الثّاقب في المناقب

عماد الدين أبي جعفر محمّد بن علي الطوسي [ ابن حمزة ]

الثّاقب في المناقب

المؤلف:

عماد الدين أبي جعفر محمّد بن علي الطوسي [ ابن حمزة ]


المحقق: الشيخ نبيل رضا علوان
الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة أنصاريان للطباعة والنشر
المطبعة: مطبعة القدس
الطبعة: ٤
ISBN: 978-964-438-681-7
الصفحات: ٧٠١

عليهما ، فقال له : يا وردان . فقال كنكر : ليس اسمي وردان . فقال له عليّ بن الحسين : بل تكذب ، يوم ولدتك أمّك سمّتك وردان ، وجاء أبوك فسمّاك كنكر . فقال : أشهد أن لا إلٰه إلّا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أنّ محمداً عبده ورسوله ، وأنّك وصيّه من بعده ، وأشهد أن أمّي حدّثتني بهذا الحديث بعد ما عقلت» .

٣٠٠ / ٣ ـ عن الصادق جعفر بن محمّد صلوات الله عليهما ، قال : «لمّا قُتِلَ ابن الزبير وظهر عبد الملك بن مروان على الأمر كتب إلى الحجّاج بن يوسف ـ وكان عامله على الحجاز ـ :

بِسْمِ الله الرَّحمٰنِ الرَّحِيمِ .

من عبد الله عبد الملك إلى الحجّاج بن يوسف .

أمّا بعد ، فانظر دماء بني عبد المطلب واحقنها واجتنبها ، فإنّي رأيت آل أبي سفيان لمّا ولغوا في دمائهم لم يلبثوا إلّا قليلاً ، والسلام .

وبعث بالكتاب سرَّاً ، فبعث عليّ بن الحسين صلوات الله عليهما إلى عبد الملك بن مروان :

أما بعد ، فإنّك كتبت في يوم كذا ، في ساعة كذا ، في شهر كذا ، في سنة كذا بكذا وكذا ، وإنّ الله تعالى قد شكر لك ذلك ، لأنّ رسول الله (ص) أتاني في منامي فأخبرني أنّك كتبت في يوم كذا ، في ساعة كذا ، وأنّ الله تعالى قد شكر لك ذلك ، وثبّت ملكك ، وزادك فيه برهة .

ثمّ طوى الكتاب وختمه وأرسله مع غلام له على بعير ، وأمره أن

___________________

٣ ـ بصائر الدرجات : ٣٩٦ / ٤ ، اثبات الوصية : ١٦٨ ، الاختصاص : ٣٠٨ ، الخرائج والجرائح ١ : ٢٥٦ ، كشف الغمة ٢ : ٣٢٤ ، الصراط المستقيم ٢ : ١٨٠ / ٢ ، الهداية الكبرىٰ : ٢٢٣ ، مدينة المعاجز : ٣٠٧ / ٤٣ ، عن كتابنا .

٣٦١

يوصله إلى عبد الملك ، فلمّا نظر في التاريخ وجده وافق تلك الساعة التي بعث بالكتاب إلى الحجّاج فيها ، فلم يشكّ في صدق عليّ بن الحسين صلوات الله عليهما ، وفرح فرحاً شديداً ، وبعث إلى عليّ بن الحسين بوقر راحلته دنانير وأثواباً لما سرّ به من الكتاب» والمنّة لله .

٣٠١ / ٤ ـ عن الزهريّ ، قال : كان لي أخ في الله تعالى ، وكنت شديد المحبّة له ، فمات في جهاد الروم ، فاغتبطت به وفرحت أن استشهد ، وتمنيت أنّي كنت استشهدت معه ، فنمت ذات ليلة ، فرأيته في منامي .

فقلت له : ما فعل بك ربّك ؟ فقال : غفر الله لي بجهادي ، وحبّي محمّداً وآل محمّد ، وزادني في الجنّة مسيرة مائة ألف عام من كلّ جانب من الممالك بشفاعة عليّ بن الحسين صلوات الله عليهما .

فقلت له : قد اغتبطت أن استشهدت بمثل ما أنت عليه [ قال : أنت ] (١) فوقي من مسيرة ألف ألف عام .

فقلت : بماذا ؟! فقال : ألست تلقى عليّ بن الحسين عليه السلام في كلّ جمعة مرّة وتسلّم عليه ، وإذا رأيت وجهه صلّيت على محمّد وآل محمّد ، ثمّ تروي عنه ، وتذكر في هذا الزمان النكد ـ زمان بني أميّة ـ فتعرَّض للمكروه ، ولكن الله يقيك .

فلمّا انتبهت قلت : لعلّه أضغاث أحلام . فعاودني النوم فرأيت ذلك الرجل يقول : أشككت ؟ لا تشك فإنّ الشكّ كفر ، ولا تخبر بما رأيت أحداً ، فإنّ عليّ بن الحسين يخبرك بمنامك هذا كما أخبر رسول الله (ص) أبا بكر بمنامه في طريقه من الشام . فانتبهت وصلّيت فإذا

___________________

٤ ـ عنه في مدينة المعاجز : ٣١٩ / ٩٥ .

(١) في الأصل : وكنت . وفي ر : فقال : قد اغتبطت أن تستشهد بمثل ما أنا عليه وكنت .

٣٦٢

رسول عليّ بن الحسين صلوات الله عليه ، فصرت إليه فقال : «يا زهريّ ، رأيت البارحة كذا وكذا . . .» المنامين جميعاً على وجههما .

٣٠٢ / ٥ ـ عن أبي خالد الكابليّ ، قال : لمّا قُتِل أبو عبد الله الحسين صلوات الله عليه وبقيت الشيعة متحيرة ولزم عليّ بن الحسين صلوات الله عليهما منزله ، اختلفت الشيعة إلى الحسن بن الحسن ، وكنت فيمن يختلف إليه وجعلت الشيعة تسأله عن مسألة ولا يجيب فيها ، وبقيت لا أدري مَن الإِمام متحيّراً ، وإنّي سألته ذات يوم فقلت له : جعلت فداك ، عندك سلاح رسول الله (ص) فغضب ، ثمّ قال :

يا معشر الشيعة ، تعنّونا (١) ؟! فخرجت من عنده حزيناً كئيباً لا أدري أين أتوجه ، فمررت بباب عليّ بن الحسين زين العابدين عليه الصلاة والسلام قائمٌ الظهيرة ، فإذا أنا به في دهليزه قد فتح بابه ، فنظر إليَّ فقال : «يا كنكر» فقلت : جعلت فداك ، والله إنّ هذا الاسم ما عرفه أحد إلّا الله عزّ وجل ، وأنا ، وأمّي كانت تلقبني به وتناديني وأنا صغير .

قال : فقال لي : «كنت عند الحسن بن الحسن ؟» قلت : نعم . قال : «إن شئت حدّثتك ، وإن شئت تحدّثني ؟» . فقلت : بأبي أنت وأمّي فحدّثني ، قال : «سألته عن سلاح رسول الله (ص) ، فقال : يا معشر الشيعة ، تعنّونا ؟» (١) فقلت : جعلت فداك ، كذا والله كانت القضيّة ، فقال للجارية : «إبعثي إليَّ بالسفط» فأخرجت إليه سفطاً مختوماً ، ففضّ خاتمه وفتحه ، ثمّ قال : «هذه درع رسول الله (ص)» ثمّ أخذها ولبسها ، فإذا هي إلى نصف ساقه .

___________________

٥ ـ رجال الكشي : ١٢٠ ، مناقب ابن شهراشوب ٤ : ١٣٥ ، الهداية الكبرىٰ : ٢٢٥ ، مدينة المعاجز : ٣١٢ / ٦٤ ، قطعة منه .

(١) في بعض النسخ : تعيبونا ، وفي هامش ر : تعنتونا .

٣٦٣

قال : فقال لها : «اسبغي» (١) فإذا هي تنجرّ في الأرض . ثمّ قال : «تقلّصي» فرجعت إلى حالها . ثمّ قال صلوات الله عليه : «إنّ رسول الله (ص) إذا لبسها قال لها هكذا ، وفعلت هكذا مثله» .

___________________

(١) يقال للدرع التي تجرّها في الأرض أو على كعبيك طولاً وسعة : الدرع السابغة . «لسان العرب ـ سبغ ـ ٨ : ٤٣٣» .

٣٦٤

٨ ـ فصل :

في بيان ظهور آياته في معان شتّى

وفيه : حديث واحد

٣٠٣ / ١ ـ عن الباقر عليه السلام ، قال : «كان عبد الملك بن مروان يطوف بالبيت ، وعليّ بن الحسين عليهم السلام يطوف بين يديه ولا يلتفت إلينا ؟ ولم يكن عبد الملك يبصر (١) وجهه ، فقال : من هذا الذي يطوف بين يدينا ولا يلتفت إلينا ؟ فقيل له : هذا عليّ بن الحسين . فجلس مكانه ، فقال : ردوه إليَّ . فردوه فقال له : يا عليّ بن الحسين إنّي لست قاتل أبيك ، فما يمنعك من المصير إليَّ ؟

فقال عليّ بن الحسين صلوات الله عليهما : إنّ قاتل أبي أفسد على نفسه بما فعله دنياه عليه ، وأفسد أبي عليه بذلك آخرته ، فإن أحببت أن تكون كهو فكن .

فقال : كلا ، ولكن تصير إلينا لتنال من دنيانا .

فجلس زين العابدين صلوات الله عليه وبسط رداءه ، فقال :

___________________

١ ـ الاختصاص : ١٩١ ، أمالي المرتضى ١ : ٦٩ ، الخرائج والجرائح ١ : ٢٥٥ ، مناقب ابن شهراشوب ٤ : ١٦٩ ، كشف الغمة ٢ : ٢٩١ ، الصراط المستقيم ٢ : ١٨٠ ، وفي الكل نحوه وبألفاظ عدا الخرائج ، مدينة المعاجز : ٣١٣ / ٧٣ ، عن كتابنا هذا .

(١) في م : ينظر .

٣٦٥

اللّهمّ أره حرمة أوليائك عندك . فإذا رداؤه مملوء درَّاً يكاد شعاعها يخطف بالأبصار ، فقال : من يكون هذه حرمته عند ربّه كيف يحتاج إلى دنياك ؟! ثمّ قال : اللَّهمّ خذها فلا حاجة لي فيها» .

٣٦٦

الباب الثامن

في ذكر آيات أبي جعفر محمّد بن عليّ صلوات الله عليهما

وفيه سبعة فصول

٣٦٧

٣٦٨

١ ـ فصل :

في بيان ظهور آياته من إحياء الموتى

وفيه : ثلاثة أحاديث

٣٠٤ / ١ ـ عن المفضّل بن عمر ، قال : بينا أبو جعفر صلوات الله عليه سائر بين مكّة والمدينة إذ انتهى إلى جماعة على الطريق ، فإذا رجل منهم قد نفق (١) حماره ، وتبدّد متاعه ، وهو يبكي ، فلمّا رأى أبا جعفر صلوات الله عليه أقبل إليه وقال له : يا ابن رسول الله ، نفق (٢) حماري ، فدعا أبو جعفر عليه السلام فأحيا الله تعالى له حماره .

٣٠٥ / ٢ ـ وقد سمعت شيخي أبا جعفر محمّد بن الحسن الشوهانيّ رضي الله عنه بمشهد الرضا عليه الصلاة والسلام في داره ، وهو يقرأ من كتابه ، وقد ذهب عني (٣) اسم الراوي ، أنّ فتى من أهل الشام كان يكثر الجلوس عند أبي جعفر صلوات الله عليه فقال ذات يوم : والله ، ما أجلس إليك حبّاً لك ، وإنّما أجلس إليك لفصاحتك وفضلك . فتبسم صلوات الله عليه ولم يقل شيئاً ، ثمّ فقده بعد ذلك

___________________

١ ـ مناقب ابن شهراشوب ٤ : ١٨٤ ، مدينة المعاجز : ٣٤٣ / ٧٣ ، عن كتابنا هذا .

(١ ، ٢) في ر ، ك ، ع ، م : مات .

٢ ـ أمالي الطوسي ٢ : ٢٤ ، مناقب ابن شهراشوب ٤ : ١٨٦ ، مدينة المعاجز : ٣٤٤ / ٧٤ .

(٣) في م : عنه .

٣٦٩

أيّاماً ، فسأل عنه فقيل له : مريض فدخل عليه إنسان وقال له : يا ابن رسول الله ، إنّ الفتى الذي كان يكثر الجلوس إليك قد قضى ، وقد أوصى إليك أن تصلّي عليه . فقال صلوات الله عليه : «إذا غسّلتموه فدعوه على السرير ولا تكفنوه حتّىٰ آتيكم» ثمّ قام فتطهّر ، وصلّى ركعتين ، ودعا ، وسجد بعده فأطال السجود ، ثمّ قام فلبس نعله ، وتردّى برداء رسول الله (ص) ، ومضى إليه .

فلمّا وصل ودخل البيت الذي يغسّل فيه وهو على سريره ، وقد فرغ من غسله ناداه باسمه فقال : يا فلان . فأجابه ولبّاه ، ورفع رأسه وجلس ، فدعا صلوات الله عليه بشربة سويق فسقاه ، ثمّ سأله : «ما حالك ؟» فقال : إنه قد قبض روحي بلا شك مني ، وإنّي لمّا قبضت سمعت صوتاً ما سمعت قط أطيب منه : ردّوا إليه روحه ، فإنّ محمّد بن عليّ قد سألناه . .

٣٠٦ / ٣ ـ عن محمّد بن مسلم ، عن أبي عيينة ، قال : إنّ رجلاً جاء إلى أبي جعفر صلوات الله عليه وقال : أنا رجل من أهل الشام لم أزل ـ والله ـ أتولاكم أهل البيت ، وأبرأ من عدوكم ، وإنّ أبي ـ لا رحمه الله ـ كان يتولّى بني أميّة ويفضّلهم عليكم ، وكنت أبغضه على ذلك ، ويبغضني على حبّكم ، ويحرمني ماله ، ويجفوني في حياته وبعد مماته ، وقد كان له مال كثير ، ولم يكن له ولد غيري ، وكان مسكنه بالرملة (١) ، وكان له بيت (٢) يخلو فيه بنفسه ، فلمّا مات طلبت ماله في كلّ موضع

___________________

٣ ـ الخرائج والجرائح ١ : ٥٩٧ / ٩ ، مناقب ابن شهراشوب ٤ : ٩٣ ، روضة الواعظين : ٢٠٥ ، الصراط المستقيم ٢ : ١٨٤ / ١٩ ، مدينة المعاجز : ٣٤٤ / ٧٥ ، عن كتابنا هذا .

(١) الرملة : مدينة في فلسطين شمال شرقي القدس «معجم البلدان ٣ : ٦٩» .

(٢) في ر ، ص ، ع ، ك ، م : كنيسة .

٣٧٠

فلم أظفر به ، ولست أشكّ أنّه دفنه في موضع وأخفاه عنّي لا رضي الله عنه .

فقال أبو جعفر صلوات الله عليه : «أفتحب أن تراه وتسأله أين موضع ماله ؟» فقال له : أجل فإنّي فقير محتاج . فكتب له أبو جعفر صلوات الله عليه كتاباً بيده الكريمة في رق أبيض ، ثمّ ختمه بخاتمه ، وقال : «إذهب بهذا الكتاب الليلة إلى البقيع حتّى تتوسطه ، ثمّ تنادي : يا ذرجان (١) فإنّه سيأتيك رجل معتم ، فادفع إليه الكتاب وقل له : أنا رسول محمّد بن عليّ بن الحسين بن زين العابدين ـ صلوات الله عليه ـ واسأله عمّا بدا لك» .

قال : فأخذ الرجل الكتاب وانطلق ، فلمّا كان من الغد أتيت أبا جعفر صلوات الله عليه متعمداً لأنظر ما كان حال الرجل ، فإذا هو على باب أبي جعفر ينتظر حتّى أذن له ، فدخلنا عليه .

فقال له الرجل : الله أعلم حيث يجعل رسالته ، وعند من يضع علمه ، قد انطلقت بكتابك الليلة حتّى توسطت البقيع ، فناديت يا ذرجان (٢) فأتاني رجل معتم ، فقال : أنا ذرجان (٣) ، فما حاجتك ؟ فقلت : أنا رسول محمّد بن عليّ بن الحسين صلوات الله عليهم إليك ، وهذا كتابه . فقال : مرحباً برسول حجّة الله على خلقه . وأخذ الكتاب وقرأه ، وقال : أتحب أن ترى أباك ؟ قلت : نعم . قال : فلا تبرح من موضعك حتّى آتيك به ، فإنّه بضجتان (٤) .

فانطلق فلم يلبث إلّا قليلاً حتّى أتاني برجل أسود ، في عنقه حبل أسود فقال لي : هذا أبوك ، ولكن غيّره اللهب ، ودخل الجحيم ، وجرع الحميم ، والعذاب الأليم . فقلت : أنت أبي ؟! قال : نعم . قلت : ما غيّرك عن صورتك ؟! .

___________________

(١ ، ٢ ، ٣) في م : درحان .

(٤) ضجنان : جبل بناحية تهامة . «معجم البلدان ٣ : ٤٥٣» .

٣٧١

قال : إنّي كنت أتولى بني أميّة وأفضّلهم على أهل بيت رسول الله (ص) ، فعذّبني الله على ذلك ، وإنّك تتولى أهل بيت النبيّ ، وكنت أبغضك على ذلك ، وحرمتك مالي ، وزويته عنك ، وأنا اليوم على ذلك من النادمين ، فانطلق إلى بيتي (١) واحتفر تحت الزيتونة وخذ المال ، وهو مائة ألف وخمسون ألفاً ، فادفع إلى محمّد بن عليّ صلوات الله عليه خمسين الفاً ، ولك الباقي .

قال : فإنّي منطلق حتّى آتي بالمال .

قال أبو عيينة : فلمّا حال الحول قلت لأبي جعفر صلوات الله عليه : ما فعل الرجل ؟ قال : «قد جاءنا بالخمسين ألفاً ، فقضيت منها ديناً كان عليَّ وابتعت منها أرضاً ، ووصلت منها أهل الحاجة من أهل بيتي ، أما إنّ ذلك سينفع الميت النادم على ما فرّط من حبّنا ، وضيع من حقنا بما أدخل عليَّ من الرفق والسرور» .

___________________

(١) في ر ، ك ، م : كنيستي .

٣٧٢

٢ ـ فصل :

في بيان ظهور آياته من إبراء الأعمى

وفيه : حديث واحد

٣٠٧ / ١ ـ عن المثنى بن الوليد ، عن أبي بصير ، قال : دخلت على أبي جعفر عليه السلام فقلت له : أنتم ذريّة رسول الله (ص) ؟ قال : «نعم» قلت : أنتم تقدرون على أن تحيوا الموتى وتبرئوا الأكمه والأبرص ؟ قال : «نعم ؛ بإذن الله تعالى»

ثمّ قال : «أدن منّي» فدنوت منه ، فمسح على وجهي ، وعلى عيني ، فأبصرت الشمس والسماء والأرض والبيوت ، وكلّ شيء كان في الدار ، ثمّ قال : «أتحب أن تكون هكذا ولك ما للناس وعليك ما على الناس يوم القيامة ؟ أو تعود كما كنت ولك الجنّة خالصة ؟» قلت : أعود كما كنت ، قال : فمسح على عيني ، فعدت كما كنت .

قال عليّ بن الحكم : فحدّثت بذلك محمّد بن أبي عمير فقال : أشهد أن هذا حق كما أن النهار حق ؛ والمنّة لله .

___________________

١ ـ الكافي ١ : ٣٩١ / ٣ ، دلائل الإِمامة : ١٠٠ ، كشف الغمة : ٧٥ ، عيون المعجزات : ٧٥ .

٣٧٣

٣ ـ فصل :

في ظهور آياته صلوات الله عليه في خروج الثمر من الشجرة اليابسة

وفيه : حديث واحد

٣٠٨ / ١ ـ عن عبد الرحمن بن كثير ، عن أبي عبد الله ، قال : «نزل أبو جعفر عليه السلام بواد فضرب خباءه فيه ، ثمّ خرج يمشي حتّى انتهى إلى نخلة يابسة ، فحمد الله تعالى ، ثمّ تكلم بكلام لم نسمع بمثله ، ثمّ قال : أيّتها النخلة ، أطعمينا ممّا جعل الله فيك . فتساقط منها رطب أحمر وأصفر ، فأكل ومعه أبو أيوب الأنصاريّ (١) ، فقال : هذه الآية فينا كالآية في مريم إذ هزّت إليها النخلة ، فتساقط عليها رطباً جنياً» .

___________________

١ ـ بصائر الدرجات : ٢٧٣ / ٢ ، دلائل الإِمامة : ٩٧ ، الخرائج والجرائح ٢ : ٥٩٣ / ٢ ، مناقب ابن شهراشوب ٤ : ١٨٨ ، الصراط المستقيم ٢ : ١٨٣ ، مدينة المعاجز : ٣٢٣ عن كتابنا هذا .

(١) في ر ، م ، ك : أبو أميّة الأنصاريّ .

(٢) زاد في ر : يا أبا أميّة .

٣٧٤

٤ ـ فصل :

في بيان ظهور آياته في العنب واللباس

وفيه : حديث واحد

٣٠٩ / ١ ـ عن الليث بن سعد ، قال : كنت على جبل أبي قبيس أدعو فرأيت رجلاً يدعو الله عزّ وجلّ وقال في دعائه : «اللّهمّ إنّي أريد العنب فارزقنيه» فرأيت (١) غمامة أظلته ، ودنت من رأسه ، فرفع يده إليها ، فأخذ منها سلّة من عنب ، ووضعها بين يديه .

ثمّ رفع يده ثانية فقال : «اللَّهمّ إنّي عريان فاكسني» فدنت الغمامة منه ثانية فرفع يده ، ثانية فأخذ منها شيئاً ملفوفاً في ثوب ، ثمّ جلس يأكل العنب ، وما ذلك في زمان العنب .

فقربت منه ، فمددت يدي إلى السلّة وتناولت حبّات ، فنظر إليَّ وقال : «ما تصنع ؟» فقلت : أنا شريكك في العنب . قال : «ومن أين ؟» قلت : لأنّك كنت تدعو وأنا أؤمن على دعائك ، والداعي والمؤمِّن شريكان . فقال : «اجلس وكل» فجلست وأكلت معه ، فلمّا اكتفينا ارتفعت السلَّة .

فقام وقال لي : «خذ أحد الثوبين» فقلت : أمّا الثوب فلا أحتاج

___________________

١ ـ مناقب ابن شهراشوب ٤ : ٢٣٢ ، كشف الغمة ٢ : ١٦٠ ، باختلاف فيه ، مدينة المعاجز : ٣٤٨ / ٨٩ ، عن كتابنا هذا .

(١) في ش ، ص : فنزلت .

٣٧٥

إليه . فقال : «انحرف عنّي حتّى ألبسه» فانحرفت عنه ، فاتزر بأحدهما وارتدى بالآخر عليه ، وطواه ورفعه بكفه ، ونزل عن أبي قبيس ، فلمّا وصل قريباً من الصفا استقبله إنسان فأعطاه ، فسألت عنه وقلت لبعض من كان : مَن هذا ؟ قال : هذا ابن رسول الله (ص) : أبو جعفر محمّد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب عليهم السلام .

٣٧٦

٥ ـ فصل :

في بيان ظهور آياته فيما رأى من ملكوت السماء

وفيه : حديث واحد

٣١٠ / ١ ـ عن جابر بن يزيد الجعفيّ ، قال : سألت أبا جعفر محمّد بن عليّ عليهما السلام عن قوله تعالى : ( وَكَذَٰلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ ) (١) وكان مطرقاً إلى الأرض ، فرفع رأسه إلى فوق ، فإذا نور ساطع حال بصري دونه ، ثمّ قال : «رأى إبراهيم ملكوت السماوات والأرض هكذا» ثمّ قال لي : «اطرق» فأطرقت ، ثمّ قال لي : «ارفع رأسك» فرفعت ، فإذا السقف على حاله .

___________________

١ ـ الاختصاص : ٣٢٢ ، رواه مفصلاً ، مناقب ابن شهراشوب ٤ : ١٩٤ ، قطعة منه ، مدينة المعاجز : ٣٣٨ / ٥٦ .

(١) سورة الأنعام الآية : ٧٥ .

٣٧٧

٦ ـ فصل :

في بيان ظهور آياته في الإِخبار عن الغائبات

وفيه : ثمانية أحاديث

٣١١ / ١ ـ عن عيسى بن عبد الرحمن ، عن أبيه ، قال : دخل ابن عكاشة بن مُحصن (١) الأسديّ على أبي جعفر عليه السلام ـ وكان أبو عبد الله عليه السلام قائماً عنده ـ فقال لأبي جعفر : لأي شيء لا تزوج أبا عبد الله فقد أدرك التزويج ؟ وكان (٢) بين يديه صرّة مختومة فقال : «أما إنّه سيجيء نخاس من أهل بربر ، وينزل دار ميمون ، فنشتري له بهذه الصرّة منه جارية» .

قال : فأتى على ذلك ما أتى ، فدخلنا يوماً عليه ، فقال : «ألّا أخبركم عن النخّاس الذي ذكرته لكم ؟ قد قدم ، فاذهبوا واشتروا بهذه الصرّة منه جارية» .

قال : فأتينا النخّاس فدفعت ما كان معي فقلت : أبغي بها

___________________

١ ـ الكافي ١ : ٣٩٧ ، اثبات الوصية : ١٦٠ ، نحوه ، الخرائج والجرائح ١ : ٢٨٦ / ٢٠ ، مناقب ابن شهراشوب ١ : ٢٦٦ ، كشف الغمة ٢ : ١٤٥ .

(١) في ر ، م : علىٰ ابن حصين ، وفي ك : بن علي بن حصين ، ولم أعثر على ترجمة له في كتب الرجال المتوفرة لدينا .

(٢) في ر : قال : وكان .

٣٧٨

جارية . فقال : ما معي إلّا جاريتين مريضتين ، إحداهما أمثل من الأخرى .

قلنا : فأخرجهما حتّى ننظر إليهما . فأخرجهما ، فقلنا : بكم تبيعنا هذه المتماثلة ؟ قال : بسبعين ديناراً قلنا : أحِسن قال : لا ، شريتها بأنقص من سبعين ديناراً . فقلنا : نشتريها بهذه الصرّة ما بلغت ، ولا ندري ما فيها . وكان عنده رجل أبيض الرأس واللحية فقال : فكّوا وزنوا . فقال النخاس : لا تفكّوا ، فإنّها إن نقصت حبّة من سبعين ديناراً لم أبايعكم .

قال الشيخ : أدنوا ، فدنونا ، وفككنا الختم ، ووزنا الدنانير ، فإذا هي سبعون ديناراً لا تزيد ولا تنقص .

فأخذنا الجارية وأدخلناها على أبي جعفر ، وجعفر عنده قائم ، فأخبرناه بما كان ، فحمد الله تعالى وأثنى عليه ثمّ قال لها : «ما اسمك ؟ قالت : حميدة فقال : «حميدة في الدنيا ، محمودةٌ في الآخرة ، فأخبريني عنك أبكرٌ أنت أم ثيب ؟» قالت : بكر .

فقال : «وكيف ؟! ولا يقع في أيدي النخّاسين شيء إلّا أفسدوه» . قالت : كان يجيء ويقعد منّي مقعد الرجل من المرأة فيسلط الله عليه رجلاً أبيض الرأس واللحية ، فلا يزال يلطمه حتّى يقوم عنّي ، ففعل بي مراراً ، وفعل الشيخ به مراراً .

فقال أبو جعفر : «خذها إليك» فولدت خير أهل الأرض موسى بن جعفر عليه السلام .

٣١٢ / ٢ ـ عن داود بن كثير الرقيّ ، قال : كنت يوماً عند أبي جعفر عليه السلام ، وكان عبد الله بن عليّ بن عبد الله بن الحسن يدّعي أنّه إمام ، إذ أتى وفد من خراسان اثنان وسبعون رجلاً معهم المال

___________________

٢ ـ عنه في مدينة المعاجز : ٣٤٨ / ٩٠ .

٣٧٩

والتحف ، فقال بعضهم : من [ أين ] لنا أن نفهم منهم الأمر فيمن هو ، فأتاهم رسول من عند عبد الله بن عليّ بن عبد الله بن الحسن فقال : أجيبوا صاحبكم . فمضوا إليه وقالوا له : ما دلالة الإِمام ؟ قال : درع رسول الله (ص) وخاتمه وعصاه وعمامته . قال : يا غلام عليَّ بالصندوق . فأتي بصندوق ما بين غلامين فوضع بين يديه ففتحه واستخرج درعاً فلبسها ، وعمامة فتعمّم بها وعصا فتوكأ عليها ثمّ خطب ، فنظر بعضهم إلى بعض ، وقالوا : نوافيك غداً إن شاء الله تعالى .

قال داود : فقال لي أبو جعفر عليه السلام : «امض إلى باب عبد الله ، فقم على طرف الدكان فسيخرج إليك اثنان وسبعون رجلاً من وفد خراسان ، فصح بكلّ واحد منهم باسمه واسم أبيه وأمّه» .

قال داود : فوقفت على طرف الدّكان فسمّيت كلّ واحد منهم باسمه واسم أبيه وأمّه ، فتعجبوا فقلت : أجيبوا صاحبكم . فأتوا معي فأدخلتهم على أبي جعفر عليه السلام فقال لهم : «يا وجوه خراسان ، أين يُذهب بكم ؟ أوصياء محمّد (ص) ، أكرم على الله من أن يعرف عن أيتهم أين هي .

ثمّ التفت إلى أبي عبد الله عليه السلام وقال : «يا ولدي ائتني بخاتمي الأعظم» فأتاه بخاتم فصَّه عقيق ، فوضعه أمامه فحرّك شفتيه ، وأخذ الخاتم فنفضه ، فسقط منه درع رسول الله (ص) والعمامة والعصا ، فلبس الدرع ، وتعمّم بالعمامة ، وأخذ العصا بيده ، ثمّ انتفض فيها نفضة فتقلّص الدرع ، ثمّ انتفض ثانية فجرّها ذراعاً أو أكثر ، ثمّ نزع العمامة ووضعها بين يديه ، والدرع والعصا ، ثمّ حرّك شفتيه بكلمات ، فغاب الدرع في الخاتم .

ثمّ التفت إلى أهل خراسان وقال : «إن كان ابن عمّنا عنده درع رسول الله (ص) والعمامة والعصا في صندوق ويكون عندنا في صندوق

٣٨٠