عماد الدين أبي جعفر محمّد بن علي الطوسي [ ابن حمزة ]
المحقق: الشيخ نبيل رضا علوان
الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة أنصاريان للطباعة والنشر
المطبعة: مطبعة القدس
الطبعة: ٤
ISBN: 978-964-438-681-7
الصفحات: ٧٠١
وجئت إلى أبي الحسن عليه السلام ، فوجدت امرأتي قاعدة على الباب ، والأبواب مغلقة ، فلم أزل أفتح واحداً بعد واحد حتّى وصلت إليه ، فأعلمته الخبر ، فقال : «نعم قد جاءني وانصرف» .
فخرجت إلى امرأتي فقلت لها : هل جاء أحد بعدي فدخل هذا الباب ؟ فقالت : لا والله ، ما فارقت الباب ، ولا فتحت الأقفال حتّى جئت .
٣٨٩ / ٧ ـ قال : وروى علي بن محمّد بن الحسن الأنباري أخو صندل ، قال : بلغني من جهة أخرى أنّه لمّا صار إليه هند بن الحجّاج قال له العبد الصالح عليه السلام عند انصرافه : «إن شئت رجعت إلى موضعك ولك الجنّة ، وإن شئت انصرفت إلى منزلك» فقال : إلى موضعي ، إلى السجن .
٣٩٠ / ٨ ـ عن إسحاق بن منصور ، قال : سمعت موسى بن جعفر عليهما السلام يقول ناعياً إلى رجل من الشيعة نفسه ، فقلت في نفسي : وإنّه ليعلم متى يموت الرجل من شيعته ؟! فالتفت إليَّ وقال : «إصنع ما أنت صانع ، فإنَّ عمرك قد فني ، وقد بقي منه دون سنتين ، وكذلك أخوك لا يمكث بعدك إلّا شهراً واحداً حتّى يموت ، وكذلك عامّة أهل بيتك ويتشتت كلهم ، ويتفرق جمعهم ، ويشمت بهم أعداؤهم ، ويصيرون رحمة (١) لإِخوانهم ، إن كان هذا في صدرك» . فقلت : أستغفر الله ممّا عرض في صدري منكم .
___________________
٧ ـ رجال الكشي : ٤٤٠ ، في آخر حديث ٨٢٧ ، عنه في مدينة المعاجز : ٤٦٨ .
٨ ـ بصائر الدرجات : ٢٨٥ / ١٣ ، الكافي ١ : ٤٠٤ / ٧ نحوه ، دلائل الإِمامة : ١٦٠ ، الخرائج والجرائح ١ : ٣١٠ ، اثبات الهداة ٣ : ١٩٦ / ٧٩ ، مدينة المعاجز : ٤٥٩ ، عن كتابنا هذا .
(١) في ر : زحمة .
فلم يستكمل منصور سنتين حتّى مات ، ومات بعده بشهر أخوه ، ومات أهل بيته ، وأفلس بقيتهم وتفرّقوا حتّى احتاج من بقي منهم إلى الصّدقة .
٣٩١ / ٩ ـ عن إسحاق بن عمّار قال : دخلت على موسى بن جعفر عليهما السلام فجلست عنده ، إذ استأذن عليه رجل خراساني فكلّمه بكلام لم أسمع بمثله ، كأنّه كلام الطير .
قال إسحاق : فأجابه عليه السلام بمثل هذا الكلام وبلغته ، إلى أن قضى وطره من مسائله وخرج من عنده ، فقلت : ما سمعت بمثل هذا الكلام !
قال : «هذا كلام قوم من أهل الصين ، وليس كلّ كلام أهل الصين مثله ثمّ إنّه تعجب من كلامي بلغته» فقلت : هو موضع التعجب . قال : «أخبرك بما هو أعجب منه ، إنّ الإِمام يعلم منطق الطير ومنطق كلّ ذي روح خلقه الله ، وما يخفى على الإِمام شيء» .
٣٩٢ / ١٠ ـ عن علي بن أبي حمزة ، قال : كنت عند موسى بن جعفر عليهما السلام إذ أتاه رجل من أهل الري يقال له (جندب) فسلّم عليه وجلس ، فسأله أبو الحسن عليه السلام وأحسن السؤال ، ثمّ قال له : «يا جندب ، ما فعل أخوك ؟» قال : بخير ، وهو يقرئك السلام . قال : «يا جندب ، أعظم الله أجرك في أخيك» قال : ورد كتابه من الكوفة لثلاثة عشر يوماً بالسلامة !
قال : «إنّه والله مات بعد كتابه إليك بيومين ، ودفع إلى امرأته مالاً
___________________
٩ ـ دلائل الطبري : ١٧١ ، الخرائج والجرائح ١ : ٣١٣ ، كشف الغمة ٢ : ٢٤٧ ، مدينة المعاجز : ٤٣٨ .
١٠ ـ دلائل الإِمامة : ١٦٢ ، الخرائج والجرائح ١ : ٣١٧ ، كشف الغمة ٢ : ٢٤١ ، فرج المهموم : ٢٣٠ ، عيون المعجزات : ٨٧ ، مدينة المعاجز : ٤٣٢ .
وقال : ليكن هذا المال عندك ، فإذا قدم أخي فادفعيه إليه ؛ وقد أودعته الأرض في البيت الذي كان يكون فيه ، فإذا أتيتها فتلطَّف لها وأطمعها في نفسك ، فإنّها ستدفعه إليك» .
قال علي بن أبي حمزة : وكان جندب رجلاً جميلاً . قال : فلقيت جندباً بعدها فقال : صدق أبو الحسن عليه السلام . فسألته عمّا قال له ، فقال : صدق والله سيدي ، ما زاد ولا نقص ، لا في الكتاب ، ولا في المال .
٣٩٣ / ١١ ـ وعنه ، قال : كان رجل من موالي أبي الحسن عليه السلام لي صديقاً ، قال : خرجت من منزلي يوماً ، فإذا أنا بامرأة حسناء جميلة ومعها أخرى فتبعتها ، فقلت لها : تمتعيني نفسك ؟ فالتفتت إليَّ وقالت : إن كان لنا عندك حسن فليس فينا مطمع ، وإن لم يكن لك زوجة فامض بنا . فقلت : ليس عندنا ، فانطلقت معي حتّى صرنا إلى باب المنزل فدخلت ، فلما أن خلعت فردة خفها ، وبقي الخفُّ الآخر تنزعها إذا بقارع يقرع الباب ، فخرجت إليه ، فإذا هو موفق ، فقلت له : ما وراءك ؟
فقال : خير ، يقول لك أبو الحسن عليه السلام : «أخرج هذه المرأة من البيت ، ولا تمسّها» فدخلت وقلت لها : البسي خفّيك يا هذه واخرجي .
فلبست خفّيها وخرجت ، فنظرتْ إلى الموفق بالباب ، فقال : سد الباب فسددته ، فوالله ما جازت غير بعيد ، وأنا وراء الباب أسمع (١) ، حتّى أتاها رجل فقال لها : مالك خرجت سريعاً ؟ وما لبثت إلَّا قليلاً . قالت : إنّ رسول الساحر جاء فأمره أن يخرجني ، فأخرجني . فسمعته
___________________
١١ ـ الخرائج والجرائح ١ : ٣١٨ / ١١ ، مدينة المعاجز : ٤٦٨ ، عن كتابنا هذا ، الصراط المستقيم ٢ : ١٩٠ / ٩ .
(١) في ر : اتطلع .
يقول : آه له ، فإذا القوم قد طمعوا في مال عندي .
فلمّا كان العشاء عدت إلى أبي الحسن عليه السلام فقال : «يا فلان تلك المرأة من أميّة ، أهل بيت اللعنة ، إنّهم كانوا بعثوها ليأخذوا ما بقي في بيتك ومنزلك ، فالحمد لله الذي صرفها عنك» .
ثمّ قال أبو الحسن عليه السلام : «تزوج بابنة فلان ـ وهو مولى لأبي أيّوب الأنصاري ـ فإن له ابنة قد جمعت كلّ ما تريد من أمر الدنيا والآخرة» . فتزوجتها فكانت كما قال عليه السلام .
الباب الحادي عشر
في ذكر معجزات الامام أبي الحسن علي بن موسى الرضا عليهما السلام
وفيه تسعة فصول
١ ـ فصل :
في بيان ظهور آياته في الاستسقاء
وفيه : حديث واحد
٣٩٤ / ١ ـ عن أبي يعقوب يوسف بن محمد بن زياد وعلي بن محمد بن سيار عن الحسن بن علي العسكري ، عن أبيه علي بن محمّد عن أبيه محمّد بن علي التقي عليهم السلام ، قال : «إن الرضا عليه السلام لمّا جعله المأمون ولي عهده ، جعل بعض حاشية المأمون والمتعصبين على الرضا عليه السلام يقولون : انظروا إلى الذي جاءنا من علي بن موسى الرضا ولي عهدنا فحبس الله عزّ وجل علينا المطر . واتصل ذلك بالمأمون فاشتدّ عليه ، فقال للرضا عليه السلام : لو دعوت الله عزّ وجل أن يمطر للناس . فقال : نعم . قال : ومتى تفعل ذلك ؟ وكان ذلك يوم الجمعة ، فقال : يوم الاثنين ، فإنّ رسول الله (ص) أتاني البارحة في منامي ومعه أمير المؤمنين عليه السلام وقال : يا بني انتظر يوم الاثنين ، وابرز إلى الصحراء واستسق فإنّ الله عزّ وجل يسقيهم ، واخبرهم بما يريك الله ممّا لا يعلمون كي يزداد علمهم بفضلك ومكانك من ربّك عزّ وجل .
___________________
١ ـ عيون اخبار الرضا عليه السلام ٢ : ١٦٧ ، دلائل الإِمامة : ١٩٥ ، مناقب ابن شهراشوب ٤ : ٣٧٠ ، وفيه قطعة منه ، فرائد السمطين ٢ : ٢١٢ / ٤٩٠ ، الصراط المستقيم ٢ : ١٩٧ / ١٧ ، قطعة منه ، اثبات الهداة ٣ : ٢٥٩ / ٣٥ .
فلما كان يوم الاثنين عمد إلى الصحراء وخرج الخلائق ينظرون ، فصعد المنبر ، فحمد الله وأثنىٰ عليه ، ثمّ قال : اللهم يا رب ، إنّك عظّمت حقنا أهل البيت وتوسلوا فأرسل مطراً غير ضار ، وليكن ابتداء مطرهم بعد انصرافهم من مشهدهم هذا إلى مستقرهم ومنازلهم .
قال : فوالذي بعث محمداً (ص) بالحق نبياً لقد هبت الرياح والغيوم ، وأرعدت وأبرقت ، وتحرك الناس كأنّهم يريدون التنحي عن المطر ، فقال الرضا عليه السلام . على رسلكم أيّها الناس ، فليس هذا الغيم لكم ، إنّما هي لبلد كذا . فمضت السحابة وعبرت .
فجاءت سحابة أخرى تشتمل على رعد وبرق ، فتحرك الناس ، فقال : على رسلكم ، فما هذه لكم إنّما هي لبلد كذا . فمضت ، فما زال كذلك حتّىٰ جاءت عشر سحائب وعبرت ، وهو يقول : إنّما هي لكذا .
ثمّ أقبلت سحابة جارية ، فقال : أيّها الناس هذه بعثها الله لكم ، فاشكروا الله على فضله عليكم ، وقوموا إلى منازلكم ومقاركم فإنّها مسامتة لرؤوسكم ، ممسكة عنكم ، إلى أن تدخلوا مقارّكم ، ثمّ يأتيكم من الخير ما يليق بكرم الله وجلاله .
ونزل عن المنبر وانصرف الناس ، فما زالت السحابة ممسكة إلى أن قربوا من منازلهم ، ثمّ جاءت بوابل مطر ، فملأت الأودية والحياض والغدران والفلوات ، وجعل الناس يقولون : هنيئاً لولد رسول الله (ص) كنز آيات الله» .
٢ ـ فصل :
في بيان ظهور آياته ومعجزاته فيما جعل الله تعالى الصورتين أسدين
وفيه : حديث واحد
٣٩٥ / ١ ـ وبالإِسناد المتقدِّم قال : «لما اتسق الأمر للرضا عليه السلام وطفق الناس يتذاكرون ذلك ، قال للمأمون بعض المبغضين : يا أمير المؤمنين ، أُعيذك بالله أن يكون تاريخ الخلفاء في إخراجك هذا الشرف العميم والفضل العظيم من بيت ولد العبّاس إلى بيت ولد علي [ لقد ] أعنت على نفسك وأهلك ، وجئت بهذا الساحر ابن الساحر ، وقد كان خاملاً فأظهرته ، ووضيعاً فرفعته ، ومنسياً فذكرت به ، ومستخفاً فنوهت به ، قد ملأ الدنيا مخرقة وتزويقاً بهذا المطر الوارد بدعائه ، فما أخوفنا أن يخرج هذا الأمر من ولد العبّاس إلى ولد علي ، ما أخوفنا من أن يتوصل بالسحر إلى إزالة نعمتك والوثوب سراعاً إلى مملكتك ، هل جنى أحد على نفسه وملكه مثل ما جنيت ؟
قال المأمون : جئنا بهذا الرجل وأردنا أن نجعله ولي عهدنا ليكون دعاءه إلينا ، ويعترف بالخلافة والملك لنا ، وليعتقد المقرّون به (١) أنّه ليس ممّا ادّعى في قليل ولا كثير ، وأنّ هذا الأمر لنا من دونه ، وقد
___________________
١ ـ عيون اخبار الرضا عليه السلام ٢ : ١٧٠ ، دلائل الامامة : ١٩٧ ، مناقب ابن شهراشوب ٤ : ٣٧٠ ، قطعة منه ، اثبات الهداة ٣ : ٢٦٠ / ذيل حديث ٣٥ .
(١) في ش ، ص : المتقربون منه .
خشينا إن تركناه على تلك الحالة أن ينشق علينا منه (ما لا نسدّه) (١) ، ويأتي علينا ما لا نطيقه ، فالآن إذ قد فعلناه ، وأخطأنا في أمره بما أخطأنا ، وأشرفنا من الهلاك (بالتنويه به) (٢) على ما أشرفنا ، فليس يجوز التهاون في أمره ، لكنا نحتاج أن نضع منه قليلاً ، حتّى نصوره عند الرعايا بصورة من لا يستحق هذا الأمر ، ثم ندبر فيه .
فقال الرجل المدبّر : يا أمير المؤمنين ، خوّلني مجادلته ، فإنّي أفحمه وأصحابه ، وأضع من قدره ، ولولا هيبتك في صدري لأريته منزلته ؛ ونكشف للناس عن قصوره عما رشّحته له . فقال المأمون : ما شيء أحبّ إليَّ من هذا .
قال : فاجمع جماعة من وجوه أهل مملكتك ، من القواد والقضاة وجملة الفقهاء لأبيّن نقصه بحضرتهم ، فيكون تأخيرك له عن محله الذي أحللته فيه على علم منهم بصواب فعلك .
قال : فجمع الخلق الفضلاء (٣) من رعيته في مجلس واحد واسع قعد لهم فيه ، وأقعد الرضا عليه السلام في دسته التي جعلها له بين يديه ، فانتدب هذا الحاجب المتضمن للموضع من الرضا عليه السلام وقال : إنّ الناس قد أخبروا عنك الحكايات وأسرفوا في وصفك ، فيما أرى أنّك إن وقفت عليه برئت إلى الله منه ، وأنّك دعوت الله تعالى في المطر المعتاد مجيئه فجعلوا ذلك معجزة أوجبوا لك بها آية ، وأنّه لا نظير لك في الدنيا ، وهذا أمير المؤمنين ـ أدام الله تعالى مملكته ـ لا يوازن بأحد إلّا رجح عليه ، وقد أحلّك المحل الذي قد عرفت ، وليس من حقّه عليك أن تسوغ الكذابين لك وعليه ما يكذبونه .
___________________
(١) في ش : شيء لا نقدره .
(٢) في النسخ (بالشر منه على) وما أثبتناه من المصادر والتنويه به : أي رفع شأنه والاشارة إلى فضله .
(٣) في ر : الفاضلين .
فقال الرضا عليه السلام : ما أدفع عباد الله عن التحدّث بنعم الله عليّ (١) ، وأمّا ذكرك صاحبك الذي أحلّني ما أحلّني ، [ فما أحلّني إلا ] المحل الذي أحله ملك مصر يوسف الصدّيق عليه السلام ، فكان حالهما ما قد عرفت . فغضب الحاجب عند ذلك وقال : يا علي بن موسى ، لقد عدوت طورك ، وتجاوزت قدرك ، أن بعث الله بمطر مقدور في وقته ، لا يتقدم ولا يتأخر ؛ جعلته آية تستطيل بها ، وصولة تصول بها ، كأنّك جئت بمثل آية إبراهيم الخليل عليه السلام لمّا أخذ رؤوس الطير بيده ودعا أعضاءها التي كان فرّقها على الجبال فأتينه سعياً ونزلن على الرؤوس ، وخفقن وطرن بإذن الله تعالى ، فإن كنت صادقاً فيما تزعم فأحى هذين السبعين وسلطهما عليَّ ، فإنّ ذلك حينئذٍ يكون آية معجزة ، فأمّا المطر المعتاد فلست أنت أحق بأن يكون جاء بدعائك (دون دعاء) (٢) غيرك الذي دعا كما دعوت .
وكان الحاجب أشار إلى أسدين مصوّرين على مسند المأمون الذي كان يستند إليه ، وكانا متقابلين على المسند ، فغضب الرضا عليه السلام وصاح بالصورتين : دونكما الفاجر فافترساه في المجلس ، ولا تبقيا له عيناً ولا أثراً .
فوثبت الصورتان والقوم ينظرون متحيرين (٣) ، فلمّا فرغا منه أقبلا على الرضا عليه السلام وقالا : يا ولي الله في أرضه ماذا تأمرنا أنفعل به ما فعلنا بهذا ؟ يشيران إلى المأمون ، فغشي على المأمون منهما ، فقال الرضا عليه السلام : قفا . فوقفا ، ثمّ قال : صبّوا عليه ماء ورد وطيّبوه . ففعل ذلك به ، وعاد الأسدان يقولان : أتأذن لنا أن نلحقه بصاحبه الذي افترسناه . قال : لا ، فإنّ لله عزّ وجل فيه تدبيراً ممضيه .
___________________
(١) زاد في ر : وإن كنت لأبين أو لأوطين .
(٢) في النسخ (من) وما أثبتناه من المصادر .
(٣) زاد في ر : بما ينظرون .
فقالا : فماذا تأمرنا ؟ فقال : عودا إلى مقركما كما كنتما .
فعادا إلى المسند ، فصارا صورتين كما كانتا ، فقال المأمون : الحمد لله الذي كفاني شرهما وشر حميد بن مهران . يعني الرجل المفترس ، فقال للرضا عليه السلام : هذا الأمر لجدّكم (ص) ثمّ لكم ، ولو شئتَ لنزلت عنه لك» .
٣ ـ فصل :
في بيان ظهور آياته في قلب الحجر ذهباً
وفيه : حديثان
٣٩٦ / ١ ـ عن علي بن أسباط ، قال : ذهبت إلى الرضا عليه السلام في يوم عرفة فقال لي : «اسرج لي حماري» فأسرجت له حماره ، ثمّ خرج من المدينة إلى البقيع يزور فاطمة عليها السلام ، فزار وزرت (١) معه ، فقلت : سيدي على كم أسلّم ؟ فقال لي : سلّم على فاطمة الزهراء البتول ، وعلى الحسن والحسين ، وعلى علي بن الحسين ، وعلى محمّد بن علي ، وعلى جعفر بن محمّد ، وعلى موسى بن جعفر عليهم أفضل الصلاة وأكمل التحيّات» فسلّمت على ساداتي ورجعت .
فلمّا كان في بعض الطريق : قلت : يا سيدي إنّي معدم ، وليس عندي ما أنفقه في عيدي هذا . فحكَّ الأرض بسوطه ، ثمَّ ضرب بيده ، فتناول سبيكة ذهب ، فيها مائة دينار ، فقال لي : «خذها» فأخذتها فأنفقتها في أموري .
٣٩٧ / ٢ ـ ومثل ذلك ما رواه إبراهيم بن موسى ، قال : ألححت
___________________
١ ـ وعنه في مدينة المعاجز : ٥١٠ .
(١) في ش ، ص ، وهامش ر ، ك : وكنت .
٢ ـ بصائر الدرجات :
٣٧٤ / ٢ ، باختلاف فيه ، الاختصاص : ٢٧٠ ، ارشاد
على أبي الحسن الرضا عليه السلام في شيء طلبته منه لحاجتي ، وكان يعدني ، فخرج ذات يوم ليستقبل والي المدينة ، وكنت معه ، فجاء إلى قرب قصر فلان ونزل تحت شجرة (١) ونزلت معه ، وليس معنا ثالث ، فقلت له : جعلت فداك ، هذا أوان ما وعدتني مراراً ، وأنا معدم درهماً فما سواه .
قال : فحكّ بسوطه الأرض حكّاً شديداً ، ثمّ ضرب بيده ، فتناول سبيكة ذهب من موضع الحكّ ، وقال : «خذها وانتفع بها ، واكتم عليَّ ما رأيت ، والحمد لله رب العالمين» .
___________________
المفيد : ٣٠٩ ، دلائل الإِمامة : ١٩٠ ، مناقب ابن شهراشوب ٤ : ٦٤ ، قطعة منه ، كشف الغمة ٣ : ٦٤ ، اعلام الورىٰ : ٣١٣ ، باختلاف فيه .
(١) في ر ، ص ، م ، ك : شجرات .
٤ ـ فصل :
في بيان ظهور آياته من العلم بحديث النفس
وفيه : سبعة أحاديث
٣٩٨ / ١ ـ عن الحسن بن علي بن فضّال ، قال : قال عبد الله بن المغيرة : كنت واقفياً ، فحججت على تلك الحالة ، فلمّا صرت (١) بمكة اختلج في صدري شيء ، فتعلّقت بالملتزم (٢) ، ثمّ قلت : اللهمّ قد علمتَ طلبتي وإرادتي ، فارشدني إلى خير الأديان ، فوقع في نفسي أن آتي الرضا عليه السلام ، فأتيت المدينة ، فوقفت ببابه وقلت للغلام : قل لمولاك : رجل من أهل العراق بالباب .
فسمعت النداء : «ادخل يا عبد الله بن المغيرة» فدخلت ، فلمّا نظر إليَّ قال لي : «قد أجاب الله دعوتك وهداك لدينه» فقلت : أشهد أنّك حجّة الله وأمينه على خلقه .
___________________
١ ـ الكافي ١ : ٣٥٥ / ١٣ ، عيون أخبار الرضا عليه السلام ٢ : ٢١٩ / ٣١ ، اختيار معرفة الرجال : ٥٩٤ / ١١١٠ ، الاختصاص : ٨٤ ، مناقب ابن شهراشوب ٤ : ٣٧١ ، كشف الغمة ٢ : ٣٠٢ مع اختلاف فيه ، إعلام الورىٰ : ٣١٠ ، مدينة المعاجز : ٤٧٦ / ٢٢ .
(١) في ش : مررت .
(٢) الملتزم : ويقال له المدعى والمتعوذ ، سمي بذلك لالتزامه عند الدعاء والتعوذ ، وهو ما بين الحجر الأسود والباب . . (معجم البلدان ٥ : ١٩٠) .
٣٩٩ / ٢ ـ عن أبان ، عن معمّر بن خلّاد ، قال : قال لي الريّان بن الصلت : أردت أن تستأذن لي على أبي الحسن الرضا عليه السلام ، فأسلّم عليه ، وأحبّ أن يكسوني من ثيابه ، وأن يهب لي من الدراهم التي ضربت باسمه .
فدخلت على الرضا عليه السلام فقال مبتدئاً : «إنّ الريّان بن الصلت يريد الدخول علينا ، والكسوة من ثيابنا ، والعطية من دراهمنا» ، فأذن له ، فدخل وسلّم ، فأعطاه ثوبين وثلاثين من الدراهم (التي ضربت) (١) باسمه .
٤٠٠ / ٣ ـ عن علي بن إبراهيم بن هاشم ، قال : حدّثني الريّان ابن الصلت قال : لمّا أردت الخروج إلى العراق عزمت على توديع الرضا عليه السلام وقلت في نفسي : إذا ودّعته سألته قميصاً من ثياب جسده الشريف ، لأكفن فيه ، ودراهم من ماله الحلال الطيّب ، لأصوغ لبناتي منها خواتيم .
فلمّا ودّعته شغلني البكاء والأسى على مفارقته عن مساءلته ، فلمّا خرجت من بين يديه صاح بي : «يا ريّان ، ارجع» فرجعت ، فقال لي : «أما تحب أن أدفع إليك قميصاً من ثياب جسدي تكفن فيه إذا فني أجلك أو ما تحبّ أن أدفع إليك دراهم تصوغ منها لبناتك خواتيم ؟» .
فقلت : يا سيدي قد كان في نفسي أن أسألك ذلك ، فمنعني الغم لفراقك .
فرفع عليه السلام الوسادة وأخرج قميصاً ، فدفعه إليَّ ، ورفع
___________________
٢ ـ عيون أخبار الرضا عليه السلام ٢ : ٢٠٨ / ١٠ ، اختيار معرفة الرجال : ٥٤٧ / ١٠٣٦ ، مناقب ابن شهراشوب ٤ : ٣٤٠ ، قرب الإِسناد : ١٤٨ ، كشف الغمة ٢ : ٢٩٩ ، مع اختلاف فيه ، اعلام الورىٰ : ٣١٠ .
(١) في ر ، ك ، م : المضروبة .
٣ ـ عيون أخبار الرضا عليه السلام ٢ : ٢١١ / ١٧ .
جانب المصلَّى فأخرج دراهم ، فدفعها إلي ، وكانت ثلاثين درهماً (١) .
٤٠١ / ٤ ـ عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر البزنطي ، قال : كنت شاكاً في أبي الحسن الرضا عليه السلام ، وكتبت إليه كتاباً أسأله فيه الإِذن عليه ، وقد أضمرت في نفسي أن أسأله إذا دخلت عليه عن ثلاث آيات قد عقدت قلبي عليها .
قال : فأتاني جواب ما كتبت به إليه «عافانا الله وإياك ، أمّا ما طلبت من الإِذن عليَّ فإنّ الدخول عليَّ صعب ، وهؤلاء قد ضيّقوا عليَّ في ذلك الوقت فلست تقدر عليه الآن ، وسيكون إن شاء الله» وكتب عليه السلام بجواب ما أردت أن أسأله من الآيات الثلاث في الكتاب ، ولا والله ما ذكرت له منهنَّ شيئاً ، ولقد بقيت متعجباً بما ذكر هو في الكتاب ، ولم أدر أنه جوابي إلا بعد ذلك ، فوقفت على معنى ما كتب به .
٤٠٢ / ٥ ـ ابن أبي يحيى ، قال : لمّا توفي أبو الحسن موسى عليه السلام وقفت فحججت تلك السنة ، فإذا أنا بعلي بن موسى الرضا عليه السلام فأضمرت في نفسي أمراً فقلت : ( أَبَشَرًا مِّنَّا وَاحِدًا نَّتَّبِعُهُ ) (٢) فمرّ كالبرق الخاطف عليَّ فقال : «أنا البشر الذي يجب عليك أن تتبعني» . فقلت : يا مولاي معذرة إلى الله تعالى وإليك . فقال : «مغفور لك إن شاء الله تعالى» .
٤٠٣ / ٦ ـ وروى مالك بن نوبخت ، عن جدّه أبي محمّد الغفاري ، قال : لزمني دين ثقيل ، فقلت : ما لقضاء ديني غير سيدي
___________________
٤ ـ عيون أخبار الرضا عليه السلام ٢ : ٢١٢ / ١٨ ، غيبة الطوسي : ٤٧ ، مثله .
٥ ـ عيون أخبار الرضا عليه السلام ٢ : ٢١٧ / ٢٧ ، بحار الأنوار ٤٩ / ٣٨ / ٢١
(١) سورة القمر الآية : ٢٤ .
٦ ـ عيون أخبار الرضا عليه السلام ٢ : ٢١٨ / ٢٩ ، بحار الأنوار ٤٩ : ٣٨ / ٢٢ .
ومولاي أبي الحسن الرضا عليه السلام .
فلمّا أصبحت أتيت منزله ، واستأذنت عليه فأذن لي ، فدخلت فقال لي : «ابتداء يا أبا محمّد ، قد عرفنا حاجتك وعلينا قضاء دينك» .
فلمّا أمسينا أتى بطعام الإِفطار ، فأكلنا ، فقال : «يا أبا محمّد ، تبيت أو تنصرف ؟» فقلت : يا سيدي ، إن قضيت حاجتي بالانصراف أحبّ إليَّ .
قال : فتناول عليه السلام من تحت البساط قبضة ودفعها إليَّ ، فخرجت ودنوت من السراج ، فإذا هي دنانير حمر وصفر ، فأول دينار وقع في يدي رأيت نقشه كان عليه : «يا أبا محمّد ، الدنانير خمسون ، ستة وعشرون منها لقضاء دينك ، وأربعة وعشرون لنفقة بيتك» .
فلمّا أصبحت فتشت الدنانير ، فلم أجد ذلك الدينار ، وإذا هي لم تنقص شيئاً .
وفيه ثلاث آيات .
٤٠٤ / ٧ ـ عن محمّد بن عيسى اليقطيني ، قال : سمعت هشاما العباسي يقول : دخلت على أبي الحسن الرضا عليه السلام يوما أريد أن أسأله أن يعوّذني من صداع أصابني ، وأن يهب لي ثوبين من ثيابه أحرم فيهما ، فلمّا دخلت سألته عن مسائل فأجابني ، ونسيت حوائجي ، فلمّا قمت لأخرج وأردت أن أودّعه قال لي : «اجلس» فجلست بين يديه ، فوضع يده على رأسي وعوَّذني ، ثمّ دعا بثوبين سعيديين (١) على عمل الموشى الذي كنت أطلبه ، فدفعهما إليَّ .
___________________
٧ ـ عيون أخبار الرضا عليه السلام ٢ : ٢٢٠ / ٣٦ ، كشف الغمة ٢ : ٣٠٣ ، قطعة منه .
(١) السعيدية : من برود اليمن «لسان العرب ـ سعد ـ ٣ : ٢١٨» .
٥ ـ فصل :
في بيان ظهور آياته تجري مجرى تلك (*)
وفيه : حديثان
٤٠٥ / ١ ـ عن الحسن بن علي الوشّاء ، قال : كنت كتبت مسائل كثيرة قبل أن أقطع على الرضا عليه السلام ، وجمعتها في كتاب ممّا روي عن آبائه عليهم السلام وغيره ، وأردت أن أتثبت في أمره وأختبره ، فحملت الكتاب في كمي وصرت إلى منزله ، وأردت أن أجد منه خلوة فأتلو له الكتاب ، فجلست ناحية وأنا متفكر في طلب الإِذن عليه ، فإذا أنا بالغلام قد خرج من الدار وفي يده كتاب ، فقال : أيّكم الحسن بن علي الوشاء البغدادي ؟ فقمت إليه وقلت : أنا الحسن بن علي ، فما حاجتك ؟ فقال : هذا الكتاب أمرني أن أدفعه إليك ، فهاك . فأخذته وتنحيت ناحية ، فقرأته ، فإذا فيه والله جواب مسألة مسألة ، فعند ذلك قطعت عليه ، وتركت الوقف .
٤٠٦ / ٢ ـ عن علي بن محمد الشيرواني ، عن علي بن أحمد الوشّاء الكوفي ، قال : خرجت من الكوفة إلى خراسان ، فقالت لي
___________________
(*) هذا الفصل ساقط من النسخة ر .
١ ـ عيون أخبار الرضا عليه السلام ٢ : ٢٢٨ / ١ .
٢ ـ دلائل الإِمامة : ١٩٤ ، مناقب ابن شهراشوب ٤ : ٣٤١ ، كشف الغمة ٣ : ١٠٢ ، اعلام الورىٰ : ٣٠٩ .
ابنتي : خذ هذه الحلّة فبعها واشتر لي بثمنها فيروزجاً .
قال : فأخذتها وشددتها في بعض متاعي ، وقدمت مرو ، فنزلت في بعض الفنادق ، فإذا غلمان علي بن موسى ، المعروف بالرضا عليه السلام ، قد جاءوا فقالوا : نريد حلّة نكفن فيها بعض غلماننا فقلت : ما هي عندي فمضوا ثمّ عادوا فقالوا : مولانا يقرئك السلام ، ويقول : «معك حلّة في السفط الفلاني ، قد دفعتها إليك ابنتك وقالت : اشتر لي بثمنها فيروزجاً ، وهذا ثمنها» فدفعتها إليهم وقلت : والله لأسألنه عن مسائل ، فإن أجابني عنها فهو إمامي ، وكتبتها وغدوت إلى بابه ، فلم أصل إليه من كثرة الازدحام على الباب . فبينا أنا جالس إذ خرج إليَّ خادم فقال لي : يا علي بن محمد ، هذه جوابات مسائلك التي معك . فأخذتها فإذا هي جوابات مسائلي بعينها .