الثّاقب في المناقب

عماد الدين أبي جعفر محمّد بن علي الطوسي [ ابن حمزة ]

الثّاقب في المناقب

المؤلف:

عماد الدين أبي جعفر محمّد بن علي الطوسي [ ابن حمزة ]


المحقق: الشيخ نبيل رضا علوان
الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة أنصاريان للطباعة والنشر
المطبعة: مطبعة القدس
الطبعة: ٤
ISBN: 978-964-438-681-7
الصفحات: ٧٠١

٢ ـ فصل :

في بيان ظهور آياته فيما أخبر به من حديث النفس

وفيه : ثمانية أحاديث

٣٢٦ / ١ ـ عن حمران بن أعين ، قال : كنت عند أبي عبد الله عليه السلام وأبو هارون المكفوف جالس بحذائه ، إذ اختصم إليه رجلان ، فنظر أبو عبد الله عليه السلام إلى أبي هارون وقال : «كذبت ، إنّ كلامهما بين يدي ربّ العزة» قال : فمن أين علمت جعلت فداك ؟! قال : «من الجاري الذي يجري منك مجرى الدم واللحم» .

٣٢٧ / ٢ ـ معمّر الزيّات ، قال : كنت أطوف بالبيت وأبو عبد الله عليه السلام في الطواف ، فنظرت إليه وقلت في نفسي : هل طاعته مفروضة على الناس ، والله ما هو بأطول الناس ، ولا بأجمل (١) الناس فما لبث أن مرّ بي ووضع يده بين كتفي ثمّ قال : «( أَبَشَرًا مِّنَّا وَاحِدًا نَّتَّبِعُهُ إِنَّا إِذًا لَّفِي ضَلَالٍ وَسُعُرٍ ) (٢) فجازني ثمّ أتاني أصحابنا فقالوا : ما الذي قال لك ؟ قلت : نعم ، كذا وكذا ، وما هو إلّا كما قلت في نفسي .

___________________

١ ـ عنه في مدينة المعاجز : ٤٠٩ / ٩٧ .

٢ ـ بصائر الدرجات : ٢٦٠ / ٢١ ، دلائل الإِمامة : ١٣٩ ، الخرائج والجرائح ٢ : ٧٣٤ / ٤٤ ، مدينة المعاجز : ٤٠٩ / ١٩٧ عن كتابنا هذا .

(١) في م : بأجل .

(٢) سورة القمر الآية : ٢٤ .

٤٠١

٣٢٨ / ٣ ـ عن هشام بن الأحمر ، قال : دخلت على أبي عبد الله عليه السلام وهو في ضيعته في يوم شديد الحر والعرق يسيل على وجهه (١) ، وأنا أريد أن أسأله عن المفضّل بن عمر الجعفيّ فابتدأني ، وقال : «نعم ، الرجل والله المفضل بن عمر الجعفيّ» حتّى أحصيت بضعاً وثلاثين مرة .

٣٢٩ / ٤ ـ عن خالد بن نجيح ، قال : دخلت على أبي عبد الله عليه السلام وعنده خلق ، فقنعت رأسي وجلست في ناحية وقلت في نفسي : ويحكم ما أغفلكم ، عند من تتكلمون ؟ عند ربّ العالمين .

قال : فناداني : «ويحك يا خالد ، أنا والله عبد مخلوق ولي ربّ أعبده ، وإن لم أعبده عذّبني والله بالنار» فقلت : لا والله لا أقول فيك أبداً إلَّا قولك في نفسك .

٣٣٠ / ٥ ـ عن إسماعيل بن عبد العزيز ، قال : قال لي أبو عبد الله عليه السلام : «ضع لي في المتوضأ ماء» فقمت فوضعت الماء ، فدخل ، فقلت في نفسي : أنا أقول فيه كذا وكذا ويدخل المتوضأ ويتوضأ ؟! فلم يلبث أن خرج وقال : «يا إسماعيل بن عبد العزيز ، لا ترفعوا البناء فوق طاقته ، فينهدم ، اجعلونا عبيداً مخلوقين وقولوا فينا ما شئتم» .

قال إسماعيل : وكنت أقول فيه ما أقول فيه .

٣٣١ / ٦ ـ عن شهاب بن عبد ربّه ، قال : أتيت أبا عبد الله أسأله

___________________

٣ ـ بصائر الدرجات : ٢٥٧ / ٨ ، اثبات الهداة ٣ : ٩٥ / ٦٢ .

(١) في ر ، م : صدره .

٤ ـ بصائر الدرجات : ٢٦١ / ٢٥ .

٥ ـ بصائر الدرجات : ٢٦١ / ٢٢ ، الخرائج والجرائح ٢ : ٧٣٥ ، كشف الغمة ٢ : ١٩١ ، اثبات الهداة ٣ : ١٠١ ، مدينة المعاجز : ٣٨٠ / ٧١ .

٦ ـ بصائر الدرجات : ٢٥٨ / ١٣ ، دلائل الإِمامة : ١٣٣ ، الخرائج والجرائح ٢ : ٦١٣ ، مناقب ابن شهراشوب ٤ : ٢١٩ .

٤٠٢

عن مسألة ، فقال : «إن شئت فاسأل ، وإن شئت أخبرتك (١) فيما جئت له» فقلت له : أخبرني .

قال لي : «جئت لتسألني عن الجنب يغرف الماء من الحب بالكوز فتصيب يده الماء» فقلت : نعم . فقال : «ليس به بأس» .

٣٣٢ / ٧ ـ عن عمر بن يزيد ، قال : كنت عند أبي عبد الله عليه السلام وهو مضطجع ، ووجهه إلى الحائط ، فقال لي : «يا عمر ، اغمز رجلي» فقعدت أغمز رجله ، فقلت في نفسي : اسأله عن عبد الله وموسى أيّهما الإِمام ؟ قال : فحوّل وجهه إليَّ وقال : «إذن والله لا أجيبك» .

٣٣٣ / ٨ ـ عن زياد بن أبي الحلال ، قال : اختلف الناس في جابر بن يزيد الجعفيّ وأحاديثه وأعاجيبه ، فدخلت على أبي عبد الله وأنا أريد أن أسأله فابتدأني من غير أن أسأله .

قال لي «رحم الله جابر بن يزيد الجعفيّ ، فإنّه كان يصدّق علينا ، ولعن الله المغيرة بن سعيد فإنّه كان يكذب علينا» .

___________________

(١) في ش ، ص : أحدّثك .

٧ ـ بصائر الدرجات : ٢٥٥ / ٢ ، دلائل الإمامة : ١٣٣ ، الخرائج والجرائح ٢ : ٧٣٣ .

٨ ـ بصائر الدرجات : ٢٥٨ / ١٢ ، الخرائج والجرائح ٢ : ٧٣٣ / ٤٢ ، اثبات الهداة ٣ : ١٠٠ ، دلائل الإمامة : ١٣٣ .

(٢) في النسخ : زياد بن خلّاد ، وما أثبتناه من المصادر ، راجع «معجم رجال الحديث ٧ : ٣٠٠ ، تنقيح المقال ١ : ٤٥٣» .

٤٠٣

٣ ـ فصل :

في بيان آياته من الاخبار بالغائبات

وفيه : سبعة عشر حديثاً

٣٣٤ / ١ ـ عن بكير بن أعين قال : حبس عبد الله بن عياس بالكوفة ، فحمّلني رسالة إلى أبي عبد الله عليه السلام يسأله الدعاء بتخليته ، فلمّا أن كان في يوم عرفة على الموقف قلت له : اذكر أمر مولاك عبد الله بن عياس ، فرفع يده وحرّك شفتيه ، ثمّ قال : «أطلق عنه» .

قال بكير : فرجعت إلى الكوفة فسألت عن اليوم الذي خلّي عن عبد الله بن عباس ، فوجدت تخليته في الوقت الذي دعا له أبو عبد الله عليه السلام بالتخلية .

٣٣٥ / ٢ ـ عن داود بن كثير ، قال : دخلت على أبي عبد الله عليه السلام فقلت : يا ابن رسول الله ، أسألك عن شيء يختلج في صدري . فقال : «يا داود ، كأنّي بك قد كتفت بخدعة ، فتدخل في صندوق ، ولا يطلق عنك إلّا بألف درهم» .

قال داود : فأضلّني الشَّيطان عمّا أردت سؤاله ، فخرجت متفكّراً

___________________

١ ـ

٢ ـ عنه في مدينة المعاجز : ٤١٥ / ٢٣٢ .

٤٠٤

متحيّراً ممّا قال ، فمررت ببعض سكك الكوفة فإذا جارية مليحة ، فتعلقت بي وقالت : يا صاحب الحق ، هل لك في الإِلمام بنا فتفيدنا ببعض ما خصصت به دوننا ؟ فقلت : ما أكره ذلك . فقالت لي : ادخل فدخلت . فإذا أنا بزوجها قد أقبل إليها ، فقالت لي : ادخل الصندوق ، فإنّي لا آمنه عليك إن رأى اجتماعنا . فدخلت الصندوق ، فأقفلت عليَّ ، ثمّ قالت : قد وقعت موقع سوء ، فإن افتديت نفسك بألف درهم وإلّا غمزت (١) بك إلى السلطان . فأعطيتها ألف درهم وخلّت عنّي ، فرجعت إلى أبي عبد الله عليه السلام ، فلمّا بصر بي قال : «نجوت الآن فاحمد الله تعالى» .

٣٣٦ / ٣ ـ عن يزيد بن خلف ، قال : سمعت أبا عبد الله عليه السلام و [ قد ] ذكر عنده زيد ، وهو يومئذ يتردد في المدينة ، يقول : «كأنّي به قد خرج إلى العراق ويمكث يومين ويقتل في اليوم الثالث ، ثمّ يدار برأسه في البلدان ، ويؤتى به ، وينصب ها هنا على قصبة» وأشار بيده .

قال : فسمعت أذني من أبي عبد الله عليه السلام ، ورأت عيني أن أتي برأسه حتّى أقيم على قصبة في الموضع الذي أشار إليه عليه السلام .

٣٣٧ / ٤ ـ وروي أنَّ محمد بن عبد الله بن الحسن خاصم أبا عبد الله عليه السلام فقال : أنا والله أسخى يداً منك ، وأعلم وأشجع . فقال عليه السلام : «أمّا قولك : أنا أسخى يداً منك ، فوالله ما أمسيت قط ولله عليَّ حق في مالي ، ولا أصبحت ولله في مالي حق ، وأمّا قولك : أنا أعلم منك ، فإنّ أبي وأباك أمير المؤمنين عليه السلام أعتق

___________________

(١) غمزت : أي أشرت ووشيت ، انظر «لسان العرب ـ غمز ـ ٥ : ٣٨٨» .

٣ ـ وعنه في مدينة المعاجز : ٤١٥ / ٢٣٣ .

٤ ـ مناقب ابن شهراشوب ٤ : ٢٢٨ ، اعلام الورىٰ : ٢٧٣ ، مع اختلاف فيه .

٤٠٥

ألف نسمة من كد (١) يده ، فسمّهم لي وإلّا أسميتهم لك بأسمائهم وأسماء آبائهم إلى آدم ؛ وأمّا قولك : أنا أشجع منك فكأنّي أنظر إليك تقتل بالمدينة ، ويقطع رأسك ، وتوضع على جحر الزنابير فيسيل منه الدم إلى موضع كذا» .

قال : فقام محمّد واكماً واجماً ، وحكى ما جرى بينهما أباه ، فقال له أبوه : ما علمت يا بني أنّك صاحب جحر الزنابير إلى الآن .

٣٣٨ / ٥ ـ في حديث آخر عن صفوان بن يحيى قال : حكى محمّد بن جعفر بن محمّد بن الأشعث قال : أتدري ما سبب دخولنا في هذا الأمر ومعرفتنا به ، وما كان عندنا منه ذكر ، ولا معرفة بشيء ممّا عند الناس ؟ قال : قلت : وما ذاك ؟

قال : إنَّ أبا جعفر الدوانيقي قال لمحمد بن الأشعث : يا محمّد ، ادع (٢) لي رجلاً له عقل جيّد يؤدي عنّي . فقال : إنّي أصبت لك ، هذا خالي فلان بن مهاجر . قال : فأتني به . قال : فأتيته ، فقال له أبو جعفر : يا ابن مهاجر خذ هذا المال وائت المدينة ، وائت عبد الله بن الحسن بن الحسن وعدَّة من أهل بيته ، منهم جعفر بن محمّد ، وقل لهم : إنّي رجل غريب من أهل خراسان ، وبها شيعة من شيعتكم ، وجّهوا إليكم بهذا المال . فادفع إلى كلِّ واحد منهم على شرط كذا وكذا ، فإذا قبضوا المال فقل : إنّي رسول ، أحب أن يكون معي خطوطكم بقبضكم ما قبضتم .

فأخذ المال وأتى إلى المدينة ـ على ساكنها أفضل الصلاة

___________________

(١) في م : كسب .

٥ ـ بصائر الدرجات : ٢٦٥ / ٧ ، الكافي ١ : ٣٩٥ / ٦ ، دلائل الإِمامة : ١٢٣ ، الخرائج والجرائح ٢ : ٧٢٠ / ٢٥ ، مناقب ابن شهراشوب ٤ : ٢٢٠ ، اثبات الهداة ٣ : ٨٠ ، مدينة المعاجز : ٣٦٥ / ٣٠ .

(٢) في ش ، ص : ابغ .

٤٠٦

والسلام ـ ورجع إلى أبي جعفر الدوانيقي (٢) ، فقال أبو جعفر ما وراءك ؟

قال : أتيت القوم ، وهذه خطوطهم بقبضهم ، ما خلا أبو عبد الله جعفر بن محمّد ، فإنّي أتيته وهو في مسجد الرسول (ص) يصلّي ، وجلست خلفه ، فقلت : ينصرف وأذكر ما ذكرت لأصحابه فعجل وانصرف ، ثمّ التفت إليَّ وقال : «يا هذا ، اتق الله ولا تغر أهل بيت محمّد (ص) فإنّهم قريبو العهد بدولة بني مروان ، فكلهم محتاج» .

قال : فقلت : وما ذاك أصلحك الله ؟ قال : «فادن رأسك منّي» فدنوت ، فأخبرني بجميع ما جرى بيني وبينك ، حتّى كأنّه كان ثالثنا ، قال : فقال له : يا ابن مهاجر ، اعلم أنّه ليس من أهل بيت النبوة إلّا وفيهم محدّث ، وإنّ جعفر بن محمّد محدّثنا اليوم .

فكانت هذه المقالة سبب مقالتنا بهذا الأمر .

٣٣٩ / ٦ ـ عن موسى بن عبد الله بن الحسن ، قال : إنّ أبي لمّا أخذ في أمر محمّد بن عبد الله : «دعا إلى أمره أبا عبد الله عليه السلام ، فدفعه عن ذلك ونصح له ، فلم يرض منه بذلك ـ في كلام طويل ـ حتىٰ قال أبو عبد الله عليه السلام : «إنَّك لتعلم أنّه الأحول الأكشف الأخضر ، المقتول بسدّة أشجع عند بطن مسيلها» فقال : أبي ليس هو كذلك ، وليقومن بثأر أبي طالب . فقال له : أبو عبد الله عليه السلام : «يغفر الله لك ما أخوفني أن يكون هذا البيت يلحق بصاحبنا :

منتك نفسك في الخلافة ضلالا

والله لا يملك أكثر من حيطان المدينة ولا [ من ] الأمر بد ، وإني

___________________

(١) زاد في ر : ومحمد بن الأشعث عنده .

٦ ـ الكافي ١ : ٢٩٣ / ١٧ ، إثبات الهداة ٣ : ٧٦ / ٣ . ذكره الكليني مفصلاً ، وقد تقدمت قطعة منه في ص ٢٤٤ (في معاجز الإِمام الباقر) .

٤٠٧

لأراه أشأم سخلة أخرجتها أصلاب الرجال إلى أرحام النساء ، والله إنه لمقتول بسدَّة أشجع بين دورها ، والله لكأنّي به صريعاً مسلوباً ثوبه ، بين رجليه لبنة ، ولا ينفع (١) هذا الغلام ما يسمع منّي» .

قال موسى : يعنيني .

«فتخرجن معه فيهزم ، ثمّ يقتل صاحبه ، ! ثمّ يمضي فخرج معه راية أخرى ، فيقتل كبشها ويسرق حليتها ، فإن أطاعني فليطلب عند ذلك الأمان من بني العباس» .

فقام أبي مغضباً يجرّ ثوبه ، فلحقه أبو عبد الله عليه السلام فقال له : «أخبرك أنّي سمعت عمّك ـ وهو خالك ـ يذكر أنّك وبني أبيك ستقتلون فيه ، ولوددت أنّي فديتك بولدي وبأحبّهم إليّ» . فما قبل أبي (٢) ، وخرج مغضباً أسفاً ، فما أقمنا بعد ذلك إلّا عشرين ليلة حتّى قدمت رسل أبي جعفر ، فأخذوا أبي وعمومتي وصفّدوا في الحديد ، ثمّ حملوا في محامل عراة لا وطاء عليها ، فقتل أكثرهم ، ثمّ أتى محمّد بن عبد الله بن الحسن فأخبر أنّ أباه وعمومته قتلوا ، فظهر ودعا الناس إلى نفسه ، وكنت ثالث ثلاثة بايعوا ، واستوثق الناس بيعته ، وأتى بأبي عبد الله عليه السلام حتّى وقف بين يديه ، فقال له عيسى بن زيد : أسلم تسلم . وطالت المحاورة بينهم ، حتّى قال له : والذي أكرم محمّداً (ص) بالنبوة لأسجننك .

فقال أبو عبد الله عليه السلام : «أراني سأقول وأصدَّق» فقال عيسى بن زيد : لو تكلمت لكسرت فكك .

فقال أبو عبد الله عليه السلام : «أما والله لو يبرق بالسيف لكأنّي بك تطلب لنفسك جحراً تدخل فيه ، وما أنت من المذكورين عند

___________________

(١) في ش ، ص : يمنع .

(٢) في م : مني .

٤٠٨

اللقاء ، وإنّي أظنك إذا صفّق خلفك طرت مثل الهيق (١) النافر» فقال محمد بانتهار : احبسه وشدّد عليه واغلظ عليه .

فقال له أبو عبد الله عليه السلام : «أما والله ، لكأنّي بك خارجاً من سدّة أشجع إلى بطن الوادي وقد حمل عليك فارس معلّم في يده طراد (٢) نصفها أبيض ونصفها أسود ، على فرس كميت (٣) أقرح (٤) ، فيطعنك ولا يصنع فيك شيئاً ، وضربت خيشوم فرسه فطرحته ، وحمل آخر خارجاً من زقاق أبي عمّار (٥) عليه غديرتان مضفورتان قد خرجتا من تحت بيضته (٦) ، كثير شعر الشاربين ، فهو والله صاحبك ، فلا رحم الله رمته» (٧) في كلام طويل .

فخرج عيسى بن موسى إلى المدينة وتحاربا ، فمضى محمّد يوم القتال إلى أشجع فخرج إليه الفارس الذي قال أبو عبد الله عليه السلام من خلفه من سكّة هذيل ، فطعنه فلم يصنع شيئاً ، فضرب خيشوم فرسه بالسيف ، وخرج عليه حميد بن قحطبة من زقاق العماريين فطعنه طعنة نفذ السنان (٨) فيه ، وانكسر الرمح (٩) ، فصرعه ، ثمّ نزل إليه فضربه حتّى أثخنه وقتله ، وأخذ برأسه .

___________________

(١) الهيق : ذكر النعام «حياة الحيوان ٢ : ٤٠٨» .

(٢) في ش ، ص : طراده ، والطراد : الرمح القصير لأن صاحبه يطارد به «لسان العرب ـ طرد : ٣ : ٢٦٨» .

(٣) الكميت : ما كان لونه بين الأسود والأحمر «لسان العرب ـ كمت ـ ٢ : ٨١» .

(٤) القرحة : البياض في جبهة الفرس دون الغرة ، راجع «لسان العرب ـ قرح ـ ٢ : ٥٦٠» .

(٥) في ش ، ص : آل أبي .

(٦) البيضة : الخوذة «لسان العرب ـ بيض ـ ٧ : ١٢٥» .

(٧) الرمة : العظام البالية «لسان العرب ـ رمم ـ ١٢ : ٢٥٢» .

(٨) في ش ، ص : السيف .

(٩) في ر ، م زيادة : وحمل على حمير فطعنه حمير بالرمح .

٤٠٩

٣٤٠ / ٧ ـ عن الأزدي ، قال : خرجنا نريد منزل أبي عبد الله جعفر بن محمّد عليه السلام فلحقنا أبو بصير ، فدخلنا على أبي عبد الله عليه السلام ، فرفع رأسه إلى أبي بصير وقال : «يا أبا محمّد ، ألا تعلم أنّه لا ينبغي للجنب أن يدخل بيوت الأنبياء ؟!» . فرجع أبو بصير ودخلنا .

٣٤١ / ٨ ـ أخبرنا مهزّم قال : خرجت ممسياً من عند أبي عبد الله عليه السلام ، فأتيت منزلي بالمدينة ، فكانت أمّي عندي ، فوقع بيني وبينها كلام ، فأغلظت عليها بالكلام ، فلمّا أن كان من الغد صلّيت الغداة ، وأتيت منزل أبي عبد الله عليه السلام فدخلت عليه ، فقال لي مبتدئاً : «مالك ولوالدتك أغلظت في كلامها البارحة ؟! أما علمت : أنّ بطنها كان منزلاً قد سكنته ، وأنّ حجرها مهدٌ قد عمّرته ، وأنّ ثديها سقاءٌ قد شربته ؟!» قلت : بلى قال : «فلا تغلظ لها» .

٣٤٢ / ٩ ـ عن الحارث بن حصيرة الأزدي ، قال : مرّ رجل من أهل الكوفة إلى خراسان فدعا الناس إلى ولاية جعفر بن محمّد عليهما السلام ، ففرقة أجابت وأطاعت ، وفرقة أنكرت وجحدت ، وفرقة وقفت وتورعت .

قال : فخرج من كلّ فرقة رجل فدخلوا على أبي عبد الله عليه السلام ، وكان المتكلم منهم الذي ذكرت أنّه تورع ووقف ، وكان مع بعض القوم جارية ، فخلا بها الرجل ، فوقع عليها ، فلمّا دخلوا على

___________________

٧ ـ دلائل الإِمامة : ١٣٧ ، اعلام الورى : ٢٦٩ ، مضمونه ، اثبات الهداة ٣ : ١٠١ / ٨٢ .

٨ ـ بصائر الدرجات : ٢٦٣ / ٣ ، دلائل الإِمامة : ١١٦ ، مناقب ابن شهراشوب ٤ : ٢٢١ ، اثبات الهداة ٣ : ١٠٢ / ٨٨ .

٩ ـ بصائر الدرجات : ٢٦٤ / ٥ ، دلائل الإِمامة : ١٣٠ ، مناقب ابن شهرآشوب ٤ : ٢٢١ ، اثبات الهداة ٣ : ١٠٣ / ٨٩ .

٤١٠

أبي عبد الله عليه السلام قال : إنّه قدم علينا رجل من أهل الكوفة ، فدعا الناس إلى ولايتك وطاعتك ، فأجاب قوم ، وأنكر قوم ، وتورع منهم قوم ، وتوقفوا ، فقال : «ومِن أي الثلاثة أنت ؟» قال : أنا من الفرقة التي توقفت وتورعت . فقال : «وأين كان تورعك يوم كذا وكذا مع الجارية ؟!» قال : فارتاب الرجل وسكت .

٣٤٣ / ١٠ ـ عن عمّار السجستاني ، قال : كان عبد الله بن النجاشي منقطعاً إلى الحسن بن الحسن ، ويقول بمقالة الزيدية ، فقضى أن خرجت أنا إلى أبي عبد الله عليه السلام فلقيني بعد ذلك ، فقال لي : استأذن لي على صاحبك . فقلت لأبي عبد الله عليه السلام : إنّه سألني الإِذن عليك ، فقال : «ائذن له» ما دعاك إلى ما صنعت يوم كذا ؟! فدخل عليه ، فقال عليه السلام : «أتذكر يوم مررت على باب دار فسال ميزاب الدار ، فقلت : إنّه قذر ؛ فطرحت نفسك في النهر بثيابك وعليك منشفة ، فاجتمع عليك الصبيان يضحكون منك ، ويصيحون عليك ؟» .

قال عمّار : فالتفت إليّ وقال : ما دعاك إلى أن تخبر به أبا عبد الله ؟ فقلت : لا والله ، ما أخبرته ، وها هو ذا قدّامي يسمع كلامي .

قال : فلمّا خرجت قال لي : يا عمّار هذا صاحبي دون غيره .

٣٤٤ / ١١ ـ عن أبي بصير ، قال : قال أبو عبد الله عليه السلام : «يا أبا محمّد ، ما فعل أبو حمزة ؟» فقلت : خلّفته طائحاً (١) . فقال : «إذا

___________________

١٠ ـ بصائر الدرجات : ٢٦٥ / ٦ ، مناقب ابن شهراشوب ٤ : ٢٢٠ ، اثبات الهداة ٣ : ١٠٢ / ٩٠ ، قطعة منه .

١١ ـ بصائر الدرجات : ٢٨٣ / ٦ ، دلائل الإِمامة : ١١٦ ، اثبات الهداة ٣ : ١٠٦ / ١٠٣ ، مدينة المعاجز : ٣٩٢ / ١١٣ .

(١) الطائح : المشرف على الهلاك «لسان العرب ـ طوح ـ ٢ : ٥٣٥» . وفي ر ، ش ، ص ، ع ، ك : صالحاً .

٤١١

رجعت إليه فاقرأه منّي السلام ، واعلمه أنّه يموت يوم كذا وكذا» . فقلت له : جعلت فداك ، أليس من شيعتكم ؟ قال : نعم ، إنّ الرجل من شيعتنا إذا خاف الله فراقبه وتوقّى الذنوب ، فإذا فعل ذلك كان معنا في درجاتنا» .

قال أبو بصير : فرجعت ، فما لبث أبو حمزة أن مات في تلك الساعة ، في ذلك اليوم .

٣٤٥ / ١٢ ـ حنان بن سدير ، قال : رأيت في المنام كأنّي دخلت على رسول الله (ص) وبين يديه طبق ، عليه منديل ، قد غطّي به ، فكشف المنديل عن الطبق ، فإذا فيه رطب ، فجعل يأكل منه ، فقلت : أطعمني يا رسول الله . فناولني رطبة فأكلتها ، حتّى ناولني ثمانية ، فقلت : زدني يا رسول الله . فقال : حسبك .

فلمّا كان من الغد دخلت على مولاي الصادق عليه السلام ، وبين يديه طبق قد غطّي بمنديل كأنّه الذي رأيته في المنام ، فكشف المنديل عنه ، فإذا فيه رطب ، فجعل يأكل منه ، فقلت : يا ابن رسول الله ، أطعمني فناولني رطبة ، فأكلتها ، حتّى ناولني ثماني ، فقلت : زدني يا ابن رسول الله . فقال : «لو زادك جدّي لزدتك ، ولكن حسبك» .

٣٤٦ / ١٣ ـ عن شعيب العقرقوفي قال : بعث معي رجل بألف درهم ، وقال : إنّي أحبُّ أن أعرف فضل أبي عبد الله عليه السلام على أهل بيته .

قال : فخذ خمسة دراهم ستوقة (١) ، فاجعلها في الدراهم ، وخذ

___________________

١٢ ـ روضة الواعظين : ٢٠٨ ، بشارة المصطفى : ٢٤٩ ، اثبات الهداة ٣ : ٩٧ .

١٣ ـ بصائر الدرجات : ٢٦٧ / ٩ ، دلائل الإِمامة : ١٢٤ ، الخرائج والجرائح ٢ : ٦٣٠ / ٣١ ، مناقب ابن شهراشوب ٤ : ٢٢٨ .

(١) الستوق : المزيف «لسان العرب ـ ستق ـ ١٠ / ١٥٢» .

٤١٢

من الدراهم خمسة فصيّرها في لبنة (١) قميصك ، فإنّك ستعرف ذلك .

قال : فأتيت بها أبا عبد الله عليه السلام ، فنشرتها بين يديه ، فأخذ الخمسة ، وقال : «هاك خمستك ، وهات خمستنا» .

٣٤٧ / ١٤ ـ عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر ، قال حدّثني رجل من أهل جسر بابل قال (٢) : كان في القرية رجل يؤذيني ، ويقول : يا رافضي . ويشتمني ، وكان يلقب بقرد القرية ، فحججت سنة من ذلك ، فقال لي أبو عبد الله عليه السلام ابتداءً : «قوما [ قد ] مات» . فقلت : جعلت فداك ، متى ؟! قال : «الساعة» فكتبت اليوم والساعة .

فلمّا قدمت الكوفة تلقّاني أخي ، فسألته عمن مات ، وعمّن بقي ، فقال : قوما قد مات فقلت ـ هو بالنبطية : قرد القرية ـ متى مات ؟ فقال : يوم كذا ، ووقت كذا . وكان في الوقت الذي أخبرني به أبو عبد الله عليه السلام .

٣٤٨ / ١٥ ـ عن إبراهيم ابن أبي البلاد ، قال : كنّا نزولاً بالمدينة ، وكانت جارية لصاحب المنزل تعجبني ، وإنّي أتيت الباب فاستفتحت ، ففتحت الجارية ، فغمزت ثديها ، فلمّا أن كان من الغد دخلت على أبي عبد الله عليه السلام فقال لي : «يا إبراهيم ، أين أقصى أثرك اليوم ؟» فقلت : ما برحت من المسجد . فقال : «أما تعلم أنّ أمرنا هذا لا يُنال إلا بالورع ؟!» .

___________________

(١) اللبنة : رقعة تعمل موضع جيب القميص والجبة «لسان العرب ـ لبن ـ ١٣ : ٣٧٦» .

١٤ ـ بصائر الدرجات : ٣٥٤ / ٧ .

(٢) في نسخة من ك : أهل المدينة ، وفي ر : أهل بانك .

١٥ ـ بصائر الدرجات : ٢٦٣ / ٢ ، دلائل الإِمامة : ١١٦ ، أعلام الورىٰ ، ٢٦٨ ، اثبات الهداة ٣ : ١٠٢ / ٨٧ .

٤١٣

٣٤٩ / ١٦ ـ عن عمر بن يزيد ، قال : كنت عند أبي عبد الله عليه السلام ، وهو وجع ، فولّاني ظهره ووجهه إلى الحائط ، فقلت في نفسي : ما ندري ما يصيبه في مرضه ، فلو سألته عن الإِمام بعده ؛ وأنا أفكر إذ حوّل وجهه وقال : «إنّ الأمر ليس كما تظن ، ليس عليَّ من وجعي هذا بأس بحمد الله» .

٣٥٠ / ١٧ ـ عن أبي كهمش ، قال : كنت بالمدينة نازلاً في دار فيها وصيفة كانت تعجبني ، فانصرفت ليلاً ممسياً ، فاستفتحت الباب ، ففتحت لي ، فمددت يدي ، فقبضت على ثديها ، فلمّا كان من الغد دخلت على أبي عبد الله عليه السلام فقال : «يا أبا كهمش ، تُب إلى الله ممّا صنعت البارحة» .

___________________

١٦ ـ بصائر الدرجات : ٢٥٩ / ١٤ ، دلائل الإِمامة : ١٣٣ ، نحوه ، اثبات الهداة ٣ : ١٠٠ / ٧٧ .

١٧ ـ بصائر الدرجات : ٢٦٢ / ١ ، دلائل الإِمامة : ١١٥ .

٤١٤

٤ ـ فصل :

في بيان آياته ومعجزاته في معان شتّى

وفيه : اثنا عشر حديثاً

٣٥١ / ١ ـ أخبرنا سعد الاسكاف ، عن سعد بن طريف قال : كنا عند أبي عبد الله عليه السلام إذ دخل عليه رجل من أهل الجبل بهدايا وألطاف ، وكان فيما أهدي إليه جراب فيه قديد وخبز ، فنشره أبو عبد الله عليه السلام قدّامه ، ثمّ قال : «خذ هذا القديد واطعمه الكلب» فقال الرجل : ولِمَ .

فقال : «إنّ هذا القديد ليس مذكّى» فقال الرجل لقد اشتريته من رجل مسلم وذكر أنّه ذكي .

قال : فردّه أبو عبد الله عليه السلام في الجراب كما كان ، ثمّ قال للرجل : «قم وادخل البيت ، وضعه في زاوية» ففعل الرجل ، وقد تكلم أبو عبد الله عليه السلام بكلام لا أعرفه ، ولا أدري ما هو ، فسمع الرجل القديد وهو يقول : «يا عبد الله ، ليس مثلى يأكله اولاد

___________________

١ ـ الهداية الكبرىٰ : ٢٥٠ ، دلائل الإِمامة : ١٣٠ ، الخرائج والجرائح ٢ : ٦٠٦ / ١ ، مناقب ابن شهراشوب ٤ : ٢٢٢ ، الصراط المستقيم ٢ : ١٨٧ ، مدينة المعاجز : ٣٩٥ / ١٣٢ ،

٤١٥

الأنبياء (١) ، إنّي لست بذكي» فحمل (٢) الرجل الجراب وخرج إلى أبي عبد الله عليه السلام ، وأخبره بما سمع منه ، فقال له أبو عبد الله عليه السلام : «أما علمت يا هارون أنّا نعلم ما لا يعلمه الناس ؟!» قال : بلى ، جعلت فداك . وخرج الرجل ، وخرجت أتبعه حتّىٰ لقينا كلب ، فألقاه إليه فأكله حتّى لم يبق منه شيء .

٣٥٢ / ٢ ـ عن الحسن بن علي بن فضّال ، قال : قال موسى بن عطية النيسابوري : اجتمع وفد خراسان من أقطارها ، كبارها وعلماؤها ، وقصدوا داري ، واجتمع علماء الشيعة واختاروا أبا لبابة وطهمان وجماعة شتى ، وقالوا بأجمعهم : رضينا بكم أن تردوا المدينة ، فتسألوا عن المستخلف فيها ، لنقلّده أمرنا (٣) ، فقد ذكر أنّ باقر العلم قد مضى ، ولا ندري من نصبه الله بعده من آل الرسول من ولد علي وفاطمة عليهما السلام . ودفعوا إلينا مائة ألف درهم ذهباً وفضّة [ وقالوا ] : لتأتونا بالخبر وتعرّفونا الإِمام ، فتطالبوه بسيف ذي الفقار والقضيب والخاتم والبردة واللوح الذي فيه تثبت الأئمة من ولد علي وفاطمة ، فإنّ ذلك لا يكون إلّا عند الإِمام ، فمن وجدتم ذلك عنده فسلّموا إليه المال .

فحملناه وتجهّزنا إلى المدينة وحللنا بمسجد الرسول (ص) ، فصلّينا ركعتين ، وسألنا : مَن القائم بأمور الناس ، والمستخلف فيها ؟ فقالوا لنا : زيد بن علي ، وابن أخيه جعفر بن محمّد ، فقصدنا زيداً في مسجده ، وسلّمنا عليه ، فردّ علينا السلام وقال : من أين أقبلتم ؟ قلنا :

___________________

(١) في م : نبي ولا ولي .

(٢) في ش ، ص : فرفع .

٢ ـ عنه في مدينة المعاجز : ٤١١ / ٢١٢ .

(٣) في ر : أمورنا .

٤١٦

أقبلنا من أرض خراسان لنعرف إمامنا ، ومن نقلده أمورنا . فقال : قوموا . ومشى بين أيدينا حتّى دخل داره ، فأخرج إلينا طعاماً ، فأكلنا ، ثمّ قال : ما تريدون ؟

فقلنا له : نريد أن ترينا ذا الفقار والقضيب والخاتم والبرد واللوح الذي فيه تثبت الأئمة عليهم السلام ، فإنّ ذلك لا يكون إلّا عند الإِمام .

قال : فدعا بجارية له ، فأخرجت إليه سفطاً ، فاستخرج منه سيفاً في أديم أحمر ، عليه سجف أخضر ، فقال : هذا ذو الفقار . وأخرج إلينا قضيباً ، ودعا بدرع من فضّة ، واستخرج منه خاتماً وبرداً ، ولم يخرج اللوح الذي فيه تثبيت الأئمة عليهم السلام ، فقال أبو لبابة من عنده : قوموا بنا حتّى نرجع إلى مولانا غداً فنستوفي ما نحتاج إليه ، ونوفّيه ما عندنا ومعنا .

فمضينا نريد جعفر بن محمّد عليهما السلام ، فقيل لنا : إنّه مضى إلى حائط (١) له ، فما لبثنا إلّا ساعة حتّى أقبل وقال : «يا موسى بن عطية النيسابوري ويا أبا لبابة ، ويا طهمان ، ويا أيّها الوافدون من أرض خراسان ، إليَّ فأقبلوا» .

ثمّ قال : «يا موسى ، ما أسوأ ظنّك بربّك وبإمامك ، لمَ جعلت في الفضّة التي معك فضة غيرها ، وفي الذهب ذهباً غيره ؟ أردت أن تمتحن إمامك ، وتعلم ما عنده في ذلك ، وجملة المال مائة ألف درهم» .

ثمّ قال : «يا موسى بن عطية ، إنّ الأرض ومَن عليها لله ولرسوله وللإِمام من بعد رسوله ، أتيتَ عمّي زيداً فأخرج إليكم من السفط ما رأيتم ، وقمتم من عنده قاصدين إليَّ» .

___________________

(١) في ش ، ص : حاجة .

٤١٧

ثمّ قال : «يا موسى بن عطية ، يا أيّها الوافدون من خراسان ، أرسلكم أهل بلدكم لتعرفوا الإِمام وتطالبوه بسيف الله ذي الفقار الذي فضّل به رسول الله (ص) ونصر به أمير المؤمنين وأيّده ، فأخرج إليكم زيد ما رأيتموه» .

قال : «ثمّ أومى بيده إلى فص خاتم له ، فقلعه ، ثمّ قال : «سبحان الله ، الذي أودع الذخائر وليه والنائب عنه في خليقته ، ليريهم قدرته ، ويكون الحجّة عليهم حتى إذا عرضوا على النار بعد المخالفة لأمره ، فقال : أليس هذا بالحق ؟ ( قَالُوا بَلَىٰ وَرَبِّنَا قَالَ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ ) (١) .

قال : ثمّ أخرج لنا من وسط الخاتم البردة والقضيب واللوح الذي فيه تثبيت الأئمة عليهم السلام ، ثمّ قال : «سبحان الذي سخّر للإِمام كلّ شيء وجعل له مقاليد السماوات والأرض لينوب عن الله في خلقه ويقيم فيهم حدوده كما تقدم إليه ليثبت حجّة الله على خلقه ، فإن الإِمام حجّة الله تعالى في خلقه» . ثمّ قال : «ادخل الدار أنت ومن معك بإخلاص وإيقان وإيمان» .

قال : فدخلت أنا ومن معي فقال : «يا موسى ، ترى النور الذي في زاوية البيت ؟» فقلت : نعم . قال : «ائتني به» فأتيته ووضعته بين يديه وجئت بمروحة (٣) ونقر بها على النور ، وتكلّم بكلام خفي .

قال : فلم تزل الدنانير تخرج منه حتّى حالت بيني وبينه ، ثمّ قال : «يا موسى بن عطيه ، إقرأ : بسم الله الرحمن الرحيم لقد كفر ( الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّـهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ ) (٤) لم نرد مالكم لأنّا فقراء ، وما

___________________

(١) سورة الأحقاف الآية : ٣٤ .

(٢) في م : الدار .

(٣) المروحة : آلة يتروح بها في الحر «لسان العرب ـ روح ـ ٢ : ٤٥٦» .

(٤) سورة آل عمران الآية : ١٨١ .

٤١٨

أردناه إلّا لنفرّقه على أوليائنا من الفقراء ، وننتزع حق الله من الأغنياء ، فإنّها عقدة فرضها الله عليكم ، قال الله عز وجل : ( إِنَّ اللَّـهَ اشْتَرَىٰ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّـهِ ) (١) . وقال عز وجل : ( الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّـهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَـٰئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَـٰئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ ) (٢) .

قال : ثمّ رمق الدنانير بعينه فتبادرت إلى كو (٣) كان في المجلس .

ثمّ قال : «أحسنوا إلى إخوانكم المؤمنين ، وصلوهم ولا تقطعوهم ، فإنّكم إن وصلتموهم كنتم منّا ومعنا ولنا لا علينا ، وإن قطعتموهم انقطعت العصمة بيننا وبينكم لا موصلين ولا مفصلين» فردّ المال إلى أصحابه وأخذ الفضَّة التي وضعت في الفضة ، والذهب الذي وضع في الذهب ، وأمرهم أن يصلوا بذلك «أولياءنا وشيعتنا الفقراء ، فإنّه الواصل إلينا ونحن المكافئون عليه» .

قال : ثمّ قال : «يا موسى بن عطية ، أراك أصلع ، أدن منّي» فدنوت منه ، فأمرَّ يده على رأسي ، فرجع الشعر قططاً (٤) ، فقال : «يكون معك ذا حجّة» .

فقال : «أدن منّي يا أبا لبابة» وكان في عينه كوكب (٥) ، فتفل في

___________________

(١) سورة التوبة الآية : ١١١ .

(٢) سورة البقرة الآية : ١٥٦ ، ١٥٧ .

(٣) الكو والكوة : الخرق في الحائط والثقب في البيت ونحوه ، وجمعها : كوى ، «لسان العرب ـ كوى ـ ١٥ : ٢٣٦» .

(٤) القطط : الشعر الشديد الجعودة ، أو الحسن الجعودة «لسان العرب ـ قطط ـ ٧ : ٣٨٠» .

(٥) الكوكب : البياض في سواد العين «لسان العرب ـ كوكب ـ ١ : ٧٢١» .

٤١٩

عينه ، فسقط ذلك الكوكب ، وقال : «هاتان حجتان إذا سألكما سائل فقولا : إمامنا فعل ذلك بنا» وودَّعنا وودّعناه ، وهو إمامنا إلى يوم البعث ، ورجعنا إلى بلدنا بالذهب والفضَّة .

٣٥٣ / ٣ ـ عن داود الرقي ، قال : كنت عند أبي عبد الله عليه السلام جالساً إذ دخل ابنه موسى عليه السلام وهو ينتفض (١) ، فقال له أبو عبد الله عليه السلام : «جعلت فداك ، كيف أصبحت ؟» قال : «أصبحت في كنف الله ، متقلباً في نعم الله ، أشتهي عنقود عنب جرشي ، ورمّانة خضراء» ، فقلت : يا سبحان الله في الشتاء !! فقال : «يا داود ، [ إن ] الله قادر على كلّ شيء (٢) ، أدخل البستان فأخرج إليه عنقود عنب جرشي ورمّانة خضراء» .

قال داود : فلمّا أن دخلت البستان نظرت إلى شجرتين خضراوتين ، فإذا رمّانة خضراء وعنقود عنب جرشي فاجتنيتهما وقلت : آمنت بالله وبسرّكم وعلانيتكم ، فأخرجته إلى موسى عليه السلام فقال : «يا داود ، ادفعه إليه فإنّه والله لأفضل من رزق مريم ، وقد اختص به موسى من الأفق الأعلى» .

٣٥٤ / ٤ ـ عن داود الرقيّ قال : خرجت مع أبي عبد الله عليه السلام حاجّاً إلى مكّة ، ونحن نتساير ذات يوم في أرض سبخة إذ دخل علينا وقت الصلاة فقال : «هلم (٣) بنا إلى هذا الجانب لنتطهّر ونصلّي»

___________________

٣ ـ الخرائج والجرائح ٢ : ٦١٧ / ١٦ ، اثبات الهداة ٣ : ١١٧ / ١٤٢ ، قطعة منه ، مدينة المعاجز : ٤٠٦ / ١٨٢ .

(١) ينتفض : أي يرتعد كأنه مصاب بالنافض ، وهي حمىٰ الرعدة . «لسان العرب ـ نفض ـ ٧ : ٢٤٠» .

(٢) في ر : على ما يشاء .

٤ ـ مناقب ابن شهراشوب ٤ : ٢٤١ .

(٣) في ش ، ص ، مل . وفي ر : هلمو .

٤٢٠