الثّاقب في المناقب

عماد الدين أبي جعفر محمّد بن علي الطوسي [ ابن حمزة ]

الثّاقب في المناقب

المؤلف:

عماد الدين أبي جعفر محمّد بن علي الطوسي [ ابن حمزة ]


المحقق: الشيخ نبيل رضا علوان
الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة أنصاريان للطباعة والنشر
المطبعة: مطبعة القدس
الطبعة: ٤
ISBN: 978-964-438-681-7
الصفحات: ٧٠١

الباب الثاني عشر

في بيان آيات أبي جعفر محمّد بن علي التقي عليهما السلام

وفيه عشرة فصول

٥٠١
٥٠٢

١ ـ فصل :

في بيان ظهور آياته ومعجزاته في إحياء الموتى

وفيه : حديث واحد

٤٣١ / ١ ـ عن أحمد بن محمّد الحضرمي ، قال : حجّ أبو جعفر عليه السلام فلمّا نزل زبالة فإذا هو بامرأة ضعيفة تبكي على بقرة مطروحة على قارعة الطريق ، فسألها عن علّة بكائها فقامت المرأة إلى أبي جعفر عليه السلام وقالت : يا ابن رسول الله ؛ إنّي امرأة ضعيفة لا أقدر على شيء ، وكانت هذه البقرة كل مال أملكه ، فقال لها أبو جعفر عليه السلام : «إن أحياها الله تبارك وتعالىٰ لك فما تفعلين ؟» قالت : يا ابن رسول الله لأجددنّ لله شكراً .

فصلّى أبو جعفر ركعتين ودعا بدعوات ثمّ ركض برجله البقرة ، فقامت البقرة ، وصاحت المرأة : عيسى بن مريم . فقال أبو جعفر عليه السلام : «لا تقولي هذا ، بل عباد مكرمون ، أوصياء الأنبياء» .

___________________

١ ـ عنه في مدينة المعاجز : ٥٣٤ .

٥٠٣

٢ ـ فصل :

في بيان ظهور آياته فيما كلم في المهد

وفيه : حديث واحد

٤٣٢ / ١ ـ عن علي بن عبيدة ، عن حكيمة بنت موسى عليه السلام قالت : لمّا حضرت ولادة الخيزران أدخلني أبو الحسن الرضا عليه السلام وإيّاها بيتاً ، وأغلق علينا الباب والقابلة معنا .

فلمّا كان في جوف الليل انطفأ المصباح فاغتممت لذلك ، فما كان بأسرع أن بدر أبو جعفر عليه السلام فأضاء البيت نوراً فقلت لأمّه : قد أغناك الله عن المصباح . فقعد في الطست وقبض عليه وعلى جسده شيء رقيق شبه التور .

فلما أن أصبحنا جاء الرضا عليه السلام فوضعه في المهد ، وقال لي : «الزمي مهده» .

قالت : فلما كان اليوم الثالث رفع بصره إلى السماء ثمّ لمح يميناً وشمالاً ، ثمّ قال : «أشهد أن لا إله إلَّا الله وحده لا شريك له ، وأنّ محمّداً عبده ورسوله» . فقمت رعدة فزعة ، فأتيت الرضا عليه السلام فقلت له : رأيت عجباً ! فقال : «وما الذي رأيت ؟» فقلت : هذا الصبي فعل الساعة كذا وكذا ! قالت : فتبسم الرضا عليه السلام وقال : «ما ترين من عجائبه أكثر» .

___________________

١ ـ مناقب ابن شهراشوب ٤ : ٣٩٤ .

٥٠٤

٣ ـ فصل :

في بيان ظهور آياته في كمال عقله في سن الأطفال

وفيه : حديث واحد

٤٣٣ / ١ ـ عن الريّان بن شبيب ، قال : لمّا أراد المأمون أن يزوج ابنته أمّ الفضل أبا جعفر محمّد بن علي عليهما السلام ، أنكر عليه بنو العباس ـ في حديث طويل ـ إلى أن قال لهم المأمون : إنّي اخترت أبا جعفر عليه السلام لتبرزه على كافّة أهل الفضل في العلم والفضل مع صغر سنّه والأعجوبة فيه بذلك ، وأنا أرجو أن يظهر للناس ما قد عرفته منه ، فيعلموا أنّ الرأي ما قد رأيت .

فقالوا : إنّ هذا الفتى وإن راقك منه هديه فإنّه صبي لا معرفة له ولا فقه ، فامهله حتّى يتأدب ويتفقّه في الدين ، ثمّ اصنع ما تراه بعد ذلك .

فقال لهم : ويحكم ، إنني أعرف بهذا الفتى منكم ، وإنّ أهل البيت علمهم من الله تعالى موادُّه والهامه ، وهذا لم يزل آباؤه أغنياء في علم الدين والأدب عن الرعايا الناقصة عن حدّ الكمال ، فإن شئتم فامتحنوه . فرضوا بذلك وأتوا بيحيىٰ بن أكثم القاضي ، وهو يومئذ

___________________

١ ـ إرشاد المفيد : ٣١٩ ، اختصاص المفيد : ٩٨ ، اثبات الوصية : ١٨٩ ، الاحتجاج : ٤٤٣ ، كشف الغمة ٢ : ٣٥٣ ، تحف العقول : ٤٥١ ، روضة الواعظين : ٢٣٨ ، عيون المعجزات : ١٢١ ، ورد في بعضها مثله .

٥٠٥

قاضي الزمان ، فالتَمسوا منه أن يسأله مسألة لا يعرف الجواب فيها ، ووعدوه بأموال نفيسة ، وعادوا إلى المأمون وسألوه أن يختار يوماً ، فأجابهم إلى ذلك .

فاجتمعوا في اليوم الذي اتفقوا عليه ، وحضر يحيى بن أكثم وأمر المأمون أن يفرش لأبي جعفر عليه السلام دست ويجعل فيه مسورتان ففعل ذلك ، وجلس المأمون في دست متصل بدست أبي جعفر عليه السلام ، وجلس يحيى بن أكثم بين يديه فقال للمأمون : أتأذن لي يا أمير المؤمنين أن أسأل أبا جعفر بن علي ؟ فقال له المأمون : استأذنه في ذلك . فأقبل إليه يحيى بن أكثم فقال له : أتأذن لي ، جعلت فداك في مسألة ؟ فقال له أبو جعفر عليه السلام : «سل إن شئت»

قال : ما تقول في محرم قتل صيداً ؟ فقال له أبو جعفر : «قتله في حل أو حرم ؟ عالماً كان المحرم أم جاهلاً ؟ قتله عمداً أو خطأً ؟ حرّاً كان المحرم أم عبداً ؟ صغيراً كان المحرم أم كبيراً ؟ مبتدئاً بالقتل كان أم معيداً ؟ من ذوات الطير كان الصيد أم من غيرها ؟ من صغار الصيد أم من كبارها ؟ مصرّاً على ما فعل أو نادماً ؟ في الليل كان قتله أو نهاراً ؟ محرماً كان بالعمرة إذ قتله أو بالحج محرماً ؟» .

فتحيّر يحيى بن أكثم ، وبان في وجهه العجز والانقطاع ، وتلجلج حتّى عرف جماعة من أهل المجلس عجزه ، فقال المأمون : الحمد لله على هذه النعمة والتوفيق والرأي ، ثمّ نظر إلى أهل بيته فقال لهم : أعرفتم الآن ما كنتم تنكرونه ؟

فلمّا تفرّق القوم وبقي الخاصّة قال المأمون لأبي جعفر عليه السلام : إن رأيت ، جعلت فداك أن تذكر الفقه فيما فصّلته من وجوه قتل المحرم الصيد لنعلمه ونستفيده ،

فقال أبو جعفر عليه السلام : «نعم ، إنّ المحرم إذا قتل صيداً في الحل وكان الصيّد من ذوات الطير ، وكان من كبارها فعليه شاة ، فإن

٥٠٦

أصابه في الحرم فعليه الجزاء مضاعفاً ، وإذا قتل فرخاً في الحل فعليه حمل قد فطم من اللبن ، وإذا قتله في الحرم فعليه الحمل وقيمة الفرخ ، وإن كان من الوحش وكان حمار وحش فعليه بقرة ، وإن كان نعامة فعليه بدنة ، وإن كان ظبياً فعليه شاة ، وإن قتل شيئاً من ذلك في الحرم فعليه الجزاء مضاعفاً هدياً بالغ الكعبة ، وإذا أصاب المحرم ما يجب عليه الهدي فيه ، وكان إحرامه بالعمرة نحره بمكة ، وجزاء الصيد على العالم والجاهل سواء ، وفي العمد المأثم وهو موضوع عنه في الخطأ ، والكفَّارة على الحر في نفسه ، وعلى السيّد في عبده ، والصغير لا كفَّارة عليه ، وهي على الكبير واجبة ، والنادم يسقط عنه بندمه عقاب الآخرة ، والمصرُّ يجب عليه عقاب الآخرة» فقال المأمون : أحسنت يا أبا جعفر ، أحسن الله إليك .

وفي الحديث طول قد اقتصرنا على هذا القدر .

٥٠٧

٤ ـ فصل :

في بيان ظهور آياته في كلام العصا في يده

وفيه : حديث واحد

٤٣٤ / ١ ـ عن محمّد بن أبي العلاء (١) قال : سمعت يحيى بن أكثم قاضي القضاة يقول : بعد ما جاهدت به وناظرته غير مرَّة وحاورته في ذلك ، ولاطفته وأهديت له طرائف ، وكنت أسأله عن علوم آل محمّد (ص) قال : «أخبرك بشرط أن تكتم عليَّ ما دمت حياً ، ثمّ شأنك به إذا مت» .

فبينا أنا ذات يوم بالمدينة فدخلت المسجد أطوف بقبر رسول الله (ص) فرأيت محمّد بن علي الرضا عليه السلام يطوف بالقبر الشريف ، فناظرته في مسائل عندي فأخرجها إلي ، فقلت له : إنّي والله أريد أن أسألك عن مسألة ، وإنّي والله لأستحي من ذلك ، فقال لي : «إني أخبرك بها قبل أن تخبرني وتسألني عنها ، تريد أن تسألني عن الإِمام» . فقلت : هو والله هذا . فقال : «أنا هو» . فقلت : علامة ، وكان في يده عصاه ، فنطقت وقالت : إنّ مولاي إمام هذا الزمان ، وهو الحجّة عليهم .

___________________

١ ـ الكافي ١ : ٢٨٧ / ٩ ، دلائل الإِمامة : ٢١٣ ، مناقب ابن شهراشوب ٤ : ٣٩٣ .

(١) في الأصل : محمد بن العلاء ، وما أثبتناه من المصدرين وهو الصحيح ، راجع «معجم رجال الحديث ١١ : ٤٣ و ١٤ : ٢٧٥ و ٢٠ : ٣٤» .

٥٠٨

٥ ـ فصل :

في بيان ظهور آياته في قطع المسافة

وفيه : حديثان

٤٣٥ / ١ ـ عن محمّد بن قتيبة ، عن مُؤدبٍ كان لأبي جعفر عليه السلام قال : إنّه كان بين يديَّ يوماً يقرأ في اللوح إذ رمى اللوح من يده وقام فزعاً وهو يقول : «إنّا لله وإنّا إليه راجعون ، مضى والله ، مات أبي عليه السلام» فقلت : مِن أين علمت هذا ؟ فقال : «دخلني من إجلال الله وعظمته شيء لا أعهده» . فقلت : وقد مضى ؟!

قال : «دع عنك هذا ، ائذن لي أن أدخل البيت وأخرج إليك ، واستعرضني بآي القرآن إن شئت سأفسر لك وتحفظه» فدخل البيت ، فقمت ودخلت في طلبه اشفاقاً منّي عليه ، فسألت عنه فقيل : دخل هذا البيت وردّ الباب دونه ، وقال : «لا تأذنوا عليَّ لأحد حتّى أخرج إليكم» فخرج متغيراً وهو يقول : «إنّا لله وإنّا إليه راجعون ، مضى والله أبي» فقلت : جعلت فداك ، قد مضى ؟! فقال : «نعم ، وتولّيت غسله وتكفينه ، وما كان ذلك لِيَلي منه غيري» .

ثمّ قال لي : «دع عنك واستعرضني آي القرآن إن شئت أفسر لك تحفظه» . فقلت : الأعراف ؛ فاستعاذ بالله من الشيطان الرجيم ثمّ قرأ :

___________________

١ ـ الإِمامة والتبصرة : ٢٢٢ / ٧٤ ، اثبات الوصية : ١٩٤ مثله .

٥٠٩

«بسم الله الرحمن الرحيم ( وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وَظَنُّوا أَنَّهُ وَاقِعٌ بِهِمْ ) (١)» فقلت : ( المص ) (٢) فقال : «هذا أول السورة» وهذا ناسخ ، وهذا منسوخ ، وهذا محكم وهذا متشابه ، وهذا خاص وهذا عام ، وهذا ما غلط به الكُتّاب ، وهذا ما اشتبه عليه الناس .

يقول المصنف رضي الله عنه : إنّه كان بالمدينة وأبوه بطوس .

وروىٰ ذلك أبو الصلت الهروي ، وقال : لمّا مضى الرضا عليه السلام ، وأغلقنا الباب دخل علينا فتى والباب مغلق من صفته كذا وكذا ، والقصة مشهورة .

٤٣٦ / ٣ ـ عن علي بن خالد قال : كنت بالعسكر فبلغني أنّ هناك رجلاً محبوساً أتي به من ناحية الشام مكبولاً ، فقالوا : إنّه تنبؤ حق .

قال : فأتيت الباب واستأذنت البواب حتّى وصلت إليه فإذا رجل له فهم وعقل ، فقلت له : يا هذا ما قصتك ؟

قال : إني كنت رجلاً بالشام أعبد الله تعالى في الموضع الذي يقال أنّه نصب فيه رأس الحسين عليه السلام ، فبينما أنا ذات ليلة مقبل على المحراب أذكر الله تعالى إذ رأيت شخصاً بين يدي ، فنظرت إليه فقال لي : «قم» فقمت معه ، فمشى بي قليلاً فإذا أنا في مسجد الكوفة ، فقال لي : «تعرف هذا المسجد ؟» فقلت : نعم ، هذا مسجد الكوفة .

قال : فصلّى وصلّيت معه ، ثمّ خرج وخرجت معه ، ومشى بي

___________________

(١) سورة الأعراف الآية : ١٧١ .

(٢) سورة الأعراف الآية : ١ .

٣ ـ بصائر الدرجات : ٤٢٢ / ١ ، الكافي ١ : ٤١١ / ١ ، الاختصاص : ٣٢٠ ، كشف الغمة ٢ : ٣٥٩ ، روضة الواعظين : ٢٤٢ ، الخرائج والجرائح ١ : ٣٨٠ ، دلائل الإِمامة : ٢١٤ ، إعلام الورىٰ : ٣٤٧ ، الفصول المهمة : ٢٥٣ ، نور الأبصار : ١٧٨ ، مدينة المعاجز ٥٢٠ / ٩ ، ملحقات احقاق الحق ١٢ : ٤٢٧ و ١٩ : ٥٩٧ .

٥١٠

قليلاً ، فإذا أنا بمكّة ، فطاف بالبيت فطفت معه ، ثمّ خرج فمشى قليلاً ، فإذا أنا بالموضع الذي كنت أعبد الله فيه بالشام ، وغاب الشخص عن عيني ، فبقيت متعجباً متهولاً مما رأيت .

فلما كان في العام المقبل رأيت ذلك الشخص فاستبشرت به ، ودعاني فأجبته ، ففعل كما فعل في العام الماضي ، فلمّا أراد مفارقتي بالشام قلت له : سألتك بالذي أقدرك على ما رأيت منك إلّا أخبرتني من أنت ؟ فأطرق طويلاً ثمَّ نظر إليَّ وقال : «أنا محمّد بن علي بن موسىٰ» .

وتراقى الخبر إلى محمّد بن عبد الملك الزيّات فبعث إليَّ وكبلني في الحديد ، وحملني إلى العراق وحبست كما ترى وادَّعى عليَّ المحال ، فقلت له : فارفع قصتك إلى محمّد بن عبد الملك ؟ فقال : إفعل .

فكتبت عنه قصة شرحت أمره فيها ، ورفعتها إلى محمّد بن عبد الملك فوقع في ظهرها : قل للذي أخرجك من الشام في ليلة إلى الكوفة ومن الكوفة إلى المدينة ومنها إلى مكّة ومنها إلى الشام أن يخرجك من حبسك هذا .

قال علي بن خالد : فغمني ذلك من أمره ، ورققت له ، وانصرفت محزوناً عليه ، فلمّا كان من الغد باكرت الحبس لأعلمه بالحال وآمره بالصبر والرضى فوجدت الجند وأصحاب الحرس وصاحب السجن وخلقاً عظيماً من الناس يهرعون ، فسألت عن حالهم فقيل لي : المحمول من الشام المتنبء افتقد البارحة فلا يدرى أخسفت به الأرض ، أم اختطفه الطير .

وكان علي بن خالد زيدياً فقال بالإِمامة لما رأى ذلك وحسن اعتقاده .

٥١١

٦ ـ فصل :

في بيان ظهور آياته مع الشجرة

وفيه : حديث واحد

٤٣٧ / ١ ـ عن الريان بن شبيب ، قال : لمّا توجّه أبو جعفر عليه السلام من بغداد منصرفاً من عند المأمون ، ومعه أمّ الفضل قاصداً بها إلى المدينة ، صار إلى شارع باب الكوفة ، ومعه الناس يشيعونه ، فانتهى إلى دار المسيب عند غروب الشمس ، فنزل ودخل المسجد ، وكان في صحنه نبقة لم تحمل بعد ، فدعا بكوز فيه ماء فتوضأ في أصل النبقة ، وقام عليه السلام فصلَّى بالناس صلاة المغرب ، فقرأ في الأولى منها ( الْحَمْدُ ) و ( إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّـهِ ) وفي الثانية ( الْحَمْدُ ) و ( قُلْ هُوَ اللَّـهُ أَحَدٌ ) وقنت قبل ركوعه فيها وصلّى الثالثة وتشهّد وسلّم ، ثمّ جلس هنيهة يذكر الله تعالى عز وجل اسمه وقام من غير أن يعقّب ، وصلّى النوافل أربع ركعات وعقّب بعدها ، وسجد سجدتي الشكر ، ثمّ خرج .

فلمّا انتهى إلى النبقة رآها الناس وقد حملت حملاً حسناً ، فتعجبوا من ذلك ، وأكلوا منها ، فوجدوه نبقاً حلواً لا عجم له ، وودعوه ومضى عليه السلام في وقته إلى المدينة .

___________________

١ ـ إرشاد المفيد : ٣٢٣ ، مضمونه ، مناقب ابن شهراشوب ٤ : ٣٩٠ ، باختصار ، كشف الغمة ٢ : ٣٥٨ .

٥١٢

٧ ـ فصل :

في بيان ظهور آياته من العلم بحديث النفس

وفيه : أربعة أحاديث

٤٣٨ / ١ ـ عن محمد بن عيسى ، قال : دخلت على أبي جعفر عليه السلام بالمدينة وهو نازل في دار بزيع فسلّمت عليه ، وقلت في نفسي : أستعطفه على زكريا بن آدم ؛ ثمّ رجعت إلى نفسي وقلت : مَن أنا فأعترض في هذا أو شبهه بمولاي ؟! هو أعلم بما يصنع . فقال لي بأعلى صوته : «على مثل أبي يحيىٰ لا تعجل ، وقد كان من خدمته لأبي ما كان» .

٤٣٩ / ٢ ـ عن علي بن أسباط ، قال : رأيت أبا جعفر عليه السلام وهو يقول : «إنّ الله تبارك وتعالى احتجّ في الإِمامة بمثل ما احتجّ في النبوة ، قال الله تعالى : ( وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا ) (١) ، وقال : ( حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً ) (٢) فقد يجوز أن يؤتى الحكم وهو صبي . ويجوز أن يؤتاه وهو ابن أربعين سنة .

___________________

١ ـ مدينة المعاجز : ٥٢٣ / ٦١ .

٢ ـ عنه مدينة المعاجز : ٥٢١ ح ١١ وعن الكافي : ١ / ٤١٣ ح ٣ .

(١) سورة مريم الآية : ١٢ .

(٢) سورة الأحقاف الآية : ١٥ .

٥١٣

٤٤٠ / ٣ ـ عن أبي هاشم الجعفري ، قال : سألني جمّال أن أكلّم أبا جعفر ليدخله في بعض أموره .

قال : فدخلت عليه لأكلمه ، فوجدته يأكل مع جماعة ، فلم يمكنني كلامه ، فقال : «يا أبا هاشم ، كل من هذا الذي بين يدي» ثمّ قال ابتداء منه من غير مسألة : «يا غلام ، انظر إلى الجمّال الذي أتانا به أبو هاشم .

٤٤١ / ٤ ـ عن علي بن مهزيار ، قال : حدّثني محمد بن الفرج أنّه قال : ليتني إذا دخلت على أبي جعفر عليه السلام كساني ثوبين قطوانين ممّا لبسه أحرم فيهما .

قال : فدخلت عليه بشرف وعليه رداء قطواني (١) يلبسه ، فأخذه وحوّله من هذا العاتق إلى الآخر ، ثمّ إنّه أخذ من ظهره وبدنه إلى آخر يلبسه خلفه ، فقال : «أحرم فيهما ، بارك الله لك» .

___________________

٣ ـ مناقب ابن شهراشوب ٤ : ٣٩٠ .

٤ ـ عنه مدينة المعاجز : ٥٣٤ ح ٦٥ .

(١) القطواني : نسبة إلى موضع بالكوفة . لسان العرب ١٥ : ١٩١ (قطا) ومعجم البلدان ٤ : ٣٧٥ .

٥١٤

٨ ـ فصل :

في بيان ظهور آياته من العلم بالآجال

وفيه : ثلاثة أحاديث

٤٤٢ / ١ ـ عن إبراهيم بن محمّد الهمداني ، قال : كتب أبو جعفر الثاني عليه السلام ، إليَّ كتاباً وأمرني أن لا أفكّه حتّى يموت يحيى بن عمران .

قال : فمكث الكتاب عندي سنتين ، فلمّا كان اليوم الذي مات فيه يحيى بن عمران فككته فإذا فيه : «قم بما كان يقوم به» أو نحوه من هذا الأمر .

قال محمد بن عيسى : وحدَّثني يحيى وإسحاق ابنا سليمان بن داود أنّ إبراهيم بن محمّد أقرأهم هذا الكتاب في المقبرة يوم مات يحيى بن عمران .

وكان إبراهيم يقول : كنت لا أخاف الموت ما كان يحيى بن عمران في الحياة .

٤٤٣ / ٢ ـ عن أمية بن علي ، قال : كنت بالمدينة ، وكنت أختلف

___________________

١ ـ بصائر الدرجات : ٢٨٢ / ٢ ، ٢٨٣ / ٣ ، مناقب ابن شهراشوب ٤ : ٣٩٧ .

٢ ـ دلائل الإِمامة : ٢١٢ ، مناقب ابن شهراشوب ٤ : ٣٨٩ ، كشف الغمة ٢ : ٣٦٩ ، اعلام الورى : ٣٣٤ .

٥١٥

إلى أبي جعفر ، وأبو الحسن الرضا عليهما السلام بخراسان ، وكان أهل بيته وعمومة أبيه يأتونه ويسلّمون عليه ، فدعا يوماً بجارية فقال لها : «قولي لهم تهيّأوا للمأتم» . فلمّا تفرقوا قالوا : ألا سألناه مأتم مَن ؟

فلمّا كان من الغد فعل مثل ذلك ، فقالوا ، مأتم مَن ؟ قال : «مأتم خير من على ظهرها» فأتانا خبر أبي الحسن عليه السلام بعد ذلك بأيّام ، فإذا هو قد مات في ذلك اليوم .

٤٤٤ / ٣ ـ عن محمّد بن القاسم ، عن أبيه ، وروى أيضاً غيره قال : لمّا خرج من المدينة في المرّة الأخيرة قال : «ما أطيبك يا طيبة ، فلست بعائد إليك» .

___________________

٣ ـ . . .

٥١٦

٩ ـ فصل :

في بيان ظهور آياته في الإِخبار بالغائبات

وفيه : ثمانية أحاديث

٤٤٥ / ١ ـ عن محمد بن أبي القاسم ، قال : ورواه عامّة أهل المدينة أنّ الرضا عليه السلام كتب في أحمال له تحمل إليه من المتاع وغير ذلك ، فلمّا توجهت وكان يوماً من الأيّام أرسل أبو جعفر عليه السلام رسلاً يردّونها فلم يدر لم ذلك ، ثمّ حسب ذلك اليوم في ذلك الشهر ، فوجد يوم مات فيه الرضا عليه السلام .

٤٤٦ / ٢ ـ عن محمّد بن القاسم ، عن أبيه وعن غير واحد من أصحابنا أنّه قد سمع عمر بن الفرج أنّه قال : سمعت من أبي جعفر عليه السلام شيئاً لو رآه محمّد أخي لكفر . فقلت : وما هو أصلحك الله ؟

قال : إنّي كنت معه يوماً بالمدينة إذ قرب الطعام فقال : «أمسكوا» فقلت : فداك ، أبي قد جاءكم الغيب .

فقال : «عليَّ بالخبّاز» فجيء به فعاتبه وقال : «من أمرك أن تسمّني في هذا الطعام ؟» فقال له : جعلت فداك فلان ، ثمّ أمر بالطعام فرفع وأُتي بغيره .

___________________

١ ـ عنه في مدينة المعاجز : ٥٣٤ .

٢ ـ عنه في مدينة المعاجز : ٥٣٤ .

٥١٧

٤٤٧ / ٣ ـ وعنه ، عن أبيه قال : حدّثني بعض المدينيين أنّهم كانوا يدخلون على أبي جعفر عليه السلام وهو نازل في قصر أحمد بن يوسف يقولون له : يا أبا جعفر ، جعلنا فداك ، قد تهيأنا وتجهزنا ولا نراك تهم بذلك ؟! قال لهم : «لستم بخارجين حتّى تغترفوا الماء بأيديكم من هذه الأبواب التي ترونها» . فتعجّبوا من ذلك أن يأتي الماء من تلك المكثرة ، فما خرجوا حتّى اغترفوا بأيديهم منها .

٤٤٨ / ٤ ـ وعنه ، عن أبيه وعن بعض المدينيين ، قال : لمّا وجّه المأمون إليه وهو بتكريت متوجهاً إلى الروم ، وصار في بعض الطريق في حميم الحر ولا مطر ولا وحل ولا ماء يرى ولا حوض ، قال لبعض غلمانه : «اعقد ذنب برذوني (١)» فتعجّب الناس ووقفوا حتّى عقد الغلام ذنب برذونه ، ثمّ مضى ، ومضى الناس معه ، وعمر بن الفرج مستهزء متعجب .

قال : فما مضوا إلا ميلاً أو ميلين وإذا هم بماء قد فاض من نهر فطبق الأرض أجمع فمضى والناس وقوف حتّى شدّوا أذناب دوابهم .

قال أبي : قال عمر بن الفرج : والله لو رأى أخي هذا لكفر اليوم أشدّه وأشدّه .

٤٤٩ / ٥ ـ وعنه ، عن أبيه ، ورواه عامّة أصحابنا ، قال : إنّ رجلاً خراسانياً أتى أبا جعفر عليه السلام بالمدينة فسلّم عليه ، وقال : السلام عليك يا ابن رسول الله . وكان واقفياً ، فقال له : «سلام» وأعادها الرجل فقال : «سلام» فسلّم الرجل بالإِمامة ، قال : قلت في نفسي : كيف علم أنّي غير مؤتم به وأنّي واقف عنه ؟!

قال : ثمّ بكى وقال : جعلت فداك هذه كذا وكذا ديناراً فاقبضها ،

___________________

٣ ـ عنه في مدينة المعاجز : ٥٣٤ .

٤ ـ عنه في مدينة المعاجز : ٥٣٤ .

(١) في م : برذونك .

٥ ـ عنه في مدينة المعاجز : ٥٣٤ .

٥١٨

فقال له أبو جعفر عليه السلام : «قد قبلتها ؛ فضمّها إليك» . فقال : إنّي خلفت صاحبتي ومعها ما يكفيها ويفضل عنها . فقال : «ضمّها إليك فإنّك ستحتاج إليها» مراراً .

قال الرجل : ففعلت ورجعت ، فإذا طرّار (١) قد أتى منزلي فدخله ولم يترك شيئاً إلّا أخذه ، فكانت تلك الدنانير هي التي تحمّلت بها إلى موضعي .

٤٥٠ / ٦ ـ عن الحسن بن أبي عثمان الهمداني ، قال : دخل أناس من أصحابنا من أهل الري على أبي جعفر عليه السلام ، وفيهم رجل من الزيدية ، فسألناه مسألة ، فقال أبو جعفر عليه السلام لغلامه : «خذ بيد هذا الرجل فأخرجه» فقال الزيدي : أشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أنّ محمّداً عبده ورسوله طيباً مباركاً ، وأنّك حجّة الله .

٤٥١ / ٧ ـ عن أبي هاشم الجعفري ، قال : دخلت على أبي جعفر عليه السلام ومعي ثلاث رقاع معينة ، واشتبهت عليَّ فاغتممت ، فتناول إحداهن وقال : «هذه رقعة ريان بن شبيب» ثمّ تناول الثانية وقال : «هذه رقعة محمّد بن حمزة» . وتناول الثالثة وقال : «هذه رقعة فلان» فبهتُّ فنظر إليَّ وتبسّم عليه السلام .

٤٥٢ / ٨ ـ وعنه قال : أعطاني عليه السلام ثلاثمائة دينار في

___________________

(١) الطرّار : السارق «راجع لسان العرب ٤ : ٤٩٩ (طور)» .

٦ ـ دلائل الإِمامة : ٢١٣ ، الخرائج والجرائح ٢ : ٦٦٩ ، مدينة المعاجز : ٥٣٢ / ٥٦ .

٧ ـ ارشاد المفيد : ٣٦٧ ، الكافي ١ : ٤٩٥ / ٥ ، الخرائج والجرائح ٢ : ٦٦٤ / ١ .

٨ ـ الكافي ١ : ٤١٤ / ٥ ، إرشاد المفيد : ٣٢٦ ، الخرائج والجرائح ٢ : ٦٦٥ / ٢ ، مناقب ابن شهراشوب ٤ : ٣٩٠ ، كشف الغمة ٢ : ٣٦١ ، باختلاف يسير .

٥١٩

صرّة ، وأمرني أن أحملها إلى بعض بني عمه ، وقال : «أما إنه سيقول لك : دلني على حريف أشتري بها منه متاعاً فدله عليه» .

فأتيته بالدنانير فقال : يا أبا هاشم ، دلني على حريف يشتري لي بها متاعاً . ففعلت .

٥٢٠