جواهر الكلام - ج ٢٧

الشيخ محمّد حسن النّجفي

الشراء له وما دفعه له لم يتشخص ثمنا هذا خلاصة ما حصلناه من كلماتهم.

لكن قد يقال إن من مقتضيات العقد استحقاق تسليم الثمن والمثمن من مباشرة سواء كان مالكا أو وليا شرعيا ولو وكيلا عليه ، وعلى ما يقتضيه من القبض والإقباض لا أنه وكيل على مجرد الصيغة ، ويكون الإذن حينئذ مقدمة لتحقق العقد مقتضاه لأن المباشر له بها يكون متأهلا للمطالبة بالتسليم.

ومن هنا يتسلط البائع أو المشتري على الخيار بامتناع الوكيل ، عن التسلم والتسليم إذا كان وكيلا على ذلك ولا يسقط خيار البائع أو المشتري بامتناع الوكيل لأن الشراء انما هو للموكل ، إذ هو وإن كان كذلك إلا أن ما ذكرناه من أحكام ولي العقد وتوابعه.

ولا يتوهم أن لا يقتضي اختصاص المطالبة به ضرورة ثبوتها أيضا لمن كان الشراء له باعتبار ثبوت الحق عليه أيضا ولو لمباشرة وكيله ، ومن هنا يتجه التخيير الذي ذكره الشيخ في المحكي من مبسوطة.

بل قد يقال به أيضا فيما إذا كان الثمن عينا أيضا ضرورة عدم منافاة ذلك للمطالبة بتسلمها للوكيل الذي باشر العقد إذا لم تكن في يده أو للموكل كما هو واضح بأدنى تأمل ، فلا تختص بمن كانت هي في يده ضرورة اقتضاء العقد التسليم كما عرفت بل مما ذكرنا يظهر لك ما في إطلاق جملة من عبارات الأصحاب ، وأنها محتاجة إلى التقييد ببعض القيود التي لا تخفى على من أحاط بقواعد الفقه والله العالم.

المسألة الثامنة إذا طالب الوكيل الثابتة وكالته بما وكل عليه فقال الذي عليه الحق : لا تستحق المطالبة لي ولم يذكر أزيد من ذلك لم يلتفت إلى قوله كما عن المبسوط وغيره لأنه مكذب لبينة الوكالة.

لكن في القواعد « على اشكال » ولعله مما عرفت ، ومن أعمية ذلك من التكذيب ضرورة إمكان كونه لإبراء أو لطرو عزل أو أداء إلى الموكل أو نحو ذلك ، وقد يدفع بما في جامع المقاصد والمسالك بما حاصله أنه يكفى في سماعها عدم تحريرها بعد أن كانت مشتركة بين المسموعة وغير المسموعة فلا تعد دعوى شرعية تستحق الجواب.

٤٤١

اللهم إلا يقال إن أن حجية قول المسلم وأصالة صحة دعواه وعموم البينة على المدعي ونحوه تقضي بالقبول حتى يعلم فسادها بتكذيب للبينة ونحوه وإلا فهي مقبولة يترتب عليها توجه اليمين واقامة البينة ونحو ذلك والله العالم.

ولو قال : عزلك الموكل سمعت بالبينة مثلا لأنها دعوى شرعية لكن لم يتوجه على الوكيل اليمين الا ان يدعى عليه العلم ضرورة أن العزل فعل الغير واليمين عليه انما هو على نفي العلم به وكذا لو ادعى أن الموكل أبرأه من الحق أو أداه اليه كما هو واضح.

المسألة التاسعة لا خلاف بيننا بل وبين كافة المسلمين ولا إشكال في أنه تقبل شهادة الوكيل لموكله فيما لا ولاية له فيه كما تقبل عليه لعموم ما دل على قبول خبر العدل بخلاف ما هو وكيل فيه ، فإنها لا تقبل فيه للتهمة كما عن الشيخ والحلي والفاضل وغيرهم التصريح به بل هو المشهور بل لم أجد فيه خلافا لها وكذا صرحوا أيضا بعدم قبول شهادته في جرح شهود المدعي على الموكل.

نعم لو عزل قبلت عندنا في الجميع ولو فيما له ولاية عليه لعدم التهمة حينئذ وعدم الخصومة فهو كما لو شهد قبل التوكيل في شمول أدلة القبول له وما عن بعض العامة من عدم القبول بمجرد التوكيل واضح الضعف فلا إشكال حينئذ في القبول ما لم يكن أقام بها وردت للتهمة كما عن التحرير وغيره أو شرع في المنازعة التي هو وكيل فيها فلا تقبل حينئذ للتهمة بإرادة إظهار ما ادعي به ولتحقق الخصومة لكن قيده بعض الناس بما إذا جرى الأمر على التواصل.

وأما إذا طال الفصل فربما استظهر من كلام الفاضل في القواعد القبول ، وفي جامع المقاصد أنه محتمل وهو كذلك اللهم الا ان يدعى خروجه بذلك عن تأهل الشهادة وقبولها ، وان زالت التهمة وارتفعت الخصومة ، وبذلك يفرق بينه وبين الفاسق إذا عاد للعدالة ، والصبي إذا بلغ والكافر إذا أسلم ، فلا تقبل حينئذ شهادة الشريك لشريكه بعد ان ردت بذلك ولو صالح شريكه بعد ذلك على وجه صار الحق كله للشريك الآخر فتأمل جيدا ، هذا.

٤٤٢

ولكن عن أبي علي قبول شهادة الوصي بمال اليتيم ، بل عن كشف اللثام الميل إليه مؤيدا له بمكاتبة الصفار ، ولعل الوكيل أولى فما عن الأخير من الجزم بعدم القبول فيه وصيلة إلى القبول في الوصي في غير محله ، اللهم إلا أن يكون الوجه الجمود على مكاتبة الصفار.

ولعله لذا حكى عن الأردبيلي منع كون مطلق الوكالة والولاية نفعا يمنع من شهادة العدل المقبول ، وتبعه على ذلك صاحب الحدائق ، لكنه كما ترى كالاجتهاد في مقابلة الإجماع ، بل قد يشك في تناول الشهادة لمثله ، ضرورة كونه شهادة له في الحقيقة ولو من حيث الوكالة والولاية نحو شهادة المرتهن وشبهه ، وتسمع الكلام فيه في محله إنشاء الله.

المسألة العاشرة : لو وكله بقبض دينه مثلا من غريم له فأقر الوكيل بالقبض وصدقه الغريم وأنه تلف من يده وأنكر الموكل القبض منه فالقول قول الموكل وفاقا للمبسوط والتذكرة والقواعد وغيرها ، بل في شرح الصيمري نسبته الى فتوى الأصحاب إلا الفخر ، لأن الدعوى انما هي بين المالك والغريم ، ولا نزاع بينه وبين الوكيل ، وليس في الأدلة ما يقتضي إلزام الموكل بإقرار الوكيل فيما وكل فيه مع عدم الخصومة معه ، وما تقدم في المسألة الثالثة من تقديم قول الوكيل انما هو مع كون التداعي معه.

ولكن مع ذلك قال في المتن فيه تردد وفي القواعد على اشكال مما سمعت ، ومن نفوذ قول الوكيل على الموكل باعتبار كونه أمينه ، والفعل فعله ، إلا أنه كما ترى لا دليل عليه إذا كانت الدعوى مع غيره ، وتقديم قوله حيث تكون الدعوى معه لا يقتضي سقوط دعواه على الغير إذ لا يزيد تقديم قوله في ذلك على تقديم قوله في التلف بغرق أو حرق ، مع أنه لا يسقط الدعوى من المالك على أجنبي بماله كما هو واضح ، خصوصا إذا أعرض المالك من أول الأمر عن الدعوى مع الأمين ، وخص الدعوى بالأجنبي ، وخصوصا في مثل المقام الذي لا دعوى أصلا بين المالك والوكيل ، لعدم القبض منه بزعم المالك ، وانما هي مختصة بينه وبين الغريم.

٤٤٣

ودعوى أن اعتراف الوكيل بذلك وان لم تكن الخصومة معه مسقط لدعوى المالك المقتضية تكذيبه فيما ذكره ، وقد نهى عن تهمته على وجه يراد منه عدم سماع التهمة في حقه وإن كانت تكذيبا خاصة بلا تغريم ـ ممنوعة على مدعيها كل المنع ، بل لا ينبغي ان تصدر من فقيه ماهر ، ضرورة عدم ما يقتضي أن إقرار الوكيل إقرار الموكل ، بل في الأدلة ما يقتضي عدمه ، خصوصا قاعدة الإقرار في حق الغير.

وتقديم قوله حال كون الخصومة معه ، انما هو لكونه مؤتمنا ، وصاحب يد على فعله ، كتقديم قوله في التلف في الخصومة معه ، لا لأن إقراره إقرار الوكيل ، والا لم تحتج الى اليمين كما هو واضح بأدنى تأمل ، والنهي عن تهمته انما يراد منه تقديم قوله في التداعي معه ، ولو بما يقتضي تكذيبه ، فضلا عن اتهامه ، لا أن المراد منه عدم تكذيبه ولو بالدعوى على الغير المقتضية لذلك.

وحينئذ فإذا حلف المالك على بقاء حقه في ذمة الغريم أخذه ، ولا رجوع للغريم على الوكيل مع تلف المال في يده بغير تفريط ، لكونه ظالما بزعمه في أخذه منه ، ولا رجوع له بالظلم. هذا كله في مفروض المسألة.

أما لو أمره ببيع سلعة مثلا وتسليمها وقبض ثمنها فتلف الثمن من غير تفريط على دعوى الوكيل فأقر الوكيل بالقبض ، وصدقه المشتري ، وأنكر الموكل فالقول قول الوكيل هنا بلا خلاف أجده فيه.

بل في شرح الصيمري اتفاق الفتاوى عليه لأن الدعوى هنا على الوكيل من حيث أنه سلم المبيع ولم يتسلم الثمن فكأنه يدعي الموكل ما يوجب الضمان على الوكيل باعتبار تفريطه بذلك ، والأصل براءة ذمته مع أنه أمين بالنسبة إليه ، وقوله مقبول فيما اؤتمن عليه وهناك أي في المسألة الأولى الدعوى على الغريم دون الوكيل.

ولكن مع ذلك قال المصنف وتبعه غيره وفي الفرق نظر لان الاختلاف في المقامين في فعل الوكيل فمع فرض كون قوله مقبولا فيه ينبغي عدم سماع دعوى المالك في المقامين‌

٤٤٤

وإلا قبلت فيهما ، وقد عرفت أن الأشبه عند المصنف في المسألة الثالثة الأول ، بل قد عرفت أنه تردد في قبول قول الموكل وحينئذ يكون نظره رجوع الاولى إلى الثانية في الحكم كما عن فخر المحققين لا العكس إلا أنه لا يخفى عليك بعد الإحاطة بما ذكرنا في المسألة الثالثة وهنا تحقيق الحال.

ونزيده وضوحا بأن الدعوى متى كانت من الموكل على الوكيل لإرادة تغريمه مثلا فالقول قول الوكيل لأنه أمينه والفعل فعله ، ومتى كانت على أجنبي لم يكن إقرار الوكيل مؤثرا في عدم سماعها بل تبقى على حكم سائر الدعاوي ففي مثل المقام للمالك توجيه الدعوى على كل منهما ، فإذا أعرض عن الوكيل ، ووجه الدعوى على المشتري وطالبه بالثمن كان له ذلك بعد يمينه أنه باق في ذمة المشتري ، ولا يكون إقرار الوكيل بالقبض مسقطا للدعوى ، بعد ان لم تكن الخصومة معه.

ولو طالب الوكيل من حيث دعوى ضمانه للثمن بتسليم المبيع قبل تسليم الثمن المفروض عدم إذنه فيه كان القول قول الوكيل هنا للأدلة التي سمعتها في المسألة الثالثة وفي المقام.

بل الأقوى في النظر عدم سقوط الدعوى عن المشتري مع ذلك ، خلافا للتذكرة والمسالك وغيرهما إذ لم يفد تقديم قوله على قول المالك بيمينه الا عدم ضمان الوكيل وسقوط الدعوى بالنسبة إليه خاصة لا أنه وصول للثمن واقعا على وجه يسقط الدعوى عن المشتري ضرورة مساواة تقديم قوله هنا لتقديم قوله في التلف المعلوم عدم اقتضائه سقوط الدعوى لو أرادها بعد ذلك على أجنبي كما قدمناه سابقا هذا كله في الدعوى عليهما وبدء بالوكيل.

أما إذا كانت الدعوى مختصة من الأصل بغير الوكيل كما في قبض الدين من الغريم ونحوه أو كانت مشتركة ولكن أعرض عن الوكيل ، ووجه الدعوى على الغير فلا وجه لسقوط الدعوى باعتراف الوكيل الذي لم تكن خصومة بين الموكل وبينه.

٤٤٥

وبذلك كله ظهر لك ما في كلام المصنف ومن تأخر عنه كالفاضل وولده والمحقق الثاني والشهيد الثاني والصيمري والعلامة الطباطبائي وإن أطنب رحمه‌الله في مصابيحه بذكر كلام جميع من تعرض للمسألة ، اللهم إلا أن يتكلف رجوع بعض كلماتهم إلى ما ذكرنا ، والأصل في هذه المسألة ما في محكي المبسوط ، وهو مع التأمل كالصريح فيما قلناه في تحقيق المسألة.

قال : « إذا وكل رجل رجلا في قبض دين له على غيره ، فادعى الوكيل أنه قبضه منه وسلمه إليه ، أو قال : تلف في يدي ، وصدقه من عليه الدين ، وقال الموكل لم يقبضه منه ، قال قوم : إن القول قول الموكل مع يمينه ولا يقبل قول الوكيل ولا المدين إلا ببينة ، لأن الموكل يدعى المال على المدين دون الوكيل لأنه يقول أنا لا أستحق عليك شيئا ، لأنك لم تقبض المال ، وإنما مالي باق على المدين ، ولهذا إذا حلف طالب الذي عليه الدين ولا يثبت بيمينه على الوكيل شيئا فإذا كان كذلك كان بمنزلة أن يدعي من عليه الحق دفع المال إليه ، وهو ينكر ، فالقول قوله ، وكذلك هيهنا وهذا أقوى.

وإذا وكله بالبيع والتسليم وقبض الثمن فباعه ، وسلم المبيع فادعى قبض الثمن وتلفه في يده أو ادعى دفعه إليه ، فأنكر الموكل أن يكون قبضه من المشتري كان القول قول الوكيل مع يمينه لأن الأصل أنه أمين ، وأنه لا ضمان عليه.

ويخالف المسألة الأولى ، لأن المدعى عليه فيها هو الذي عليه الدين ، وهو الخصم فيه ، وإذا جعلنا القول قول الموكل في المسألة الأولى لم توجب على الوكيل غرامة ، وفي المسألة الثانية توجب غرامة ، فجعلنا القول قول الوكيل في الثانية » وتبعه غيره في ذلك.

وهو بعد تهذيبه يرجع إلى ما ذكرنا فلاحظ وتأمل جيدا لتعرف الحكم في جميع موارد المسألة التي منها ما لو وكله على طلاق زوجة مثلا فقال الوكيل طلقت وادعى الموكل على الزوجة عدم ذلك ، كان القول قوله ، لأن الدعوى بينه وبين‌

٤٤٦

الزوجة ، والوكيل لا دعوى عليه ، وكذا الوكالة في العتق.

أما لو كان وكيلا على القرض فقال : استقرضت لك ألفا مثلا وتلفت ، أو أنفقتها فيما وكلتني فيه أيضا ، ولم يكن هناك ثالث تكون الدعوى بين الموكل وبينه كان القول قول الوكيل ولو بعد عزله عن الوكالة ، لأنه أمينه وهكذا.

نعم بقي شي‌ء هل للموكل الدعوى على الأجنبي مع اخبار الوكيل بالقبض منه أو الطلاق أو العتق بأصالة العدم ونحوها وان احتمل صدقه ، أو لا بد في ذلك من العلم بتكذيب الوكيل ، قد يظهر من المحكي من بعض كلمات الأردبيلي الثاني ، ويحتمل الأول لعدم ما يدل على وجوب قبول خبره فيما اؤتمن عليه في غير مقام التداعي معه ، وإن كان له التناول باخباره والتصرف فيما يأتيه له بعنوان الوكالة ولكن لا ريب في أن الأحوط الثاني والله العالم.

وكيف كان فـ ( لو ظهر في المبيع عيب رده على الوكيل دون الموكل لأنه لم يثبت وصول الثمن اليه ) وإن سقط مطالبته به للوكيل بدعواه أنه قبضه وتلف منه مع يمينه ، بل والمشتري بناء على أن ذلك يقتضي سقوط الحق عنه لاتحاده إلا أن هذا السقوط لا يقتضي الوصول إليه ، ولو بقبض الوكيل ، الا أنه لا يخفى عليك ما فيه ، ضرورة أن المال مال الموكل ، لأن الفرض علم المشتري بذلك ، ووصول الثمن اليه وعدمه لا مدخل له في ذلك ، بل قد لا يجوز له رده على الوكيل إذا لم يكن وكيلا على قبضه على تقدير رده بالعيب.

وحينئذ فقول المصنف ـ ولو قيل : برد المعيب على الموكل كان أشبه والفاضل في القواعد أقرب والفخر في محكي الإيضاح أصح ، وثاني الشهيدين في المسالك أقوى ـ في غير محله ، لعدم وجه لاحتمال المنع ، بل المحكي من عبارة المبسوط خال عن ذلك.

قال : « إذا وكل رجلا في بيع ماله وقبض ثمنه فادعى أنه قبض الثمن وتلف في يده أو دفعه اليه ، وصدقه المشتري على ذلك ، وقال الموكل ما قبضه الوكيل كان‌

٤٤٧

القول قول الوكيل على أصح الوجهين ، فإذا حلف برء ، فإذا وجد المشتري بالمبيع عيبا كان له رده بالعيب ، فإن أقام البينة على أنه دفع ثمنه إلى الموكل أو الوكيل كان له رد المبيع على أيهما شاء ومطالبته بالثمن ، وإن لم تكن بينة لم يكن له مطالبة الموكل بالثمن ورد المبيع عليه ، لانه ما أقر بقبض الثمن منه ، وليس للوكيل مطالبة الموكل ويكون القول قول الموكل مع يمينه أنه لا يعلم أنه قبض الثمن من المشتري فإذا حلف لم يكن له مطالبته إلا أن يقيم بينة على ما يدعيه من قبض الثمن من المشتري وتلفه في يده أو دفعه إليه ».

وهو كما ترى ظاهر أو صريح في الرد من دون مطالبة بالثمن ، وأما ما ذكره من التخيير في المطالبة بالثمن مع البينة ، فلعله لاقتضاء الفسخ عنده تسليم الثمن على نحو اقتضاء العقد ، بخلاف ما إذا لم تكن بينة ، فإنه ليس له إلا الرد على الموكل وإن سقطت المطالبة بالثمن على الوكيل والمشتري ، أما المشتري فلما عرفت ، وأما الوكيل فلاعترافه بوكالته وتلف الثمن في يده.

نعم له أخذ العين باطنا ـ أي إذا لم يعلم منه الفسخ ـ مقاصة عن ثمنه مع دفع الزائد إن كان للمالك والتوصل اليه من مال الموكل وغير ذلك مع فرض النقصان هذا.

ولكن في التذكرة « فإذا حلف الوكيل أنه قبض وتلف الثمن في يده وقلنا ببراءة المشتري ، ثم وجد المشتري بالمبيع عيبا ، فان رد على الموكل وغرمه الثمن لم يكن له الرجوع على الوكيل لاعترافه بأن الوكيل لم يأخذ شيئا وإن رد على الوكيل وغرمه لم يرجع على الموكل ، والقول قوله مع يمينه في أنه لم يأخذ منه شيئا ، ولو خرج المبيع مستحقا رجع المشتري بالثمن على الوكيل ، لأنه دفعه إليه ولا رجوع له على الموكل ».

وفيه مالا يخفى من عدم جواز رجوعه على الوكيل في الأول بعد اعترافه بوكالته وتلف المال في يده ، وأما رجوعه على الموكل فهو مبني على وصول ذلك إليه‌

٤٤٨

بإقرار الوكيل بناء على أنه كالبينة بالنسبة إلى ذلك.

لكن على هذا ينبغي أن يكون له الرجوع عليه في الثاني ، أو يختص به بناء على أن قبض الوكيل في الظاهر قبض للموكل ، كما في القواعد الجزم به ، فإنه بعد ان ذكر فيها أنه لو تلف المبيع في يد الوكيل بعد أن خرج مستحقا طالب المستحق البائع أو الوكيل أو الموكل الجاهلين ويستقر الضمان على البائع ، وهل للوكيل الرجوع على الموكل؟ اشكال قال : « ولو قبض وكيل البيع الثمن وتلف في يده فخرج المبيع مستحقا رجع المشتري على الوكيل مع جهله ، أي بالوكالة ويستقر الضمان على الموكل ، وإلا فعليه » وإن كان كلامه فيها أيضا لا يخلو من نظر ، ضرورة منافاة الإشكال لما ذكره أولا من الرجوع على الثلاثة الذي لا وجه له في الموكل إلا دعوى سببية القبض من الوكيل الضمان عليه باعتبار أنه قبض له لانه وكيل عنه على قبض المبيع في الظاهر.

بل قد يتوهم من ذلك اختصاصه بالموكل بعد العلم بكون القبض وكالة ، كما هو مقتضى كلامه الأخير ، وإن كان التحقيق خلافه إذ الظاهر سببية القبض لضمانهما معا بعد فرض كونه وكيلا عنه في قبض ما هو مبيع ظاهرا لانه وإن كان قبضه قبض الموكل ، إلا أنه لا ينافي الرجوع عليه‌ بعموم (١) « على اليد » وإن كان هو يرجع على الموكل.

وبذلك يظهر أنه لا وجه لاختصاص الضمان بالموكل في الأخير مع العلم بالوكالة إذ هو كرجوع مستحق المبيع على الثلاثة وإن علم بأن الوكيل قد قبض على جهة الوكالة فتأمل جيدا فإن المسألة لا تخلو من دقة والله العالم بحقائق أحكامه والحمد لله أولا وآخرا.

__________________

(١) المستدرك ج ٢ ص ٥٠٤.

٤٤٩

هذا آخر كتاب الوكالة من جواهر الكلام شرح شرائع الإسلام ونسأل الله بمحمد وآله الإعانة على إكماله وإتمامه والحمد لله وصلى الله على خير خلقه محمد وآله الطاهرين.

* * *

إلى هنا تم الجزء السابع والعشرون من كتاب جواهر الكلام بحمد الله ومنه وقد بذلنا غاية الجهد في تصحيحه ومقابلته للنسخة المصححة التي قوبلت بنسخة الأصل المخطوطة المصححة بقلم المصنف طاب ثراه.

ويتلوه الجزء الثامن والعشرون في أحكام الوقوف والصدقات إنشاء الله تعالى.

على الآخوندى‌

٤٥٠

فهرس ما في هذا المجلد

كتاب المزارعة والمساقاة

تعريف المزارعة وعقدها ولزومه........................................... ٨ ـ ٢

شروطها : كون النماء مشاعا ، تعيين المدة ، الانتفاع بالأرض.............. ٣٣ ـ ٨

احكام المزارعة ، وتشتمل على مسائل سبعه............................. ٤٩ ـ ٣٣

المساقاة : تعريفها.................................................... ٥٤ ـ ٤٩

الفصل الأول في العقد................................................. ٦٠ ـ ٥٤

الفصل الثاني في ما يساقى عليه......................................... ٦٣ ـ ٦٠

الفصل الثالث في المدة وفيها شرطان.................................... ٦٥ ـ ٦٣

الفصل الرابع في عمل المساقاة.......................................... ٧١ ـ ٦٦

الفصل الخامس في الفائدة وكونها جزءا مشاعا........................... ٧٦ ـ ٧١

الفصل السادس في احكامها وتشتمل على مسائل عشرة.................. ٩٥ ـ ٧٦

كتاب الوديعة

تعريف الوديعة وأنها عقد يفتقر إلى ايجاب وقبول....................... ١٠٠ ـ ٩٦

وجوب حفظها وضمانها وكونها عقدا جائزا.......................... ١٢٢ ـ ١٠١

إعادة الوديعة على المودع ولو كان كافرا وسائر احكامها.............. ١٢٧ ـ ١٢٢

في موجبات الضمان هي التفريط والتعدي........................... ١٤٣ ـ ١٢٨

في لواحق الوديعة وفيها اثنتا عشرة مسألة............................ ١٥٥ ـ ١٤٣

كتاب العارية

تعريف العارية وكونها عقدا جائزا................................... ١٦٠ ـ ١٥٦

٤٥١

فصول في المعير والمستعير والعين المستعارة............................ ١٨٣ ـ ١٦٠

في الاحكام المتعلقة بها وفيها احدى عشرة مسألة...................... ٢٠٣ ـ ١٨٤

كتاب الإجارة

تعريفها وبيان عقدها ولزومها...................................... ٢١٢ ـ ٢٠٤

كلما صح اعارته صح اجارته....................................... ٢١٨ ـ ٢١٣

شرائط الإجارة في المتعاقدين وتعيين الأجرة........................... ٢٥٦ ـ ٢١٩

إجازة الأرض والمسكن والخان والأجير بأكثر مما استأجره...................... ٢٢٢

مسائل في تعليق الثمن واشتراط الخيار واستحقاق الأجرة....................... ٢٢٩

فيما إذا كان العقد باطلا ، مقاطعة العمال وكراهة التضمين................... ٢٤٧

من الشرائط أن تكون المنفعة مملوكة للمؤجر ، معلومة لهما............. ٣٠٧ ـ ٢٥٧

ومن الشرائط أن تكون المنفعة مباحة ومقدورا على تسليمها............ ٣١٣ ـ ٣٠٧

فصل في احكام الإجارة وفيه ثلاثة عشر مسألة....................... ٣٤٠ ـ ٣١٣

فصل في التنازع وفيه ثلاث مسائل.................................. ٣٤٦ ـ ٣٤٠

كتاب الوكالة

تعريف الوكالة وعقدها وجوازه وشرائط العقد....................... ٣٥٦ ـ ٣٤٧

في العزل والانعزال وموارد بطلان الوكالة............................ ٣٦٦ ـ ٣٥٦

مقتضى اطلاق الوكالة وما يجب على الوكيل وفروع في ذلك.......... ٣٧٧ ـ ٣٦٦

في متعلق الوكالة وفيه أمور ثلاثة.................................... ٣٨٦ ـ ٣٧٧

ما يعتبر في الموكل والوكيل......................................... ٤١٢ ـ ٣٨٧

فيما تثبت به الوكالة على وجه تجرى عليه جميع احكامها.............. ٤١٨ ـ ٤١٢

في لواحق الوكالة وفيها سبعة مسائل................................ ٤٢٠ ـ ٤١٨

في التنازع في الوكالة وفيه عشرة مسائل............................. ٤٥٠ ـ ٤٢١

٤٥٢