الثّاقب في المناقب

عماد الدين أبي جعفر محمّد بن علي الطوسي [ ابن حمزة ]

الثّاقب في المناقب

المؤلف:

عماد الدين أبي جعفر محمّد بن علي الطوسي [ ابن حمزة ]


المحقق: الشيخ نبيل رضا علوان
الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة أنصاريان للطباعة والنشر
المطبعة: مطبعة القدس
الطبعة: ٤
ISBN: 978-964-438-681-7
الصفحات: ٧٠١

بقومه في التيه أربعين سنة أثّر فيهم حرّ الشمس ، فظلل الله الغمام عليهم ، وقاية لهم من حرّ الشمس ، كما قال الله تعالى : ( وَظَلَّلْنَا عَلَيْهِمُ الْغَمَامَ وَأَنزَلْنَا عَلَيْهِمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَىٰ ) (١) فقد أعطى الله تعالى أمير المؤمنين عليه السلام ما يشابه ذلك ويدانيه ويحاكيه وهو .

١٥٠ / ١١ ـ ما رواه جابر بن عبد الله الأنصاري ـ رحمه الله ـ عن رسول الله (ص) أنّه قال : «ما بعثته قط في سرية إلّا ورأيت جبرئيل عن يمينه ، وميكائيل عن يساره ، وملك الموت أمامه في سحابة تظلله ، حتّى يعطي الله حبيبي النصر والظفر» .

وأمّا إحياء الموتى ، وهو ما قال الله تعالى : ( فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَٰلِكَ يُحْيِي اللَّـهُ الْمَوْتَىٰ ) (٢) وشرح ذلك أنّه وجد على طريق سبط من الأسباط قتيل ، فتدارؤا (٣) به والتجأوا إلى موسى عليه السلام ، فأمرهم الله تعالى بذبح بقرة على ما شرح في كتابه العزيز ، فلمّا فعلوا ذلك وضربوا ببعض لحمها القتيل (٤) ، أحياه الله تعالى حتّى قال : قتلني فلان بن فلان .

وقد أعطى الله تبارك وتعالى أمير المؤمنين عليه السلام ما يشابه ذلك وهو :

١٥١ / ١٢ ـ ما حدّث به الباقر عليه السلام ، قال : «إنّ عليّاً عليه السلام مرّ يوماً في أزقة الكوفة فانتهى إلى رجل قد حمل جريثاً (٥)

___________________

(١) سورة الأعراف / الآية : ١٦٠ .

١١ ـ الخرائج والجرائح ١ : ١٧٤ / ٦ ، مدينة المعاجز : ٤٠ / ٦٧ .

(٢) سورة البقرة / الآية : ٧٣ .

(٣) تدارؤا : تدافعوا واختلفوا في القتل . «مجمع البحرين ـ درأ ـ ١ : ١٣٦» .

(٤) في ع : وضربوه ببعض اللحم للقتيل .

١٢ ـ الخرائج والجرائح ٢ : ٦٢٩ / ٢٩ .

(٥) الجريث : ضرب من السمك يشبه الحيّات ، ويقال له بالفارسية : مارماهي . «مجمع البحرين ـ جرث ـ ٢ : ٢٤٣» .

١٦١

فقال : انظروا إلى هذا قد حمل إسرائيلياً . فأنكر الرجل ، وقال : متى كان الاسرائيلي جريثاً ؟! .

فقال عليه السلام : أما إنّه إذا كان اليوم الخامس ارتفع لهذا الرجل من صدغه دخان فيموت مكانه .

فأصابوه في اليوم الخامس كذلك ، فمات فحمل إلى قبره ، فلمّا دفن جاء أمير المؤمنين عليه السلام إلى قبره ، فدعا الله ، ثمّ رفسه برجله ، فإذا الرجل قام قائماً بين يديه ، وهو يقول : الراد على عليّ كالراد على الله وعلى رسوله .

قال عليه السلام : عد في قبرك . فعاد فيه ، فانطبق القبر عليه» .

١٥٢ / ١٣ ـ وحدّث داود الرقيّ ، قال : كنت عند أبي عبد الله عليه السلام إذ دخل عليه شاب يبكي فقال : إني نذرت أن أحجّ بأهلي ، فلمّا دخلت المدينة ماتت . قال : «اذهب ، فإنّها لم تمت» قال : ماتت وسجيتها ! قال : «اذهب ، فإنَّها لم تمت فخرج ورجع ضاحكاً وقال : دخلت عليها وهي جالسة . قال : «يا داود ، أو لم تؤمن» ؟ قال : بلى ، ولكن ليطمئن قلبي .

فلمّا كان يوم التروية قال لي : «يا داود قد اشتقت إلى بيت ربّي» فقلت : يا سيّدي ، هذا عرفات ! قال : «إذا صلّيت العشاء الآخرة فارحل لي ناقتي ، وشدّ زمامها» ففعلت ، فخرج ، وقرأ ( قُلْ هُوَ اللَّـهُ أَحَدٌ ) و ( يس ) ثمّ استوى على ظهر ناقته ، وأردفني خلفه ، فسرنا هدءاً من (١) الليل ، وقعد في موضع ما كان ينبغي .

فلمّا طلع الفجر ، قام فأذَّن ، وأقام ، وأنا عن يمينه ، فقرأ في أوّل

___________________

١٣ ـ . . .

(١) الهدء : الهزيع من الليل وهو الطائفة منه أو نحو ثلثه أو ربعه وقيل ساعة منه «لسان العرب ـ هدأ ـ ١ : ١٨٠» .

١٦٢

ركعة : ( الْحَمْدُ ) و ( الضُّحَىٰ ) وفي الثانية ( الْحَمْدُ ) و ( قُلْ هُوَ اللَّـهُ أَحَدٌ ) وقنت ، ثمّ سلّم وجلس ، فلمّا طلعت الشمس مرَّ الشاب ومعه المرأة فقالت لزوجها : هذا الذي شفع إلى الله في إحيائي .

١٦٣

٨ ـ فصل :

في بيان آيات داود ممّا ذكره الله تعالى في القرآن

وفيه : أربعة أحاديث

قال الله تعالى : ( يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ * أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ ) (١) والتأويب : سير النهار ، وقيل : هو التسبيح ، ومعناه على القول الأوّل : يا جبال سيري معه .

وقد جعل الله تبارك وتعالى مثل ذلك لمولانا أبي عبد الله عليه السلام ، وقد ذكرنا سير الجبال معه فيما ذكر في قوله : ( وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ ) (٢) .

١٥٣ / ١ ـ وروى أبو بصير قال : جاء رجل إلى أبى عبد الله عليه السلام فسأله عن حقّ الإِمام (٣) ، قال له : «تأتي ناحية أحد» . فخرج فإذا أبو عبد الله عليه السلام يصلّي ، ودابّته قائمة ، وإذا ذئب قد أقبل ، فسارّ أبا عبد الله عليه السلام كما يسارّ الرجل ، ثمّ قال له : «قد فعلت» فقلت : جئت أسألك عن شيء ، فرأيت ما هو أعظم من مسألتي ! فقال : «إنّ الذئب أخبرني أن زوجته بين الجبل قد عسر عليها الولادة

___________________

(١) سورة سبأ / الآيتان : ١٠ ، ١١ .

(٢) سورة الأعراف / الآية : ١٧١ .

١ ـ مدينة المعاجز : ٣٩٣ .

(٣) في ص ، م ، ع : المؤمن .

١٦٤

فادع الله تعالى لها أن يخلصها مما هي فيه ، فقلت قد فعلت ، على أن لا يُسلط أحداً من نسلكم (١) على أحد من شيعتنا أبداً» . فقلت : ما حق المؤمن على الله تعالى ؟ قال : لو قال للجبال «أوبي لأوَّبت» فأقبل الجبل يتداك بعضه إلى بعض ، فقال أبو عبد الله عليه السلام : «ضربت له مثلاً ، ليس إيّاك عنيت» فرجع إلى مكانه .

ومعناه على القول الثاني : سبحي معه .

وقد أعطى الله تبارك وتعالى لمولانا زين العابدين عليه السلام ما يماثل ذلك ويشاكله وهو :

١٥٤ / ٢ ـ ما حدّث به سعيد بن المسيب ـ في رواية الزهريّ ـ قال : كان القوم لا يخرجون من مكّة حتّى يخرج زين العابدين عليّ بن الحسين عليهما السلام ، فخرج ، وخرجت معه ، فنزل في بعض المنازل ، وصلّى ركعتين ، وسبّح في سجوده ، فلم يبق شجر ولا مدر إلّا سبّح معه ، ففزعنا فرفع رأسه ، وقال : «يا سعيد أفزعت ؟» قلت : نعم ، يا ابن رسول الله . فقال : «هذا التسبيح الأعظم» .

وأمّا تسبيح الطير فقد ذكرنا في هذا الكتاب ، في آيات أبي جعفر محمّد بن عليّ الباقر عليهما السلام في آخر حديث وهو :

ما أجاب به عبد الملك بن مروان عامله ، حين أمره بإخراج الباقر إليه ، فقال : وإنّه ليقرأ في محرابه فتجتمع الطير والسباع تعجباً من صوته ، فإنّ قراءته تشبه مزامير آل داود .

وأمّا قوله تعالى : ( وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ ) (٢) فإنّه ألان له الحديد ليتخذ له الدروع منه كأنّه الشمعة في يده .

وقد أعطى الله تعالى لأمير المؤمنين عليه السلام مثل ذلك وهو :

___________________

(١) في ص : نسلها ، وفي ك : نسلك .

٢ ـ رواه ابن شهراشوب في مناقبه ٤ : ١٣٦ .

(٢) سورة سبأ / الآية : ١٠ .

١٦٥

١٥٥ / ٣ ـ ما روى بعض مواليه أنّه دخل عليه ، ورأى بين يديه حديداً ، وهو يأخذ بيده منه ، ويدققه ، ويجعله حلقاً ويسرده (١) كأنّه الشمعة في يده قال : فسألته عنه ، فقال : «أصنع الدرع»

وممّا يصحح ذلك ، ويشهد بصحته ، حديث خالد بن الوليد ، وهو حديث طويل قد اقتصرنا على الموضع المقصود لشهرته .

١٥٦ / ٤ ـ وحدث به عبد الرحمن بن العبّاس وجابر بن عبد الله رضي الله عنهما ، قالا : كنا جلوساً عند أبي بكر وقد أضحى النهار ، فإذا بخالد بن الوليد قد وافى في جيش قام غباره ، وكثرت صواهل خيله ، فإذا بقطب رحى ملوي في عنقه ، وقد فتل فتلاً ، فنزل عن فرسه ، ووقف بإزاء أبي بكر ، فرمقه الناس بأعينهم وراعهم (٢) منظره ، فابتدأ وقال : اعدل يا بن أبي قحافة حيث جُعلت في الموضع الذي لست له بأهل ، وما ارتفعت إلى هذا المكان إلّا كما يرتفع الطافي من السمك على الماء . ـ في كلام طويل أعرضنا عن ذكره ـ

ثمّ قال : إنّي رجعت مُنكفئاً من الطائف إلى هذه (٣) في طلب المرتدين ، فرأيت ابن أبي طالب عليه السلام ومعه رهط عصاة عتاة من الذين شزرت حماليق (٤) أعينهم من حسدك ، وبدرت حقداً عليك ،

___________________

٣ ـ روى ابن شهراشوب في مناقبه ٢ : ٣٢٥ ، وعنه في مدينة المعاجز : ٨٩ .

(١) السرد : اسم جامع للدروع وسائر الحلق وما أشبهها ، وسمي سرداً لأنه يسرد ويثقب طرفا كل حلقه بالمسمار . «لسان العرب ـ سرد ـ ٣ : ٢١١» .

٤ ـ مناقب ابن شهراشوب ٢ : ٢٩٠ ، باختصار ، ارشاد القلوب : ٣٧٨ ، باختلاف ، الخرائج والجرائح ٢ : ٧٥٧ ، باختصار ، إثبات الهداة ٢ : ٥٠٩ .

(٢) في ع : ورابهم .

(٣) في ارشاد القلوب : جدة .

(٤) حماليق جمع حملاق : باطن أجفان العين . «مجمع البحرين ـ حملق ـ ٥ : ١٥٢» .

١٦٦

وقرحت أفئدتهم لمكانك ، منهم عمّار بن ياسر ابن سميّة السوداء ، والمقداد ، وأخا غفار ، وابن العوام ، وغلامين أعرف أحدهما بوجهه ، وغلام اسمر حبشي قد بقل وجهه (١) فتبين لي المنكر من قلوبهم ، والحسد في احمرار أعينهم ، وقد توشّح بدرع رسول الله (ص) ولبس رداءه ، وقد أسرج له دابته ، وقد نزل على عين ماء ، فلمّا رآني اشمأز وبربر (٢) ، وأطرق موحشاً فقبض على لحيته ، فبادرته بالسلام استكفي شره واتقي وحشته (٣) ، فنزلت ، ونزل من معي بحيث نزلوا اتقاءً من مراوغته ، فبدأ بي ابن ياسر بقبيح لفظه ، ومحض عداوته ، يقرعني بما كنت (تقدمت به إليَّ (٤)) ، فالتفت إليَّ الأصلع الرأس ، وقد ازدحم الكلام في حلقه كهمهمة الأسد ، وكقعقة الرعد .

فقال لي بغضب منه : «أو كنت فاعلاً يا أبا سليمان ؟» فقلت : وايم الله ، لو أقام على رأيه لضربت الذي في عيناك ؛ فأغضبه قولي إذ صدقته ، وأخرجه إلى طبعه الذي أعرفه له عند الغضب ، وبدرت عيناه عليَّ ، فعلمت أنّه قد عزب عنه عقله ، فقال لي : «يا ابن اللخناء ، مثلك يقدر (٥) على مثلي ، ويجسر (٦) أن يدير اسمي في لهواته التي لا عهد لها بكلمة حكمة ، ويلك إنّي لست من قتلاك وقتلى صاحبك (٧) ، وإنّي لأعرف بمنيتي ومقتلي منك بنفسك» ثمّ ضرب بيده إلى ترقوتي فنكسني عن فرسي ، وجعل يسوقني إلى رحى الحارث بن كلدة فعمد إلى القطب الغليظ فمدّ عنقي بكلتا يديه ولواه في عنقي ، ينفتل له

___________________

(١) بقل وجهه : أول ما نبتت لحيته . «لسان العرب ـ بقل ـ ١١ : ٦١» .

(٢) البربرة : الصوت وكلام من غضب . «لسان العرب ـ برر ـ ٤ : ٥٦» .

(٣) في م : أستكفي أسرته واتقي حاشيته .

(٤) في هامش ر ، ك ، ص : قد تكلمت وتقدمت به إليه .

(٥) في م : يقدم .

(٦) في ش ، ع ، ك : ويجتري .

(٧) في م ، ك : أصحابك .

١٦٧

كالعلك المسخّن ، وأصحابي هؤلاء وقوف ما أغنوا عنّي سطوته ، ولا كفوني شره ، فلا جزاهم الله عنّي خيراً ، فإنّهم لمّا نظروا إلى بريق عينيه سجدوا (١) فرقاً ، وسالت جباههم عرقاً ، وخمدت أرواحهم كأنما (٢) نظروا إلى ملك موتهم ، فوالذي رفع السماء بغير أعمادها (٣) ، لقد اجتمع على فكّ هذا القطب مائة رجل ـ أو يزيدون ـ من أشداء العرب ، فما قدروا على فكّه ، فدلّني عجز الناس عن فتحه أنّه سحر منه ، أو قوة ملك قد ركّبت فيه ، ففكّ هذا الآن عنّي إن كنت فاكه ، وخذ لي منه بحقي إن كنت آخذه ، وإلّا لحقت بدار عزتي ومستقر كرامتي ، فقد ألبسني ابن أبي طالب من العار ما صرت به ضحكة لأهل الديار .

فالتفت أبو بكر إلى عمر ، وقال : أما ترى إلى ما يخرج من هذا الرجل ـ في كلام طويل ـ إلى أن دعوا قيس بن سعد بن عبادة ، وقال لهم ما هو مشهور ، فصبروا إلى أن وافوا أمير المؤمنين عليه السلام ، فقاموا بأجمعهم إليه واستأذنوا عليه ، فدخلوا ومعهم خالد فلمّا بصر إلى خالد قال : «نعمت صباحاً يا أبا سليمان ، نعم القلادة قلادتك» ـ في كلام طويل شرحه ـ

وتشفّع أبو بكر فلم يجب إلى ذلك ، إلى أن قام بريدة الأسلميّ ، وطارق بن شهاب ، والأشجع بن حمدان العجليّ (٤) فقالوا : يا أبا الحسن ، والله ما لخالد وعنقه إلّا من حمل باب خيبر بقوة يده ، ودحا به وراء ظهره ، وحمله حتّى عبر الناس عليه .

___________________

(١) في ر ، ك ، ص : استحدوا : نظروا إليه بحدة وغضب وتفرقوا . «المعجم الوسيط ـ حدد ـ ١ : ١٦١» .

(٢) في ع ، ك ، ص : كأنهم .

(٣) في ر ، م ، ك : بأعمادها .

(٤) في إرشاد القلوب : عامر بن الأشجم ، ولعله تصحيف الأشج العبدي ، انظر أسد الغابة ١ : ٩٦ .

١٦٨

وقام عمّار بن ياسر رضي الله عنه وخاطبه أيضاً في جملة من سأله ، فلم يجب أحداً ، إلى أن قال أبو بكر : سألتك بحق أخيك محمّد رسول الله (ص) إلّا ما رحمت خالداً ، وفككت عن عنقه هذا الحديد .

فلمّا سأله بحق أخيه رسول الله (ص) استحيا ، وكان كثير الحياء ، فجذب خالداً إليه ، فأدناه ، وقبض على رأس الحديد وجعل يفتل منه شيئاً فشيئاً ، فرمى به ، كفتل أحدكم العلك المحمّى بالنار ، حتّى أتى على آخره ، فكبّر الناس ، وعجب من حضر من فعله ، فقال لهم : «إنّ الله بكرمه وفضله سيشتت شملكم ويأخذ بحقي منكم ، فبئس القوم أنتم» .

فتمثل عمّار بن ياسر ببيتي شعر ، وهما هذان :

يزاول (١) سرحان (٢) مساواة ضيغم (٣)

فضعضعه إذ رام ذاك فهشما

وأهوى له إذ رام ما لا يناله

إلى رأسه بالكفّ منه فحطما

___________________

(١) يزاول : من المزاولة وهي المحاولة والمعالجة . «لسان العرب ـ زول ـ ١١ : ٣١٦» .

(٢) السرحان : الذئب . «لسان العرب ـ سرح ـ ٢ : ٤٨١» .

(٣) الضيغم : الأسد . «لسان العرب ـ ضيغم ـ ١٢ : ٣٥٧» .

١٦٩

٩ ـ فصل :

في بيان معجزات نبيّ الله سليمان في القرآن

وفيه : أربعة عشر حديثاً

إنّ الله سبحانه وتعالى أعطى سليمان عليه السلام آيات باهرة (١) ، وقد ذكر في كتابه العزيز منها أنّه أعطاه الحكمة صبياً ، وسخّر له الريح ، وعلّمه منطق الطير ، وسخّر له الجنّ والسباع والطير ، وأسأل له عين القطر .

فأمّا ما أعطى الله تعالى سليمان إياه الحكمة صبياً ، فقد أورده في كتابه العزيز بقوله : ( فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ ) (٢) وقصته أنّ غنماً نفشت (٣) في زرع قوم ، فحكم سليمان عليه السلام بأنّ صاحب الغنم يعطيها لصاحب الأرض لينتفع بها حتّى يزرع صاحب الغنم أرضه ، فإذا بلغ الزرع الحدّ الذي نفشت فيه غنمه ، ردّ الغنم عليه ، وأخذ الأرض مزروعة .

وقد أعطى الله تعالى أئمتنا عليهم السلام مثل ذلك ، وزيادة

___________________

(١) في ع : باهرات .

(٢) سورة الأنبياء الآية : ٧٩ .

(٣) نفشت : تفرقت ليلاً من غير علم راعيها . «لسان العرب ـ نفش ـ ٦ : ٣٥٧» .

١٧٠

عليه ، منها ما اشتهر عند الخاص والعام من حديث :

١٥٧ / ١ ـ أبي حنيفة حين دخل دار الصادق عليه السلام ، فرأى موسى عليه السلام في دهليز داره ، وهو صبي ، فقال في نفسه : إنّ هؤلاء يزعمون أنّهم يعطون العلم صبية ، وأنا أسبر (١) ذلك ؛ فقال : يا غلام ، إذا دخل الغريب بلدة فأين يحدث ؟ فنظر إليه نظر مغضب ، وقال : «يا شيخ ، أسأت الأدب ، فأين السلام ؟» .

قال : فخجلت ، ورجعت حتّى خرجت من الدار ، وقد نبل في عيني ، ثمّ رجعت إليه ، وسلّمت عليه ، وقلت : يا ابن رسول الله ، الغريب إذا دخل بلدة (٢) أين يحدث ؟

فقال عليه السلام : «يتجنب (٣) شطوط الأنهار (٤) ، ومشارع الماء ، وفيء النزّال ، ومساقط الثمار ، وأفنية الدور ، وجوادّ الطرق ، ومجاري المياه ، ورواكدها ، ثمّ يحدث أين شاء» .

قال : فقلت : يا ابن رسول الله ، ممّن المعصية ؟ فنظر إليَّ وقال : «إمّا أن تكون من الله ، أو من العبد ، أو منهما معاً ، فإن كانت من الله ، فهو أكرم من أن يأخذ العبد (٥) بما لم يجنه (٦) ؛ وإن كانت منهما ، فهو أعدل من أن يأخذ العبد بما هو شريك فيه ؛ فلم يبق إلّا أن تكون من العبد ، فإن عفا فبفضله ، وإن عاقب فبعدله» .

قال أبو حنيفة : فغرورقت عيناي ، وقرأت ( ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن

___________________

١ ـ اعلام الورى : ٢٩٧ ، وعنه في حلية الأبرار ٢ : ٢٣٠ .

(١) أسْبرُ : أختبر «لسان العرب ـ سبر ـ ٤ : ٣٤٠» .

(٢) في م : قرية .

(٣) في ع : يتوقى .

(٤) في ص : البلد .

(٥) في ع ، ص : من أن يؤاخذه .

(٦) في ص : يكتسبه .

١٧١

بَعْضٍ وَاللَّـهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ) (١) .

١٥٨ / ٢ ـ وحديث أبي جعفر الثاني عليه السلام مع يحيى بن أكثم قاضي القضاة ببغداد (٢) بين يدي المأمون مشهور ، حين سأله عن محرم وطئ بيض صيد ، وهو ابن تسع سنين ؟ فأجابه قال : «الصيد من طير الحل ، أو من طير الحرم ؟ وباض في الحل ، أم باض في الحرم ؟ والمحرم حراً كان ، أو عبداً ؟ والعبد أحرم بإذن مولاه ، أم بغير إذنه ؟ والحر وطأه عمداً ، أو سهواً ؟ معيداً كان ، أو مبتدئاً ؟ والطير من صغار الطير أم من كبارها ؟ . . .» إلى غير ذلك من الانقسامات ، فبهت يحيى .

وسأله أبو جعفر عليه السلام عن مسألة المرأة فلم يحر جواباً ، فتبيّن للناس عجزه ، وهو عليه السلام قد شرح المسائل على ما هو مشروح في موضعه .

١٥٩ / ٣ ـ وحديث بريهة النصرانيّ مع هشام بن الحكم معروف ، حين وردا المدينة واستأذنا على الصادق عليه السلام ، فرأيا موسى عليه السلام في الدهليز ، فسلّم هشام عليه ، وسلّم بريهة ، ثمّ أخبرهما بما جاءا له ، فطفق يقرأ الإِنجيل ، فلمّا سمع بريهة ذلك قال : المسيح لقد كان يقرأ كذلك ، إيّاك أطلب منذ خمسين عاماً ، من هذا ؟ فقال هشام : هذا ابن الصادق عليه السلام . وكان عليه السلام صبياً ، فأسلم بريهة على يده قبل الوصول إلى الصادق عليه السلام .

وأمثال ذلك كثيرة لا تحصى كثرة .

وأمّا تسخير الريح لسليمان عليه السلام ، وهو ما قال الله سبحانه

___________________

(١) سورة آل عمران الآية : ٣٤ .

٢ ـ الاحتجاج : ٤٤٤ ، ٤٤٥ .

(٢) في ع : القاضي بدل (قاضي القضاة ببغداد) .

٣ ـ التوحيد : ٢٧٠ / ذيل حديث ١ ، الامامة والتبصرة : ١٣٩ / ١٥٩ .

١٧٢

وتعالى : ( وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ ) (١) وإنّ سليمان عليه السلام لمّا أراد أن يركب الريح ، أمر بفرش البساط ففرش بساطه ، ووضع عليه سريره ، ووضع الكراسي حول السرير ، وجلس وزراؤه وقواده على الكراسي حول السرير ، وجلس هو فوق البساط ، وأمر الريح بأن تحمل البساط ، وتحمل ما فوقه وتسير غدوة مسيرة شهر ، وترجع رواحاً مثله .

وإنّ الله تعالى أعطى أئمتنا عليهم السلام مثل ذلك وما يشابهه وهو ما حدّث به :

١٦٠ / ٤ ـ معمّر ، عن الزهريّ ، عن قتادة ، عن أنس ، قال : كنّا جلوساً في المسجد عند النبيّ (ص) ، وقد كان أهدي إليه بساط فقال لي : «ادعُ عليّ بن أبي طالب» عليه السلام ، فدعوته ، ثمّ أمرني أن أدعو أبا بكر وعمر وجميع أصحابه ، فدعوتهم كما أمرني نبيّ الله (ص) ، وأمرني أن أبسط البساط فبسطته ، ثمّ أقبل على عليّ عليه السلام فأمره بالجلوس على البساط ، وأمر أبا بكر وعمر وعثمان بالجلوس (٢) مع أمير المؤمنين عليه السلام ، فجلست مع من جلس ، فلمّا استقرّ بنا المجلس أقبل (ص) على عليّ عليه السلام وقال : «يا أبا الحسن ، قل : يا ريح الصبا ، احمليني (٣) ، والله خليفتي عليك وهو حسبي ونعم الوكيل» .

قال أنس : فنادى أمير المؤمنين عليّ عليه السلام كما أمره

___________________

(١) سورة سبأ / الآية : ١٢ .

٤ ـ الطرائف : ٨٣ / ١١٦ ، الخرائج والجرائح ١ : ٢١٠ ، باختصار ، سعد السعود : ١١٣ ، مناقب ابن المغازلي : ٢٣٢ / ٢٨٠ ، العمدة لابن بطريق : ٣٧٢ / ٧٣٢ ، احقاق الحق ٤ : ١٢٥ ، عيون المعجزات : ١٤ ، اثبات الهداة ٢ : ٤١٩ / ٥٩ باختصار .

(٢) في ر ، ك زيادة : على البساط .

(٣) في م : ارفعينا .

١٧٣

النبيّ (ص) ، فوالذي بعث محمّداً بالحقّ نبيّاً ، ما كان إلّا هنيهة حتّى صرنا في الهواء ، ثمّ نادى : «يا ريح الصبا ، ضعيني» فإذا نحن في الأرض ، فأقبل عليّ علينا وقال : «يا معشر الناس ، أتدرون أين أنتم ؟ وبمن قد حللتم ؟» فقلنا : لا .

فقال أمير المؤمنين عليّ عليه السلام : «أنتم عند أصحاب الكهف والرقيم ، الذين ( كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا ) (١) فمن أحبّ أن يسلّم على القوم فليقم» . فأوّل من قام أبو بكر ، فسلّم على القوم ، فلم يردّوا عليه جواباً ، ثمّ قام عمر ، وسلّم عليهم ، فلم يردّوا عليه جواباً ، فلم يزالوا يقومون واحداً بعد واحد ، ويسلّمون ولم يردّوا عليهم جواباً ، إلى أن قام أمير المؤمنين عليه السلام ، فنادى : «السلام عليكم أيّتها الفتية ، فتية أصحاب (٢) الكهف والرقيم ، الذين ( كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا ) (٣)» فقالوا : وعليك السلام ورحمة الله وبركاته ، أيّها الإِمام وابن عم سيّد (٤) الأنام محمد (ص) .

فلمّا سمع القوم كلامهم لأمير المؤمنين عليه السلام ، قالوا : يا أبا الحسن ، بحقّ ابن عمّك محمّد ـ (ص) ـ سل القوم ما بالهم سلّمنا عليهم فلم يردّوا علينا الجواب .

فقال عليه السلام : «أيّتها الفتية ، ما بالكم لم تردّوا السلام على أصحاب رسول الله (ص) ؟» فقالوا : يا أبا الحسن ، قد أُمرنا أن لا نُسلّم إلّا على نبيّ أو وصي نبيّ ، وأنت خير الوصيين ، وابن عم خير النبيّين ، وأنت أبو الأئمة المهديين ، وزوج فاطمة سيّدة نساء العالمين من الأوّلين والآخرين ، وقائد الغر (٥) المحجلين إلى جنات النعيم .

___________________

(١) تضمين من سورة الكهف / الآية : ٩ .

(٢) في ع ، ص : أهل .

(٣) تضمين من سورة الكهف / الآية : ٩ .

(٤) في هامش ر ، هامش ك : أخا .

(٥) الغر : جمع أغر من الغرة وهي بياض في الوجه ، ويريد بياض

١٧٤

فلمّا استتم القوم كلامهم أمرنا بالجلوس على البساط ، ثمّ نادى : «يا ريح الصبا ، احمليني» فإذا نحن في الهواء . ثمّ نادى : «يا ريح الصبا ، ضعيني» فإذا نحن في الأرض .

قال : فوكز الأرض برجله ، فإذا نحن بعين ماء ، فقال : «يا معاشر الناس ، توضوأ للصلاة ، فإنّكم تدركون صلاة الفجر (١) ، مع النبيّ» (ص) .

قال فتوضأنا ، ثمّ أمرنا بالجلوس على البساط فجلسنا ثمّ قال (٢) : «يا ريح الصبا ، احمليني» فإذا نحن في الهواء ، ثمّ نادى : «يا ريح الصبا ، ضعيني» فإذا نحن في الأرض في مسجد رسول الله (ص) ، وقد صلّى ركعة واحدة ، فصلّينا معه ما بقي من الصلاة ، وما فات بعده ، وسلّمنا على النبيّ (ص) ، فأقبل بوجهه الكريم علينا ، وقال : «يا أنس ، أتحدّثني أم أحدّثك ؟» فقلت : الحديث منك أحسن . فحدّثني ، حتّى كأنّه كان معنا .

وفي الحديث طول ، وقد نظم هذا المعنى بعض الشعراء :

من هو (٣) فوق البساط تحمله الر

يح إلى الكهف والرقيمين

فعاين الفتية الكرام بها

وكلبهم باسط الذراعين

فقال قوما فسلّما سترى

منّي ومن أمرهم عجيبين

فسلّما فلم يجبهما أحد

ولم يكونا هما رشيدين

فسلّم المرتضى فقيل له

لبيك لبيك دون هذين

وأمّا علمه بمنطق الطير ، فقد أعطى الله تعالى أئمتنا عليهم السلام معرفة منطق الطير ، ومنطق كلّ شيء ، ويدل على ذلك ما رواه :

___________________

وجوههم . «مجمع البحرين ـ غرر ـ ٣ : ٤٢٤» .

(١) في م : الظهر .

(٢) في ص ، ك ، م : نادىٰ .

(٣) في م : ومر .

١٧٥

١٦١ / ٥ ـ عبد الله بن سوقة ، قال : مرّ بنا الرضا عليه السلام ، فاختصمنا في إمامته ، فلمّا خرج خرجت أنا وتميم بن يعقوب السرّاج ـ من أهل الرقّة ـ ونحن مخالفون له ، نرى رأي الزيدية ، فلمّا صرنا في الصحراء فإذا نحن بظباء فأومأ أبو الحسن عليه السلام إلى خشف منها ، فإذا هو قد جاء حتى وقف بين يديه ، فأخذه أبو الحسن عليه السلام ، فمسح رأسه ودفعه إلى غلامه ، وجعل الخشف يضطرب لكي يرجع إلى مرعاه ، فكلّمه الرضا عليه السلام بكلام لم نفهمه ، فسكن ، ثمّ قال لي : «يا عبد الله ، أو لم تؤمن ؟» قلت : بلى ، يا سيّدي ، أنت حجّة الله على خلقه ، وأنا تائب إلى الله .

ثمّ قال للظبي : «إذهب» فجاء الظبي وعيناه تدمعان ، فتمسّح بأبي الحسن عليه السلام ورغا (١) ، فقال أبو الحسن : «أتدري ما يقول ؟» قلت : الله ورسوله وابن رسوله أعلم .

قال : يقول : دعوتني فرجوت أن تأكل من لحمي ، فأجبتك ، وحزنت (٢) حين أمرتني بالذهاب .

١٦٢ / ٦ ـ وممّا رواه صفوان ، عن جابر قال : كنت عند أبي عبد الله عليه السلام ، فبرزنا ، فإذا نحن برجل قد أضجع جدياً ليذبحه ، فصاح الجدي ، فقال أبو عبد الله عليه السلام : «كم ثمن هذا الجدي ؟» فقال : أربعة دراهم ، فحلّها من كمّه ، ودفعها إليه ، فقال : «خلّ سبيله» .

___________________

٥ ـ الخرائج والجرائح ١ : ٣٦٤ ، اثبات الهداة ٣ : ٣٠١ ، ومدينة المعاجز ٥٠٨ ح ١٢٦ .

(١) رغا : صوّت وضج . «لسان العرب ـ رغا ـ ١٤ : ٣٢٩» .

(٢) في ر ، ع ، ص : وحرمتني .

٦ ـ الخرائج والجرائح ٢ : ٦١٦ / ١٥ ، مدينة المعاجز : ٤٠٥ / ١٧٨ ، الصراط المستقيم ٢ : ١٨٧ / ١٥ مرسلاً وباختصار .

١٧٦

قال : فسرنا ، فإذا نحن بصقر قد انقضّ على دراجة ، فصاحت الدراجة ، فأومأ أبو عبد الله عليه السلام إلى الصقر بكمّه ، فرجع عن الدراجة ، فقلت : لقد رأيت عجباً من أمرك (١) !

فقال : «نعم ، الجدي لمّا أضجعه الرجل ليذبحه وبصر بي قال : أستجير بالله وبكم أهل البيت (ممّا يراد بي) (٢) وكذلك الدراجة ؛ ولو أنّ شيعتنا استقاموا لأسمعتهم منطق الطير» .

١٦٣ / ٧ ـ وقد حدّث سليمان الجعفريّ ، قال : كنت مع الرضا عليه السلام في حائط ، وأنا أحدّثه إذ جاءه عصفور ، فوقع بين يديه ، وأخذ يصيح ، ويكثر الصياح ، ويضطرب ، فقال لي : «أتدري ما يقول هذا العصفور ؟» فقلت : الله ورسوله وابن رسوله أعلم قال : «يقول : إنّ حية تريد أن تأكل فراخي في البيت ؛ فقم ، وخذ تلك السكين والنسعة (٣) ، وادخل البيت واقتل الحيّة .

قال : فقمت ، وأخذت النسعة (٤) ، ودخلت البيت ، فإذا حيّة تجول في البيت ، فقتلتها .

وقد أوردنا في هذا الكتاب حديث الورشان مع الصادق عليه

___________________

(١) في ص : منك ومن أمرك عجباً .

(٢) في جميع النسخ : فلم يراجعني ، وما أثبتناه من الخرائج .

٧ ـ بصائر الدرجات : ٣٥٤ / ١٩ ، دلائل الامامة : ١٧٢ ، الخرائج والجرائح ١ : ٣٥٩ / ١٢ ، مناقب ابن شهراشوب ٣ : ٤٤٧ ، كشف الغمة ٢ : ٣٠٥ ، الصراط المستقيم ٢ : ١٩٧ ، الوسائل ٨ : ٣٩١ / ٩ ، مستدرك الوسائل ١٦ : ٢٤ / ١ .

(٣ ، ٤) ورد في بعض النسخ : النشقة ، وفي بعضها الآخر : الشمعة وكلاهما تصحيف ، وما اثبتناه من الخرائج . والنسعة : هو سير مضفور يجعل زماماً للبعير وغيره . «لسان العرب ـ نسع ـ ٨ : ٣٥٢» .

وفي البصائر : النبعة : وهي العصا «لسان العرب ـ نبع ـ ٨ : ٣٤٥» .

١٧٧

السلام (١) ، وحديث الشاة معه (٢) ؛ وحديث الطير وغيرها مع زين العابدين عليه السلام ؛ (٣) وغير ذلك ، فلا نطيل الكتاب بتعدادها .

وأمّا تسخير الجن والشياطين ، وهو كما قال الله تعالى في كتابه العزيز في غير موضع : ( فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ * وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ * وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ ) (٤) .

وقال تعالى : ( وَمِنَ الْجِنِّ مَن يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَمَن يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ السَّعِيرِ * يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِن مَّحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَّاسِيَاتٍ ) (٥) .

وقد سخر الله تعالى له الجنّ والشياطين حتّى انقادوا له ، وأطاعوه ، وعملوا بإذنه ، وبأمره ، واستسلموا لحكمه مذعنين .

وقد تهيّأ لأئمتنا عليهم السلام ما يشاكل (٦) ذلك ويحاكيه ، وهو ما حدّث به :

١٦٤ / ٨ ـ عيسى بن مهران (٧) ، قال : كان رجل من أهل خراسان ممّا وراء النهر ، وكان موسراً ، محبّاً لأهل البيت عليهم السلام ، وكان يحجّ كلّ سنة ، وقد وظّف على نفسه لأبي عبد الله الصادق عليه السلام في كلّ سنة ألف دينار من ماله ، وكانت تحته ابنة عم له ، تساويه في

___________________

(١) يأتي في المنقبة : ٣٢٠ : ٣٩٠ .

(٢) يأتي في المنقبة : ٣٦٠ : ٤٢٥ .

(٣) يأتي في المنقبة : ٣٢٠ : ٣٩٠ .

(٤) سورة ص / الآيات : ٣٦ ، ٣٧ ، ٣٨ .

(٥) سورة سبأ الآية : ١٢ ، ١٣ .

(٦) في ص : ما يشابه .

٨ ـ الخرائج والجرائح ٢ : ٦٢٧ ، وعنه في إثبات الهداة ٣ : ١١٨ / ١٤٨ ، مدينة المعاجز : ٣٨٦ / ٩١ .

(٧) في ر ، ك ، م : عيسىٰ بن هارون ، وما أثبتناه هو الصحيح ، راجع « رجال النجاشي : ٢٩٧ / ٨٠٧ »

١٧٨

اليسار والديانة ، فقالت في بعض السنين : يا ابن عم ، حجّ بي في هذه السنة . فأجابها إلى ذلك ، فتجهزوا (١) للحجّ ، وحملت لعيال أبي عبد الله عليه السلام وبناته من فواخر ثياب خراسان ، ومن الجواهر والبز (٢) أشياء كثيرة خطيرة ، وصيّر زوجها ألف دينار التي أعدها في كيس لأبي عبد الله عليه السلام ، وصيّر الكيس في ربعة (٣) فيها حلي وطيب .

فلمّا ورد المدينة صار إلى أبي عبد الله عليه السلام ، فسلّم عليه ، وأعلمه أنّه حجّ بأهله ، وسأله الإِذن لها في المصير إلى منزله ، للتسليم على أهله وبناته ، فأذن لها أبو عبد الله عليه السلام ، فصارت إليهم ، وقرّبت ما حملت إليهن ، فأقامت يوماً عندهنّ وانصرفت .

فلمّا كان من الغد قال لها زوجها : أخرجي تلك الربعة لنسلّم الألف إلى أبي عبد الله عليه السلام . فقالت : هي في موضع كذا . فأخرجها ، وفتح القفل ، فلم يجد الدنانير ، وكان فيها حليها (٤) وثيابها ، فاستقرض ألف دينار من أهل بلده ورهن الحلي بها ، وصار إلى أبي عبد الله عليه السلام ، فقال له : «قد وصلت الألف إلينا» .

قال : وكيف ذلك ؟ وما علم غيري بمكانها ، وغير ابنة عمي !

قال : «مسّتنا ضيقة ، فوجّهنا من أتى بها ، من شيعتي من الجنّ ، فإنّي كلّما أريد أمراً بعجلة أبعث أحداً منهم» .

فزاد ذلك في بصيرة الرجل وسرّ به واسترجع الحلي ممّن رهنه ثمّ انصرف إلى منزله ، فوجد امرأته تجود بنفسها ، فسأل عن خبرها ،

___________________

(١) في ع ، ص : فتجهزت .

(٢) البز : ضرب من الثياب «لسان العرب ـ بزز ـ ٥ : ٣١٠» .

(٣) الربعة : سُليلة مستديرة مغشاة بالجلد ، يحفظ العطار فيها الطيب ، ويقال لها الجونة ، انظر « لسان العرب ـ ربع ـ ٨ : ١٠٧ » .

(٤) في ك ، م : طيبها .

١٧٩

فقالت جويرتها : أصابها وجع في فؤادها في (١) هذه الحالة . فغمّضها وسجّاها ، وشدّ حنكها وتقدم في إصلاح ما تحتاج إليه من الكفن والكافور وحفر قبرها ، وصار إلى أبي عبد الله عليه السلام وأخبره ، وسأله أن يتفضّل بالصلاة عليها .

فصلّى أبو عبد الله عليه السلام ركعتين ودعا ثمّ قال للرجل : «انصرف إلى رحلك ، فإنّ أهلك (٢) لم تمت ، وستجدها في رحلك ، تأمر وتنهى ، وهي في حال سلامة» .

فرجع الرجل ، فأصابها كما وصف أبو عبد الله عليه السلام ، وخرج يريد مكّة ، وخرج أبو عبد الله عليه السلام يريد الحجّ فبينما المرأة تطوف إذ رأت أبا عبد الله يطوف بالبيت ، والناس قد حفّوا به ، فقالت لزوجها : من هذا الذي حفّ به الناس ؟ قال : هو أبو عبد الله عليه السلام .

قالت : والله ، هذا الرجل الذي رأيته يشفع إلى الله تعالى حتّى ردّ روحي في جسدي .

١٦٥ / ٩ ـ عن إبراهيم بن أبي البلاد ، عن سدير البصريّ (٣) الصيرفيّ ، قال : أوصاني أبو جعفر عليه السلام بحوائج له بالمدينة . قال : فبينا أنا في الروحاء (٤) على راحلتي إذا إنسان يلوي ثوبي (٥) ،

___________________

(١) في الخرائج : فهي علىٰ .

(٢) في ع ، ص : امرأتك .

٩ ـ بصائر الدرجات : ١١٦ / ٢ ، الخرائج والجرائح ٢ : ٨٥٣ / ٦٨ ، عيون المعجزات : ٨٤ باختلاف فيه .

(٣) في النسخ كلها : سدير البصري الصيرفي . والمذكور في ترجمته أنه كوفي ، انظر «معجم رجال الحديث ٨ : ٣٤» .

(٤) الروحاء : موضع على نحو أربعين ميلاً من المدينة «معجم البلدان ٣ : ٧٦ ، مراض الاطلاع ٢ : ٦٣٧» .

(٥) في الخرائج : يلوّح بثوبه .

١٨٠