الثّاقب في المناقب

عماد الدين أبي جعفر محمّد بن علي الطوسي [ ابن حمزة ]

الثّاقب في المناقب

المؤلف:

عماد الدين أبي جعفر محمّد بن علي الطوسي [ ابن حمزة ]


المحقق: الشيخ نبيل رضا علوان
الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة أنصاريان للطباعة والنشر
المطبعة: مطبعة القدس
الطبعة: ٤
ISBN: 978-964-438-681-7
الصفحات: ٧٠١

٢٠٤ / ٥ ـ وحدّث جماعة من أهل خراسان ، قالوا : اتهم الأمير داود ولد السلطان البارسلان الشريف أبا عليّ بن عبيد الله العلوي المعروف بابن نودولت بالميل إلى آل محمّد (ص) ، فقبض عليه وأخذ منه مائة ألف درهم وثلاثون ألف دينار وخمسين ، وحبسه ، وشدّد عليه ، فرأى أمير المؤمنين عليه السلام ذات ليلة في المنام كأنّه قد أعطاه قارورة فيها كافور ، وقال له افرج عن أبي عليّ العلوي ، واردد عليه ماله» .

فاستيقظ ونسي المنام ، ثمّ رقد رقدةً ثانية فرآه عليه السلام راكباً على فرس أشهب ، وبيده سيف مصلت ، فقال له : «ألم أقل لك افرج عن ولدي» وكأنّه صلوات الله عليه قتل النفر الأربعة الذين كانوا في دار العلوي الموكّلين به ، وضرب رقابهم ، وبانت رؤوسهم ، ولطم الأمير جعفراً بكفّه لطمة انتشر بعض محاسنه ، وحمّ من أجله ، وقال : «يا شقي ، افرج عنه ، أو أقتلك» فقال : بل أفرج عنه .

فاستيقظ وهو مهموم محموم ، وفرج عن العلوي وردّ عليه جميع ما أخذه من ماله ، وغرم له بقيّته .

فلمّا أصبح أحضر أولاد الموكّلين الذين كانوا في دار العلوي ، فسألهم عن آبائهم ، فقالوا : شاهدناهم البارحة في دار العلوي . فقال : امضوا . فلمّا مضوا شاهدوهم ، وقد بانت رؤوسهم عن أبدانهم وهلكوا .

٢٠٥ / ٦ ـ عن عيسى بن عبد الله ، عن شيخ من قريش ، ولم يسمّه ، قال : رأيت رجلاً بالشام قد اسودّ نصف وجهه ، وهو مغطيه ، فسألته عن سبب ذلك ، فقال : نعم ، قد حلفت بالله تعالى أن لا يسألني عن ذلك أحد إلّا حدّثته .

___________________

٥ ـ دار السلام ١ : ٢٢٧ .

٦ ـ فضائل شاذان بن جبرائيل : ١١٥ ، الروضة في الفضائل : ١٢٧ .

٢٤١

كنت شديد الوقيعة في أمير المؤمنين علي صلوات الله عليه ، كثير الذكر له بالمكروه ، فبينما أنا ذات ليلة نائم ، إذ أتاني آتٍ في المنام ، فقال : أنت صاحب الوقيعة في عليّ صلوات الله عليه ؟ فقلت : بلى . فضرب شق وجهي ، فأصبحت وشق وجهي أسود كما ترى ولا شك في ذلك ولا شبهة .

٢٠٦ / ٧ ـ عن جابر الجعفي ، عن أبي جعفر صلوات الله عليه ، قال : «بينما أمير المؤمنين عليّ صلوات الله عليه في مسجد الكوفة يجهز إلى معاوية ، ويحرّض الناس على قتاله إذ اختصم إليه رجلان فعلا صوت أحدهما في الكلام فالتفت إليه أمير المؤمنين صلوات الله عليه ، وقال له : «اخسأ» فإذا رأسه رأس كلب ، فبهت الذين حوله ، فقال الرجل بأصابعه وتضرّع إلى أمير المؤمنين عليه السلام ، فقال من حوله : يا أمير المؤمنين ، أقله عثرته . فحرّك شفتيه ، فعاد كما كان .

فوثب أصحابه وقالوا : يا أمير المؤمنين ، القدرة تمكنك على ما تريد (١) ، وأنت تجهز إلى معاوية ؟!

فأطرق هنيهة ورفع رأسه ثمّ قال : «والذي فلق الحبّة وبرأ النسمة ، لو شئت أن أطول برجلي هذه القصيرة في طول هذه الفيافي التي تسيرونها ، وهذه الجبال والأودية حتّى أضرب بها صدر معاوية لفعلت ، ولو أقسمت على الله تعالى أن أؤتى به قبل أن أقوم من مجلسي هذا ، وقبل أن يرتد إلى أحدكم الطرف لفعل ، ولكن ( عِبَادٌ مُّكْرَمُونَ * لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُم بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ ) (٢)» .

___________________

٧ ـ الخرائج والجرائح ١ : ١٧٢ ، مثله ، إرشاد القلوب : ٢٧٢ ، مدينة المعاجز : ١٩٩ / ٥٤٨ ، إحقاق الحق ٨ : ٧٥٧ ، نحوه . إثبات الهداة ٢ : ٤٥٧ ، مثله .

(١) في ر ، م ، ك : نرىٰ .

(٢) سورة الأنبياء الآيتان : ٢٦ ، ٢٧ .

٢٤٢

٢٠٧ / ٨ ـ وروي أنّه اختصم إليه رجل وامرأة ، فحكم للمرأة عليه ، فغضب الرجل ، وأسف وعلا صوته صوت أمير المؤمنين صلوات الله عليه وآله . . . والباقي بحاله .

___________________

٨ ـ راجع حديث ٧ .

٢٤٣

٣ ـ فصل :

في بيان ظهور آياته في الأشجار

وفيه : أربعة أحاديث

٢٠٨ / ١ ـ عن عمرو بن شمر ، عن جابر ، عن بعض أصحابنا ، عن محمّد بن أبي بكر ، قال : اعتل الحسن بن عليّ عليهما السلام فاشتهى علي أمير المؤمنين رمّانة ، فمدّ أمير المؤمنين صلوات الله عليه يده إلى إسطوانة المسجد ، ودعا ربّه بما لم نفهمه ، فخرج منها غصن فيه أربع رمّانات ، فدفع إلى الحسن اثنتين ، وإلى الحسين اثنتين ، ثمّ قال : «هذه من ثمار الجنّة» فقلنا : يا أمير المؤمنين ، أو تقدر عليها ؟! فقال : «أو لست قسيم الجنّة والنار بين أمّة محمّد (ص) ؟!» .

٢٠٩ / ٢ ـ عن عبد الله بن عبد الجبّار ، عن أبيه ، عن أبي عبد الله عليه السلام ، عن آبائه ، عن الحسين بن عليّ بن أبي طالب صلوات الله عليه وآله ، قال : «كنا قعوداً عند مولانا أمير المؤمنين صلوات الله عليه وآله في دار له ، وفيها شجرة رمّانة يابسة ، إذ دخل عليه قوم من مبغضيه ، وعنده قوم من محبيه ، فسلّموا ، فأمرهم بالجلوس فجلسوا ، فقال صلوات الله عليه : إنّي أريكم اليوم آية تكون

___________________

١ ـ عنه في معالم الزلفى : ٤٠٥ / ٦٦ ، ومدينة المعاجز : ٥٦ / ١١٨ .

٢ ـ الخرائج والجرائح ١ : ٢١٩ ، احقاق الحق ٨ : ٧١٨ ، مدينة المعاجز : ٥٧ / ١٢٢ .

٢٤٤

فيكم كمثل المائدة في بني إسرائيل إذ قال الله ( إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ فَمَن يَكْفُرْ بَعْدُ مِنكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَابًا لَّا أُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِّنَ الْعَالَمِينَ ) (١) .

ثمّ قال صلوات الله عليه انظروا إلى الشجرة ، فرأيناها قد جرى الماء من عودها ، ثمّ اخضرّت وأورقت وعقدت ، وتدلّى حملها على رؤوسنا ، ثمّ التفت عليّ عليه السلام إلى النفر الذين هم محبوه ، وقال : مدّوا أيديكم وتناولوها ، وقولوا : بسم الله الرحمن الرحيم» .

قال : فقلنا : بسم الله الرحمن الرحيم ، فتناولنا وأكلنا رمّانة لم نأكل قط شيئاً أعذب منها ولا أطيب .

ثمّ قال عليه السلام للنفر الذين هم مبغضوه : مدّوا أيديكم وتناولوا وكلوا فمدّوا أيديهم ، فكلما مدّ رجل يده إلى رمّانة ارتفعت ، فلم يتناولوا شيئاً ، فقالوا : يا أمير المؤمنين ، ما بال إخواننا مدّوا أيديهم فتناولوها وأكلوها ، ومددنا أيدينا فلم تصل ؟

فقال لهم عليه السلام : «كذلك والذي بعث محمّداً (ص) بالحقّ نبيّاً الجنّة ، لا ينالها إلّا أولياؤنا ، ولا يبعد عنها إلّا أعداؤنا ومبغضونا» .

٢١٠ / ٣ ـ عن أبي الزبير ، قال : سألت جابر بن عبد الله رضي الله عنه : هل كان لعليّ صلوات الله عليه آيات ؟ فقال : إي والله ، كانت له سيرة حضرتها الجماعة والجماعات ، لا ينكرها إلّا معاند ، ولا يكتمها إلّا كافر .

منها : أنّا سرنا معه في مسير ، فقال لنا : «امضوا لأن نصلي تحت هذه السدرة ركعتين» فمضينا ، ونزل تحت السدرة ، فجعل يركع ويسجد ، فنظرنا إلى السدرة وهي تركع إذا ركع ، وتسجد إذا سجد ،

___________________

(١) سورة المائدة الآية : ١١٥ .

٣ ـ عنه في مدينة المعاجز : ٦٥ .

٢٤٥

وتقوم إذا قام ، فلمّا رأينا ذلك عجبنا ، ووقفنا حتّى فرغ من صلاته ، ثمّ دعا فقال : «اللّهمّ صلِّ على محمّد وآل محمّد» فنطقت أغصان الشجرة تقول : آمين آمين .

ثم قال : «اللَّهمّ صلِّ على شيعة محمّد وآل محمّد» فقالت أوراقها وأغصانها وقضبانها : آمين آمين .

ثمّ قال : «اللّهم العن مبغضي محمّد وآل محمّد ، ومبغضي شيعة محمّد وآل محمّد» فقالت الأوراق والقضبان والأغصان والسدرة : آمين آمين .

وفي الحديث طول .

٢١١ / ٤ ـ عن الحارث الأعور ، قال : خرجنا مع أمير المؤمنين صلوات الله عليه إلى العاقول ، فإذا هو بأصل شجرة قد وقع لحاؤها وبقي عودها ، فضربها بيده الشريفة ، ثمّ قال : «ارجعي بإذن الله خضراء ذات ثمرة» فإذا هي تهتز بأغصانها ، وأخرجت حملها الكمثري فقطعنا (١) وأكلنا وحملنا معنا ، فلمّا أن كان من الغد غدونا إليها فإذا نحن بها خضراء فيها الكمثري .

___________________

٤ ـ بصائر الدرجات : ٢٧٤ ، اثبات الوصية : ١٥١ ، الخرائج والجرائح ١ : ٢١٨ ، ارشاد القلوب : ٢٧٨ ، الهداية الكبرىٰ : ١٥٣ ، مدينة المعاجز : ٦٥ / ١٤٩ .

(١) في م : فقطفنا .

٢٤٦

٤ ـ فصل :

في بيان ظهور آياته مع الحيّات

وفيه : أربعة أحاديث

٢١٢ / ١ ـ عن الحارث الأعور ، قال : بينما أمير المؤمنين صلوات الله عليه وآله على منبر الكوفة يخطب الناس إذ نظر إلى زاوية من زوايا المسجد ، فقال : «يا قنبر ، ائتني بما في تلك الجحرة» (١) فانطلق قنبر ، فلمّا دنا من الجحرة فإذا هو بحيّة كأحسن ما يكون من الحيات ، فجزع قنبر من ذلك ، ثمّ أخذه فانفلت من يده ، ثمّ أقبل إلى أمير المؤمنين صلوات الله عليه وهو على المنبر ، فالتقم أذنه وجعل يسارّه ، (٢) ثمّ انصرف ، وجعل يتخلل الصفوف حتّى أتى الجحرة .

فتفكر أمير المؤمنين صلوات الله عليه وبكى طويلاً ، ثمّ قال : «أتعجبون ؟» قالوا : ما لنا لا نتعجب ؟! قال : «أترون هذا الشجاع ، إنّه بايع رسول الله (ص) على السمع والطاعة لي ، فهو سامع مطيع ، وأنا وصي رسول الله (ص) آمركم بالسمع والطاعة لي ، فمنكم من يسمع ويطيع ، ومنكم من لا يسمع ولا يطيع !» .

___________________

١ ـ الخرائج والجرائح ١ : ١٩١ / ٢٧ .

(١) الجحرة : كل شيء تحتفره الهوام والسباع لأنفسها «لسان العرب ـ جحر ـ ٤ : ١١٧» .

(٢) في ش ، م : يشاوره .

٢٤٧

٢١٣ / ٢ ـ وعنه ، قال : بينا أمير المؤمنين عليه السلام يخطب الناس على المنبر يوم الجمعة ، إذ أقبل أفعى من باب الفيل ، رأسه أعظم من رأس البعير ، يهوي إلى المنبر .

قال : فافترق الناس فرقتين ، وجاء حتّى صعد المنبر ، ثمّ تطاول إلى أذن أمير المؤمنين عليه السلام ، فأصغى إليه بأذنه ، فأقبل إليه يسارّه ملياً (١) ثمّ مضى ، فلمّا بلغ باب الفيل انقطع أثره ، فلم يبق مؤمن إلَّا قال : هذا من عجائب أمير المؤمنين صلوات الله عليه وآله ؛ ولم يبق منافق إلَّا قال : هذا من سحره .

فقال صلوات الله عليه وآله : «أيّها الناس ، إنّ هذا الذي رأيتم وصي محمّد (ص) على الجنّ ، وأنا وصيّه على الإِنس ، وقد وقعت بينهم ملحمة تهادرت فيها الدماء ، ولم يدر ما المخرج منها ، فأتاني في ذلك ، وتمثل في هذا المثال يريكم فضلي ، وهو أعلم بفضلي عليكم منكم» .

٢١٤ / ٣ ـ عن سفيان الثوري ، عن أبي عبد الله صلوات الله عليه ، عن آبائه ، قال : «دخل رسول الله (ص) على عائشة ، فأخذ منها ما يأخذ الرجل من المرأة ، فاستلقى (ص) على السرير ، فنام ، فجاءت حيّة حتّى صارت على بطنه ، فنظرت عائشة إلى النبيّ (ص) والحية على بطنه ، فوجّهت إلى أبي بكر .

فلمّا أراد أبو بكر أن يدخل على رسول الله (ص) وثبت الحيّة في وجهه ، فانصرف .

___________________

٢ ـ اثبات الوصية : ١٢٩ ، قطعة منه ، الخرائج والجرائح ١ : ١٨٩ ، مثله ، اعلام الورىٰ : ١٧٩ ، نحوه ، ارشاد القلوب : ٢٧٨ ، مدينة المعاجز : ١٩٤ ، اثبات الهداة ٢ : ٤٠٤ ، مثله .

(١) في ك : عليه ملبياً ، وفي ع ، م : عليه ملياً .

٣ ـ عنه في مدينة المعاجز : ٤٨ .

٢٤٨

ثمّ توجّهت إلى عمر بن الخطّاب ، فلمّا أراد أن يدخل وثبت في وجهه ، فانصرف .

فقالت ميمونة وأمّ سلمة رضي الله عنهما : وجّهي إلى عليّ بن أبي طالب صلوات الله عليه . قالت : فوجّهت إلى عليّ ، فلمّا دخل عليّ قامت الحيّة في وجهه ، تدور حول عليّ عليه السلام ، وتلوذ به ، ثمّ صارت في زاوية البيت ، فانتبه النبيّ (ص) ، فقال : يا أبا الحسن ، أنت ها هنا ؟! فقليلاً ما كنت تدخل دار عائشة . فقال : يا رسول الله دُعيت .

فتكلمت الحيّة وقالت : يا رسول الله ، إنّي ملك غضب عليَّ ربّ العالمين ، فجئت إلى هذا الوصيّ أطلب إليه أن يشفع لي إلى الله تعالى .

فقال : ادع له حتّى أؤمن على دعائك . فدعا عليَّ ، وأمّن النبيّ (ص) ، فقالت الحيّة : يا رسول الله ، قد غفر الله لي ، وردّ عليَّ جناحي» .

٢١٥ / ٤ ـ وروي من طريق آخر ، أنّ النبيّ (ص) جعل يدعو والمَلَكُ يُكسى ريشة حتّى التأم جناحه ، ثمّ عرج إلى السماء ، فصاح صيحة ، فقال النبيّ (ص) : «أتدري ما قال الملك ؟» قال : «لا» .

قال : «يقول : جزاك الله من ابن عم عن ابن عم (١) خيراً» .

___________________

٤ ـ عنه في مدينة المعاجز : ٤٨ .

(١) في ر ، ك زيادة : مائة ألف .

٢٤٩

٥ ـ فصل :

في بيان ظهور آياته مع الأسد

وفيه : ثلاثة أحاديث

٢١٦ / ١ ـ أخبر الحارث الأعور ، قال : كنّا مع أمير المؤمنين صلوات الله عليه في جبانة بني أسد وقوفاً ، إذ أقبل أسد يهوي إليه ، فتضعضعنا من خوفه ، فقال صلوات الله عليه : «مه» وأقبل الأسد حتّى قام بين يديه ، فوضع يده بين أذنيه وقال : «ارجع بإذن الله تعالى ، ولا تدخل في دار هجرة بعد اليوم ، وبلّغ ذلك السباع عني» .

٢١٧ / ٢ ـ عن عمرو بن شمر ، عن جابر بن يزيد الجعفي ، عن أبي جعفر صلوات الله عليه ، قال : قال عليّ صلوات الله عليه لجويرية ابن مسهر ، وقد عزم على الخروج إلى ضيعة له : «كيف أنت إذا لقيك أبو الحارث ؟» في حديث طويل له ، حتّى قال : فما الحيلة له ؟ قال : «تقرؤه منّي السلام ، وتخبره أنّي أعطيتك منه الأمان» .

فخرج جويرية ، وبينا هو يسير على دابته إذ أقبل نحوه (١) أسد ، فقال له جويرية : يا أبا الحارث ، إنّ أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب صلوات الله عليه يقرئك السلام ، وأنّه قد آمنني منك .

___________________

١ ـ الخرائج والجرائح ١ : ١٩١ / ٢٧ ، ارشاد القلوب : ٢٧٧ .

٢ ـ اعلام الورى : ١٨١ ، مناقب ابن شهراشوب ٢ : ٣٠٤ .

(١) في ك ، م : عليه .

٢٥٠

قال : فولّى الليث عنّي مطرقاً برأسه يهمهم ، حتّى غاب في الأجمة يهمهم خمساً ، ثمّ غاب ، ومضى جويرية في حاجته ، فلمّا انصرف إلى أمير المؤمنين صلوات الله عليه وقال : كان من الأمر كذا وكذا ، قال أمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام : «ما قلت لليث ؟ وما قال لك ؟»

قال جويرية : قلت له ما أمرتني به ، وبذلك انصرف عنّي ، وأمّا ما قال الليث فالله ورسوله ووصي (١) رسوله أعلم .

قال : «إنّه ولّى عنك يهمهم ، فأحصيت له خمس همهمات ، ثمّ انصرف عنك» . قال جويرية : صدقت ، فوالله يا أمير المؤمنين هكذا هو .

فقال صلوات الله عليه : «إنّه قال : فاقرأ وصي محمّد مني السلام ، وعقد بيده خمساً» .

٢١٨ / ٣ ـ عن موسى بن جعفر العابد ، قال : حملني أبي على كتفه ، وأنا يومئذ صبي ، إلى قبر أمير المؤمنين صلوات الله عليه ، فلمّا صار في بعض الطريق رأيت حماراً مارّاً فقلت : يا أبه ، هذا حمار مار قال : نعم . قلت : يا أبه ، هو يعرج . قال : نعم .

فلم يزل يسير ، ونحن نسير حتّى سبقنا إلى القبر ، ثمّ رأيته وقد انصرف من عند القبر ، وهو يمشي وليس يعرج ، فمشينا إلى قبر أمير المؤمنين صلوات الله عليه ، وهو يومئذ ليس عليه حائط ولا قبّة وعنده جب ، فرأيت أبي قد تقرّب إلى القبر وكنس عنه شيئاً ، وأخذه على خرقة فرمى به ، فقلت : يا أبه ، أيش هذا ؟ قال : يا بني ، إنّ الذي رأيته السبع ، وتوهمت أنّه حمار ، وإنّ يده كانت منتفخة ، وإنّه وضعها على

___________________

(١) في م : وابن عم .

٣ ـ . . .

٢٥١

القبر فانفتحت ، فسال منها هذا ، ورجع وهو يمشي صحيحاً . ثمّ حملني إلى المنزل ، وقال ذلك لوالدتي .

قال المصنف رحمه الله تعالى : إنّ في ذلك لما يدل على عظيم منزلته ، وشرف محله عند الله عزّ وجلّ ، إذ ألهم الله سبحانه وتعالى البهائم وما لا يعقل جلالة قدره ، حتّى التجأ إلى قبره ، واستشفى بتربته ، وتواضع لعظمته ، إنّ في ذلك لعبرة لأولي الألباب ، والله الموفق .

٢٥٢

٦ ـ فصل :

في بيان ظهور آياته مع الشمس

وفيه : ثلاثة أحاديث

٢١٩ / ١ ـ عن داود بن كثير الرقّي ، عن جويرية بن مسهر ، قال : لمّا رجعنا من قتال أصحاب النهروان مررنا ببابل ، فقال أمير المؤمنين صلوات الله عليه : «إنّ هذه أرض معذّبة ، قد عذّبت مرتين ، وقد هلك فيها مائة ألف ومائتان ، فلا يصلّي فيها نبيّ ولا وصي نبيّ ، فمن أراد (١) منكم أن يصلّي فليصل العصر» .

قال جويرية : فقلت : والله ، لأقلدن اليوم (٢) ديني وأمانتي عليّ بن أبي طالب عليه السلام .

قال : فسرنا إلى أن غابت الشمس ، واشتبكت النجوم ، ودخل وقت العشاء الآخرة ، فلمّا أن خرجنا من أرض بابل نزل صلوات الله عليه عن البغلة ، ثمّ نفض التراب عن حوافرها ، ثمّ قال لي : «يا جويرية ، انفض التراب عن حوافر دابّتك» قال : ففعلت ؛ ثمّ قال لي :

___________________

١ ـ بصائر الدرجات : ٢٣٧ ، علل الشرائع : ٣٥٢ / ٤ ، اعلام الورىٰ : ١٧٨ ، مدينة المعاجز : ٣٠ ، اثبات الهداة ٢ : ٤٠٧ / ١٨ مثله و ٢ : ٤٩٠ ح ٣١٧ باختصار .

(١) في ك ، م : شاء .

(٢) في ع : الليلة .

٢٥٣

«يا جويرية ، أذّن للعصر» .

قال : فقلت : ثكلتك أمّك يا جويرية ، ذهب النهار ، وهذا الليل ! فأذّنت للعصر ، فرجعت الشمس ، فسمعت لها صريراً كصرير البكرة ، حتّى عادت إلى موضعها للعصر بيضاء نقية .

قال : فصلّى أمير المؤمنين صلوات الله عليه ، ثمّ قال : «أذّن للمغرب يا جويرية» فأذّنت ، فرأيت الشمس راجعة كالفرس الجواد ، ثمّ صلّيت المغرب ، ثمّ قال : «أذّن للعشاء الآخرة» فأذّنت ، وصلّينا العشاء الآخرة ، ثمّ قلت : وصي محمّد وربّ الكعبة ـ ثلاث مرات ـ لقد ضلّ وهلك وكفر من خالفك .

ولقد رجعت له الشمس مرّة أخرى في عهد النبيّ صلوات الله عليه وآله وهو ما روى :

٢٢٠ / ٢ ـ أبو جعفر عليه السلام ، قال : «بينا النبيّ (ص) نام عشية ورأسه في حجر عليّ صلوات الله عليهما ، ولم يكن عليّ صلّى العصر ، وقد دنت المغرب ، فقال له : يا عليّ ، أصليت العصر ؟ فقال : لا . فقال النبيّ (ص) : «اللّهمّ إنّ عليّاً كان في طاعة رسولك ، فاردد عليه الشمس . فعادت الشمس إلى موضعها وقت العصر .

وقد أحسن في ذلك أبو هاشم محمّد بن إسماعيل الحميريّ ؛ والملقب بالسيد ، قال شعراً :

ردّت عليه الشمس لمّا فاته

وقت الصلاة وقد دنت للمغرب

___________________

٢ ـ أمالي المفيد : ٩٤ / ٣ ، اثبات الوصية : ١٣٠ ، قطعة منه ، مناقب المغازلي : ٩٦ / ١٤٠ ، الطرائف في معرفة المذاهب : ٨٤ / ١١٧ ، مناقب الخوارزمي : ٢١٧ ، تاريخ دمشق ٢ : ٣٨٣ ، بالفاظ مختلفة وبطرق عديدة فراجع ملحقات احقاق الحق ٥ : ٥٢١ ـ الباب ١٧ ـ وقد ذكره بمختلف الألفاظ وعن جماعة من أعلام القوم ، مدينة المعاجز : ٣١ / ٤٤ ، اثبات الهداة ٢ : ٤١٨ / ٥١ ، مثله .

٢٥٤

حتّى تبلّج نورها في وقتها

للعصر ثمّ هوت هوي الكوكب

وعليه قد حُبست (١) ببابل مرّة

أخرى وما حبست لخلق المغرب

إلّا ليوشع وله من بعده

ولردها (٢) تأويل أمر معجب

٢٢١ / ٣ ـ عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه ، قال : كنّا مع النبيّ (ص) إذ دخل عليّ بن أبي طالب صلوات الله عليه ، فقال رسول الله (ص) : «يا أبا الحسن ، أتحب أن أريك كرامتك على الله ؟» قال : «نعم ، بأبي أنت وأمّي يا رسول الله» .

قال : «إذا كان غداً فانطلق إلى الشمس معي فإنّها ستكلمك بإذن الله تعالى» .

قال : فماجت قريش والأنصار بأجمعهم ، فلمّا أصبح صلّى الغداة ، وأخذ بيد عليّ بن أبي طالب وانطلقا ، ثمّ جلسا ينتظران طلوع الشمس ، فلمّا طلعت ، قال رسول الله (ص) : «يا عليّ ، كلمها فإنّها مأمورة ، وإنّها ستكلمك» .

فقال عليّ عليه السلام : «السلام عليك ورحمة الله وبركاته ، أيّها الخلق السامع المطيع» .

فقالت الشمس : وعليك السلام ورحمة الله وبركاته ، يا خير الأوصياء ، لقد أعطيت في الدنيا والآخرة ما لا عين رأت ولا أذن سمعت . فقال عليّ : «ماذا أعطيت» .

قالت : لم يؤذن لي أن أخبرك فيفتتن الناس ، ولكن هنيئاً لك ، العلم والحكمة في الدنيا ، وأمّا في الآخرة فأنت ممّن قال الله تعالى :

___________________

(١) في ك ، م : ردت .

(٢) في ك ، م : لحبسها .

٣ ـ أمالي الصدوق : ٤٧٢ / ١٤ ، فضائل شاذان بن جبرائيل : ١٦٣ مثله ، فرائد السمطين ١ : ١٨٥ ، مصباح الأنوار : ٣١٣ / ١٢٦ ، مدينة المعاجز : ٣٣ / ٤٦ ، اثبات الهداة ٢ : ٥٠٠ / ٣٧٣ .

٢٥٥

( فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) (١) وأنت ممّن قال الله تعالى فيه : ( أَفَمَن كَانَ مُؤْمِنًا كَمَن كَانَ فَاسِقًا لَّا يَسْتَوُونَ ) (٢) فأنت المؤمن الَّذي خصَّك الله بالإِيمان .

وروي أنّ الشمس كلّمته ثلاث مرات .

___________________

(١) سورة السجدة / الآية : ١٧ .

(٢) سورة السجدة / الآية : ١٨ .

٢٥٦

٧ ـ فصل :

في بيان ظهور آياته في إقدار الله تعالى إيّاه على ما لم يقدر عليه غيره

وفيه : أربعة أحاديث

٢٢٢ / ١ ـ عن المفضّل ، عن أبي عبد الله صلوات الله عليه ، قال : «إنّ مالكاً الأشتر رضي الله عنه قال : حدّثتني نفسي أنّي أشدّ من أمير المؤمنين صلوات الله عليه ، فحرّك دابّته إلى ذي الكلاع الحميري فاستلبه من فوق سرجه ، ورمى به إلى فوق وتلقاه بسيفه ، فقدّه نصفين ، ثمّ قال : «يا أشتر ، أنا أم أنت ؟» فقلت : بل أنت يا أمير المؤمنين .

٢٢٣ / ٢ ـ وذكر عبد الله بن أحمد بن حنبل فيما رواه عن مشيخته ، عن جابر رضي الله عنه ، أنّ النبيّ (ص) دفع الراية إلى عليّ بن أبي طالب صلوات الله عليه وآله يوم خيبر بعد أن دعا له ، فجعل عليّ يسرع السير ، وأصحابه يقولون له : أرفق . حتّى انتهى إلى الحصن ، فاجتذب بابه ، فألقاه في الأرض ، ثمّ اجتمع عليه سبعون رجلاً ، وكان جاهدهم أن أعادوا الباب .

٢٢٤ / ٣ ـ وروى أبو عبد الله الجدلي ، قال : سمعت أمير

___________________

١ ـ مناقب ابن شهراشوب ٢ : ٢٩٣ .

٢ ـ مناقب ابن شهراشوب ٢ : ٢٩٥ ، قطعة منه ، ملحقات احقاق الحق ٨ : ٣٨٣ رواه عن جماعة من أعلام القوم فراجع .

٣ ـ فرائد السمطين ١ : ٢٦١ ، مثله ، ملحقات احقاق الحق ٨ : ٣٩٣

٢٥٧

المؤمنين صلوات الله عليه يقول : «عالجت باب خيبر وجعلته مجناً (١) لي ، وقاتلت القوم ، فلمّا أخزاهم (٢) الله وضعت الباب على حصنهم طريقاً ، ثمّ رميت به في خندقهم» فقال له رجل : لقد حملت منه ثقلاً ! فقال عليه السلام : «ما كان إلّا مثل جُنّتي التي في بدني ، في غير ذلك المقام» وقال الشاعر في ذلك :

إنّ امرأً حمل الرتاج (٣) بخيبر

يوم اليهود بقدرة لمؤيدُ

حمل الرتاج رتاج باب قصورها

والمسلمون وأهل خيبر حشدُ

فرمى به ولقد تكلّف ردّه

سبعون كلهم له متشدّد

ردّوه بعد مشقة وتكلّف

ومقال بعضهم لبعض أردد (٤)

٢٢٥ / ٤ ـ عن سفيان الثوريّ ، عن الأوزاعيّ ، عن يحيى بن أبي كثير ، عن حبيب بن الجهم ، قال : لمّا دخل عليّ بن أبي طالب صلوات الله عليه إلى بلاد صفّين نزل بقرية يقال لها صندوداء (٥) ، ثمّ أمرنا فسرنا عنها ، ثمّ عرس بنا في أرض بلقع ، فقام مالك بن أبي الحارث الأشتر ، وقال : يا أمير المؤمنين ، أتنزل الناس على غير ماء ؟! فقال : «يا مالك ، إنّ الله عزّ وجلّ سيسقينا في هذا المكان ماءً أعذب من الشهد ، وألين من الزبد ، وأبرد من الثلج ، وأصفى من الياقوت» .

فتعجبنا ـ ولا عجب من قول أمير المؤمنين عليه السلام ثمّ أقبل يجرّ رداءه ، وبيده سيفه ، حتّى وقف على أرض بلقع ، فقال : «يا

___________________

(١) المجن : الترس . «لسان العرب ـ مجن ـ ١٣ : ٤٠٠» .

(٢) في ر ، ش ، ك : أخذهم .

(٣) الرتاج : الباب العظيم . «لسان العرب ـ رتج ـ ٢ : ٢٧٩» . وفي ك : الرماح .

(٤) في ر ، ص ، ع ، ك : اربدوا .

٤ ـ أمالي الصدوق : ١٥٥ / ١٤ ، مناقب ابن شهراشوب ٢ : ٢٩١ ، إعلام الورىٰ : ١٧٦ ، باختلاف فيه .

(٥) صندوداء : موضع بين العراق والشام «معجم البلدان ٣ : ٤٢٥» .

٢٥٨

مالك ، احفر أنت وأصحابك» .

قال مالك : فاحتفرنا ، فإذا نحن بصخرة سوداء عظيمة ، فيها حلقة تبرق كاللجين ، فقال لنا : «روموها» فرمناها بأجمعنا ونحن مائة رجل ، فلم نستطع أن نزيلها عن موضعها ، فدنا أمير المؤمنين صلوات الله عليه وآله رافعاً يده إلى السماء ، وهو يقول : «طاب طاب مريا عالم طيثو ثابوثه (شميا كوبا (١) جانوثا نوديثا برحوثا) (٢) ، آمين آمين ربّ العالمين ، ربّ موسى وهارون» ثمّ اجتذبها فرماها عن العين أربعين ذراعاً .

قال الأشتر : فظهر لنا ماء أعذب من الشهد ، وألين من الزبد ، وأبرد من الثلج ، وأصفى من الياقوت ، فشربنا وسقينا ثمّ ردّ الصخرة ، وأمرنا أن نحثو عليها التراب ، ثمّ ارتحل ، وسرنا معه .

فلمّا سرنا غير بعيد ، قال : «من منكم يعرف موضع العين ؟» فقلنا : كلنا يا أمير المؤمنين . فرجعنا وطلبنا العين ، فخفي علينا مكانها أشد خفاء ، وظننا أنّ أمير المؤمنين صلوات الله عليه قد رهقه العطش فأومأنا بأطرافنا فإذا نحن بصومعة فيها راهب ، فدنونا منه ، فإذا نحن براهب قد سقط حاجباه على عينيه من الكبر ، فقلنا : يا راهب ، أعندك ماء نسقي منه صاحبنا ؟ فقال : عندي ماء ، قد استعذبته منذ يومين . فقلنا له : فكيف لو شربت من الماء الذي سقانا منه صاحبنا بالأمس ؟! وحدّثناه بالأمر فدنا منّا بعد خشيته فقال : انطلقوا بنا إلى صاحبكم . فانطلقنا به ، فلمّا بصر به أمير المؤمنين عليه السلام ، قال : «شمعون» ؟ قال الراهب : نعم شمعون ، هذا اسم سمّتني به أُمِّي ، ما أطلع عليه أحد ، إلّا الله تعالى ، ثمّ أنت ، فكيف عرفته ؟ قال : فأتم حتّى أتمه لك . قال : «وما تشاء يا شمعون ؟» قال : هذه العين ما اسمها ؟ قال : «هذه العين راحوما ، وهي من الجنّة ، وشرب منها ثلاثمائة وثلاثة عشر

___________________

(١) في ر ، ع ، ك : كوتا .

(٢) في م : سحنا لوباحا حاثوبا بودينا نرجوابا .

٢٥٩

وصيّاً ، وأنا خير الوصيّين ، شربت منها» . قال الراهب : هكذا وجدت في جميع كتب الإِنجيل ، وأنا أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأنّ محمداً رسول الله ، وأنّك وصي محمّد (ص) .

ثمّ رحل أمير المؤمنين والراهب يقدمه ، حتّى نزل صفّين ونزل العابد والتقى الصفّان ، وكان أول من أصابته الشهادة الراهب ، فنزل أمير المؤمنين وعيناه تهملان بالدموع ، وهو يقول : «يحشر المرء مع من أحب ، الراهب معنا يوم القيامة ، ورفيقي في الجنّة» .

٢٦٠