الثّاقب في المناقب

عماد الدين أبي جعفر محمّد بن علي الطوسي [ ابن حمزة ]

الثّاقب في المناقب

المؤلف:

عماد الدين أبي جعفر محمّد بن علي الطوسي [ ابن حمزة ]


المحقق: الشيخ نبيل رضا علوان
الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة أنصاريان للطباعة والنشر
المطبعة: مطبعة القدس
الطبعة: ٤
ISBN: 978-964-438-681-7
الصفحات: ٧٠١

فقلت : «الله ورسوله أعلم» .

فقال (ص) : «أمّا الهاتف فحبيبي جبرئيل عليه السلام ، وأمّا الإِبريق فمن الجنّة ، وأمّا الماء فثلث من المشرق ، وثلث من المغرب ، وثلث من الجنّة» . فهبط جبرئيل عليه السلام فقال : يا رسول الله ، الله يقرئك السلام ويقول لك : أقرئ عليّاً السلام مني ، وقل : إنّ فضة كانت حائضاً .

فقال النبيّ (ص) : «منه السلام ، وإليه يردّ السلام ، وإليه يعود طيب الكلام» (١) . ثمّ التفت إلى عليّ عليه السلام فقال : «حبيبي عليّ ، هذا جبرئيل أتانا من عند ربّ العالمين ، وهو يقرئك السلام ويقول : إنّ فضة كانت حائضاً . فقال عليّ عليه السلام : «اللَّهمَّ بارك لنا في فضّتنا» .

وآياته عليه السلام أكثر من أن تحصى ، أو يحصرها كتاب ، أو يتضمنها خطاب ، وقد اقتصرنا على القليل مخافة التطويل .

___________________

(١) في م : السلام .

٢٨١
٢٨٢

الباب الرابع

في آيات سيدة النساء فاطمة الزهراء عليها السلام

وفيه ستة فصول

٢٨٣

٢٨٤

١ ـ فصل :

في ذكر آياتها وهي في بطن أمّها

وفيه : حديثان

٢٤٤ / ١ ـ عن مجاهد ، عن ابن عبّاس ، قال : لمّا تزوجت خديجة بنت خويلد ، رسول الله (ص) هجرها نسوان مكّة ، وكنّ لا يكلمنها ، ولا يدخلن عليها ، فلمّا حملت (١) بالزهراء فاطمة عليها السلام كانت إذا خرج رسول الله (ص) من منزلها تكلمها فاطمة الزهراء في بطنها من ظلمة الأحشاء ، وتحدّثها وتؤانسها ، فدخل رسول الله (ص) فقال لها : «يا خديجة من تكلمين ؟» قالت : يا رسول الله ، إنّ الجنين الذي أنا حامل به إذا أنا خلوت به في منزلي كلّمني ، وحدّثني من ظلمة الأحشاء .

فتبسّم رسول الله (ص) ثمّ قال : «يا خديجة ، هذا أخي جبرئيل عليه السلام يخبرني أنّها ابنتي ، وأنّها النسمة الطاهرة المطهّرة ، وأنّ الله تعالى أمرني أن أسمّيها (فاطمة) وسيجعل الله تعالى من ذرّيتها أئمة يهتدي بهم المؤمنون» .

___________________

١ ـ أمالي الصدوق : ٤٧٥ ، المناقب لابن شهراشوب ٣ : ٣٤٠ ، روضة الواعظين : ١٤٣ ، كلها مع اختلاف فيه ، الخرائج والجرائح ٢ : ٥٢٤ / ١ ، دلائل الإِمامة : ٨ ، ينابيع المودة : ١٩٨ ، ملحقات احقاق الحق ١٩ : ٤ ، معالم الزلفى : ٣٩٠ نحوه .

(١) في م : حبلت .

٢٨٥

ففرحت خديجة بذلك ، فلمّا أن حضر وقت ولادتها أرسلت إلى نسوان مكّة أن : يتفضلن ويحضرن ولادتي ليلين منّي ما تلي النساء من النساء ، فأرسلن إليها : يا خديجة ، أنت عصيتنا ولم تقبلي منّا قولنا ، وتزوجت فقيراً لا مال له ، فلسنا نجيء إليك ، ولا نلي منك ما تلي النساء من النساء .

فاغتمّت خديجة رضي الله عنها غمّاً شديداً ، فبينما هي كذلك إذ دخل عليها أربع نسوة كأنّهن من نسوة قريش ، فقالت إحداهن : يا خديجة ، لا تحزني فأنا آسية بنت مزاحم ، وهذه صفيّة (١) بنت شعيب

وفي رواية أخرى : كلثم بنت عمران أخت موسى عليه السلام ـ

وهذه سارة زوجة إبراهيم عليه السلام ، وهذه مريم بنت عمران عليه السلام ؛ وقد بعثنا الله تعالى إليك لنلي منك ما تلي النساء من النساء . وجلسن حولها ، ووضعت الزهراء فاطمة عليها السلام طاهرة ومطهرة .

٢٤٥ / ٢ ـ قال ابن عبّاس : لمّا سقطت فاطمة الزهراء إلى الأرض أزهرت الأرض ، وأشرقت الفلوات ، وأنارت الجبال والربوات ، وهبطت الملائكة إلى الأرض ونشرت أجنحتها في المشرق والمغرب ، وضربت عليها سرادقات وحجب البهاء ، وكنفتها بأظلة السماء ، وغشي أهل مكّة ما غشيهم من النور ، ودخل رسول الله (ص) إلى خديجة وقال : «يا خديجة ، لا تحزني ، إن كان قد هجرك نسوان مكّة ولن يدخلن عليك ، فلينزلن عندك اليوم نسوان بهجات عطرات غنجات ، ينقدح في أعلاهن

___________________

(١) في ك : صفوراً .

٢ ـ أمالي الصدوق : ٤٧٥ / ١ ، روضة الواعظين : ١٤٤ . دلائل الامامة : ٨ ، مناقب ابن شهراشوب ٣ : ٣٤٠ (نحوه وفيه عن الصادق عليه السلام) . العدد القوية : ٢٢٢ / ١٥ ، غاية المرام : ١٧٧ / ٥٣ ، معالم الزلفى : ٣٩١ ، ملحقات احقاق الحق ١٩ : ٤ ، ينابيع المودة : ١٩٨ .

٢٨٦

نور يستقبل استقبالاً ويلتهب التهاباً ، وتفوح منهن رائحة تسرّ أهل مكّة جميعاً» فسلمت الجواري فأحسن وحيين فأبلغن ـ في حديث طويل ـ حتّى وليت كلّ واحدة من حملها وغسلها ـ في الطشت الذي كان معهن ـ ونشفنها بالمنديل وتخليقها وتقميطها (١) ، فلمّا فرغن عرجن إلى السماء مثنيات عليها .

وفي رواية أخرى أنّ المرأة التي بين يدي خديجة غسّلتها بماء الكوثر ، وأخرجت خرقتين بيضاوين أشدّ بياضاً من اللبن ، وأطيب رائحة من المسك والعنبر ، فلفّتها بواحدة ، وقنعتها بالثانية (٢) ، ثمّ استنطقتها فنطقت عليها السلام بالشهادة ، فقالت : «أشهد أن لا إلٰه إلَّا الله ، وأشهد أنّ أبي محمّداً رسول الله ، وأنّ علياً سيّد الأوصياء ، وولدي سادة الأسباط» ثمّ سلّمت عليهن وسمّت كلّ واحدة منهن باسمها ، وأقبلن فضحكن إليها .

وتباشرت الحور العين ، وبشّر أهل السماوات بعضهم بعضاً بولادة فاطمة عليها السلام ، وحدث في السماء نور زاهر لم تره الملائكة قبل ذلك ، وقالت النسوة : خذيها يا خديجة طاهرة ، مطهرة ، زكية ميمونة ، بورك لك فيها ، وفي نسلها .

فتناولتها فرحة مستبشرة وألقمتها ثديها فدرّ عليها ، وكانت عليها السلام تنمو في اليوم كما ينمو الصبي في الشهر ، وتنمو في الشهر كما ينمو الصبي في السنة .

___________________

(١) في ك ، م : وتقميصها .

(٢) في ر : بأخرى .

٢٨٧

٢ ـ فصل :

في بيان آياتها بإنزال الملك من السماء بتزويجها

وفيه : حديث واحد

٢٤٦ / ١ ـ عن الأعمش ، عن ثابت ، عن أنس ، قال : قال رسول الله (ص) : «كنت يوماً جالساً في المسجد إذ هبط عليَّ ملك له عشرون رأساً ، فوثبت لأقبّل رأسه ، فقال : مه يا أحمد ، أنت أكرم على الله تعالى من أهل السماوات وأهل الأرض أجمعين . وقبّل الملك رأسي ويدي ، فظننته جبرئيل عليه السلام ، فقلت : حبيبي جبرئيل ، ما هذه الصورة التي لم تهبط عليَّ بمثلها ؟ قال : ما أنا بجبرئيل ، ولكني ملك ، يقال لي (محمود) وبين كتفي مكتوب : لا إلٰه إلا الله ، محمّد رسول الله .

وفي رواية : عليّ وليّه ووصيّه .

بعثني أن أزوج النور من النور . قلت : مَن النور ؟ قال : فاطمة من عليّ ، وهذا جبرئيل وميكائيل وإسرافيل وإسماعيل صاحب سماء الدنيا ، وسبعون ألفاً من الملائكة قد حضروا» .

___________________

١ ـ أمالي الصدوق : ٤٧٤ / ١٩ ، مناقب ابن المغازلي : ٣٤٤ / ٣٩٦ ، دلائل الإِمامة : ١٩ قطعة منه ، روضة الواعظين : ١٤٦ قطعة منه ، مناقب الخوارزمي : ٢٤٥ ، مائة منقبة لابن شاذان : ٦١ منقبة ١٥ عنه معالم الزلفىٰ : ٤١١ ، مدينة المعاجز : ١٥٨ / ٤٣٦ ، كشف الغمة ١ : ٣٥٢ .

٢٨٨

فقال النبيّ (ص) لعليّ عليه السلام : «قد زوجتك على ما زوجك الله من فوق سبع سماوات ، فخذها إليك» .

ثمّ التفت النبيّ (ص) إلى محمود وقال : «منذ كم كتب هذا بين كتفيك ؟» قال : من قبل أن يخلق الله آدم بألفي عام .

قال : فناوله جبرئيل قدحاً فيه خلوق من خلوق الجنّة ، وقال : حبيبي يا محمّد ، مر فاطمة أن تلطخ رأسها وبدنها من هذا الخلوق .

فكانت فاطمة عليها السلام إذا حكّت رأسها أو بدنها شمّ أهل المدينة رائحة الخلوق .

٢٨٩

٣ ـ فصل :

في بيان (*) آياتها مع الرحى

وفيه : ثلاثة أحاديث

٢٤٧ / ١ ـ عن أبي عبد الله عليه السلام قال : «بعث رسول الله (ص) إلى فاطمة عليها السلام بمكيال فيه تمر مع أبي ذر رحمه الله تعالى .

قال أبو ذر : فأتيت الباب ، وقلت : السلام عليكم . فلم يجبني أحد ، فظننت أن فاطمة عليها السلام بحال الرحى فلم تسمع ، ففتحت الباب وإذا فاطمة عليها السلام نائمة والحسين يرتضع ، والرحى تدور .

قال أبو ذر : فأتيت رسول الله (ص) ، فقلت : يا رسول الله ، أتوب إلى الله ممّا صنعت إني أتيت أمراً عظيماً .

فقال رسول الله (ص) : «وما أتيت يا أبا ذر ؟» فقصّ عليه ما كان ، فقال رسول الله (ص) : «ضعفت فاطمة فأعانها الله على دهرها» .

٢٤٨ / ٢ ـ عن أبي جعفر الثاني عليه السلام ، قال : «بعث رسول

___________________

(*) في ع ، ك : ظهور .

١ ـ مناقب ابن شهراشوب ٣ : ٣٣٧ نحوه ، الخرائج والجرائح ٢ : ٥٢٧ قطعة منه ، ملحقات احقاق الحق ١٠ : ٣١٦ نحوه .

٢ ـ مناقب ابن شهراشوب ٣ : ٣٧٣ ، دلائل الإِمامة : ٤٨ ،

٢٩٠

الله (ص) سلمان رضي الله عنه إلى فاطمة عليها السلام لحاجة .

قال سلمان : وقفت بالباب وقفة حتّى سلّمت فسمعت فاطمة تقرأ القرآن خفاء ، والرحى تدور من بر ، ما عندها أنيس .

قال : فعدت إلى رسول الله (ص) وقلت : يا رسول الله ، رأيت أمراً عظيماً . فقال : «وما هو يا سلمان ؟ تكلم بما رأيت» .

قلت : وقفت بباب ابنتك يا رسول الله ، فسمعت فاطمة تقرأ القرآن من خفاء ، والرحى تدور من بر ، وما عندها أنيس ! فتبسّم (ص) وقال : «يا سلمان إن ابنتي فاطمة عليها السلام ملأ الله قلبها وجوارحها إيماناً ويقيناً إلى ما شاء ، ففزعت لطاعة ربّها ، فبعث الله ملكاً اسمه روفائيل (١) ـ وفي موضع آخر : رحمة ـ فأدار لها الرحى ، فكفاها الله مؤونة الدنيا والآخرة» .

٢٤٩ / ٣ ـ عن أسامة بن زيد ، قال : افتقد رسول الله (ص) ذات يوم عليّاً ، فقال : «اطلبوا إليّ أخي في الدنيا والآخرة ، اطلبوا إليّ فاصل الخطوب ، اطلبوا إليّ المحكّم في الجنّة في اليوم المشهود اطلبوا إليّ حامل لوائي في المقام (٢) المحمود» .

قال أسامة : فلما سمعت من رسول الله (ص) ذلك بادرت إلى باب عليّ ، فناداني رسول الله (ص) من خلفي : «يا أسامة ، عجّل عليَّ بخبره» وذلك بين الظهر والعصر ، فدخلت فوجدت عليّاً كالثوب (٣) الملقى لاطياً بالأرض ، ساجداً يناجي الله تعالى ، وهو يقول : «سبحان الله الدائم ، فكّاك المغارم ، رزّاق البهائم ، ليس له في ديمومته ابتداء ، ولا زوال ولا انقضاء» فكرهت أن أقطع عليه ما هو فيه حتّى يرفع

___________________

(١) في ع : روقايل .

٣ ـ عنه في معالم الزلفى : ٤١٥ .

(٢) في م : اليوم .

(٣) في ص : كالتراب .

٢٩١

رأسه ، وسمعت أزيز الرحى فقصدت نحوها لأسلّم على فاطمة وأخبرها بقول رسول الله (ص) في بعلها ، فوجدتها راقدة على شقّها الأيمن ، مخمرة وجهها بجلبابها ـ وكان من وبر الإِبل ـ وإذا الرحى تدور بدقيعها ، وإذا كفّ يطحن عليها برفق ، وكفّ أخرى تلهي الرحا ، لها نور ، لا أقدر أن أملي عيني منها ، ولا أرى إلّا اليدين (١) بغير أبدان ، فامتلأت فرحاً بما رأيت من كرامة الله لفاطمة عليها السلام .

فرجعت إلى رسول الله (ص) وتباشير الفرح في وجهي بادية ، وهو في نفر (٢) من أصحابه ، قلت : يا رسول الله ، انطلقت أدعو عليّاً ، فوجدته كذا وكذا ، وانطلقت نحو فاطمة عليها السلام فوجدتها راقدة على شقّها الأيمن ، ورأيت كذا وكذا !

فقال : «يا أسامة ، أتدري من الطاحن ، ومن الملهي لفاطمة ؟ إنّ الله قد غفر لبعلها بسجدته سبعين مغفرة ، واحدة منها لذنوبه ما تقدّم منها وما تأخر ، وتسعة وستين مذخورة لمحبّيه ، يغفر الله بها ذنوبهم يوم القيامة ، وإنّ الله تعالى رحم ضعف فاطمة لطول قنوتها بالليل ، ومكابدتها للرحى والخدمة في النهار ، فأمر الله تعالى وليدين من الولدان المخلدين أن يهبطا في أسرع من الطرف ، وإنّ أحدهما ليطحن ، والآخر ليلهي رحاها .

وإنّما أرسلتك لترى وتخبر بنعمة الله علينا ، فحدِّث ، يا أسامة لو تبديا لك لذهب عقلك من حسنهما ، وإنّما سألتني خادماً فمنعتها (٣) ، فأخدمها الله بذلك سبعين ألف ألف وليدة في الجنّة ، الذين رأيت منهن ، وإنا من أهل بيت اختار الله لنا الآخرة الباقية على الدنيا الفانية» .

___________________

(١) في ع : الأيدي .

(٢) في ص ، ع : جماعة .

(٣) في ش : فرفضتها .

٢٩٢

٤ ـ فصل :

في بيان ظهور آياتها مع القدر والنار

وفيه : حديث واحد

٢٥٠ / ١ ـ عن حمّاد بن سلمة ، عن حميد الطويل ، عن أنس ، قال : سألني الحجّاج بن يوسف عن حديث عائشة ، وحديث القدر التي رأت فاطمة بنت رسول الله (ص) وهي تحركها بيدها ، قلت : نعم ، أصلح الله الأمير ، دخلت عائشة على فاطمة عليها السلام وهي تعمل للحسن والحسين عليهما السلام حريرة بدقيق ولبن وشحم ، في قدر ، والقدر على النار يغلي (وفاطمة صلوات الله عليها) (١) تحرك ما في القدر بإصبعها ، والقدر على النار يبقبق (٢) ، فخرجت عائشة فزعة مذعورة ، حتّى دخلت على أبيها ، فقالت : يا أبه ، إنّي رأيت من فاطمة الزهراء أمراً عجيباً ، رأيتها وهي تعمل في القدر ، والقدر على النار يغلي ، وهي تحرك ما في القدر بيدها ! فقال لها : يا بنية ، اكتمي ، فإنّ هذا أمر عظيم .

فبلغ رسول الله صلّ الله عليه وآله وسلم ، فصعد المنبر ، وحمد الله وأثنى عليه ، ثمّ قال : «إنّ الناس يستعظمون ويستكثرون ما رأوا من القدر والنار ، والذي بعثني بالرسالة واصطفاني بالنبوة ، لقد حرّم الله تعالى النار على لحم

___________________

(١) في راء وهي .

(٢) البقبقة : حكاية صوت القدر في غليانه «تاج العروس ـ بق ـ ٦ : ٢٩٧» .

٢٩٣

فاطمة ودمها وشعرها وعصبها ، وفطم من النار ذرّيتها وشيعتها ، إنّ من نسل فاطمة من تطيعه النار والشمس والقمر والنجوم والجبال ، وتضرب الجنّ بين يديه بالسيف ، وتوافي إليه الأنبياء بعهودها ، وتسلّم إليه الأرض كنوزها ، وتنزّل عليه من السماء بركات ما فيها ، الويل لمن شك في فضل فاطمة ، لعن الله من يبغض بعلها ولم يرض بإمامة ولدها ، إنّ لفاطمة يوم القيامة موقفاً ، ولشيعتها موقفاً ، وإنّ فاطمة تُدعى فتلبي (١) ، وتشفع فتشفّع على رغم كلّ راغم» .

___________________

(١) في ش ، ص ، ع : وتكسىٰ .

٢٩٤

٥ ـ فصل :

في بيان آياتها فيما أنزل عليها من السماء

وفيه : ثلاثة أحاديث

٢٥١ / ١ ـ عن زينب بنت عليّ عليهما السلام ، قالت : صلّى رسول الله (ص) صلاة الفجر ، ثمّ أقبل بوجهه الكريم على عليّ عليه السلام ، فقال : «هل عندكم طعام ؟» فقال : «لم آكل منذ ثلاثة أيّام طعاماً ، وما تركت في منزلي طعاماً» .

قال : «امض بنا إلى فاطمة» فدخلا عليها وهي تتلوى من الجوع ، وابناها معها ، فقال : «يا فاطمة ، فداك أبوك ، هل عندك طعام ؟» فاستحيت فقالت : «نعم» فقامت وصلّت ؛ ثمّ سمعت حسّاً فالتفتت فإذا بصحفة ملأى ثريداً ولحماً ، فاحتملتها فجاءت بها ووضعتها بين يدي رسول الله (ص) ، فجمع عليّاً وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام ، وجعل عليٌّ يطيل النظر إلى فاطمة ، ويتعجّب ، ويقول : «خرجت من عندها وليس عندها طعام ، فمن أين هذا ؟»

ثمّ أقبل عليها فقال : «يا بنت رسول الله ، ( أَنَّىٰ (١) لَكِ هَـٰذَا ؟ )»

___________________

١ ـ مناقب ابن شهراشوب ٣ : ٣٣٩ ، باختصار ، عنه معالم الزلفى : ٤٠٦ ، عنه مدينة المعاجز : ٥٤ / ١٠٩ .

(١) في ع : من أين .

٢٩٥

قالت : ( هُوَ مِنْ عِندِ اللَّـهِ إِنَّ اللَّـهَ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ ) (١) .

فضحك النبي (ص) وقال : «الحمد لله الذي جعل في أهلي نظير زكريا ومريم إذ قال لها : ( أَنَّىٰ لَكِ هَـٰذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ اللَّـهِ إِنَّ اللَّـهَ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ ) (٢)» .

فبينما هم يأكلون إذ جاء سائل بالباب ، فقال : السلام عليكم يا أهل البيت ، أطعموني ممّا تأكلون . فقال (ص) : «إخسا إخسا» ففعل ذلك ثلاثاً ، وقال عليّ عليه السلام : «أمرتنا أن لا نرد سائلاً ، مَن هذا الذي أنت تخساه ؟» فقال : «يا عليّ ، إنّ هذا إبليس ، علم أنّ هذا طعام الجنّة ، فتشبّه بسائل لنطعمه منه» .

فأكل النبيّ (ص) وعليّ وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام حتّى شبعوا ، ثمّ رفعت الصحفة ، فأكلوا من طعام الجنّة في الدنيا .

٢٥٢ / ٢ ـ عن جابر بن عبد الله الأنصاريّ رضي الله عنه ، قال : إنّ رسول الله (ص) أقام أيّاماً لم يطعم فيها طعاماً حتّى شقّ عليه ذلك ، فطاف (٣) في ديار أزواجه فلم يصب عند إحداهن شيئاً ، فأتى فاطمة عليها السلام ، فقال : «يا بنية ، هل عندك شءً آكله ، فإنّي جائع ؟» قالت : «لا والله» .

فلمّا خرج بعثت جارية لها برغيفين وبضعة لحم ، فأخذته ووضعته في جفنة وغطَّت عليها وقالت : «والله لأوثرن بها رسول الله (ص) على نفسي ، وعلى غيري» . وكانوا محتاجين إلى شبعة طعام ، فبعثت حسناً وحسيناً إلى رسول الله (ص) .

فرجع إليها ، فقالت : «قد أتاني الله بشيء فخبّأته لك» فقال :

___________________

(١ ، ٢) سورة آل عمران / الآية : ٣٧ .

٢ ـ الخرائج والجرائح ٢ : ٥٢٨ ، مناقب ابن شهراشوب ٢ : ٣٣٩ ، قطعة منه ، مقتل الخوارزمي : ٥٨ ، فرائد السمطين ٢ : ٥١ ، نحوه .

(٣) في ر : فصار يدور .

٢٩٦

«هلمي يا بنية» فكشف الجفنة ، فإذا هي مملوءة خبزاً ولحماً ، فلمّا نظرت إليها بهتت ، وعرفت أنّه من عند الله تعالى ، فحمدت الله تعالى ، وصلّت على أبيها ، وقدَّمته إليه ، فلمّا رآه حمد الله وقال : ( أَنَّىٰ لَكِ هَـٰذَا ؟ )» قالت : ( هُوَ مِنْ عِندِ اللَّـهِ إِنَّ اللَّـهَ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ ) (١) .

فبعث رسول الله (ص) إلى عليّ ، ثمّ أكل رسول الله (ص) وعليّ وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام ، وجميع أزواج النبيّ (ص) حتّى شبعوا .

قالت فاطمة عليها السلام : «وبقيت الجفنة كما هي ، فأوسعت منها على الجيران ، وجعل الله فيها بركة وخيراً كثيراً» .

٢٥٣ / ٣ ـ عن عاصم بن الأحول ، عن زر بن حبيش ، عن سلمان الفارسيّ رضي الله عنه ، قال : خرجت من منزلي يوماً بعد وفاة رسول الله (ص) فلقيني (١) عليّ بن أبي طالب عليه السلام ، فقال لي : «يا سلمان ، جفوتنا بعد وفاة رسول الله (ص) ؟» .

فقلت : حبيبي يا أمير المؤمنين ، مثلك لا يخفى عليه ، غير أنّ حزني على رسول الله (ص) هو الذي منعني من زيارتكم . فقال لي : «يا سلمان ، ائت منزل فاطمة فإنّها إليك مشتاقة ، وتريد أن تتحفك بتحفة قد أتحفت بها من الجنّة .

قال سلمان : قلت : يا أمير المؤمنين أتحفت (٢) بتحفة من الجنّة بعد وفاة رسول الله (ص) ؟!» قال : «نعم يا سلمان» .

قال : فهرولت هرولة إلى منزل فاطمة عليها السلام ، وقرعت

___________________

(١) سورة آل عمران / الآية : ٣٧ .

٣ ـ الخرائج والجرائح ٢ : ٥٣٣ ، مهج الدعوات : ٦ ، معالم الزلفى : ٤٠٦ .

(١) في ش ، ص ، ع : فرأيت .

(٢) في ر : أتتحفي .

٢٩٧

الباب ، فخرجت إليَّ فضّة فأذنت لي ، فدخلت وإذا فاطمة جالسة ، وعليها عباءة قد اعتجرت (١) بها واستترت ، فلمّا رأتني قالت : «يا سلمان ، اجلس واعقل واعلم أنّي كنت جالسة بالأمس مفكّرة في وفاة رسول الله (ص) ، والحزن يتردد في صدري ، وقد كنت رددت باب حجرتي بيدي ، فانفتح من غير أن يفتحه أحد ، وإذا أنا بأربع (٢) جواري ، فدخلن عليَّ ، لم ير الراؤن بحسنهن ونظارة وجوههن ، فلمّا دخلن قمت إليهن مستنكرة لهن ، فقلت : أنتن من أهل المدينة أم من أهل مكّة ؟ فقلن : لا من أهل المدينة ، ولا من أهل مكّة ، ولا من أهل الأرض ، نحن من الحور العين ، أرسلنا إليك ربّ العالمين يا ابنة رسول الله لنعزّيك بوفاة رسول الله (ص)» .

قالت فاطمة عليها السلام : «فقلت لإِحداهن : ما اسمك ؟ قالت : ذرّة . قلت : حبيبتي لِمَ سمّيت ذرّة ؟ قالت : سمّيت ذرة لأبي ذر الغفاريّ ، صاحب أبيك رسول الله (ص) .

فقلت للأخرى : وأنت ما اسمك ؟ قالت : أنا سلمى . فقلت : لِمَ سمّيت سلمى ؟ قالت : لأني لسلمان الفارسيّ ، صاحب رسول الله (ص) .

وقلت للأخرى : ما اسمك ؟ قالت : مقدودة . فقلت : حبيبتي ، ولِمَ سمّيت مقدودة ؟ قالت : لأنّي للمقداد بن الأسود الكنديّ ، صاحب رسول الله (ص) .

فقلت للأخرى : ما اسمك ؟ قالت : عمّارة . قلت : ولِمَ سمّيت عمّارة ؟ قالت : لأنّي لعمّار بن ياسر ، صاحب رسول الله (ص) .

فأهدين إليَّ هدية ، أخبأت لك منها» ثمّ أخرجت لي طبقاً

___________________

(١) اعتجرت : لفت رأسها . «النهاية ٣ : ١٨٥» .

(٢) في ك ، م : بثلاث .

٢٩٨

أبيض ، فيه رطب أكبر من الخشكنانج (١) ، أبيض من الثلج ، وأذكى من المسك ، وأعطتني منها عشر (٢) رطبات ، عجزت عن حملها ، فقالت : «كلهن عند إفطارك ، وعد إليَّ بعجمهن» .

قال سلمان : فخرجت من عندها أريد منزلي ، فما مررت بأحد ولا بجمع من أصحاب رسول الله (ص) إلّا قالوا : يا سلمان ، رائحة المسك الأذفر معك .

قال سلمان : كتمت أنّ معي شيئاً حتّى أتيت منزلي ، فلمّا كان وقت الإِفطار أفطرت عليهن ، فلم أجد لهن عجماً ، فغدوت (٦) إلى فاطمة ، وقرعت الباب عليها ، فأذنت لي بالدخول ، فدخلت وقلت : يا بنت رسول الله ؛ أمرتني أن آتيك بعجمته ، وأنا لم أجد لها عجماً ! فتبسّمت ، ولم تكن ضحكت عليها السلام .

ثمّ قالت : «يا سلمان ، هي من نخيل غرسها الله تعالى لي في دار السلام بدعاء علمنيه أبي رسول الله (ص) كنت أقوله غدوة (٤) وعشيّة» قلت : علميني الكلام سيدتي .

قالت : «إنْ سرّك أن تلقى الله تعالى وهو عنك راض غير غضبان ، ولا تضرّك وسوسة الشيطان ما دمت حيّاً ، فواظب عليه» .

وفي رواية أخرى : «إنْ سرّك أن لا تمسّك الحمّى ما عشت في دار الدنيا ، فواظب عليه ،» فقال سلمان : فقلت : علميني . قالت عليها السّلام :

«بسم الله الرحمن الرحيم ، بسم الله النور ، بسم الله نور النور ،

___________________

(١) الخشكنانج : خبزة تصنع من خالص دقيق الحنطة وتملأ بالسكر واللوز أو الفستق وتقلى ، فارسية . «المعجم الوسيط ١ : ٢٣٦» .

(٢) في ك ، م : خمس .

(٣) في ص : فعدت .

(٤) في م : بكرة .

٢٩٩

بسم الله نور على نور ، بسم الله الذي هو مدبر الأمور ، بسم الله الذي خلق النور من النور ، الحمد لله الذي خلق النور من النور ، وأنزل النور على الطور ، في كتاب مسطور ، في رق منشور ، والبيت المعمور والسقف المرفوع والبحر المسجور بقدر مقدور على نبيّ محبور ، الحمد لله (١) الذي هو بالعز مذكور ، وبالخير مشهور ، وعلى السرّاء والضرّاء مشكور» (٢) .

قال سلمان : فتعلمته ، وقد لقّنت أكثر من ألف نفس من أهل المدينة ومكَّة ممّن بهم علل الحمّى ، وكلّهم برئوا بإذن الله تعالى .

وفي رواية أخرى : في شكوى ووسوسة الشيطان ، وقد نزل عليها السلام الرزق من السّماء ، وكثيراً ما تدور الرحى في بيتها وهي نائمة أو مشتغلة بأمر آخر ، والرّواية فيها متظافرة .

___________________

(١) في ش ، ص ، ع ، م : بسم الله .

(٢) إلى هنا وقد انتهت مقابلتي مع نسخه (ع) والباقي ساقط .

٣٠٠