الثّاقب في المناقب

عماد الدين أبي جعفر محمّد بن علي الطوسي [ ابن حمزة ]

الثّاقب في المناقب

المؤلف:

عماد الدين أبي جعفر محمّد بن علي الطوسي [ ابن حمزة ]


المحقق: الشيخ نبيل رضا علوان
الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة أنصاريان للطباعة والنشر
المطبعة: مطبعة القدس
الطبعة: ٤
ISBN: 978-964-438-681-7
الصفحات: ٧٠١

وجهي ، فقال : لا عليك قد أدّيت ما سمعت . فما عدت إليه حتّى نزل به ما حدّثت به .

وفي الحديث عدّة آيات .

٩٣ / ٢ ـ عن عليّ عليه السلام ، قال : «كان رسول الله (ص) يخبر أهل مكّة بأسرارهم ، حتّى لا يبقى (١) منها شيء .

منها أنّ عمير بن وهب أتى المدينة وقال : جئت في فكاك ابني .

فقال (ص) : كذبت ، بل قلت لصفوان وقد اجتمعتم بالحطيم ، وقد ذكر صفوان قتلىٰ بدر وقال : والله الموت خير من البقاء ، مع ما صنع بنا ، وهل حياة بعد أهل القليب ؟! فقلت : لولا عيال ودَين لأرحتك من محمّد .

فقال صفوان : عليَّ أن أقضي دينك ، وأجعل بناتك مع بناتي ، يصيبهنّ ما أصابهنَّ من خير أو شر . فقلت أنت : فاكتمها عليَّ ، وجهزني حتّى أذهب وأقتله فجئت لتقتلني .

فقال : صدقت يا رسول الله ، وأنا أشهد أن لا إله إلا الله ، وأنّك رسول الله .

٩٤ / ٣ ـ وعنه عليه السلام مجملاً ، وعن ابن شهاب مفصلاً ، قال : إنّ رسول الله (ص) لمّا بعث الجيش إلى مؤتة ، كان ذات يوم

___________________

٢ ـ الاحتجاج : ٢٢٥ .

(١) في ص : لا يترك ، وفي ر : يسقى .

(٢) في هامش ص : وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وأنّك نبيّ حقّ .

٣ ـ البداية والنهاية ٤ : ٢٤١ ـ ٢٤٧ مثله ، تاريخ الطبري ٣ : ٢٣ ، طبقات ابن سعد ٢ : ١٢٨ ، مغازي الواقدي ٢ : ٧٦١ ، ٧٦٢ بسند آخر ، سيرة ابن هشام ٤ : ١٥ ، دلائل النبوة ٤ : ٣٥٨ ، ٣٧٥ ، الخرائج والجرائح ١ : ١٦٦ / ٢٥٦ .

١٠١

على المنبر ، فنظر إلى معركتهم فقال (ص) : «أخذ الراية زيد بن حارثة ، فجاءه الشيطان فحبب إليه الحياة الدنيا ، فقال : حين استحكم الإِيمان في قلوب المؤمنين ، تحبّب إليّ الدنيا ؟! فمضى قدماً حتّى استشهد رضي الله عنه» فقال (ص) : «استغفروا له ، ودخل الجنّة وهو يسعى (١) .

ثمّ أخذ الراية جعفر بن أبي طالب فجاءه الشيطان فمنّاه الحياة ، وكرّه إليه الموت ، فقال : الآن حين استحكم الإِيمان في قلوب المؤمنين تمنيني الدنيا ؟! ثمّ مضى قدماً حتّى استشهد» فصلَّى عليه ، ودعا له .

ثم قال : «استغفروا لأخيكم جعفر فإنّه شهيد ، لقد دخل الجنّة ، وهو يطير بجناحين من ياقوت حيث يشاء في الجنّة .

ثمّ أخذ الراية بعده عبد الله بن رواحة ، فاستشهد ، ثمّ دخل الجنّة معترضاً» فشقّ ذلك على الأنصار ، فقيل : يا رسول الله ، ما اعترضه ؟

فقال : «لمّا أصابه الجرح نكل (٢) ، فغابت نفسه ، فشجع ، فدخل الجنّة» فسري عن قومه .

ثمّ ورد على ابن مُنْيَه (٣) ، فقال (ص) : «إن شئت أخبرتك ، وإن شئت أخبرني» . فقال : بل أخبرني يا رسول الله فأخبره خبره كلّه قال : وإنّك والَّذي بعثك بالحقّ ، ما تركت من حديثهم حرفاً لم تذكره . فقال (ص) : «إنّ الله رفع لي الأرض حتّى رأيت معركتهم (٤)» .

___________________

(١) في م : يسقى ، وفي ك : سيفي .

(٢) في ر : زيادة فدخل النار .

(٣) وهو : يعلىٰ بن أمية ، ومنية أمّه ، انظر «البداية والنهاية لابن كثير ٤ : ٢٤٧» .

(٤) في م : معركتكم .

١٠٢

٩٥ / ٤ ـ عن عليّ عليه السلام ، قال : «قال النبيّ (ص) ذات يوم : يأتيني غداً تسعة نفر (١) من حضرموت ، فيسلم منهم ستة نفر ، ولا يسلم ثلاثة .

فوقع في قلوب أناس كثير ، فقلت أنا أصدّق الله ورسوله : هو كما قلت يا رسول الله .

فقال : أنت الصدّيق الأكبر ، ويعسوب المؤمنين ، وإمامهم ترى ما أرى ، وتعلم ما أعلم ، وأنت أول المؤمنين إيماناً ، ولذلك خلقك ونزع منك الشك والضلال ، وأنت الهادي الثاني ، والوزير الصادق .

فلمّا أصبح رسول الله (ص) وقعد في مجلسه وأنا عن يمينه ، أقبل تسعة رهط من حضرموت ، حتّى دنوا منه (ص) ، فسلّموا عليه ، فردّ عليهم السلام ، فقالوا : يا محمد ، اعرض علينا الإِسلام . فعرض عليهم ، فأسلم الستة ولم يسلم ثلاثة ، وانصرفوا .

فقال رسول الله (ص) للثلاثة : أمّا أنت يا فلان فستموت بصاعقة من السماء ، وأما أنت يا فلان فيضربك أفعى في موضع كذا وكذا ، وأما أنت يا فلان فإنّك تخرج في طلب إبلك فيستقبلك أناس من كذا فيقتلونك .

فوقع في قلوب كثير من الناس ، فقلت : صدق الله ورسوله ، لا يتقدمون ولا يتأخرون عمّا قلت فقال (ص) : صدّق الله قولك ، ولا زلت صدوقاً .

فأتى لذلك ما أتى ، فأقبل الستة الذين أسلموا فوقفوا على رسول الله (ص) ، فقال لهم : ما فعل أصحابكم ؟ فقالوا : والَّذي بعثك بالحقّ نبيّاً ما جاوزوا ما قلت ، وكلٌّ مات بما قلت ، وإنّا جئناك لنجدّد

___________________

٤ ـ كشف اليقين : ١٩٦ .

(١) في ص ، ع : رهط .

١٠٣

الإِسلام ، ونشهد أنك رسول الله ، وأنك الأمين على الأحياء والأموات» .

٩٦ / ٥ ـ وعنه عليه السلام ، قال : «كنت صاحب رسول الله (ص) يوم أقبل أبو جهل ـ لعنه الله ـ وهو يقول : ألست تزعم أنّك نبيّ مرسل ، وأنّك تعلم الغيب ، وأنّ ربّك يخبرك بما تفعله ، هل تخبرني بشيء فعلته لم يطّلع عليه بشر ؟

فقال (ص) : لأخبرنّك بما فعلته ، ولم يكن معك أحد ، الذهب الَّذي دفنته في بيتك في موضع كذا وكذا ، ونكاحك سودة ، هل كان ما قلت ؟ فأنكر ، فقال (ص) : لئن لم تقر لأظهرنّ ذلك .

فعلم أنه سيظهره فقال : قد علمت أنّ معك رجل من الجنّ يخبرك بجميع ما نفعله ، فأمّا أنا فلا لا أقول إنّك نبيّ أبداً .

فقال (ص) : لأقتلنك ، ولأقتلنّ شيبة ، ولأقتلنّ عتبة ، ولأقتلنّ الوليد بن عتبة ، ولأقتلنّ أشراركم ، ولأقطعنّ دابركم ودابر مخزوم ، ولأوطينّ الخيل بلادكم ، ولآخذنّ مكّة عنوة ، ولتديننّ لي الدنيا شرقها وغربها ، وليعاديني قوم من قريش يكونوا طلقاي ، وطلقاء هذا وذريّتي يمتّعهم الله إلى حين ، والعاقبة بالنصر لرجل من ذرّيتي .

فتولى عنّا أبو جهل عليه اللعنة وهو كالمستهزئ ، ففعل الله بهم ذلك» .

٩٧ / ٦ ـ عن جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنه قال : قال

___________________

٥ ـ . . .

٦ ـ أمالي الصدوق : ٢٨٩ / ٩ ، علل الشرائع : ٢٣٣ ، الاختصاص : ٥٦ ، الكافي مسنداً ، ١ : ٤٦٩ ، كفاية الأثر : ٥٣ ـ ٥٦ ، الخرائج والجرائح ١ : ٢٧٩ / ١٢ ، اعلام الورى : ٢٦٨ قطعة منه ، حلية الأبرار ٢ : ٩٣ ، وذكره المامقاني في رجاله ١ : ٢٧٦ / ٢٤٣٤ في ترجمة الحسن .

١٠٤

لي رسول الله (ص) : «إنّك ستبقى حتّى تلقى ولدي محمّد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب عليهم السلام ، المعروف في التوراة بالباقر ، فإذا لقيته فاقرأه منّي السلام» .

قال الراوي : فدخل جابر على عليّ بن الحسين زين العابدين عليهما السلام فوجد محمّد بن عليّ عنده غلاماً ، فقال : يا غلام أقبل . فأقبل ، ثمّ قال : أدبر . فأدبر فقال جابر : شمائل رسول الله (ص) وربّ الكعبة .

ثمّ أقبل على عليّ بن الحسين عليه السلام فقال له : من هذا ؟ فقال : «هذا ابني ، وصاحب الأمر من بعدي : محمّد الباقر» .

فقام جابر فوقع على قدميه يقبلهما ويقول : نفسي لنفسك الفداء يا ابن رسول الله اقبل سلام أبيك ، إن رسول الله (ص) يقرئك السلام .

قال : فدمعت عينا أبي جعفر عليه السلام وقال : «يا جابر وعلى أبي رسول الله (ص) السلام ما دامت السماوات والأرض ، وعليك يا جابر بما بلّغت» .

ومنها : ما أخبر به أبا اليقظان عمّار بن ياسر رضي الله عنه بقوله (ص) : «ستقتلك الفئة الباغية ، وآخر زادك ضياح من لبن» (١) .

ومنها : ما أخبر به أمير المؤمنين عليه السلام أنه سيقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين (٢) .

___________________

(١) مسند أحمد بن حنبل ٢ : ١٦١ ، ١٦٤ ، ٢٠٦ ، و ٣ : ٥ ، ٢٢ ، ٢٨ ، ٩١ و ٤ : ١٩٧ ، ١٩٩ و ٥ : ٢١٤ ، ٣٠٦ ، ٣٠٧ ، و ٦ : ٢٨٩ ، ٣٠٠ ، ٣١١ ، ٣١٥ ، صحيح البخاري ١ : ١٢٢ ، صحيح مسلم ٤ : ٢٢٣٥ / ٧٠ ، ٧٢ ، ٧٣ ، إعلام الورى : ٤٢ مثله بأسانيد مختلفة .

(٢) مناقب ابن شهراشوب : ١ : ١٠٩ ، إعلام الورى : ٤٣ .

١٠٥

ومنها : ما أخبره أنّه يموت قتلاً ، ضرباً على رأسه (١) .

ومنها : ما أخبر بقتل الحسين عليه السلام ، ووضع تربته عند أمّ سلمة رضي الله عنها وقال : «إذا صار هذا دماً عبيطاً فاعلمي أنّ ابني الحسين قد قتلوه» (٢) .

ومنها : ما أخبر بقتل عمر بن الخطّاب ، وعثمان بن عفّان (٣) .

ومنها : ما أخبر أن معاوية سيطلب الإِمارة (٤) .

ومنها : ما أخبر بخبر بني أميّة (٥) .

ومنها : ما أخبر بملك ولد العبّاس ، وأمثال ذلك لا يحصى كثرة ، فإنّما اقتصرنا على هذا المقدار لأنّ استيفاء آياته لا يمكن أن تحصى (٦) .

___________________

(١) عيون أخبار الرضا عليه السلام ١ : ٥٢ / ١٩ .

(٢) الخصائص الكبرى ٢ : ٢١٢ ، ذخائر العقبى ١٤٦ ، الصواعق المحرقة : ١٩٣ ، احقاق الحق ١١ : ٣٦٠ .

(٣) مدينة المعاجز : ١٣٣ ، إلّا أنّ فيه إخباره عن قتل عمر ، الخصائص الكبرى ٢ : ٢٠٨ في قتل عثمان .

(٤) الخصائص الكبرى ٢ : ١٩٨ ـ ١٩٩ .

(٥) الخصائص الكبرى ٢ : ٢٠٠ .

(٦) الخصائص الكبرى ٢ : ٢٠٢ .

١٠٦

١٥ ـ فصل :

في بيان ظهور آياته في معان (*) شتى

وفيه : أربعة عشر حديثاً

٩٨ / ١ ـ أبو أمامة الباهلي ، قال : إنّ رسول الله (ص) بعث إلى الملوك رسلاً فأنطقهم الله بلسان من أرسل إليه .

٩٩ / ٢ ـ عن المعلّى بن خنيس ، عن الصادق عليه السلام ، قال : «إنّ رسول الله (ص) أنفذ دحية الكلبيّ إلى قيصر ملك الروم ، فتفل في فيه ، فتكلم بالرومية .

ولمّا أنفذ عبد الله بن جحش إلى كسرى تفل في فيه فتكلم بالفارسية الدريّة» .

١٠٠ / ٣ ـ عن أبي أمامة الباهلي ، قال : أُتي للنبي (ص) بطعام ، فأمر به فوضع على الأرض فجثا على ركبتيه ، ووضع إحدى قدميه على

___________________

(*) في ع : من آيات

١ ـ الخصائص الكبرى ٢ : ٣ بسند آخر

٢ ـ . . . .

٣ ـ المحاسن : ٤٥٧ / ٣٨٨ ، الكافي ٦ : ٢٧١ / ٢ ، مكارم الأخلاق : ١٦ نحوه ، مناقب ابن شهراشوب : ١ : ١١٨ قطعة منه .

١٠٧

الأخرى ، وأقبل يأكل ، فدخلت امرأة برزة (١) مزّاحة فقالت : يا محمّد ، تأكل كما يأكل العبيد ! فقال : «أي عبد أعبد من محمّد ، اجلسي» .

فقالت : أنا والله لا آكل إلّا ما ناولتني . فناولها ، فقالت : إلّا الذي في فيك . فأخرجها ، فناولها إيّاها ، فابتعلتها ، فصبّ الله عليها الحياء ، فما رؤيت ممازحة بعد ذلك أبداً .

١٠١ / ٤ ـ عن إسماعيل بن عمّار ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : «مرّ رسول الله (ص) بجابر بن عبد الله الأنصاريّ رضي الله عنه ، فقال : يا جابر ألا تسير ؟ فقال : يا رسول الله إن بكري (٢) ضعيف ، ولا يستطيع أن يسير سير الرواحل ، وإنّما أخرجته من النضح حين خرجت .

قال : فغمز رسول الله (ص) [ أصل ] (٣) ذنب بكره بمحجن (٤) معه في يده ، وهو يقول : اللّهم احمله ، اللهمّ احمله» .

قال أبو عبد الله عليه السلام : «وكان جابر بن عبد الله يحلف بالله ليسبق الناس حتّى رجعت ، وجعل يسير بين يدي الإِبل» .

١٠٢ / ٥ ـ عن عكرمة ، عن ابن عباس ، قال : كان سراقة بن

___________________

(١) البرزة من النساء : التي لا تحتجب احتجاب الشواب ، وهي مع ذلك عفيفة عاقلة تجلس للناس وتحدثهم «مجمع البحرين ـ برز ـ ٤ : ٧» .

٤ ـ الخرائج والجرائح ١ : ١٥٨ / ٢٤٧ ، نحوه كنز العمال ١٢ : ٣٦٩ / ٣٥٣٨٤ .

(٢) البكر : الفتي من الإِبل ، والأنثى : بكرة «مجمع البحرين ـ بكر ـ ٣ : ٢٢٩» .

(٣) من نسخة ر .

(٤) في ر ، م ، ك ، ص : بحجر ، والمحجن : عصا معقفة الرأس «النهاية ـ حجن ـ ١ : ٣٤٧»

٥ ـ الخرائج والجرائح ١ : ٢٣ / ١ ، وابن شهراشوب في المناقب ١ : ٧١ ، إعلام الورىٰ : ٣٣ ، الطبقات الكبرىٰ ١ : ٢٣٢ ، الكامل في التاريخ ٢ : ١٠٥ .

١٠٨

جعشم المدلجي قريباً من قريش في ناحية مكّة ، فأتاه رجل فقال : يا سراقة ، لقد رأيت ركباناً ثلاثة قد مرّوا . فقال سراقة : ينبغي أن يكون هذا محمّد ، لأتخذن عند قريش يداً .

فركب فرسه وأخذ رمحه ، وكانت قريش قد بعثت الرجال في كلّ طريق ، والفرسان والنجائب ، وخرج منهم جماعة على طريق المدينة ، فلمّا لحق سراقة برسول الله (ص) ، قال أبو بكر : هذا فارس قد غشينا .

فقال (ص) : «اللَّهم اكفه عنّا» فارتطم فرسه في الأرض ، وعلم سراقة أنّه من صنع الله تعالى ، فنادى رسول الله (ص) فقال : يا محمّد ، ادع الله أن يخلصني ، فوالله لأردّنّ عنك قريشاً .

فقال النبيّ (ص) : «اللَّهم إن كان صادقاً فخلّصه» فوثب فرسه ، فلحق سراقة برسول الله (ص) ، وقال : يا محمّد ، خذ سهماً من كنانتي ، فإنك تمر براع لي (١) فخذ ما شئت من حملان (٢) وغنم فقال (ص) : «لا حاجة لنا إلى ذلك» .

وفي الحديث طول .

١٠٣ / ٦ ـ عن عليّ عليه السلام ، قال : «إنّ رجلاً كان يطلب أبا جهل بدين ، ثمن جزور قد اشتراه منه ، واشتغل عنه وجلس يشرب ، فطلبه الرجل فلم يقدر عليه» فقال بعض المستهزئين : ممّن تطلب ؟ قال : من عمرو بن هشام ، فلي عليه دين .

قال : أفأدلك على من يستخرج الحقوق ؟ قال : نعم . فدلّه على

___________________

(١) في ر ، ك ، م : برعاتي .

(٢) الحملان : مفردها الحمل : الخروف ، وقيل هو من ولد الضأن الجذع فما دونه «لسان العرب ـ حمل ـ ١١ : ١٨١» .

٦ ـ الخرائج والجرائح ١ : ٢٤ ، وابن شهراشوب في مناقبه ١ : ١٢٩ ، ١٣٠ ، وإعلام الورى : ٢٩ مثله .

١٠٩

النبيّ (ص) ، وكان أبو جهل يقول : ليت لمحمّد إليَّ حاجة فأسخر به ، وأردّه .

فأتى رسول الله (ص) وقال له : يا محمّد ، قد بلغني أن بينك وبين عمرو بن هشام حساباً ، فاستشفع بك إليه (١) .

فقام رسول الله (ص) معه فأتاه ، وقال له : «قم يا أبا جهل وأد للرجل حقّه» وإنّما كنّاه أبا جهل ذلك اليوم ، فقام مسرعاً حتّى أدّى إليه حقّه ، فلمّا رجع ، قال له بعض أصحابه : فعلت ذلك فرقاً من محمّد .

قال : ويحكم اعذروني ، إنّه لمّا أقبل رأيت عن يمينه رجالاً بأيديهم حرابُ تلألأ ، وعن يساره ثعبانين تصطك أنيابهما ، وتلمع النيران من أبصارهما ، لو امتنعت لم آمن أن يبعجوا بالحراب بطني ، ويقضمني الثعبانان .

١٠٤ / ٧ ـ وعنه عليه السلام «إنَّ أبا جهل قال يوماً : أنا أقتل محمّداً ، ولو (٢) شاءت بنو عبد المطّلب قتلوني به ، قالوا : إنّك إن فعلت ذلك اصطنعت إلى أهل الوادي معروفاً لا تزال تذكر به .

قال : إنّه لكثير السجود حول الكعبة ، فإذا جاء وسجد أخذت حجراً فشدخته به .

فجاء النبيّ (ص) ، وطاف بالبيت سبعاً (٣) ، ثمّ صلّى فأطال في صلاته ، وسجد ، وأطال في سجوده ، فأخذ أبو جهل حجراً وأتاه من قبل رأسه ، فلمّا أن قرب منه ، أقبل عليه فحل من قبل رسول الله (ص) فاغراً فاه ، فلمّا رآه أبو جهل فزع وارتعدت يده ، وطرح الحجر فشدخ

___________________

(١) في ر : عليه .

٧ ـ الخرائج والجرائح ١ : ٢٤ ، إعلام الورى : ٢٩ مثله .

(٢) في ر : وإن .

(٣) في ر : أسبوعاً .

١١٠

رجله (١) ، فرجع مدمياً (٢) ، متغيراً لونه ، يفيض عرقاً ، فقال أصحابه : ما رأيناك اليوم .

قال : ويحكم اعذروني فإنّه أقبل من عنده فحل فاغر فاه يكاد يبتلعني ، فرميت الحجر ، فشدخت رجلي» .

١٠٥ / ٨ ـ سعيد بن عبد الرحمن الجحشي (٣) قال : قال لي عمر بن عبد العزيز : أبلغك أنّ رسول الله (ص) أعطى عبد الله بن جحش يوم أحد عسيباً من النخل فصار في يده سيفاً ؟ قلت : نعم ، حدّثني بذلك آبائي . أو قال : أشياخنا ، الشكّ من الراوي .

١٠٦ / ٩ ـ عن العبّاس بن عبد المطّلب ، قال : قلت : يا رسول الله ، دعاني إلى الدخول في دينك أمارة لنبوتك : قالت أمّك : رأتك في المهد تناغي القمر (٤) ، وتشير إليه بأصبعك ، فحيث أشرت إليه يذهب إليه .

قال (ص) : «كنت أحدّثه ويحدّثني ، ويلهيني عن البكاء ، وأسمع وجبته (٥) [ حين ] يسجد تحت العرش» .

١٠٧ / ١٠ ـ عن هند بنت الجون ، قالت : لمّا نزل رسول

___________________

(١) في ر : رجليه .

(٢) في ر ، ك : مذموماً .

٨ ـ دلائل النبوة ٣ : ٢٥٠ ، مسنداً مع اختلاف يسير .

(٣) في ع ، ش : الحجمي ، وفي ك : اللجني ، وفي ع : اللحني ، وما أثبتناه من المصدر ، راجع «تهذيب الكمال ١٠ : ٥٢٥ ، تاريخ البخاري ٢ : ٤٩٢ / ١٦٤٣ ، والجرح والتعديل ٤ : ٣٩ / ١٧٠» .

٩ ـ سيرة ابن كثير ١ : ٢١١ .

(٤) في جميع النسخ وردت : القسم ، وما أثبتناه من المصدر .

(٥) الوجبة : الصوت . «النهاية ٥ : ١٥٤» .

١٠ ـ مناقب ابن شهراشوب ١ : ١٢٢ ، كشف الغمة ١ : ٢٥ .

١١١

الله (ص) بخيمة أمّ معبد ، توضّأ للصلاة ، ومجّ ماءً في فيه على عوسجة يابسة ، فاخضرّت وأنارت (١) ، وظهر لي خضر ورقها ، وحسن حملها ، وكنا نتبرك بها ، ونستشفي بها للمرضى .

فلمّا توفي رسول الله (ص) ذهبت بهجتها ونضارتها .

فلمّا قتل أمير المؤمنين عليه السلام انقطع ثمرها .

فلمّا كان بعد مدّة طويلة أصبحنا يوماً وإذا بها قد انبعث من ساقها دم عبيط ، وورقها ذابل يقطر منه مثل ماء اللحم ، فعلمنا أنه حدث حدثٌ عظيم ، فبتنا ليلتنا مهمومين فزعين نتوقع الداهية .

فلمّا أظلم الليل علينا سمعنا بكاءً وعويلاً من تحتها ووجبة شديدة وضجّة ورجّة ، وصوت باكية تقول : يا ابن النبيّ ، يا ابن الوصيّ ، ويا ابن البتول ، ويا بقيّة السادة الأكرمين . ثمّ كثرت الرنّات والأصوات ، ولم أفهم كثيراً ممّا يقولون ، فأتانا بعد ذلك قتل الحسين عليه السلام ، ويبست الشجرة ، وجفّت ، وذهب أثرها .

١٠٨ / ١١ ـ وعن عروة بن أبي الجعد البارقيّ ، قال : قدم جلب (٢) فأعطاني النبيّ (ص) ديناراً وقال : «اشتر بها شاة» فاشتريت شاتين بدينار ، فلحقني رجل ، فبعت إحداهما منه بدينار ، ثمّ أتيت النبيّ (ص) بشاة ودينار ، فردّه عليَّ وقال : «بارك الله لك في صفقة يمينك» ولقد كنت أقوم [ بعد ذلك ] بالكناسة ـ أو قال بالكوفة ـ فأربح في اليوم أربعين ألفاً .

___________________

(١) أنارت : أي أخرجت النور ، وهو الورد الأبيض . «لسان العرب ـ نور ـ ٥ : ٢٤٣» .

١١ ـ مسند أحمد بن حنبل ٤ : ٣٧٦ ، سنن الدار قطني ٣ : ١٠ / ٢٩ ، سنن الترمذي ٣ : ٥٥٩ / ١٢٥٨ .

(٢) جلب : أي ما يجلب من البضاعة من بلد إلى بلد «لسان العرب ـ جلب ـ ١ : ٢٦٨» .

١١٢

١٠٩ / ١٢ ـ عن عبد الرحمن بن أبي ليلى ، قال : خرج علينا أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام في يوم جمعة وقد راح الناس في الأزر والأردية ، وراح في ثياب كثاف (١) ، فخطب ، ثمّ صلّى ودخل .

ثمّ إنّ الناس وثبوا فراحوا في الأكسية ، والسراويلات ، والطيالسة ، فراح هو في ثوبين ، ثمّ دعا بماء وهو على المنبر فشرب ، فنظرت إلى العرق يرشح من جبينه .

قال : ثمّ نزل ، فصلّى ، ودخل ، فذكرت ذلك لأبي فقلت : هل رأيت من أمير المؤمنين ما رأيت ؟! قال : لا .

ودخل عليه أبو ليلى وسأله ، قال : فقال : «يا أبا ليلى ، أما بلغك ما قال رسول الله (ص) وقد دعاني يوم خيبر ، وأنا أرمد ، فجئت أتهادى بين رجلين ، فتفل في راحته ، ثمّ ألصقها بعيني ، ثمّ قال : اذهب اللّهم عنه الحر والبرد والرمد ؟! فوالله ما وجدت حرّاً ، ولا برداً ، ولا رمداً ، حتّى الساعة ، ولا أجدها حتّى أموت» .

١١٠ / ١٣ ـ عن أبي عبد الرحمن الفهري (٢) قال : كنت مع النبيّ (ص) في غزوة حنين ، فسرنا في يوم قائظ شديد الحر ، فنزلنا تحت ظل شجرة ، فلمّا زالت الشمس ، لبست لامتي وركبت فرسي ، وانطلقت إلى رسول الله (ص) وهو في فسطاطه ، فقلت : السلام عليك

___________________

١٢ ـ دلائل النبوة ٤ : ٢١٣ ، نحوه .

(١) في نسخة ر : كتان .

١٣ ـ دلائل النبوة ٥ : ١٤١ باختلاف يسير .

(٢) في ش : المنقي ، وفي ر ، ك : العلقمي ، وفي ص ، ع : القمي ، وما أثبتناه من المصدر ، راجع «الطبقات الكبرىٰ ٥ : ٤٥٥ ، وأسد الغابة ٥ : ٢٤٥ ، البداية والنهاية ٤ : ٣٣٠» .

١١٣

يا رسول الله (١) قد حان الرواح قال : «أجل» فنادى بلالاً من تحت شجرة كأنّ ظلها ظلّ طائر فقال : لبيك وسعديك ، وأنا فداك . فقال : «اسرج فرسي» فأخرج سرجاً دفتاه من ليف ليس فيه أشر ولا بطر ، فركب وركبنا فضاممناهم (٢) عشيتنا .

قال : فلمّا تسامت (٣) الخيلان ولّى المسلمون مدبرين ، كما قال الله تعالى ، فقال رسول الله (ص) : «يا عباد الله أنا عبد الله ورسوله» ثمّ اقتحم (ص) عن فرسه ، وأخذ كفَّاً من تراب فقال : «شاهت الوجوه» فهزمهم الله تعالى .

قال يعلى بن عطاء : أخبرني أولئك ، عن آبائهم ، أنّهم قالوا : لم يبق منا أحد إلّا امتلأت عيناه وفوه تراباً ، وقتلوا ، وسمعنا صلصلة (٤) بين السماء والأرض كإمرار الحديد على الطست الحديد .

١١١ / ١٤ ـ عن شرحبيل بن مسلم الخولاني ، قال : إنّ الأسود بن قيس العنسي بينا هو باليمن فبعث إلى أبي مسلم الخولاني فأتاه ، فقال له : أتشهد أنّي رسول الله ؟ قال : ما أسمع .

قال : فتشهد أن محمّداً رسول الله ؟ قال : نعم . فأمر بنار عظيمة فأججت ثمّ ألقى أبا مسلم الخولاني فيها ، فلم تضرّه ، فقيل للأسود : إنّك إن لم تنف هذا عنك ، أفسد عليك مَن اتّبعك ، فأمره بالرحيل .

___________________

(١) في جميع النسخ ما عدا نسخة ك زيادة : الرواح .

(٢) فضاممناهم : أي اجتمعنا عليهم من مسالك وجهات مختلفة «لسان العرب ـ ضمم ـ ١٢ : ٣٥٨» .

(٣) تسامت : أي تبارت «لسان العرب ـ سما ـ ١٤ : ٣٩٧» .

(٤) الصلصلة : صوت الحديد وهي أشد من الصليل «مجمع البحرين ـ صلصل ـ ٥ : ٤٠٨» .

١٤ ـ سير أعلام النبلاء ٤ : ٨ / ٨ ، باختلاف يسير ، تاريخ ابن عساكر ٧ : ٣١٧ ، مفصلاً ، حلية الأولياء ٢ : ١٢٨ ، البداية والنهاية ٨ : ١٤٩ ، إلى قوله ولم تضره .

١١٤

الباب الثاني

في بيان معجزات الأنبياء التي ذكرها الله تعالى في القرآن وبيان فضائلهم ، وما جعله الله تعالى لأهل بيت نبينا عليه وعليهم السلام مما يضاهيها ويشاكلها ويدانيها

وفيه أحد عشر فصلًا

١١٥
١١٦

١ ـ فصل :

في ذكر آدم

وفيه : اثنا عشر حديثاً

إنّ الله سبحانه وتعالى خلق آدم عليه السلام ، واصطفاه ، وجعله بديع فطرته ، وآية قدرته ، بفضائل إعلاء لقدره وتنويهاً باسمه ، وجعله حجة قبل أن يحتج به عليه ، كما روي عن الصادقين عليهما السلام «الحجّة قبل الخلق ومع الخلق وبعد الخلق» .

وإنّما نذكر فضائله المذكورة في القرآن ، ثمّ نذكر بإزاء كلّ فضيلة فضيلة توازيها ، وبدل كلّ كرامة كرامة لأئمتنا عليهم السلام .

فأوّل فضيلة لآدم عليه السلام أنّ الله سبحانه وتعالى أخبر ملائكته بتعظيم قدره قبل خلقه ، بقوله تعالى : ( إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً (١) ) وهذه الفضيلة في غاية الشرف ، ونهاية الفضل ، حيث أخبر سبحانه وتعالى أنّه يجعل أحداً ينوب عنه في الحكم بين خليقته ، ثمّ كشف عن عظم قدره ورفع شأنه بإخباره عنه لأهل طاعته .

فإنّ الله سبحانه وتعالى أعطى أمير المؤمنين وسيّد الوصيين عليه السلام ما يضاهي ذلك ويوازيه في القدر والنباهة ، وهو ما روته الثقات وحملة الإِثبات ونطقت به الآثار واشتهرت به الأخبار .

___________________

(١) سورة البقرة / الآية : ٣٠ .

١١٧

١١٢ / ١ ـ فعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه ، عن رسول الله (ص) أنه قال : «مكتوب على باب الجنّة : لا إله إلّا الله ، محمّد رسول الله ، وعليّ أخو رسول الله . وذلك قبل أن يخلق الله تعالى السماوات والأرض بألفي عام» .

١١٣ / ٢ ـ وروي أيضاً في المشهور من الأثر ، أنه كتب على قائمة من قوائم عرشه قبل خلق آدم عليه السلام بألفي عام : «لا إله إلّا الله ، محمّد رسول الله ، وأيّدته ونصرته بعليّ بن أبي طالب عليه السلام» .

١١٤ / ٣ ـ وروي عن أبي الحمراء أنّه قال : قال رسول الله (ص) لمّا أسري بي إلى السماء ، رأيت على ساق العرش الأيمن مكتوباً : لا إله إلّا الله ، محمّد رسول الله ، أيدته بعليّ بن أبي طالب عليه السلام ، ونصرته به .

وأمّا الخلافة فإنّ الله سبحانه وتعالى جعل له ذلك على لسان نبيّه محمّد (ص) في مواضع كثيرة ، ومواطن جمة ، كقوله (ص) : «أنت وصيّي في أهلي ، وخليفتي في أمتي» .

وقد أنزل الله سبحانه في المهدي الحجّة الخلف من ولده صلوات الله عليهما : ( وَعَدَ اللَّـهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ

___________________

١ ـ حلية الأولياء ٧ : ٢٥٦ ، تاريخ بغداد ٧ : ٣٨٧ / ٣٩١٩ ، تذكرة الخواص : ٢٢ ، والمغازلي في المناقب : ٩١ ، ميزان الاعتدال : ١ : ٢٦٩ ، لسان الميزان ١ : ٤٥٧ ، ذخائر العقبىٰ : ٦٦ ، مجمع الزوائد ٩ : ١١ ، منتخب كنز العمال ٥ : ٣٥ ، الفردوس للديلمي ٤ : ١٢٣ / ٦٣٨٠ .

٢ ـ الرياض النضرة ٢ : ٢٧٢ ، ذخائر العقبى : ٦٩ ، وابن عساكر في تاريخ دمشق ٢ : ٣٥٣ / ٨٥٧ ، كنز العمال ٥ : ٣٥ ، فرائد السمطين ١ : ٢٣٥ ، المغازلي في مناقبه : ٣٩ / ٦١ .

٣ ـ الرياض النضرة ٢ : ٢٧٢ ، ذخائر العقبى : ٦٩ ، فرائد السمطين : ١ : ٢٣٥ ، كنز العمال ٥ : ٣٥ .

١١٨

لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ) (١) الآية . ومن استخلفه الله تعالى فهو الخليفة .

وفي الآية تنبيه على أنّها ليست فيمن سواهم ، لأنّ من ادعى الخلافة من غيرهم إنّما استخلفه الناس ، واختاره الخلق ، ولم يستخلفه الله تبارك وتعالى ، وقد قال الله عزّ من قائل : ( كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ) (٢) ومن استخلفه الله كان مطهّراً من الأدناس ، متميّزاً بالعصمة من الناس ، وليس ذلك من صفة من تصدّى للأمر .

وقد روي عن آل محمّد (ص) حقيقة ذلك ، فيا لها من مرتبة شريفة ، ومنقبة منيفة ، وفضيلة باهرة ، وحجّة قاهرة .

والثانية : أنه سبحانه وتعالى علّم آدم الأسماء كلّها وألهمه معانيها ، ثمّ قال للملائكة ( أَنبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَـٰؤُلَاءِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ) (٣) فلمّا عجزوا واعترفوا ، قال لآدم عليه السلام ( أَنبَأَهُم بِأَسْمَائِهِمْ ) (٤) فلمّا عرفت الملائكة فضيلته وأيقنوا برتبته ، أمرهم بالسجود تكرمة له ، فأذعن المخلصون وتمرّد من كان من أهل النفاق ، وجحد عناداً ، واستكبر حسداً ، وادعى أنّه خيرٌ منه ، واعتقد في نفسه ما لم يجعله الله له ، فغضب الله عزّ وجل عليه ، فطرده عن بابه ، ووسمه باللعنة ، وأخرجه من جواره ، وأهبطه عن داره ، ومدح من أذعن لأمره ، وانقاد لحكمه بالسجود له بقوله تعالى : ( بَلْ عِبَادٌ مُّكْرَمُونَ * لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُم بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ ) (٥) فميّز الله تعالى به بين المؤمن والمنافق ، والمخلص والمدغل (٦) .

___________________

(١ ، ٢) سورة النور / الآية : ٥٥ .

(٣) سورة البقرة / الآية : ٣١ .

(٤) سورة البقرة / الآية : ٣٣ .

(٥) سورة الأنبياء / الآيتان : ٢٦ ، ٢٧ .

(٦) الدغل : الفساد «لسان العرب ـ دغل ـ ١١ : ٢٤٤» . وفي ر : المدعن ، وهو تصحيف .

١١٩

وقد أعطى الله تعالى أمير المؤمنين عليه السلام ما يماثل هذه الفضائل ويوازيها ، ويقاربها ويدانيها ، وهو أنّ رسول الله (ص) على ما روي في المشهور من الأثر ، والمنقول من الخبر (علّمه ألف باب ، ففتح له من كلّ باب ألف باب (١)) .

وقال (ص) : «أنا مدينة العلم وعليّ بابها» (٢) .

وبيّن صحة ذلك قول أمير المؤمنين عليه السلام : «سلوني عمّا دون العرش» (٣) .

وقوله : «سلوني قبل أن تفقدوني» (٤) .

وقوله : «ما من فئة تضل فئة أو تهدي فئة ، إلا أنبأتكم ـ لو

___________________

(١) بصائر الدرجات : ٣٢٢ ـ باب ١٦ ـ بأسانيد مختلفة ، ابن شهراشوب في المناقب ٢ : ٣٦ ، مثله ، فرائد السمطين ١ : ١٠١ ، تاريخ دمشق ٢ : ٤٨٣ ، مجمع الزوائد ٧ : ٢٣٦ ، الغدير ٣ : ١٢٠ ، كنز العمال ١٥ : ١٠٠ .

(٢) قد تواتر حديث «أنا مدينة العلم وعلي بابها» في كتب العامة والخاصة منها تهذيب التهذيب ٦ : ٣٢٠ ، وفيض القدير ٣ : ٤٦ ، وتاريخ بغداد ٤ : ٢٤٨ بعدة طرق ، والمستدرك على الصحيحين ٣ : ١٢٦ ، ١٢٧ ، وكنز العمال ١١ : ٦٠٠ / ٣٢٨٩٠ ، و ١٣ : ١٤٧ / ٣٦٤٦٣ ، واحقاق الحق وملحقاته ٤ : ٢٧٦ ، ٣٧٧ ، و ٥ : ٥٢ ، ٤٦٩ ، ٥٠١ ، ٥٠٤ ، و ٨ : ١٨٤ ، و ٩ : ١٤٩ ، و ١٦ : ٢٧٧ ـ ٢٩٧ ، ٣٧٧ ، و ٢٠ : ٥٢٥ ، و ٢١ : ٤١٥ ، ٤٢٨ ، والغدير ٦ : ٧٩ ، وعبقات الأنوار مجلد حديث أنا مدينة العلم ، وفضائل الخمسة من الصحاح الستة ٢ : ٢٥٠ ذكر عدة مصادر من العامة .

(٣) بصائر الدرجات : ٢٨٦ ـ باب ٢ .

(٤) أمالي الصدوق : ٢٨٠ / ١ ، التوحيد : ٩٢ / ٦ و ٣٠٤ / ٥ حديث طويل كرر فيه قوله عليه السلام سلوني قبل أن تفقدوني عدة مرات ، الاختصاص : ٢٣٥ ، المناقب ٢ : ٣٨ ، الاحتجاج : ٢٥٨ ، ارشاد القلوب : ٣٧٤ ـ ٣٧٧ .

١٢٠