشف الغمة ٢ : ٣٨٠ ، إعلام الورىٰ : ٣٤٢ .

٥٣٧

٥ ـ فصل :

في ظهور آياته من الإِخبار بالغائبات

وفيه : ستة أحاديث

٤٧٧ / ١ ـ عن المنتصر بن المتوكل قال : زرع والدي الآس في بستان وأكثر منه ، فلمّا استوى الآس كلّه وحسن ، أمر الفراشين أن يفرشوا له على دكان في وسط البستان وأنا قائم على رأسه ، فرفع رأسه إليَّ وقال : يا رافضي ، سل ربّك الأسود (١) عن هذا الأصل الأصفر ماله من بين ما بقي من هذا البستان قد اصفرّ ، فإنّك تزعم أنّه يعلم الغيب ؟ فقلت : يا أمير المؤمنين ، إنّه ليس يعلم الغيب .

فأصبحت [ وغدوت ] إلى أبي الحسن عليه السلام من الغد وأخبرته بالأمر ، فقال : «يا بني ، امض أنت واحفر الأصل الأصفر فإن تحته جمجمة نخرة ، واصفراره لبخارها ونتنها» .

قال : ففعلت ذلك فوجدته كما قال عليه السلام ، ثمّ قال لي : «يا بني لا تخبرن أحداً بهذا الأمر إلَّا لمن يحدّثك بمثله» .

٤٧٨ / ٢ ـ عن أبي هاشم الجعفري ، قال : كنت بالمدينة حين مرّ

___________________

١ ـ عنه مدينة المعاجز : ٥٥١ / ٦٣ .

(١) في م : ألا يرد .

٢ ـ الخرائج والجرائح ٢ : ٦٧٤ / ٤ ، مناقب ابن شهراشوب ٤ : ٤٠٨ ، كشف الغمة ٢ : ٣٩٧ ، الأنوار البهية : ٢٢٧ .

٥٣٨

بها بغا أيّام الواثق في طلب الأعراب ، فقال أبو الحسن عليه السلام : «اخرجوا بنا حتّى ننظر إلى لغة هذا التركي» . فمر بنا تركي وكلّمه أبو الحسن عليه السلام بالتركية ، فنزل عن فرسه وقبّل حافر دابته .

قال : فحلف التركي وقلت له : ما قال الرجل لك ؟ قال : هذا نبي ؟ فقلت : هذا ليس نبيّاً .

قال : دعاني باسم سميت به في صغري في بلاد الترك ، وما علمه أحد إلى الساعة .

٤٧٩ / ٣ ـ عن الحسن بن محمد بن جمهور العمي ، قال : سمعت من سعيد الصغير الحاجب قال : دخلت على سعيد بن صالح الحاجب فقلت : يا أبا عثمان قد صرت من أصحابك ، وكان سعيد يتشيع . فقال : هيهات ، قلت : بلى والله . فقال : وكيف ذلك ؟

قلت : بعثني المتوكل وأمرني أن أكبس على علي بن محمّد بن الرضا عليهم السلام فأنظر ما فعل ، ففعلت ذلك فوجدته يصلّي ، فبقيت قائماً حتّى فرغ ، فلما انفتل من صلاته أقبل عليَّ وقال : «يا سعيد لا يكفَّ عنّي جعفر ـ أي المتوكّل الملعون ـ حتّى يقطع إرباً إرباً ! اذهب واعزب» وأشار بيده الشريفة ، فخرجت مرعوباً ، ودخلني من هيبته ما لا أحسن أن أصفه ، فلمّا رجعت إلى المتوكل سمعت الصيحة والواعية ، فسألت عنه فقيل : قتل المتوكل ، فرجعنا وقلت بها (١) .

٤٨٠ / ٤ ـ عن عبد الله بن طاهر ، قال : خرجت إلى سر من رأى لأمر من الأمور أحضرني المتوكل ، فأقمت مدة ثمّ ودعت وعزمت على الانحدار إلى بغداد ، فكتبت إلى أبي الحسن عليه السلام أستأذنه في

___________________

٣ ـ عنه مدينة المعاجز : ٥٥٢ / ٦٤ .

(١) أي بالإِمامة .

٤ ـ عنه مدينة المعاجز : ٥٥٢ / ٦٥ .

٥٣٩

ذلك وأودعه ، فكتب لي : «فإنك بعد ثلاث يحتاج إليك ويحدث أمران» .

فانحدرت واستحسنته ، فخرجت إلى الصيد ونسيت ما أشار إلي أبو الحسن عليه السلام ، فعدلت إلى المطيرة (١) وقد صرت إلى مصري وأنا جالس مع خاصتي (إذ ثمانية فوارس) (٢) يقولون . أجب أمير المؤمنين المنتصر ، فقلت : ما الخبر ؟ فقالوا : قتل المتوكل ، وجلس المنتصر ، واستوزر أحمد بن محمد بن الخصيب ، فقمت من فوري راجعاً .

٤٨١ / ٥ ـ عن الطيب بن محمد بن الحسن بن شمون قال : ركب المتوكل ذات يوم وخلفه الناس وركب آل أبي طالب إلى أبي الحسن عليه السلام ليركبوا بركوبه فخرج في يوم صائف شديد الحر ، والسماء صافية (٣) ما فيها غيم ، وهو عليه السلام معقود ذنب الدابة بسرج جلود طويل وعليه ممطر وبرنس ، فقال زيد بن موسى بن جعفر لجماعة آل أبي طالب : انظروا إلى هذا الرجل يخرج مثل هذا اليوم كأنه وسط الشتاء ، قال : فساروا جميعاً فما جاوزوا الجسر ولا خرجوا عنه حتىٰ تغيمت السماء وأرخت عزاليها كأفواه القرب ، وابتلت ثياب الناس ، فدنا منه زيد بن موسى بن جعفر وقال : يا سيدي ، أنت قد علمت أنّ السماء قد تمطر فهلا أعلمتنا فقد هلكنا وعطبنا .

٤٨٢ / ٦ ـ عن موسى بن جعفر البغدادي قال : كانت لي حاجة

___________________

(١) في ش : المسطرة . وفي ص : المطوة . والمطيرة : قرية من نواحي سامراء ، معجم البلدان ٥ : ١٥١ .

(٢) في ر ، ش ، ص : إذا بمائة فارس .

٥ ـ عنه مدينة المعاجز : ٥٥٢ / ٦٨ .

(٣) في ر : نقيّة .

٦ ـ عنه مدينة المعاجز : ٥٥٢ / ٦٩ .

٥٤٠