الثّاقب في المناقب

عماد الدين أبي جعفر محمّد بن علي الطوسي [ ابن حمزة ]

الثّاقب في المناقب

المؤلف:

عماد الدين أبي جعفر محمّد بن علي الطوسي [ ابن حمزة ]


المحقق: الشيخ نبيل رضا علوان
الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة أنصاريان للطباعة والنشر
المطبعة: مطبعة القدس
الطبعة: ٤
ISBN: 978-964-438-681-7
الصفحات: ٧٠١

٦ ـ فصل :

في بيان ظهور آياته في الإِخبار بآجال الناس

وفيه : خمسة أحاديث

٤٠٧ / ١ ـ روى الحاكم بإسناده عن سعد بن سعد أنّه عليه السلام نظر إلى رجل فقال : «يا عبد الله ، أوص بما تريد واستعد لما لا بد منه» فمات الرجل بعد ذلك بثلاثة أيَّام .

٤٠٨ / ٢ ـ عن يحيى بن محمّد بن جعفر ، قال : مرض أبي مرضاً شديداً ، فأتاه الرضا عليه السلام يعوده وعمّي إسحاق جالس يبكي ، فالتفت إليَّ وقال : «ما يبكي عمك ؟» فقلت : يخاف عليه ممّا ترى . قال : «لا تغتم ، فإنّ إسحاق سيموت قبله» .

قال : فبرء أبي محمّد ، ومات إسحاق .

٤٠٩ / ٣ ـ عن الحسن بن بشّار ، قال : قال لي الرضا عليه السلام : «إنَّ عبد الله يقتل محمَّداً» فقلت : عبد الله بن هارون يقتل محمد بن هارون ؟! قال : «نعم ، عبد الله الذي بخراسان ، يقتل

___________________

١ ـ عيون أخبار الرضا عليه السلام ٢ : ٢٢٣ / ٤٣ ، بحار الأنوار ٤٩ : ٤٣ عن العيون .

٢ ـ عيون أخبار الرضا عليه السلام ٢ : ٢٠٦ / ٧ ، مناقب ابن شهراشوب ٤ : ٣٤٠ .

٣ ـ كشف الغمة ٢ : ٣١٤ ، اعلام الورىٰ : ٣١١ .

٤٨١

محمّد بن زبيدة الذي هو ببغداد» فقتله ، وكان كما قال .

٤١٠ / ٤ ـ عن موسى بن مهران ، قال : قال لي الرضا عليه السلام وقد نظر إلى هرثمة بالمدينة فقال : «كأنّي به وقد حمل إلى مرو فضرب عنقه» فكان كما قال .

٤١١ / ٥ ـ عن الحسن بن علي الوشّاء ، قال : كنت مع الرضا عليه السلام بمنى فمرّ يحيى بن خالد مع قوم من آل برمك ، فقال : «مساكين ، ما يدرون ما يحلّ بهم في هذه السنة» .

ثمّ قال : «وأعجب من هذا هارون وأنا كهاتين» . وضمّ أصبعيه .

قال مسافر : فما عرفت معنى الحديث حتّى دفنّاه معه .

___________________

٤ ـ عيون إخبار الرضا عليه السلام ٢ : ٢١٠ / ١٤ ، مناقب ابن شهراشوب ٤ : ٣٣٥ .

٥ ـ إرشاد المفيد : ٣٠٩ ، مناقب ابن شهراشوب ٤ : ٣٤٠ ، كشف الغمة ٢ : ٢٧٥ ، باختلاف يسير .

٤٨٢

٧ ـ فصل :

في بيان آياته فيما أخبر به ممّا رآه في المنام

وفيه : حديثان

٤١٢ / ١ ـ روى الحاكم أبو عبد الله النيسابوري بإسناده في كتابه (مفاخر الرضا عليه السلام) عن أبي حبيب النباجي قال : رأيت رسول الله (ص) في المنام ، وقد وافى النباج (١) ، ونزل في المسجد الذي ينزله الحاج في كل سنة ، وكأني مضيت إليه ، وسلّمت عليه ، ووقفت بين يديه ، فوجدت عنده طبقاً من خوص نخل المدينة ، فيه تمر صيحاني ، وكأنّه قبض قبضة من ذلك التمر فناولني إيَّاها ، فعددته ، فكان ثماني عشر ، فتأوّلت أن أعيش بعد ذلك ثماني عشرة سنة ، بعدد كل تمرة سنة .

فلمّا كان بعد عشرين يوماً كنت في أرض لعمي بين يدي الزراعة إذ رآني من أخبرني بقدوم أبي الحسن الرضا عليه السلام من المدينة ونزوله ذلك المسجد ، ورأيت الناس يسرعون (٢) إليه ، فمضيت نحوه ،

___________________

١ ـ عيون أخبار الرضا عليه السلام ٢ : ٢١٠ / ١٥ ، دلائل الإِمامة : ١٨٩ ، مناقب ابن شهراشوب ٤ : ٣٤٢ ، كشف الغمة ٢ : ٣٠٣ .

(١) النباج : قرية في بادية البصرة على النصف من طريق مكة «معجم البلدان ٥ : ٢٥٦» .

(٢) في ر ، ك ، م : يسعون .

٤٨٣

فإذا هو جالس في الموضع الذي كنت رأيت فيه النبي (ص) ، وتحته حصير مثل ما كان تحت النبي (ص) ، وبين يديه طبق من خوص فيه تمر صيحاني ، فسلّمت عليه ، فردّ عليّ السلام فناداني ، وناولني قبضة من ذلك التمر ، فعددته فإذا عدده بعدد الذي ناولني رسول الله (ص) ، فقلت له : زدني يا ابن رسول الله ، جعلني الله فداك . فقال لي : «لو زادك جدّي رسول الله لزدتك» .

٤١٣ / ٢ ـ عن أحمد بن علي بن الحسن الثعالبي ، قال : حدّثني أبو أحمد عبد الله بن عبد الرحمن المعروف بالصفواني ، قال : خرجت قافلة من خراسان إلى كرمان فقطع اللصوص عليهم الطريق ، وأخذوا منهم رجلاً اتهموه بكثرة المال وأقاموه في الثلج ، وملأوا فاه منه فانفسد فمه ولسانه حتّى لم يقدر على التكلم ، ثمّ انصرف إلى خراسان وسمع بخبر أبي الحسن الرضا عليه السلام بنيسابور ، فرأى فيما يرى النائم كأنّ قائلاً يقول له : إنّ ابن رسول الله نازل بخراسان فاسأله عن علتك ليعمل لك الدواء (١) فتنتفع به .

قال : فرأيت كأني قد قصدته وشكوتُ إليه ما كنت وقعت فيه ، وأخبرته فقال لي : «خذ من الكمون والسعتر والملح ودقه ، وخذ منه في فمك مرتين أو ثلاثاً فإنّك تعافىٰ» فانتبه الرجل من منامه ولم يفكر فيما كان رأى في المنام حتّى ورد باب نيسابور فقيل له : إنّ علي بن موسى الرضا عليه السلام قد ارتحل من نيسابور وهو برباط سعد ، فوقع في نفسه أن يقصده ويصف له أمره ، فدخل عليه فقال : يا ابن رسول الله ، كان من أمري كيت وكيت ، وقد انفسد فمي ولساني [ و ] لا أقدر على الكلام إلّا بجاهد ، فعلمني دواء أنتفع به .

___________________

٢ ـ عيون أخبار الرضا عليه السلام ٢ : ٢١١ / ١٦ ، مناقب ابن شهراشوب ٤ : ٣٤٤ ، باختصار ، كشف الغمة ٢ : ٣١٤ ، اعلام الورى : ٣١١ .

(١) في ش ، ص : ليعلمك الجواب في الدواء .

٤٨٤

فقال عليه السلام : «ألم أعلمك ؟! فاذهب واستعمل ما وصفت لك في المنام» فقال الرجل : يا ابن رسول الله ، إن رأيت أن تعيده علي . فقال لي : «خذ من الكمون والسعتر (١) والملح فدقه ، وخذ منه في فمك مرتين أو ثلاثاً تعافىٰ» فقال الرجل : فاستعملت منه فعافاني الله تعالى .

___________________

(١) السعتر : يمضغ فيسكن وجع السن ويشفي اللثة المترهلة «القانون ١ : ٣٨٤» . وفي ر : الشعير .

٤٨٥

٨ ـ فصل :

في بيان آياته في الإِخبار بالمغيبات

وفيه : عشرة أحاديث

٤١٤ / ١ ـ عن الحسين بن موسى بن جعفر ، قال : كنّا حول أبي الحسن الرضا عليه السلام ونحن شبان بني هاشم ، إذ مرّ علينا جعفر بن عمر العلوي وهو رث الهيئة ، فنظر بعضنا إلى بعض ، وضحكنا من هيئته ، فقال الرضا عليه السلام : «سترونه عن قريب كثير المال والتبع» فما مضى إلَّا شهر أو نحوه حتّى ولي المدينة وحسنت حاله ، وهو يمرّ بنا ومعه الخصيان والحشم .

٤١٥ / ٢ ـ عن عبد الله بن محمّد الهاشمي العلوي قال : دخلت على المأمون فحدّثني ملياً ، ثمّ أخرج من كان عنده لمكاني ، فلمّا خلا المجالس دعا بماء فغسلنا أيدينا ، ثمّ أتى بطعام فطعمنا ، ثمّ أمر بستارة فمدّت ، ثمّ أقبل على واحدة من الجواري وقال : يا بنت فلان ، لما رثيت لنا من بطوس قاطناً . فأنشأت الجارية تقول شعراً :

سقيا لطوس ومن أضحى به قطنا

من عترة المصطفى ابقى لنا حزنا

___________________

١ ـ عيون أخبار الرضا عليه السلام ٢ : ٢٠٨ / ١١ ، كشف الغمة ٢ : ٣١٤ ، إعلام الورىٰ : ٣١١ .

٢ ـ عيون أخبار الرضا عليه السلام ٢ : ٢٢٣ / ٤٤ ، وقطعة منه في مناقب ابن شهراشوب ٤ : ٣٣٣ .

٤٨٦

فبكى المأمون حتّى اخضلت لحيته من دموعه ، ثمّ قال : يا عبد الله ، أيلومني أهل بيتي وأهل بيتك أن أنصب أبا الحسن علماً ، فوالله لأحدّثنك بحديث ، فاكتمه علي .

جئته يوماً فقلت له : جعلت فداك ، آباؤك موسى بن جعفر وجعفر بن محمد ومحمّد بن علي وعلي بن الحسين والحسين بن علي بن أبي طالب أمير المؤمنين عليهم السلام كان عندهم علم ما كان وما يكون إلى يوم القيامة ، وأنت وصي (١) القوم ، وعندك علمهم ، وهذه الزاهرية حظيتي ومَن لا أقدّم عليها أحداً من جواري ، وقد حملت غير مرّة كل ذلك تسقط ، وهي حبلى ، أفلا تعلمني شيئاً أعلمها فتعالج به فلعلها تسلم ؟

قال المأمون : فأطرق إطراقة ثم رفع رأسه وقال : «لا تخف من إسقاطها ، فإنّها ستسلم وتلد لك غلاماً أشبه الناس بأمّه ، كأنّ وجهه الكوكب الدري ، وقد زاد الله في خلقه مرتين» . قلت : فما المرتان الزائدتان ؟ قال : «فالأولىٰ بيده اليمنى خنصرة زائدة ليست بالمدلاة ، وفي رجله اليسرىٰ خنصرة زائدة ليست بالمدلاة» .

فتعجبت من ذلك ، ولم أزل أتوقع من الزاهرية حتّى إذا قرب أمرها جاءتني القيّمة على الجواري وعلى أمّهات الأولاد فقالت : يا سيدي ، إن الزاهرية قد دنت ولادتها ، فتأذن لي أن أدخل عليها القوابل ؟ فأذنت لها في ذلك .

ثمّ قلت : إذا وضعت المولود فأتيني به ذكراً كان أو أنثى ؛ فما شعرت إلَّا وأنا بالقابلة قد أتتني بغلام مدرج في حريرة ، فكشفت عن وجهه كأنّه الكوكب الدري ، أشبه الناس بأمّه ، فرددت الغلام على القابلة ، وقمت أسعى حافياً ، وكان عليه السلام نزل معي في الدار ،

___________________

(١) في ش ، ص ، ك : رئيس .

٤٨٧

فإذا هو في بيت يصلّي ، فلمّا أحسّ بي خفف صلاته ، فسلّمت عليه ، ثمّ جئت إلى موضع سجوده فقبّلته وقلت : يا سيدي أنت الداعي المطاع ، وأنا من رعيتك ، فأخرجت خاتمي وجعلته في أصبعه وقلت : مرني بأمرك انتهى إلى ما تأمرني به ، والله إنّه لو فعل لفعلت ، ولكن لعن الله حمزة ومحمداً ابني جعفر فإنّهما قتلاه ، والله ما فعلت ولا أمرت ولا دسست ، وقد أمرت بقاتليه فقتلا سرّاً . ثمّ بكى . وأبكاني ؛ وكان حمزة ومحمد من بني العباس .

٤١٦ / ٣ ـ عن أبي هاشم الجعفري ، قال : لمّا بعث المأمون رجاء بن الضحّاك لحمل أبي الحسن الرضا عليه السلام من المدينة إلى خراسان حمله على طريق الأهواز ، ولم يمرّ به على طريق العراق والكوفة ، وكنت بالشرق من إيذج فبلغني ذلك ، فسرت فلقيته وقد نزل به الرجاء بن الضحاك الأهواز ، فسلّمت عليه وتعرفت إليه وانتسبت ، وذلك أول لقائي به وصحبتي إيّاه ، فقال خيراً كثيراً ، ورأيته قليلاً ، وذلك زمن القيظ في الصيف ، فقلت : يا سيدي وابن ساداتي ، ما تجشم بك هذا الصيف ؟ فقال : «هيهات يا أبا هاشم ، ولكن ادع لي طبيباً من أطباء هذه البلاد ، أنعت له بقلة ها هنا عسى أن يعرفها» .

فأتيته بطبيب ، فنعت له بقلة فقال له الطبيب : لا أعرف على وجه الأرض أحداً يعرف اسمها غيرك ، فمن أين عرفتها ؟ وليست في هذه الأوطان ، ولا في هذا الأوان ، ولا في هذا الزمان !

قال : «فابغ لي قصب السّكّر» فقال الطبيب : هذا أدنى من الأول ، ما هذا بزمان قصب السكّر ، ولا يكون إلّا في الشتاء .

قال : فقال له عليه السلام : «بل هما في أرضكم هذه ، وزمانكم هذا ، وهذا معك فأمضيا إلى شاذروان الماء فاعبراه فيرجع لكما

___________________

٣ ـ الخرائج والجرائح ٢ : ٦٦١ / ٤ .

٤٨٨

جوخان ، فاقصداه فتجدان هناك رجلاً أسود في جوخان فقولا : أرنا منابت قصب السكر ومنابت الحشيشة» عن أبي هاشم فقال : «يا أبا هاشم ، دونك القوم» .

فقمت معهما ، فإذا أنا بالجوخان والرجل الأسود هناك ، فسألناه فأومى إلى ظهره ، فإذا قصب السكّر ، فأخذنا منه حاجتنا ورجعنا إلى الجوخان فلم نر صاحبه فيه ، فانصرفنا إلى الرضا عليه السلام فحمد الله كثيراً ، فقال لي الطبيب (١) : من هذا ؟! قلت : ويلك ، ابن سيّد الأنبياء .

قال : أفعنده من أقاليد النبوة شيء ؟ قلت : قد شهدت بعضها ، ولكنه ليس بنبي .

قال : وهذا وصي نبي ؟ قلت : أمّا هذا فنعم .

فبلغ ذلك رجاء بن الضحاك فقال لأصحابه : إن أخطأتم به طريق الكوفة والعراق فما أخطأتم هذا الموضع الذي قد أظهر فيه الأعاجيب ، ولئن أقمتم بعد هذا لتمدّن إليه الرقاب . فارتحل به .

وقد ذكر الهاشمي المنصوري ذلك في دلائله عن عمّه أبي موسى ، وليس فيه ذكر أبي هاشم .

٤١٧ / ٤ ـ عن أبي الصلت الهروي ، قال : بينا أنا واقف بين يدي أبي الحسن الرضا عليه السلام إذ قال لي : «يا أبا الصلت ، ادخل القبة التي فيها قبر هارون ، فأتني بتراب من أربعة جوانبها»

___________________

(١) في ك زيادة : ابن .

٤ ـ أمالي الصدوق : ٥٢٦ / ١٧ ، عيون أخبار الرضا عليه السلام ٢ : ٢٤٢ / ١ ، الخرائج والجرائح ١ : ٣٥٢ / ٨ . إعلام الورى : ٣٢٦ ، مناقب ابن شهراشوب ٤ : ٢٠٨ ، مشارق أنوار اليقين : ٩٧ ، اثبات الهداة ٣ : ٢٨٠ / ٩٧ ، روضة الواعظين : ٢٧٣ مرسلاً ، كشف الغمة : ٢ : ٣٣٠ .

٤٨٩

قال : فمضيت وأتيته ، فلمّا مثلت بين يديه قال لي : «ناولني هذا التراب الذي هو من عند قبره» فناولته ، فأخذه وشمّه ثمّ رمى به وقال : «سيحفر لي في هذا الموضع ، فتظهر صخرة لو جمع لها كلّ معول بخراسان لم يتهيأ قلعها» .

ثمّ قال : «سيحفر لي في هذا الموضع فأْمرهم أن يحفروا لي سبع مراق إلى أسفل ، وأن يشق في صخرة فإن أبوا إلّا أن يلحدوا فأْمُرهم أن يجعلوا اللحد ذراعين وشبراً ، فإنّ الله عزّ وجل سيوسعه لي ما شاء ، فإذا فعلوا ذلك فإنَّك ترى عند رأسي نداوة ، فتكلم بالكلام الذي أعلّمك فإنّه ينبع الماء حتّى يمتلأ اللّحد ، وترى فيه حيتاناً صغاراً ، ففتّت لها الخبز الّذي أعطيك فإنّها تلتقطه ، فإذا لم يبق منه شيء خرجت منه حوتة كبيرة فالتقطت الحيتان الصغار حتّى لا يبقى منها شيء ثمّ تغيب ، فإذا غابت فضع يدك على الماء ثمّ تكلم بالكلام الّذي أعلّمك ، فإنّه ينضب الماء ولا يبقى منه شيء ، ولا تفعل ذلك إلَّا بحضرة المأمون» .

ثمّ قال عليه السلام : «يا أبا الصلت ، غداً أدخل إلى هذا الفاسق الفاجر ، فإن أنا خرجت مكشوف الرأس فتكلم ، أكلمك ، وإن خرجت وأنا مغطى الرأس فلا تكلمني» .

قال أبو الصلت : فلمّا أصبحنا من الغد لبس ثيابه ، وجلس في محرابه ينتظر ، فبينا هو كذلك إذ دخل عليه غلام المأمون فقال : أجب أمير المؤمنين ، فلبس نعليه ورداءه ، وأمرني أن أتبعه حتّى دخل على المأمون وبين يديه طبق عليه عنب وأطباق فاكهة ، وبيده عنقود عنب قد أكل بعضه وبقي بعضه ، فلمّا بصر بالرضا عليه السلام وثب إليه ، وعانقه وقبّل ما بين عينيه وأجلسه معه ، ثمّ ناوله العنقود وقال : يا ابن بنت رسول الله ، رأيت عنباً أحسن مَن هذا ؟ فقال الرضا عليه السلام : «ربما يكون في الجنة أحسن منه» فقال له : كُل منه .

٤٩٠

فقال له الرضا عليه السلام : «اعفني منه» فقال : لا بد من ذلك ، وما يمنعك منه ؟ لعلك تتهمنا بشيء ؟ .

فتناول العنقود وأكل منه ثمّ ناوله ، فأكل الرضا عليه السلام منه ثلاث حبّات ثمّ رماه وقام ، فقال المأمون : إلى أين ؟ قال : «إلى حيث وجهتني» .

فخرج عليه السلام وهو مغطى الرأس ، فلم أكلمه حتّى دخل الدار . والحديث طويل .

فلمّا قبض عليه السلام أمر المأمون بحفر قبره ، فحفرت الموضع فظهر كل شيء على ما وصف الرضا عليه السلام ، وفعلت ما أمرني به ، فلمّا رأى المأمون ما ظهر من الماء والحيتان وغير ذلك قال : لم يزل الرضا عليه السلام يرينا من عجائبه في حياته حتّى أراناها بعد وفاته أيضاً . فقال له وزير كان معه : أتدري ما أخبرك به الرضا عليه السلام ؟ قال : لا ، قال : أخبرك بأن مثلكم يا بني العباس مع كثرتكم وطول مدّتكم مثل هذه الحيتان الصغار ، حتّى إذا فنيت آجالكم وانقضت أيامكم ، وذهبت دياركم سلط الله تعالى عليكم رجلاً منّا فأفناكم عن آخركم ، قال : صدقت ، وفي الحديث طول .

٤١٨ / ٥ ـ وروى هرثمة بن أعين ما يخالف بعضه ذلك ، وهذا هو الأكثر وقد روى ذلك عن طريق العامّة أيضاً .

٤١٩ / ٦ ـ عن جعفر بن محمّد النوفلي ، قال : أتيت الرضا عليه السلام وهو بقنطرة أربق (١) ، فسلّمت عليه ، ثمّ جلست وقلت : جعلت

___________________

٥ ـ عيون أخبار الرضا عليه السلام ٢ : ٢٤٥ / ١ .

٦ ـ عيون أخبار الرضا عليه السلام ٢ : ٢١٦ / ٢٣ .

(١) أربق : بفتح الباء وقد تضم ، من نواحي رامهرمز من نواحي خوزستان «معجم البلدان ٢ : ١٣٧» .

٤٩١

فداك ، إنّ أناساً يزعمون أنّ أباك حي ، فقال : «كذبوا لعنهم الله ، لو كان حيّاً ما قسّم ميراثه ، ولا نكح نساؤه ، ولكنه والله ذاق الموت كما ذاقه علي بن أبي طالب عليه السلام» .

قال : قلت : فما تأمرني ؟ قال : «عليك بابني محمد من بعدي ، وأمّا أنا فإنّي غائب في وجه لا أرجع منه ، فبورك قبر بطوس ، وقبران ببغداد» .

قلت : جعلت فداك ، قد عرفنا واحداً ، فمن الثاني ؟ قال : «ستعرفونه» .

ثمّ قال : «قبري وقبر هارون هكذا» وضمّ اصبعيه .

٤٢٠ / ٧ ـ عن حمزة بن جعفر الأرجاني ، قال : خرج هارون من المسجد الحرام من باب فقال عليه السلام ـ وهو يعني هارون ـ : «ما أبعد الدار وأقرب اللقاء يا طوس يا طوس ، ستجمعني (١) وإيّاه»

٤٢١ / ٨ ـ عن أبي الحسن الطيّب ، قال : لمّا توفي أبو الحسن موسى عليه السلام دخل أبو الحسن الرضا عليه السلام السوق فاشترى كلباً وديكاً وكبشاً ، فلمّا كتب صاحب الخبر بذلك إلى هارون الرشيد قال : أمنا جانبه .

وكتب إليه الزبيري : إنّ علي بن موسى الرضا قد فتح بابه ودعا إلى نفسه . فقال هارون الرشيد : واعجباه ، إنّ علي بن موسى قد اشترى كلباً وديكاً وكبشاً ، ويكتب فيه ما يكتب .

فقال المصنف لهذا الكتاب رحمه الله : إنّ هذا أمر عجيب حيث

___________________

٧ ـ عيون أخبار الرضا عليه السلام ٢ : ٢١٦ / ٢٤ ، كشف الغمة ٢ : ٣١٥ .

(١) في م : سيجمعني الله ، سيجمعني الله وإياه .

٨ ـ عيون أخبار الرضا عليه السلام ٢ : ٢٠٥ / ٤ ، كشف الغمة ٢ : ٣١٥ .

٤٩٢

علم إن فعل ذلك لم يجد إلى قتله سبيلاً ، ولا إلى التشبث بذيله وسيلة .

٤٢٢ / ٩ ـ عن إبراهيم بن أبي البلاد ، قال : كان لي جار يشرب المسكر وينتهك ما الله به أعلم .

قال : فذكرته للرضا عليه السلام ، وكان له محباً ، فقال : «يا أبا إسحاق ، أما علمت أنَّ ولي علي لم تزلّ له قدم إلّا وتثبت له أخرى ؟» .

قال : فانصرفت ، فإذا أنا بكتاب منه قد أتاني فيه حوائج له ، فأمرني أن أشتريها بستين ديناراً ، فقلت في نفسي : والله ما عودني أن يكتب إلي ، إذ لم يكن عندي شيء ، ولا أعلم له عندي شيئاً .

فلمّا كان من الليل إذا أنا برجل جاءني سكران ، فدعاني من خلف الباب ، فنزلت إليه فقال لي : اخرج . فقلت : لا أفعل ، في هذه الساعة ما حاجتك ؟ إذ أتيت قال : فأخرج يدك وخذ هذه الصرّة ، وابعث بها إلى مولاي لينفقها في الحاجة ، وما يقدر أن يتكلم من السكر ، فأخذت ما أعطاني وانصرفت ، فنظرت وزنها فإذا هي ستون ديناراً فقلت : وهذا والله مصداق ما قال لي في ولي علي ، وفي كتابه بحاجته . فاشتريت حوائجه ، وكتبت إليه بفعل الرجل فكتب : «هذا من ذلك» .

٤٢٣ / ١٠ ـ عن الحسين بن عمر بن يزيد ، قال : خرجت بعد مضي أبي الحسن موسى عليه السلام ، فلمّا صرت قرب المدينة قلت لمقاتل بن مقاتل : غداً تدخل على هذا الرجل ؟ قال : وأي رجل ؟ قلت : علي بن موسى قال : والله لا تفلح أبداً ، لِمَ لا تقول : هو حجّة الله ؟ قلت : وما يدريك ؟ قال : أشهد أنّ أباه قد مات ، وأنّه حجة الله

___________________

٩ ـ روى صدر الحديث في قرب الإِسناد : ١٧١ وأمالي الطوسي ١ : ١٣٢ .

١٠ ـ عوالم الإِمام الكاظم : ٥١١ / ٤ .

٤٩٣

على خلقه ، والله لا دخلت معك أبداً .

قال الحسين بن عمر : فلمّا كان من الغد مضيت فدخلت على الرضا عليه السلام بالغداة فقال : «مرحباً بك يا حسين» ثمّ أقعدني وسألني عن سفري ، وعليه قميص هاروني وإزار صغير فقلت له : ما فعل أبوك ؟ فقال : «مضى» .

فقلت له : جعلت فداك ، أي مضي مضىٰ ؟ قال : «مضى مضي الموت» .

فقلت له : مَن الإِمام من بعده ؟ قال : «أنا الذي من خالفني كفر» .

قال : فلم أقبل منه ، قال : «فأي شيء لك على أبي ؟» قلت : أنت أعلم .

قال : «لك عليه ألف دينار وهي عليَّ حتى أقضيكها» قال : فلم أقطع عليه .

ثمّ قال : «يا حسين ـ بعدما سكت هنيئة ـ رجل معك يقال له : مقاتل بن مقاتل» قلت : جعلت فداك ، هو من مواليك ، فقال لي : «قل له : أصبت فالزم» .

قلت : يا مولاي هذه آية ، أشهد أنّ أباك قد مضى ، وأنّك الإِمام من بعده .

٤٩٤

٩ ـ فصل :

في بيان ظهور آياته في معان شتى

وفيه : سبعة أحاديث

٤٢٤ / ١ ـ عن محمد بن العلاء الجرجاني ، قال : حججت فرأيت علي بن موسى الرضا عليه السلام يطوف بالبيت ، فقلت له : جعلت فداك ، هذا الحديث قد روي عن النبي (ص) : «من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية» .

قال : فقال : «نعم ، حدّثني أبي ، عن جدّي ، عن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام قال : قال رسول الله (ص) : «من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية» .

قال : فقلت له : جعلت فداك ، ومن مات ميتة جاهلية . قال : «مشرك» .

قال : قلت : فمن إمام زماننا ؟ فإنّي لا أعرفه . قال : «أنا هو» .

فقلت له : ما علامة أستدل بها ؟ قال : «تعال إلى البيت» . وقال للغلمان : «لا تحجبوه إذا جاء» . قال : فأتيته من الغد ، فسلّم عليَّ وقرّبني ، وجعل يناظرني ، وبين يديه صبي ، وبيده رطب يأكله ، فنطق الصبي وقال : الحق حق مولاي ، وهو الإِمام .

___________________

١ ـ عنه في مدينة المعاجز : ٥١٠ / ١٤٥ .

٤٩٥

قال محمّد بن العلاء : فتغير لوني وغشي عليَّ ، فحلّفني أشدّ الأيمان أن لا أخبر به أحداً حتّى يموت .

٤٢٥ / ٢ ـ عن أبي واسع محمّد بن أحمد بن إسحاق النيسابوري ، قال : سمعت جدّتي خديجة بنت حمدان قالت : لمّا دخل علي بن موسى الرضا عليه السلام نيسابور نزل محلة قرفى (١) ناحية تعرف بلاد سناباد في دار لجدّتي تعرف پسنده لأنّ الرضا عليه السلام ارتضاها من بين الدور . وپسنده كلمة فارسية معناها : مرضي .

فلمّا نزل عليه السلام دارنا زرع لوزة في جانب من جوانب الدار ، فنبتت وصارت شجرة ، وأثمرت في سنته ، فعلم الناس بذلك وكانوا يستشفون بلوز تلك الشجرة ، فمن أصابته علّة يتبرك بالتناول من ذلك اللوز مستشفياً به فعوفي .

ومن أصابه رمد جعل من ذلك اللوز على عينيه عوفي .

وكانت الحامل إذا عسرت ولادتها تناولت من ذلك اللوز فتخف عليها الولادة وتضع من ساعتها ، وكان إذا أخذ القولنج دابّة من دواب الناس أخذ من قضبان تلك الشجرة فأمرّه على بطنها فتعافى ، ويذهب عنها ريح القولنج ببركة الرضا عليه السلام .

فمضت الأيّام على تلك الشجرة ويبست ، فجاء جدّي حمدان فقطع أغصانها فعمي .

وروي في تلك الشجرة آيات كثيرة ، ذكرها الحافظ أبو عبد الله في مؤلفه المسمى بـ (مفاخر الرضا عليه السلام) وقد اقتصرنا هنا نحن على هذا القدر .

___________________

٢ ـ عيون أخبار الرضا عليه السلام ٢ : ١٣٢ / ١ .

(١) في ر : قوفي ، وفي العيون : الغربي .

٤٩٦

٤٢٦ / ٣ ـ عن عيسى بن موسى العماني ، قال : دخل الرضا عليه السلام على المأمون فوجد فيه همّاً فقال : «إنّي أرى فيك همّاً ؟» قال المأمون : نعم ، بالباب بدوي وأنّه قد دفع سبع شعرات يزعم أنّها من لحية رسول الله (ص) ، وقد طلب الجائزة ، فإن كان صادقاً ومنعت الجائزة فقد بخست شرفي ، وإن كان كاذباً وأعطيته الجائزة فقد سخر بي ، وما أدري ما أعمل به ؟

فقال الرضا عليه السلام : «عليّ بالشعر» . فلمّا رآه شمّه وقال : «هذه أربع من لحية رسول الله (ص) ، والباقي ليس من لحيته» . فقال المأمون : من أين قلت هذا ؟ فقال : «عليّ بالنار» . فألقىٰ الشعر في النار فاحترقت ثلاث شعرات ، وبقيت الأربع التي أخرجها الرضا عليه السلام لم يكن للنار عليها سبيل ، فقال المأمون : عليَّ بالبدوي . فلمّا مثل بين يديه أمر بضرب رقبته ، فقال البدوي : ما ذنبي ؟ قال : تصدق عن الشعر . فقال : أربعة من لحية رسول الله (ص) ، وثلاثة من لحيتي . فتمكن الحسد في قلب المأمون .

٤٢٧ / ٤ ـ عن سهل بن زياد ، عن علي بن محمد القاشاني ، قال : أخبرني بعض أصحابنا أنّه حمل إلى أبي الحسن الرضا عليه السلام مالاً خطيراً فلم أره يسرّ به .

قال : فاغتممت لذلك ، وقلت في نفسي : قد حملت مثل هذا المال ولم يسرَّ به .

قال : فقال : «يا غلام ، عليَّ بالطست والماء» . وقعد على كرسي وقال للغلام بيده : «صبّ على يدي الماء» .

قال : فصبّ على يده الماء ، فجعل يسيل من بين أصابعه في

___________________

٣ ـ عنه في مدينة المعاجز : ٥١١ / ١٤٦ .

٤ ـ الكافي ١ : ٤١١ / ١٠ ، كشف الغمة ٢ : ٣٠٣ .

٤٩٧

الطست ذهباً ، ثمّ التفت إليَّ وقال لي : «من كان هكذا لا يبالي بالذي حملت» .

٤٢٨ / ٥ ـ عن الحسن بن منصور ، عن أخيه قال : دخلت على الرضا عليه السلام في بيت داخل في جوف بيت [ ليلاً ] ، فرفع يده عليه السلام ، فإذا بها ضياء عشرة مصابيح ، فاستأذن عليه رجل فخلّى يده ، ثمّ أذن له .

٤٢٩ / ٦ ـ عن أبي إسماعيل السندي ، قال : سمعت بالسند أنّ لله تعالى في العرب حجّة ، فخرجت منها في الطلب ، فدُللت على الرضا عليه السلام ، فقصدته ، فدخلت عليه وأنا لا أحسن من العربيّة كلمة ، فسلّمت عليه بالسنديّة ، فردَّ عليَّ بها ، فجعلت أكلّمه بالسندية وهو يجيبني بها ، فقلت له : إنّي سمعت بالسند أنّ لله في العرب حجّة ، فخرجت في الطلب . فقال : «أنا هو» .

ثمّ قال : «فسل عمّا تريد» فسألته عمّا أردت ، فلمّا أردت القيام من عنده قلت : إنّي لا أحسن من العربية شيئاً ، فادع الله أن يلهمنيها لأتكلم بها مع أهلها ، فمسح بيده على شفتي ، فتكلمت بالعربيّة من وقتي ببركته .

٤٣٠ / ٧ ـ عن علي بن إبراهيم ، عن بعض أصحابنا ، قال : خرج الرضا عليه السلام من المدينة في السنة التي خرج فيها هارون ، وهو يريد الحج ، وانتهى إلى جبل عن يسار الطريق وأنت ذاهب إلى مكة ، يقال له (فارع) فنظر إليه وقال : «باني فارع وهادمه يقطع إرباً إرباً» فلم

___________________

٥ ـ الكافي ١ : ٤٠٧ / ٣ ، مناقب ابن شهراشوب ٤ : ٣٤٨ .

٦ ـ الخرائج والجرائح ١ : ٣٤٠ / ٥ ، كشف الغمة ٢ : ٣٠٤ ، مدينة المعاجز : ٥١١ / ١٤٧ ، الصراط المستقيم ٢ : ١٩٥ باختصار .

٧ ـ الكافي ١ : ٤٠٧ / ٥ ، أرشاد المفيد : ٤٠٩ ، مناقب ابن شهراشوب ٤ : ٣٤٠ .

٤٩٨

أدر ما معنى ذلك .

فلمّا وافى هارون نزل بذلك الموضع من الجبل ، وصعد جعفر بن يحيى ذلك الموضع من الجبل ، وأمر أن يبنى له فيه مجلسٌ ، فلمّا رجع من مكّة صعد إليه وأمر بهدمه ، فلمّا انصرف إلى العراق قطع إرباً إرباً .

٤٩٩

٥٠٠