الثّاقب في المناقب

عماد الدين أبي جعفر محمّد بن علي الطوسي [ ابن حمزة ]

الثّاقب في المناقب

المؤلف:

عماد الدين أبي جعفر محمّد بن علي الطوسي [ ابن حمزة ]


المحقق: الشيخ نبيل رضا علوان
الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة أنصاريان للطباعة والنشر
المطبعة: مطبعة القدس
الطبعة: ٤
ISBN: 978-964-438-681-7
الصفحات: ٧٠١

أحببت أن اكتب إلى العسكري عليه السلام ، فسألت محمد بن علي بن مهزيار أن يكتب في كتابه إليه بحاجتي فإني كتبت إليه كتاباً ولم أذكر فيه حاجتي ، بل بيضت موضعها ، فورد الكتاب في حاجتي مفسراً في كتاب لمحمد بن إبراهيم الحمصي .

٥٤١

٦ ـ فصل :

في ظهور آياته في معان شتى

وفيه : سبعة عشر حديثاً

٤٨٣ / ١ ـ عن صالح بن سعيد قال : دخلت على أبي الحسن عليه السلام في يوم وروده سر من رأى وهو في خان الصعاليك ، فقلت له : جعلت فداك في كل الأمور ، أرادوا إطفاء نورك والنقص بك حتى أنزلوك في هذا الخان الأشنع خان الصعاليك .

فقال «ها هنا أنت يا ابن سعيد» ثم أومأ بيده الشريفة فإذا أنا بروضات أنيقات ، وأنهار جاريات ، وجنّات فيها خيرات عطرات ، وولدان كأنهن اللؤلؤ المكنون ، فحار بصري ، وكثر عجبي فقال لي : «حيث كنا فهذا لنا عتيد يا ابن سعيد ، لسنا في خان الصعاليك» .

٤٨٤ / ٢ ـ عن محمّد بن الحسن الأشتر العلوي الحسيني ، قال : كنت مع أبي علىٰ باب المتوكل ، وأنا صبي ، في جمع من الناس في

___________________

١ ـ بصائر الدرجات : ٤٢٦ ، ٤٢٧ ، الكافي ١ : ٤١٧ ، ارشاد المفيد : ٣٣٤ ، مناقب ابن شهراشوب ٤ : ٤١١ ، كشف الغمة ٢ : ٣٨٣ ، إعلام الورىٰ : ٣٤٨ ، روضة الواعظين : ١٣٧ ، عيون المعجزات : ١٣٧ ، الأنوار البهية : ٢٣٩ .

٢ ـ الخرائج والجرائح ٢ : ٦٧٥ / ٧ ، مناقب ابن شهراشوب ٤ : ٤٠٧ ، كشف الغمة ٢ : ٣٩٨ ، إعلام الورىٰ : ٣٤٣ .

٥٤٢

ما بين طالبي إلى عباسي إلى جعفري إلى غير ذلك ، إذ جاء أبو الحسن علي بن محمّد عليه السلام فترجل الناس كلّهم ، حتى دخل فقال بعضهم لبعض : لِم نترجل لهذا الغلام ؟ فما هو بأشرفنا ولا بأكبرنا سنا ولا بأعلمنا ! فقالوا : والله لا ترجلنا له . فقال أبو هاشم الجعفري : والله لتترجّلن له [ على ] صغره إذا رأيتموه . فما هو إلّا أن طلع وبصروا به حتّى ترجل له الناس كلّهم ، فقال لهم أبو هاشم : ألستم زعمتم أنّكم لا تترجلون له ؟ فقالوا : ما ملكنا أنفسنا حتّى ترجلنا .

٤٨٥ / ٣ ـ عن الحسن بن محمّد بن علي ، قال : جاء رجل إلى علي بن محمّد بن علي بن موسى عليهم السلام وهو يبكي وترتعد فرائصه فقال : يا ابن رسول الله ، إن فلاناً ـ يعني الوالي ـ أخذ ابني واتهمه بموالاتك ، فسلّمه إلى حاجب من حجّابه ، وأمره أن يذهب به إلى موضع كذا فيرميه من أعلى جبل هناك ثمّ يدفنه في أصل الجبل . فقال عليه السلام : «فما تشاء ؟» فقال : ما يشاء الوالد الشفيق لولده .

قال : «إذهب فإنَّ ابنك يأتيك غداً إذا أمسيت ويخبرك بالعجب من أمره» . فانصرف الرجل فرحاً .

فلمّا كان عند ساعة من آخر النهار غداً إذا هو بابنه قد طلع عليه في أحسن صورة فسرّه وقال : ما خبرك يا بني ؟ فقال : يا أبت ، إن فلاناً ـ يعني الحاجب ـ صار بي إلى أصل ذلك الجبل ، فأمسى عنده إلى هذا الوقت يريد أن يبيت هناك ثمّ يصعدني من غد إلى أعلى الجبل ويدهدهني لبئر حفر لي قبراً في هذه الساعة ، فجعلت أبكي وقوم موكّلون بي يحفظونني ، فأتاني جماعة عشرة لم أر أحسن منهم وجوهاً ، وأنظف منهم ثياباً ، وأطيب منهم روائح ، والموكّلون بي لا يرونهم فقالوا لي : ما هذا البكاء والجزع والتطاول والتضرع ؟ فقلت : ألا ترون قبراً محفوراً ، وجبلاً شاهقاً ، وموكّلين لا يرحمون يريدون أن

___________________

٣ ـ مناقب ابن شهراشوب ٤ : ٤١٦ .

٥٤٣

يدهدهوني منه ويدفنوني فيه ؟ قالوا : بلى ، أرأيت لو جعلنا الطالب مثل المطلوب فدهدهناه من الجبل ودفناه في القبر ، أتحرر نفسك فتكون لقبر رسول الله (ص) خادماً ؟ قلت : بلى والله . فمضوا إليه ـ يعني الحاجب ـ فتناولوه وجرّوه وهو يستغيث ولا يسمع به أصحابه ولا يشعرون به ، ثمّ صعدوا به إلى الجبل ودهدهوه منه ، فلم يصل إلى الأرض حتّى تقطَّعت أوصاله ، فجاء أصحابه وضجّوا عليه بالبكاء واشتغلوا عنّي ، فقمت وتناولني العشرة ، فطاروا بي إليك في هذه الساعة ، وهم وقوف ينتظرونني ليمضوا بي إلى قبر رسول الله (ص) لأكون خادماً . ومضى .

فجاء الرجل إلى علي بن محمّد عليه السلام فأخبره ، ثمّ لم يلبث إلّا قليلاً حتّى جاء الخبر بأنّ قوماً أخذوا ذلك الحاجب فدهدهوه من ذلك الجبل فدفنه أصحابه في ذلك القبر ، وهرب ذلك الرجل الذي كان أراد أن يدفنه في ذلك القبر ، فجعل علي بن محمد عليه السلام يقول للرجل : «إنهم لا يعلمون ما نعلم» ويضحك .

٤٨٦ / ٤ ـ عن أبي الهيثم عبد الله بن عبد الرحمن الصالحي ، قال : إن أبا هاشم الجعفري شكا إلى مولانا أبي الحسن عليه السلام ما يلقى من الشوق إليه إذا انحدر من عندنا إلى بغداد ، فقال له : ادع الله تعالى يا سيدي ، فإنّي لا أستطيع ركوب الماء خوف الإِصعاد (١) والإِبطاء عنك ، فسرت إليك على الظهر ومالي مركوب سوى برذوني هذا على ضعفه ، فادع الله تعالى أن يقويني على زيارتك ، على وجه الأرض ، فقال : «قوّاك الله يا أبا هاشم ، وقوّى برذونك» .

___________________

٤ ـ الخرائج والجرائح ٢ : ٦٧٢ / ١ ، مناقب ابن شهراشوب ٤ : ٤٠٩ ، إعلام الورىٰ : ٣٤٤ .

(١) الإِصعاد : أي الارتفاع لأن نهر دجلة ينحدر إلى بغداد ، لذا تسير السفينة بالاتجاه المعاكس لانحدار النهر .

٥٤٤

قال : فكان أبو هاشم يصلي الفجر ببغداد ، ويسير على البرذون ، فيدرك الزوال من يومه ذلك في عسكر سر من رأى ، ويعود من يومه إلى بغداد إذا سار على ذلك البرذون ، وكان هذا من أعجب الدلائل التي شوهدت .

٤٨٧ / ٥ ـ عن علي بن مهزيار ، قال : إنّه صار إلى سر من رأى ، وكانت زينب الكذابة ظهرت وزعمت أنّها زينب بنت علي بن أبي طالب عليه السلام ، فأحضرها المتوكل وسألها فانتسبت إلى علي بن أبي طالب وفاطمة ، فقال لجلسائه : كيف بنا بصحة أمر هذه ، وعند من نجده ؟ فقال الفتح بن خاقان : ابعث إلى ابن الرضا فاحضره حتّى يخبرك بحقيقة أمرها .

فأحضر عليه السلام فرحّب به المتوكل وأجلسه معه على سريره ، فقال : إنّ هذه تدعي كذا ، فما عندك ؟ فقال : «المحنة في هذا قريبة ، إنّ الله تعالى حرّم لحم جميع مَن ولدته فاطمة وعلي والحسن والحسين عليهم السلام على السباع ، فألقوها للسباع ، فإنْ كانت صادقة لم تتعرض لها ، وإن كانت كاذبة أكلتها»

فعرض عليها فكذبت نفسها ، وركبت حمارها في طريق سر من رأى تنادي على نفسها وجاريتها على حمار آخر بأنّها زينب الكذّابة ، وليس بينها وبين رسول الله (ص) وعلي وفاطمة صلوات الله عليهم قرابة ، ثمّ دخلت الشام .

فلمّا أن كان بعد ذلك بأيّام ذكر عند المتوكل أبو الحسن عليه السلام ، وما قال في زينب ، فقال علي بن الجهم : يا أمير المؤمنين ، لو جرّبت قوله على نفسه فعرفت حقيقة قوله . فقال : أفعل ، ثمّ تقدّم

___________________

٥ ـ مروج الذهب ٤ : ٨٦ ، الخرائج والجرائح ١ : ٤٠٤ / ١١ ، مناقب ابن شهراشوب ٤ : ٤١٦ ، باختلاف فيهما ، حلية الأبرار ٢ : ٤٦٨ ، مدينة المعاجز : ٥٤٨ / ٥٤ ، ملحقات احقاق الحق ١٩ : ٦١٤ .

٥٤٥

إلى قوام السباع فأمرهم أن يجوعوها ثلاثة ويحضروها القصر فترسل في صحنه فنزل وقعد هو في المنظر ، وأغلق أبواب الدرجة ، وبعث إلى أبي الحسن عليه السلام فأحضر ، وأمره أن يدخل من باب القصر ، فدخل ، فلمّا صار في الصحن . أمر بغلق الباب ، وخلّى بينه وبين السباع في الصحن .

قال علي بن يحيى : وأنا في الجماعة وابن حمدون ، فلمّا حضر عليه السلام وعليه سواد وشقة (١) فدخل وأغلق الباب والسباع قد أصمّت الآذان من زئيرها ، فلمّا مشى في الصحن يريد الدرجة مشت إليه السباع وقد سكنت ، ولم نسمع لها حساً حتّى تمسحت به ، ودارت حوله ، وهو يمسح رؤوسها بكمّه ، ثمّ ضرب بصدورها الأرض ، فما مشت ولا زأرت حتّى صعد الدرجة ، وقام المتوكّل ودخل ، فارتفع أبو الحسن عليه السلام وقعد طويلاً ، ثمّ قام فانحدر ، ففعلت السباع به كفعلها في الأول ، وفعل هو بها كفعله الأول ، فلم تزل رابضة حتّى خرج من الباب الذي دخل منه ، وركب وانصرف ، وأتبعه المتوكّل بمال جزيل (٢) صلة له .

وقال علي بن الجهم : فقمت وقلت يا أمير المؤمنين ، أنت إمام فافعل كما فعل ابن عمّك . فقال : والله لئن بلغني ذلك من أحد من الناس لأضربن عنقه وعنق هذه العصابة كلّهم . فوالله ما تحدّثنا بذلك حتّى قتل .

٤٨٨ / ٦ ـ وقد ذكر الحديث أبو عبد الله الحافظ النيسابوري في كتابه الموسوم بالمفاخر ، ونسبه إلى جدّه الرضا عليه السلام ، وهو أنّه قد دخل على المأمون وعنده زينب الكذّابة ، وكانت تزعم أنّها

___________________

(١) في ر ، ك ، م : سيفه .

(٢) في م : جليل .

٦ ـ كشف الغمة ٢ : ٢٦٠ ، قطعة منه باختلاف .

٥٤٦

زينب بنت علي بن أبي طالب ، وأنّ علياً قد دعا لها بالبقاء إلى يوم القيامة ، فقال المأمون للرضا عليه السلام سلم : على أختك .

فقال : «والله ما هي بأختي ولا ولدها علي بن أبي طالب» . فقالت زينب : ما هو أخي ولا ولده علي بن أبي طالب . فقال المأمون للرضا عليه السلام : ما مصداق قولك هذا ؟؟

فقال : «إنا أهل بيت لحومنا محرّمة على السباع ، فاطرحها (١) إلى السباع ، فإنّ تك صادقة فإنّ السباع تعفى لحمها» . قالت زينب : ابتدئ بالشيخ . قال المأمون : لقد أنصفت . فقال له : أجل .

ففتحت بركة السباع فنزل الرضا عليه السلام إليها ، فلمّا رأته بصبصت (٢) وأومأت إليه بالسجود ، فصلّى فيما بينها ركعتين وخرج منها .

فأمر المأمون زينب أن تنزل فأبت ، وطرحت للسباع فأكلتها .

قال المصنف رحمه الله ورضي عنه : إنّي وجدت في تمام هذه الرواية أنّ بين السباع كان سبعاً ضعيفاً ومريضاً ، فهمهم شيئاً في أذنه فأشار عليه السلام إلى أعظم السباع بشيء فوضع رأسه له ، فلمّا خرج قيل له : ما قلت لذلك السبع الضعيف ؟ وما قلت للآخر ؟ قال : «إنّه شكا إليَّ وقال : إنّي ضعيف ، فإذا طرح علينا فريسة لم أقدر على مؤاكلتها ، فأشر إلى الكبير بأمري ، فأشرت إليه فقبل» .

قال : فذبحت بقرة وألقيت إلى السباع ، فجاء الأسد ووقف عليها ومنع السباع أن تأكلها حتّى شبع الضعيف ، ثمّ ترك السباع حتّى أكلوها .

وقال المصنف رحمه الله : وأقول أيضاً إنّه غير ممتنع أن يكون

___________________

(١) في ش ، ص : فأظهرها . وفي ر : على ، بدل : إلى .

(٢) في ش ، ص : هفهفت .

٥٤٧

ذلك غير الآخر ؛ وأنّ ما نسب في أمر أبي الحسن عليه السلام في زينب الكذَّابة غير منسوب إليها ، وإنّما فعل ذلك المتوكل ابتداءً ، وتعرض لأمر آخر ، لأنّه كان مشغوفاً بإيذاء أهل البيت عليهم السلام .

٤٨٩ / ٧ ـ عن محمّد بن الفرج ، قال : قال لي علي بن محمّد عليهما السلام : «إذا أردت أن تسأل مسألة فاكتبها وضع الكتاب تحت مصلّاك ، ودعه (١) ساعة ، ثمّ أخرجه وانظر إليه» .

قال محمّد : ففعلت ، فوجدت جواب ما سألت عنه موقعاً في الكتاب .

٤٩٠ / ٨ ـ عن شاهواه ، عن عبد الله بن سليمان الخلال قال : كنت رويت عن أبي الحسن الرضا عليه السلام في أبي جعفر عليه السلام روايات تدل عليه ، فلمّا مضى أبو جعفر عليه السلام قلقت لذلك وبقيت متحيراً لا أتقدَّم ولا أتأخر ، وخفت أن أكتب إليه في ذلك ، ولا أدري ما يكون ، وكتبت إليه أسأله الدعاء أن يفرّج الله عنا في أسباب من قبل السلطان . (٢) كنا نغتم بها من علمائنا ، فرجع الجواب بالدعاء وردَّ علينا الغلمان ، وكتب في آخر الكتاب : «أردت أن تسأل عن الخلف بعد مضي أبي جعفر عليه السلام ، فقلقت لذلك ، ( وَمَا كَانَ اللَّـهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّىٰ يُبَيِّنَ لَهُم مَّا يَتَّقُونَ ) (٣) صاحبك بعدي أبو محمد ابني ، عنده ما تحتاجون إليه ، يقدّم الله ما يشاء ويؤخر «( مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا ) (٤) ، قد كتبت بما فيه بيان وإقناع لذي عقل يقظان» .

___________________

٧ ـ الخرائج والجرائح ١ : ٤١٩ / ٢٢ .

(١) في «م» : وادعو .

٨ ـ اثبات الوصية : ٢٠٨ .

(٢) في «م» : الشيطان .

(٣) التوبة الآية : ١١٥ .

(٤) البقرة الآية : ١٠٦ .

٥٤٨

٤٩١ / ٩ ـ عن إسحاق الجلاب ، قال : اشتريت لأبي الحسن عليه السلام غنماً كثيرة ، فأدخلني في إصطبل داره إلى موضع واسع لا أعرفه ، فجعلت أفرق تلك الغنم فيمن أمرني به ، فبعثت إلى أبي محمّد وإلى والدته وغيرهما ، ممّن أمرني ثمّ استأذنته في الانصراف إلى بغداد إلى والدي ، وكان ذلك يوم التروية ، فقال : «تقيم غداً عندنا ثمّ تنصرف» فأقمت .

فلما كان يوم عرفة أقمت عنده وبت ليلة الأضحى في رواق له ، فلمّا كان في السحر أتاني وقال : «يا إسحاق ، قم» فقمت وفتحت عيني ، فإذا أنا على (باب بغداد) (١) ، فدخلت على والدي وأتاني أصحابي فقلت لهم : عرّفت بالعسكر ، وخرجت ببغداد إلى يوم العيد .

٤٩٢ / ١٠ ـ عن زيد بن علي بن الحسين بن زيد قال : مرضت فدخل عليَّ الطبيب ليلاً ، ووصف لي دواء بليلٍ آخذه كذا وكذا يوماً ، فلم يمكنني [ تحصيله من الليل ] فلم يخرج الطبيب من الباب حتّى ورد علي صرة بقارورة فيها ذلك الدواء بعينه ، فقال لي : أبو الحسن يقرئك السلام ويقول لك : «خذ الدواء واستعمله كذا وكذا يوماً» قال : فأخذته فبرئت .

قال محمّد بن علي قال زيد بن علي : أين الغلاة عن هذا الحديث .

٤٩٣ / ١١ ـ عن جماعة من أهل أصفهان ، منهم العياشي

___________________

٩ ـ الكافي ١ : ٤١٧ / ٣ ، مناقب ابن شهراشوب ٤ : ٤١١ ،

(١) في «م» : بناء ببغداد .

١٠ ـ الكافي ١ : ٤٢٠ / ٩ ، ارشاد المفيد : ٣٣٢ ، الخرائج والجرائح ١ : ٤٠٦ / ١٢ ، كشف الغمة ٢ : ٣٨٩ ، الهداية الكبرى : ٣١٤ ، مدينة المعاجز : ٥٤٠ / ١١ .

١١ ـ الخرائج والجرائح ١ : ٣٩٢ / ١ ، كشف الغمة ٢ : ٣٨٩ ، الصراط المستقيم ٢ : ٢٠٢ / ٣ ، وفيه : باختصار ، مدينة المعاجز : ٥٤٦ / ٤٨ .

٥٤٩

محمّد بن النضر ، وأبو جعفر بن محمّد بن علوية قالوا : كان بأصفهان رجل يقال له : عبد الرحمن ، وكان شيعياً ، قيل له : ما السبب الذي أوجب عليك القول بإمامة عليّ النقي عليه السلام دون غيره من أهل زمانه ؟ .

قال : شاهدت ما أوجب ذلك عليّ ، وذلك أنّي كنت رجلاً فقيراً وكان لي لسان وجرأة ، فأخرجني أهل أصفهان سنة من السنين مع قوم آخرين إلى باب المتوكل متظلمين ، فأتينا باب المتوكل يوماً ، إذ خرج الأمر بإحضار علي بن محمد النقي عليه السلام ، بعض من حضر : من هذا الرجل الذي أمر بإحضاره ؟ فقيل : هذا رجل علوي تقول الرافضة بإمامته ، (ثمّ قيل : ويقدّر أنّ المتوكل يحضره للقتل) (١) . فقلت : لا أبرح من ها هنا حتّى أنظر إلى هذا الرجل أي رجل هو .

قال : فأقبل راكباً ، وقد قام الناس يمنة الطريق ويسرتها صفّين ، ينظرون إليه ، فلمّا رأيته وقع حبّه في قلبي ، فجعلت أدعو له في نفسي بأن يدفع الله عنه شرّ المتوكّل ، فأقبل يسير بين الناس وهو ينظر إلى عرف دابته ، لا ينظر يمنة ولا يسرة ، وأنا دائم الدُّعاء له .

فلمّا صار إليَّ أقبل بوجهه عليَّ وقال : «قد استجاب الله دعاءك ، وطوّل عمرك ، وكثر مالك وولدك» . فارتعدت ووقفت بين أصحابي يسألوني وهم يقولون : ما شأنك ؟! فقلت : خيراً ، ولم أخبرهم بذلك .

فانصرفنا بعد ذلك إلى أصفهان ، ففتح الله عليّ وجوهاً من المال حتّى اليوم ، أغلق بابي على مائة ألف ألف درهم ، سوى مالي خارج الدار ، ورزقت عشرة من الأولاد ، وقد بلغت الآن من العمر نيفاً وسبعين سنة ، وأنا أقول بإمامة هذا الذي علم ما في قلبي واستجاب الله دعاءه فيَّ .

___________________

(١) في «م» : أمر المتوكل بحضوره .

٥٥٠

٤٩٤ / ١٢ ـ عن يحيى بن هرثمة ، قال : دعاني المتوكل وقال : اختر ثلاثمائة ممّن تريد واخرجوا إلى الكوفة ، وخلّفوا أثقالكم فيها ، واخرجوا على طريق البادية إلى المدينة ، وأحضروا علي بن محمّد النقي إلى عندي مكرّماً معظّماً مبجلاً .

قال : فقمت وخرجنا ، وكان في أصحابي قائد من الشراة (١) ، وكان لي كاتب متشيّع ، وأنا على مذهب الحشوية ، وكان ذلك الشاري يناظر الكاتب ، وكنت أسمع إلى مناظرتهما لقطع الطريق .

فلمّا صرنا وسط الطريق قال الشاري للكاتب : أليس من قول صاحبكم عليّ بن أبي طالب «ليس في الأرض بقعة إلَّا وهي قبر ، أو سيكون قبراً» ؟ فانظر إلى هذه البرية أين من يموت فيها حتّى يملأها الله قبوراً كما تزعمون ؟

قال : فقلت للكاتب : أهذا من قولكم ؟ قال : نعم . قلت : صدق ، أين من يموت في هذه البرية العظيمة حتّى تمتلئ قبوراً ؟ وتضاحكنا ساعة إذ انخذل الكاتب في أيدينا .

قال : وسرنا حتّى دخلنا المدينة ، فقصدت بيت أبي الحسن عليّ بن محمد بن الرضا عليهم السلام ، فدخلت عليه فقرأ كتاب المتوكّل فقال : «انزلوا ، وليس من جهتي خلاف» .

قال : فلما حضرت إليه من الغد ، وكنا في تموز أشدَّ ما يكون من الحر ، فإذا بين يديه خياط وهو يقطع من ثياب غلاظ ـ خفاتين ـ له ولغلمانه ، ثمّ قال للخياط : «إجمع عليها جماعة من الخياطين ، واعمد على الفراغ منها يومك هذا وبكّر بها إليَّ في هذا الوقت» .

___________________

١٢ ـ الخرائج والجرائح ١ : ٣٩٣ / ٢ ، كشف الغمة ٢ : ٣٩٠ ، مدينة المعاجز : ٥٤٦ / ٤٩ .

(١) الشراة : الخوارج «مجمع البحرين ـ شرا ـ ١ : ٢٤٥» .

٥٥١

ثم نظر إليَّ وقال : «يا يحيى ، اقضوا وطركم من المدينة في هذا اليوم ، واعمل على الرحيل غداً في هذا الوقت» .

قال : فخرجنا وإنّما بيننا وبين العراق مسيرة عشرة أيام ، فما يصنع بهذه الثياب ؟! ثمّ قلت في نفسي : هذا رجل لم يسافر ، وهو يقدّر (١) أنّ كلَّ سفر يحتاج فيه إلى هذه الثياب ، والعجب من الرَّافضة حيث يقولون بإمامة هذا مع فهمه . فعدت إليه في الغد في ذلك الوقت ، فإذا الثياب قد أحضرت ، فقال لغلمانه : «ادخلوا ، وخذوا لنا معكم لبابيد وبرانس» ثمَّ قال : «ارحل يا يحيى» فقلت في نفسي : هذا أعجب من الأوّل ، أيخاف أن يلحقنا الشّتاء في الطَّريق حتّى يأخذ معه اللبابيد والبرانس» .

فخرجت وأنا أستصغر فهمه حتّى إذا وصلنا إلى مواضع المناظرة في القبور ارتفعت سحابة ، واسودَّت وأرعدت وأبرقت حتّى إذا صارت على رؤوسنا أرسلت برداً من الصخور ، وقد شدَّ على نفسه وغلمانه الخفاتين ، ولبسوا اللبابيد والبرانس وقال لغلمانه : «ارفعوا إلى يحيى لبادة ، وإلى الكاتب برنساً» وتجمعنا والبرد يأخذنا حتّى قتل من أصحابي ثمانون رجلاً ، وزالت ، ورجع الحرُّ كما كان .

فقال لي : «يا يحيى ، أنزل من بقي من أصحابك ليدفن من مات ، فهكذا يملأ الله هذه البرية قبوراً» .

قال : فرميت نفسي عن الدابّة واعتذرت إليه ، وقبّلت ركابه ورجله ، وقلت : أشهد أن لا إله إلَّا الله ، وأنّ محمَّداً رسول الله ، وأنّكم خلفاء الله في أرضه ، وقد كنتُ كافراً ، وإني الآن أسلمت على يديك يا مولاي .

قال : فتشيعت ، ولزمت خدمته إلى أن مضى .

___________________

(١) في ر ، ص ، ك : يظن ، وفي م : يعد .

٥٥٢

٤٩٥ / ١٣ ـ عن هبة الله بن أبي منصور الموصلي ، قال : كان بديار ربيعة كاتب لنا نصراني وكان من أهل كفرتوثا (١) يسمّى (يوسف بن يعقوب) وكان بينه وبين والدي صداقة .

قال : فوافى ونزل عند والدي فقال : ما شأنك قدمت في هذا الوقت ؟ قال : قد دعيت إلى حضرة المتوكل ، ولا أدري ما يراد مني ، إلَّا أنّي قد اشتريت نفسي من الله تعالى بمائة دينار قد حملتها لعلي بن محمّد بن الرضا عليهم السلام معي ، فقال له والدي : وفقت في هذا .

قال : وخرج إلى حضرة المتوكل وانصرف إلينا بعد أيّام قلائل فرحاً مستبشراً ، فقال له أبي : حدّثني بحديثك .

قال : سرت إلى سر من رأى وما دخلتها قط ، فنزلت في دار وقلت : يجب أن أوصل المائة دينار إلى أبي الحسن بن الرضا عليه السلام قبل مصيري إلى باب المتوكل ، وقبل أن يعرف أحد قدومي .

قال : فعرفت أن المتوكّل قد منعه من الركوب ، وأنّه ملازم لداره ، فقلت : كيف أصنع ؟ رجل نصراني يسأل عن دار ابن الرضا ، لا آمن أن ينذر بي (٢) فيكون ذلك زيادة فيما أحاذره .

قال : فتفكّرت ساعة في ذلك ، فوقع في قلبي أن أركب حماري وأخرج من البلد ، ولا أمنعه من حيث يريد ، لعلي أقف على معرفة داره من غير أن أسأل أحداً .

قال : فجعلت الدراهم في كاغذة وجعلتها في كمي ، وركبت

___________________

١٣ ـ الخرائج والجرائح ١ : ٣٩٦ / ٣ ، كشف الغمة ٢ : ٣٩٢ ، مدينة المعاجز : ٥٤٧ / ٥٠ .

(١) كفرتوثا : قرية كبيرة من أعمال الجزيرة ، ويقال : إنها من قرىٰ فلسطين «معجم البلدان ٤ : ٤٦٨» .

(٢) ينذر بي : أي يعلمون بي ، انظر «لسان العرب ـ نذر ـ ٥ : ٢٠١» .

٥٥٣

فكان الحمار يخرق الشوارع والأسواق يمرّ حيث يشاء ، إلى أن صرت إلى باب دار ، فوقف الحمار ، فجهدت أن يزول فلم يزل ، فقلت للغلام : سل لمن هذه الدار ؟ فقيل : هذه دار ابن الرضا عليه السلام . فقلت : الله أكبر ، دلالة والله مقنعة .

قال : فإذا خادمٌ أسود قد خرج فقال : أنت يوسف بن يعقوب ؟ قلت : نعم . قال : إنزل ، فنزلت ، فأقعدني في الدهليز ، ودخل ، فقلت في نفسي : وهذه دلالة أخرى ، مَن أين يعرف هذا الخادم اسمي وليس في هذا البلد أحد يعرفني ولا دخلته قط ؟!

قال : فخرج الخادم وقال : المائة دينار الَّتي في كمك في الكاغذ هاتها . فناولته إيَّاها وقلت : هذه ثالثة ، ثمّ رجع إليَّ وقال : ادخل ، فدخلت إليه وهو في مجلسه وحده ، فقال : «يا يوسف ، أما بان لك ؟» فقلت : يا مولاي ، قد بان من البراهين ما فيه كفاية لمن اكتفى . فقال : «هيهات هيهات ، أما إنَّك لا تُسلم ولكن سيُسلم ولدك فلان ، وهو من شيعتنا ، يا يوسف ، إنّ أقواماً يزعمون أنّ ولايتنا لا تنفع أمثالك ، كذبوا والله ، إنّها لتنفع أمثالك ، امض فيما وافيت فإنّك سترى ما تحبُّ» .

قال : فمضيت إلى باب المتوكّل فقلت كلما أردت وانصرفت .

قال هبة الله : فلقيت ابنه بعد هذا وهو مُسلم حسن التشيع ، فأخبرني أنّ أباه مات على النصرانيّة ، وأنّه أسلم بعد موت والده ، وكان يقول : أنا بشارة مولاي عليه السلام .

٤٩٦ / ١٤ ـ عن أبي هاشم الجعفري ، قال : ظهر برجل من أهل سر من رأى من البرص ما ينغص عليه عيشه ، فجلس يوماً إلى أبي عليّ الفهريِّ ، فشكا إليه حاله فقال له : لو تعرَّضت يوماً لأبي الحسن

___________________

١٤ ـ الخرائج والجرائح ١ : ٣٩٩ / ٥ ، كشف الغمة ٢ : ٣٩٣ ، مدينة المعاجز : ٥٤٧ / ٥١ .

٥٥٤

علي بن محمد بن الرضا عليهم السلام فتسأله أن يدعو لك رجوت أن يزول عنك .

فجلس له يوماً في الطريق وقت منصرفه من دار المتوكِّل ، فلمّا رآه قام ليدنو منه فيسأله ذلك ، فقال : «تنحَّ عافاك الله» ثلاث مرات ، فابتعد الرجل ولم يجسر (١) أن يدنو منه ، وانصرف ، فلقي الفهريَّ فعرَّفه الحال وما قال : قال : قد دعا لك قبل أن تسأله ، فامضِ فإنّك ستعافى ، فانصرف الرجل إلى بيته فبات ليله ، فلمّا أصبح لم ير على بدنه شيئاً من ذلك .

٤٩٧ / ١٥ ـ عن زرافة حاجب المتوكل ، قال : وقع رجل مشعبذ من ناحية الهند إلى المتوكل يلعب لعب الحقة ولم ير مثله ، وكان المتوكّل لعّاباً ، فأراد أن يُخجِلَ علي بن محمد بن الرضا عليه السلام فقال لذلك الرّجل : إن أخجلته أعطيتك ألف دينار .

قال : تقدّم بان يخبز رقاقاً خفافاً واجعلها على المائدة وأقعدني إلى جنبه ، فقعدوا وأحضر علي بن محمد عليهما السلام للطعام ، وجعل له مسورة عن يساره ، وكان عليها صورة أسد ، وجلس اللاعب إلى جنب المسورة ، فمد علي بن محمد عليه السلام يده إلى رقاقة فطيّرها ذلك الرجل في الهواء ومدّ يده إلى أخرىٰ ، فطيّرها ذلك الرجل ، ومد يده إلى أخرى فطيرها فتضاحك الجميع .

فضرب علي بن محمد عليهما السلام يده المباركة الشريفة على تلك الصورة التي في المسورة وقال : «خذيه» . فابتلعت الرجل ، وعادت كما كانت إلى المسورة .

فتحير الجميع ونهض أبو الحسن عليّ بن محمد عليهما السلام

___________________

(١) في ر ، ك : يحسن .

١٥ ـ مدينة المعاجز : ٥٤٨ / ٥٢ .

٥٥٥

فقال له المتوكل : سألتك إلَّا جلست ورددته . فقال : «والله لا تراه بعدها ، أتسلط أعداء الله على أولياء الله ؟!» (١) . وخرج من عنده ، فلم ير الرجل بعد ذلك (٢) .

٤٩٨ / ١٦ ـ عن أبي العباس فضل بن أحمد بن إسرائيل الكاتب ، قال : كنّا مع المعتز ، وكان أبي كاتبه ، فدخلنا الدار والمتوكل على سريره قاعد ، فسلّم المعتزّ ووقف ووقفت خلفه ، وكان عهدي به إذا دخل عليه رحّب به وأمره بالقعود ونظرت إلى وجهه يتغير ساعة بعد ساعة ، ويقبل على الفتح بن خاقان ويقول : هذا الَّذي يقول فيه ما يقول . ويرد عليه القول ، والفتح مقبل عليه يسكنه ويقول : مكذوب عليه يا أمير المؤمنين . وهو يتلظى ويقول : والله لأقتلنّ هذا المرائي الزنديق ، وهو الذي يدَّعي الكذب ، ويطعن في دولتي .

ثمّ قال : جئني بأربعة من الخزر وأجلاف لا يفقهون . فجيء بهم ، ودفع إليهم أربعة أسياف ، وأمرهم أن يرطنوا بألسنتهم إذا دخل أبو الحسن ، وأن يقبلوا عليه بأسيافهم فيخبطوه ويقتلوه ، وهو يقول : والله لأحرقنّه بعد القتل . وأنا منتصب قائم خلفه من وراء الستر ، فما علمت إلَّا بأبي الحسن عليه السلام قد دخل ، وقد بادر الناس قدَّامه فقالوا : جاء والتفتّ ورائي وهو غير مكترث (١) ولا جازع ، فلمّا بصر به المتوكل رمى بنفسه من السرير إليه وهو بسيفه فانكبّ عليه يقبّل بين عينيه ، واحتمل يده بيده ، وهو يقول : يا سيدي ، يا ابن رسول الله ، ويا خير خلق الله ، يا ابن عمي ، يا مولاي ، يا أبا الحسن . وأبو الحسن يقول : «أعيذك بالله يا أمير المؤمنين من هذا» . فقال : ما جاء بك يا

___________________

(١) في ر : سلطت أولياء الله على أعداء الله .

١٦ ـ الخرائج والجرائح ١ : ٤١٧ / ٢١ ، كشف الغمة ٢ : ٣٩٥ ، الصراط المستقيم ٢ : ٢٠٥ ، وفيه : باختصار ، حلية الأبرار ٢ : ٤٦٥ ، مدينة المعاجز : ٥٥٠ / ٥٩ .

(٢) في ك زيادة : به .

٥٥٦

سيدي في هذا الوقت ؟ قال : «جاءني رسولك» فقال المتوكل : كذب ابن الفاعلة ، ارجع يا سيدي من حيث جئت ، يا فتح ، يا عبد الله ، يا معتز ، شيّعوا سيدي وسيدكم .

فلمّا بصر به الخزر خرّوا سجّداً مذعنين ، فلمّا خرج دعاهم المتوكل ثمّ أمر الترجمان أن يخبره بما يقولون ، ثمّ قال لهم : لم لا تفعلوا ما أمرتكم به ؟ قالوا : لشدَّة هيبته ، ورأينا حوله أكثر من مائة سيف لم نقدر أن ننالهم ، فمنعنا ذلك عمّا أمرنا به ، وامتلأت قلوبنا رعباً من ذلك . فقال المتوكل : هذا صاحبكم ، وضحك في وجه الفتح ، وضحك الفتح في وجهه وقال : الحمد لله الذي بيّض وجهه وأرانا (١) حجّته .

قال المصنف رحمه الله : وأظن أنّ القصة التي ذكرتها قبل وأسندتها إلى جماعة أهل أصفهان وتشيّع عبد الرحمن الأصفهاني ، والخبر عمّا رواه من الأخبار عمّا في قلبه والدعاء له ، وإجابة الدعاء كان في ذلك اليوم ، ولا أبعد أن يكون من أمر المتوكل بقتله من الغلمان الخزرية وإحياء أبي الحسن عليه السلام إيّاهم ، هؤلاء الذين خرّوا له سجّداً في ذلك اليوم ، والله أعلم .

٤٩٩ / ١٧ ـ وأمّا حديث المخالي (٢) فمشهور ، وذلك أنّ الخليفة أمر العسكر وهم تسعون (٣) ألف فارس من الأتراك السَّاكنين بسرّ من رأى أن يملأ كلُّ واحد منهم مخلاة فرسه من الطين الأحمر ، ويجعلوا بعضه

___________________

(١) في ش ، ص ، ك : وأنار .

١٧ ـ الخرائج والجرائح ١ : ٤١٤ / ١٩ ، كشف الغمة ٢ : ٣٩٥ ، الصراط المستقيم ٢ : ٢٠٥ / ١٥ ، وفيه باختصار ، مدينة المعاجز : ٥٥٠ / ٥٧ .

(٢) المخالي أو تل المخالي : تل عند سرّ من رأى ، مراصد الاطلاع ١ : ٢٧٢» .

(٣) في ش ، ص ، سبعون .

٥٥٧

على بعض في وسط برية واسعة هناك ، ففعلوا .

فلمّا صار مثل جبل عظيم صعد فوقه واستدعىٰ أبا الحسن عليه السلام واستصعده وقال : استحضرك للنظارة ، وقد كان أمرهم أن يلبسوا التجافيف (١) ويحملوا الأسلحة ، وقد عرضوا بأحسن زينة ، وأتمّ عدة ، وأعظم هيبة ، وكان غرضه أن يكسر كلّ من يخرج عليه ، وكان خوفه من أبي الحسن عليه السلام أن يأمر أحداً من أهل بيته أن يخرج على الخليفة .

فقال له أبو الحسن عليه السلام : «وهل أعرض عليك عسكري ؟» فقال : نعم .

فدعا الله سبحانه ، فإذا بين السماء والأرض من المشرق إلى المغرب ملائكة مدججون ، فغشي على المتوكل ، فلمّا أفاق قال له أبو الحسن عليه السلام : «نحن لا ننافسكم في الدنيا ، نحن مشتغلون بأمر الآخرة ، ولا عليك ممّا تظن» .

___________________

(١) التجافيف : جمع تجفاف بالكسر ، وهو آلة للحرب يلبسها الفَرَس تقيه الجراح «لسان العرب ـ جفف ـ ٩ : ٣٠» .

٥٥٨

الباب الرابع عشر

في ذكر آيات أبي محمّد الحسن بن علي العسكري

وفيه أربعة فصول

٥٥٩
٥٦٠