الثّاقب في المناقب

عماد الدين أبي جعفر محمّد بن علي الطوسي [ ابن حمزة ]

الثّاقب في المناقب

المؤلف:

عماد الدين أبي جعفر محمّد بن علي الطوسي [ ابن حمزة ]


المحقق: الشيخ نبيل رضا علوان
الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة أنصاريان للطباعة والنشر
المطبعة: مطبعة القدس
الطبعة: ٤
ISBN: 978-964-438-681-7
الصفحات: ٧٠١

عمر بن سعد لعنه الله رجل يقال له : (تميم بن الحصين) فنادى : يا حسين ، ويا أصحاب الحسين ، أما ترون إلى ماء الفرات يلوح كأنّه بطون الحيات ، والله لا ذقتم منه قطرة ، حتّى تذوقوا الموت جزعاً . فقال الحسين صلوات الله عليه : هذا وأبوه من أهل النار ، اللّهمّ اقتل هذا عطشاً في هذا اليوم» .

قال : «فخنقه العطش حتّى سقط عن فرسه فوطأته الخيل بسنابكها حتّى مات لعنه الله» .

٢٨٧ / ٣ ـ عن القاسم بن الأصبغ بن نباتة ؛ قال : حدَّثني مَن شهد عسكر الحسين عليه السلام : أنّ الحسين لمّا غلب على عسكره العطش ركب المسناة (١) يريد الفرات ، فقال رجل من بني أبان بن دارم : حُولوا بينه وبين الماء . ورمى بسهم فأثبته في حنكه ، فقال عليه السلام : «اللَّهمّ اظمئه اللّهمّ اظمئه» فوالله ما لبث الرجل إلّا يسيراً حتّى صبَّ الله عليه الظمأ .

قال القاسم بن الأصبغ : لقد رأيته وبين يديه قلال فيها الماء ، وإنّه ليقول : ويلكم اسقوني قتلني الظمأ . فيُعطى القلّة (٢) أو العس (٣) الذي كان أحدهما مروياً أهل بيتٍ ، فيشربه ، ثمّ يقول : ويلكم اسقوني قتلني الظمأ .

قال : فوالله ما لبث إلَّا يسيراً حتّى انقدَّ بطنه انقداد بطن البعير .

وفي رواية أخرى : النار توقد من خلفه ، والثلج موضوع من قدامه ، وهو يقول : اسقوني . . . إلى آخر الكلام .

___________________

٣ ـ مناقب ابن شهراشوب ٤ : ٥٦ ، عنه مدينة المعاجز : ٢٤١ ح ٣٥ .

(١) المسناة : سد يبنى لحجز ماء السيل . «لسان العرب ـ سنا ـ ١٤ : ٤٠٦» .

(٢) القلّة : إناء من الفخّار يشرب منها . المعجم الوسيط ٢ : ٧٥٦ (قلل) .

(٣) العس : القدح الكبير . المعجم الوسيط ٢ : ٦٠٠ (عسس) .

٣٤١

٩ ـ فصل :

في بيان ظهور آياته من الاخبار بالغائبات

وفيه : حديث واحد

٢٨٨ / ١ ـ عن أبي عبد الله صلوات الله عليه ، قال : «قال الحسين صلوات الله عليه لغلمانه وقد أرسلهم إلى ضيعة له : لا تخرجوا يوم كذا وكذا ـ وقد سمّاه ـ واخرجوا يوم الخميس فإنّكم إن خالفتموني قُطِعَ عليكم الطريق ، وقُتِلتم ، وذهب ما معكم» .

قال : «فخالفوه ، وأخذوا طريق الحرّة فاستقبلهم لصوص فقتلوهم كلّهم ، ثمّ دخل عليه والي المدينة من ساعته ، فقال : بلغني قتل غلمانكم ومواليكم ، فآجرك الله فيهم .

فقال صلوات الله عليه : أما إنّي أدلك على من قتلهم ، فاشدد يديك بهم . قال : أو تعرفهم ؟! قال : نعم ، كما أعرفك ، وهذا منهم ، وأشار بيده إلى رجل كان على رأسه قائماً .

قال الرجل : يا ابن رسول الله ، كيف عرفت أنّي منهم ؟! قال الحسين صلوات الله عليه : إن صدقتك تصدقني ؟ قال : نعم ، والله لأفعلن .

___________________

١ ـ دلائل الإِمامة : ٧٦ ، الخرائج والجرائح ١ : ٢٤٦ / ٣ ، الصراط المستقيم ٢ : ١٧٨ / ٣ ، الهداية الكبرى : ٢٠٥ ، مدينة المعاجز : ٢٣٨ / ٢٠ .

٣٤٢

قال : خرجت ومعك فلان وفلان . وسمّاهم بأسمائهم كلهم ، أربعة منهم من موالي الأسود والبقية من حبشان المدينة .

قال الوالي : وربّ القبر والمنبر ، لتصدقن أو لأنثرن لحمك بالسياط . قال : والله ما كذب الحسين ، كأنّه كان معنا !» .

قال : «فجمعهم الوالي ، فأقرّوا بأجمعهم ، فأمر بهم فضربت أعناقهم» .

٣٤٣

١٠ ـ فصل :

في بيان ظهور آياته في معان شتّى

وفيه : حديثان

٢٨٩ / ١ ـ عن الباقر صلوات الله عليه ، قال : «حدثني نجاد مولى أمير المؤمنين صلوات الله عليه وآله ، قال : رأيت أمير المؤمنين صلوات الله عليه يرمي نصالاً ، ورأيت الملائكة يردّون عليه أسهمه ، فعميت ، فذهبت إلى مولاي الحسين بن عليّ صلوات الله عليهما ، فشكوت ذلك إليه .

فقال : لعلك رأيت الملائكة تردّ على أمير المؤمنين أسهمه ؟ فقلت : أجل . فمسح بيده على عيني فرجعت بصيراً بقوة الله تعالى» .

٢٩٠ / ٢ ـ عن يحيى بن أم الطويل ، قال : كنّا عند الحسين صلوات الله عليه إذ دخل عليه شاب يبكي ، قال له : «وما يبكيك ؟!» قال : إنّ والدتي توفيت في هذه الساعة ، ولم توصي ، ولها مال وكانت قد أمرتني أن لا أحدث في أمرها حدثاً حتّى أعلمك بخبرها .

فقال الحسين عليه السلام : «قوموا بنا حتّى نصير إلى هذه الحرّة» فقمنا معه حتّى انتهى إلى باب البيت الذي فيه المرأة [ وهي ]

___________________

١ ـ عنه في مدينة المعاجز : ٢٤٧ / ٧٠ .

٢ ـ الخرائج والجرائح ١ : ٢٤٥ ، مدينة المعاجز : ٢٤٦ / ٦٤ .

٣٤٤

مسجاة ، حتى أشرف على البيت فدعا الله تعالى ليحييها حتّى توصي بما يجب من وصيتها .

فأحياها الله تعالى ، وإذا المرأة قد جلست وهي تتشهّد أن لا إله إلّا الله محمّد رسول الله ثمّ نظرت إلى الحسين صلوات الله عليه ، فقالت : أدخل البيت يا مولاي ، وأْمرني بأمرك .

فدخل الحسين صلوات الله عليه وجلس عند فخذها ، ثمّ قال لها : «أوصي رحمك الله» فقالت : يا ابن رسول الله ، لي من المال كذا وكذا في مكان كذا وكذا ، وقد جعلت ثلثه إليك لتضعه حيث شئت من أوليائك ومواليك ، والثلثان لابني هذا إن علمت أنّه من مواليك وأوليائك ، وإن كان مخالفاً فخذه إليك فلا حقّ للمخالفين في أموال المؤمنين .

ثمّ سألته أن يصلّي عليها ، وأن يتولّى أمرها ثمّ صارت المرأة ميتة كما كانت . . »

والباقي وجدت في الكتاب الأصل بياضاً .

٣٤٥

٣٤٦

الباب السابع

في ذكر آيات زين العابدين عليّ بن الحسين صلوات الله عليهما

وفيه ثمانية فصول

٣٤٧

٣٤٨

١ ـ فصل :

في بيان ظهور آياته في إنطاق الله تعالى الحجر الأسود حجّة له

وفيه : حديث واحد

٢٩١ / ١ ـ عن أبي عبد الله صلوات الله عليه ، قال : «جاء محمّد ابن الحنفية رضي الله عنه إلى عليّ بن الحسين زين العابدين صلوات الله عليهما وقال : يا عليّ ، ألست تقرّ بأنّي إمام عليك ؟ قال : يا عمّ ، لو علمت ذلك لما خالفتك ، وإنّ طاعتي عليك وعلى الخلق مفترضة . وقال : يا عمّ ، أما تعلم أنّي وصي أبي ، وأبي وصي أبيه ؟! فتشاجرا ساعة .

فقال عليّ بن الحسين زين العابدين صلوات الله عليهما : مَن ترضى أن يكون بيننا ؟ قال : مَن شئت . قال : أترضى أن يكون بيننا الحجر الأسود ؟ قال : سبحان الله ، أدعوك إلى الناس ، وتدعوني إلى حجر أسود لا يتكلم ؟

فقال عليّ عليه السلام : يتكلم ، أما علمت أنّه يأتي يوم القيامة وله عينان ولسان وشفتان ، يشهد لمن وافاه بالموافاة ؟! فندنوا أنا وأنت ،

___________________

١ ـ بصائر الدرجات : ٥٢٢ / ٣ ، الكافي ١ : ٢٨٢ / ٥ ، دلائل الإِمامة : ٨٧ ، الخرائج والجرائح ١ : ٢٥٧ ، مناقب ابن شهراشوب ٤ : ١٤٧ ، الاحتجاج : ٣١٦ ، كشف الغمة ٢ : ٣٢٣ ، الإِمامة والتبصرة : ٦٠ / ٤٩ ، مدينة المعاجز : ٢٩٧ / ٢١ ، الهداية الكبرىٰ : ٢٢٠ .

٣٤٩

فندعو الله عزّ وجلّ أن ينطقه لنا ، أينا حجّة الله على خلقه .

فانطلقا وصلّيا عند مقام إبراهيم صلوات الله عليه ودنوا من الحجر ، وقد كان محمّد بن الحنفية ، قال له : لئن لم أجبك إلى ما دعوتني إليه إنّي إذاً لمن الظالمين ، فقال عليّ بن الحسين عليهما السلام لمحمّد : تقدّم يا عمّي ، فإنّك أسن مني .

فقال محمّد للحجر : أسألك بحرمة الله وحرمة رسول الله ، وبحرمة كلّ مؤمن إن كنت تعلم أنّي حجّة الله على عليّ بن الحسين إلّا نطقت بالحقّ ، وبيّنت ذلك لنا . فلم يجبه ، ثمّ قال محمّد لعليّ صلوات الله عليه : تقدم فسله .

فتقدم عليّ بن الحسين عليهما السلام فتكلم بكلام لا يُفهم ، ثمّ قال : أسألك بحرمة الله تعالى ، وحرمة رسوله ، وحرمة أمير المؤمنين ، وحرمة الحسن ، وحرمة الحسين ، وحرمة فاطمة بنت محمّد (ص) أجمعين إن كنت تعلم أنّي حجّة الله على عمّي إلّا نطقت بذلك ، وبيّنته لنا ، حتّى يرجع عن رأيه .

فقال الحجر بلسان عربي : يا محمّد بن عليّ ، اسمع وأطع عليّ بن الحسين ، فإنّه حجّة الله على خلقه . فقال ابن الحنفية عند ذلك : سمعت وأطعت وسلّمت» .

٣٥٠

٢ ـ فصل :

في بيان ظهور آياته في إحياء الموتى

وفيه : حديث واحد

٢٩٢ / ١ ـ عن ثابت بن دينار ، عن ثوير بن سعيد بن علاقة ، قال : دخل محمّد بن الحنفية رضي الله عنه على سيّد العابدين عليّ بن الحسين صلوات الله عليهما فرفع يده فلطمه (١) ، وهو في عينه صغير ، ثمّ قال : أنت الذي تدّعي الإِمامة ؟! فقال له عليّ بن الحسين صلوات الله عليه : «اتق الله ، ولا تدّعين ما ليس لك» . فقال : هي والله لي . فقال له عليّ بن الحسين : «قم بنا نأتي المقابر حتّى يتبيّن لي ولك» .

فذهبا حتّى انتهيا إلى قبرٍ طري فقال له : «هذا ميت قريب العهد بالموت ، فادعه واسأله عن خبرك ، فإن كنت إماماً أجابك ، وإلّا دعوته

___________________

١ ـ عنه في مدينة المعاجز : ٣١٨ / ٩٢ .

(١) ونحن نجلّ محمد بن الحنفية عن الظلم والبغي ، ولطم بريء دون مبرر ، وأما مطالبته سيد العابدين عليه السلام بإثبات إمامته فهذا من حقّ كلّ مطالب ، ولذلك نعتقد فيهم أنّهم أصحاب معجزات ودلائل لإِثبات إمامتهم للناس فسبيل الإِمامة عندنا سبيل النبوة وامتداد لها وهذا كلّه مستوفى في محله من كتبنا الكلامية .

وربّما تستدعي المصالح العامة مشاجرتهما في الإِمامة مع علم ابن الحنفية واعتقاده بإمامة ابن أخيه الإِمام زين العابدين عليه السلام لإِرشاد الآخرين وإقامة الحجّة عليهم كما في مشاجرة عليّ والعبّاس ونحو ذلك .

٣٥١

فأخبرني» . فقال له : أو تفعل ذلك ؟! قال : نعم . فقال له محمّد بن الحنفية : فلا أستطيع أن أفعل ذلك .

قال : فدعا الله تعالى عليّ بن الحسين عليهما السلام بما أراد ، ثمّ دعا صاحب القبر فخرج ينفض التراب عن رأسه وهو يقول : الحقّ لعليّ بن الحسين دونك .

قال : فأقبل محمّد بن الحنفية وانكبَّ على رجل عليّ بن الحسين يقبلها ، ويلوذ به ، ويقول : استغفر لي .

قال المصنف رحمة الله عليه : إنّ ما ذكرناه من دلالته صلوات الله عليه من إحياء الموتى وكلام الحجر الأسود ، ونطق الشاة ، فهي على طريق توارد الأدلة ، وتبيين الحجة ، والحجّة القاطعة .

٣٥٢

٣ ـ فصل :

في بيان ظهور آياته في استلانة الغل من الحديد في يده

وفيه : حديث واحد

٢٩٣ / ١ ـ عن ابن شهاب الزهريّ ، قال : شهدت عليّ بن الحسين صلوات الله عليه يوم جهز إلى عبد الملك بن مروان من المدينة إلى الشام فأثقله (١) حديداً ، ووكّل به حفَّاظاً في عدة وجمع ، فاستأذنتهم في التسليم عليه والتوديع له ، فأذنوا لي ، فدخلت عليه وهو في قبّة والأقياد في رجليه ، والغل في يديه ، فبكيت وقلت : وددت أنني مكانك ، وأنت سالم . فقال : «يا زهريّ ، أو تظن [ أنّ ] هذا ممّا ترى عليَّ وفي عنقي يحزنني ؟! أما لو شئت ما كان ، فإنّه إن بلغ منك ومن أمثالك ليذكر القبر» .

ثمّ أخرج يده من الغل ، ورجليه من القيد ، وقال : «يا زهريّ ، لاجزت (٢) معهم على ذا منزلين من المدينة» .

فما لبثنا إلّا أربع ليال حتّى قدم الموكّلون به يطلبونه بالمدينة ، فما وجدوه ، وكنت فيمن سألهم عنه ، فقال لي بعضهم : إنّا لنراه

___________________

١ ـ حلية الأولياء ٣ : ١٣٥ ، مناقب ابن شهرآشوب ٤ : ١٣٢ ، كشف الغمة ٢ : ٢٨٨ ، عنه في مدينة المعاجز : ٣٠٨ / ٤٤ .

(١) في ش ، ص ، ع : فأوثقه .

(٢) في هامش ص : لا ذهبت .

٣٥٣

متبوعاً ، إنّه لنازل ونحن حوله نحرسه (١) إذ أصبحنا فما وجدنا في محله إلّا حديده .

فقال الزهريّ : فقدمت بعد ذلك على عبد الملك بن مروان ، فسألني عن عليّ بن الحسين صلوات الله عليهما ، فأخبرته ، فقال لي : إنّه قد جاءني في يوم فقده الأعوان ، فدخل عليَّ فقال : «ما أنا وأنت ؟» قلت : أقم عندي . فقال : «لا أحب» ثمّ خرج ، فو الله لقد امتلأت في ثوبي خيفة .

قال الزهريّ : فقلت : يا أمير المؤمنين ، ليس عليّ بن الحسين حيث تظن ، إنّه مشغول بنفسه . فقال : حبذا شغل مثله ، فنعم ما شغل به .

قال : وكان الزهريّ إذا ذكر عليّ بن الحسين صلوات الله عليه بكى وقال : زين العابدين .

وروى ذلك أبو نعيم الأصفهانيّ الحافظ في كتاب (حلية الأولياء) .

___________________

(١) في ع ، ك ، م ، لا نرقد .

٣٥٤

٤ ـ فصل :

في بيان ظهور آياته في كون النبيّ معه

وفيه : حديث واحد

٢٩٤ / ١ ـ عن الباقر عليه السلام ، قال : «واصل (١) أبي عليه السلام ثلاثة أيّام ولياليهن ، فلمّا كان في اليوم الرابع قيل له : لو طعمت شيئاً . فقال : إنّ النبيّ (ص) كان عندي فسقاني لبناً» .

قال : «فشكّ بعض من كان عنده ، فعلم صلوات الله عليه وآله بذلك ، فدعا بطشت فتقيأ فيه لبناً» .

___________________

١ ـ عنه في مدينة المعاجز : ٣١٩ / ٩٣ .

(١) واصل : أي صام ثلاثة أيام لم يأكل فيها شيئاً . «النهاية ٥ : ١٩٣» .

٣٥٥

٥ ـ فصل :

في بيان ظهور آياته فيما صلّى عليه أهل السماوات والأرض

وفيه : حديث واحد

٢٩٥ / ١ ـ عن الزهريّ ، عن سعيد بن المسيّب ؛ وعبد الرزاق ، عن معمر ، عن عليّ بن زيد ، قال : قلت لسعيد بن المسيّب : إنّك أخبرتني أنّ عليّ بن الحسين صلوات الله عليهما النفس الزكيّة ، وإنّك لا تعرف (١) له نظيراً . قال : كذلك ، وما هو مجهول ما أقول فيه ، والله ما رؤي مثله .

قال عليّ بن زيد : فقلت له : والله إنّ هذه الحجة لوكيدة يا سعيد ، فلِمَ لم تصل على جنازته .

قال : سمعته يقول : أخبرني أبي أبو عبد الله الحسين ، عن أبيه ، عن النبيّ (ص) ، عن جبرئيل ، عن الله تعالى أنّه قال : «ما من عبد من عبادي آمن بي ، وصدّق بك ، وصلّى في مسجدك ركعتين على خلاءٍ من الناس ، إلّا غفرت له ما تقدم من ذنبه وما تأخر . فلم أر شاهداً أفضل من عليّ بن الحسين ، حيث حدَّثني بهذا الحديث ، فلمّا أن مات شهد جنازته البر والفاجر ، وأثنى عليه الصالح والطالح وانهال الناس

___________________

١ ـ اختيار معرفة الرجال : ١٦٦ / ١٨٦ ، ١٨٨ ، مناقب ابن شهراشوب ٤ : ١٣٤ ، عنه في مدينة المعاجز : ٣٠٨ / ٤٥ .

(١) في ش ، ص : لا تعلم .

٣٥٦

يتبعونه ، حتّى وضعت الجنازة ، فقلت : إن أدركت الركعتين يوماً من الدهر فاليوم ، فلم يبق رجل ولا امرأة ، ثمّ خرجنا إلى الجنازة ، فوثبت لأصلّي ، فجاء تكبير من السماء ، فأجابه تكبير من الأرض ، ففزعت وسقطت على وجهي ، فكبّر مَن في السماء سبعاً ، وكبّر من في الأرض سبعاً ، وصلّوا على عليّ بن الحسين صلوات الله عليهما ، ودخل الناس المسجد فلم أدرك الركعتين ولا الصلاة عليه ، إنّ هذا لهو الخسران المبين .

قال : فبكى سعيد ، وقال : ما أردت إلّا خيراً ، ليتني كنت صلّيت عليه ، فإنّه ما رؤي مثله .

٣٥٧

٦ ـ فصل :

في بيان ظهور آياته في طاعة الوحش له والتماسهم منه الحاجة

وفيه : حديثان

٢٩٦ / ١ ـ عن أبي خديجة ، عن أبي عبد الله عليه السلام ، قال : «كان عليّ بن الحسين صلوات الله عليهما مع أصحابه في طريق مكّة فمرّ به (١) ثعلب وهم يتغدون .

فقال لهم عليّ بن الحسين : هل لكم أن تعطوني موثقاً من الله لا تهيجون هذا الثعلب فأدعوه فيجيبني ؟ فحلفوا له ، فقال : يا ثعلب ، أنت آمن فجاء حتّى أقعى (٢) بين يديه ، فطرح إليه عُراقاً (٣) فولّى به فأكله .

ثمّ قال : هل لكم أن تعطوني أيضاً موثقاً من الله فأدعوه أيضاً فيجيبني ؟ فحلفوا له (٤) ، فقال : يا ثعلب ، أنت آمن . فجاء حتّى أقعى بين يديه ، فكلح (٥) له رجل في وجهه ، فخرج يعدو ، فقال صلوات الله

___________________

١ ـ بصائر الدرجات : ٣٦٩ / ٧ ، الاختصاص : ٢٩٧ ، مناقب ابن شهراشوب ٤ : ١٤١ .

(١) في ر ، ك ، م : فهمهم .

(٢) أقعىٰ : أي جلس على استه . «لسان العرب ـ قعا ـ ١٥ : ١٩٢» .

(٣) العراق : العظم من غير لحم . «لسان العرب ـ عرق ـ ١٠ : ٢٤٤» .

(٤) في م : فاعطوه .

(٥) زاد في ر : فأعطوه فجاء ، وكلح : أي عبس وتكبر . «لسان العرب ـ كلح ـ ٣ : ٥٧٤» .

٣٥٨

عليه : وأيّكم الذي خفر (١) ذمّتي ؟ فأخبره الرجل ، ثمّ استغفر الله وسكت» .

٢٩٧ / ٢ ـ عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه ، عن أبي جعفر عليه السلام ، قال : «بينما عليّ بن الحسين صلوات الله عليهما مع أصحابه إذ أقبلت ظبية من الصحراء حتّى قامت حذاءه وحمحمت ، فقال بعض القوم : يا ابن رسول الله ، ما تقول هذه الظبية ؟ قال : تزعم أن فلاناً القرشيّ أخذ خشفها بالأمس ، وأنّها لم ترضعه من الأمس شيئاً ، فبعث إليه عليّ بن الحسين أن أرسل إليّ بالخشف ، فبعث به إليه ، فلمّا أن رأته حمحمت وضربت بيدها ، ثمّ رجع» .

قال : «فوهبه عليّ بن الحسين لها ، وكلّمها بكلام نحو كلامها ، فحمحمت وضربت بيدها ، وانطلقت والخشف معها ، فقالوا : يا ابن رسول الله ، ما الذي قالت ؟ قال : دعت الله لكم وجزتكم خيراً» .

قال مصنف هذا الكتاب رضي الله عنه : إنّ الله تعالى ألهم البهائم تعظيم قدرهم ليتنبّه الناس على عظم أقدارهم وشرف آثارهم عند الله تعالى .

___________________

(١) خفر : أي نقض العهد . «لسان العرب ـ خفر ـ ٤ : ٢٥٣» .

٢ ـ بصائر الدرجات : ٣٥ / ١٠ الاختصاص : ٢٩٢ ، دلائل الإِمامة : ٨٩ ، الخرائج والجرائح ١ : ٢٥٩ ، مناقب ابن شهراشوب ٤ : ١٤٠ ، كشف الغمة ٢ : ١٠٩ ، الصراط المستقيم ٢ : ١٨٠ / ٤ ، الهداية الكبرىٰ : ٢١٥ .

٣٥٩

٧ ـ فصل :

في بيان ظهور آياته من الإِخبار بالغائبات

وفيه : خمسة أحاديث

٢٩٨ / ١ ـ عن عبد الله بن عطاء التميميّ ، قال : كنت مع عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب صلوات الله عليهم في المسجد ، فمرّ عمر بن عبد العزيز وعليه نعلان شراكهما فضّة ، وكان من أخرق (١) الناس ، وهو شاب ، فنظر إليه عليّ بن الحسين زين العابدين عليه السلام وقال : «يا عبد الله ، أترى هذا المترف ، إنّه لن يموت حتّى يلي الناس» .

قلت : «إنّا لله وإنّا إليه راجعون ، هذا الفاسق ؟! قال : «نعم ، ولا يلبث إلّا يسيراً حتّى يموت ، فإذا مات لعنه أهل السماء ، واستغفر له أهل الأرض» .

٢٩٩ / ٢ ـ عن أبي الجارود ، عن أبي جعفر صلوات الله عليه ، قال : «لمّا دخل كنكر الكابلي على عليّ بن الحسين صلوات الله

___________________

١ ـ دلائل الإِمامة : ٨٨ ، مناقب ابن شهراشوب ٤ : ١٤٣ .

(١) في م : أدق ، وفي ش ، ص : أحمق .

٢ ـ رجال الكشي : ١٢٠ / ١٩٢ ، الخرائج والجرائح ١ : ٢٦٢ ، قطعة منه ، مناقب ابن شهراشوب ٤ : ١٤٧ ، نحوه ، أعلام الورىٰ : ٢٥٩ ، الهداية الكبرىٰ : ٢٢١ ، مدينة المعاجز : ٣١٦ / ٨٢ ، عن كتابنا .

٣٦٠