جواهر الكلام - ج ٢٧

الشيخ محمّد حسن النّجفي

ذلك سابقا. وعلى كل حال فلا ينبغي الخروج عن قواعد الشريعة بنحو ما ذكره الذي عند التأمل من غرائب الكلام.

المسألة الرابعة : يجب على المستأجر سقي الدابة وعلفها وحينئذ لو أهمل ضمن كما في الإرشاد ، وعن الروض وظاهر النهاية والسرائر ، إلا أنه لا يخفى عليك ما فيه إن كان المراد وجوب ذلك عليه من ماله ، على وجه لا يرجع به على المؤجر ، ضرورة أنه إن كان المقتضي لذلك عقد الإجارة باعتبار اقتضاء العادة ، ففيه منع واضح كوضوحه إذا كان باعتبار وجوب نفقة الدابة على من ملك منفعتها.

نعم إن كان وجوب ذلك باعتبار كونها وديعة وأمانة في يده ، ويجب عليه ذلك مقدمة لحفظها مع فرض عدم كون صاحبها معها ، ففيه ما تقدم سابقا من أنه على فرض ذلك ، وانحصار الأمر بالنفقة من ماله يرجع به على الموجر إن كان بأمر الحاكم ، أو مع الإشهاد أو بدونه كما عرفت البحث فيه مفصلا ، وإن كان قد أخذوا ذلك مما تسمعه في الأجير المنفذ في حوائج المستأجر.

ففيه أن القياس محرم عندنا بعد تسليم الحكم في المقيس عليه ، وستسمع البحث فيه إنشاء الله تعالى ، ولعله لذلك وغيره جزم بوجوبها على المالك في التذكرة والتحرير والمختلف واللمعة والحواشي والتنقيح وإيضاح النافع وجامع المقاصد والمسالك والروضة ومجمع البرهان والكفاية على ما حكي عن بعضها.

بل هو المحكي عن ظاهر أبي علي ، والفخر أيضا لأنها تابعة للملك ، والأصل عدم وجوبها على غيره ، بل يمكن حمل عبارة المتن على إرادة السقي والعلف البدني ، لا المالي الذي هو واجب على المالك.

نعم لو لم يكن مالك ، وكانت العين أمانة في يده كان حكمها حكم الوديعة الذي قد سمعت تصريح غير واحد من الأصحاب به فيجب الإنفاق عليه مع غيبة المالك بإذن الحاكم ، ويرجع به ، ولو تعذر أشهد ، فإن تعذر اقتصر على نية الرجوع ، و‌

٣٢١

كان القول قوله في قدرها كما تقدم في الوديعة.

لكن لا يخفى ما فيه من الاشكال إن لم يكن إجماع ، إذ ليس ذلك من مقتضى عقد الوديعة ، وإلا لم يحتج إلى الرجوع إلى الحاكم ، كما في غيره من أنواع حفظ الوديعة ، على أنه ليس في الأدلة فضلا عن إطلاق عقد الوديعة ما يقتضي وجوب حفظ الوديعة على وجه يجب بذل المال ولو بنية الرجوع مقدمة له ، وإنما الثابت وجود الحفظ بغير ذلك ، ووجوب حفظ النفس أو مال الغير ليس من أحكام الأمانة.

اللهم إلا أن يدعى صدق الخيانة مع عدم ذلك منه ، وفيه منع واضح هذا ، وقد سبق في الوديعة ما يستفاد منه البحث فيه هنا ، خصوصا مع اشتراطها على الموجر ، على أن يكون معها ، فقصر ولم يفعل. فلاحظ والله العالم.

المسألة الخامسة : إذا أفسد الصانع ضمن ولو كان حاذقا ، كالقصار يحرق الثوب أو يخرق ، أو الحجام يجني في حجامته ، أو الختان يختن فيسبق موساه إلى الحشفة أو يتجاوز حد الختان ، وكذا الكحال والبيطار ، مثل أن يحيف على الحافر ، أو يفصد فيقتل ، أو يجني ما يضر الدابة ، ولو احتاط واجتهد من غير فرق عندنا في جميع هؤلاء بين المشترك والأجير الخاص منهم ، وبين كون العمل في ملكه أو ملك المستأجر ، وبين حضور رب المال أو غيبته بلا خلاف أجده في شي‌ء من ذلك بين المتقدمين والمتأخرين منا.

بل في محكي الانتصار الإجماع على ضمان الصانع ، كالخياط والقصار وما أشبههما لما جنته أيديهم على المتاع بتعد وغير تعد ، وفي جامع المقاصد والمسالك والتنقيح الإجماع على ضمان الصانع ما يتلف بيده حاذقا كان أو غير حاذق مفرطا أو غير مفرط ، وفي محكي السرائر نفى الخلاف بين أصحابنا عن ضمان الملاحين والمكاريين ما تجنيه أيديهم على السلع ، وفي التنقيح نفى الخلاف عن ضمان الصانع ، وفي الكفاية أنه لا يعرف فيه خلافا ، وفي محكي الخلاف والغنية الإجماع على ضمان الختان والحجام والبيطار.

٣٢٢

كل ذلك مضافا إلى سببية الإتلاف للضمان وإلى‌ صحيح الحلبي (١) وحسنه عن أبي عبد الله عليه‌السلام « في الرجل يعطى الثوب ليصبغه فيفسده ، فقال : كل عامل أعطيته أجرا على أن يصلح فأفسد فهو ضامن ».

وكذا خبر السكوني (٢) والكناني (٣) وإلى‌ المرسل (٤) عن أمير المؤمنين عليه‌السلام « من تطبب أو تبيطر ، فليأخذ البراءة من وليه ، وإلا فهو ضامن » وأنه‌ (٥) « ضمن ختانا قطع حشفة غلام » الذي عن المقتصران عليه عمل الأصحاب وعن تعليق النافع أن عليه العمل وديات النافع أنه مناسب للمذهب ، بل عن السرائر أنه صحيح.

ومن ذلك يعلم الحال في ضمان الحجام والختان ، وإن لم يتجاوز لمحل القطع إذا اتفق حصول التلف بفعله ، لكن في محكي السرائر لو لم يتجاوز محل القطع مع حذقتهم في الصنعة ، فاتفق التلف ، فإنهم لا يضمنون ، وعن الكفاية أنه غير بعيد.

وفيه أنه مناف لقاعدة الإتلاف وغيرها ، ومن هنا قال في جامع المقاصد : بعد أن حكاه عنه هذا صحيح إن لم يكن التلف مستندا إلى فعلهم ، ولكن قد يناقش بعدم صدق الجناية على ذلك ، ونحوه مما بين مستأجر عليه ومأذون فيه ، بل لعل ذلك هو التحقيق في المسألة ، وبين ضمان الصناع لما يجنيه أيديهم وإن كان من غير تقصير منهم ، بل وكذا الطبيب والبيطار إذا حصل التلف بالطبابة والبيطرة ، ولعل ذلك مقتضى القاعدة فضلا عن النصوص التي سمعت جملة منها.

وفي خبر بكر بن حبيب (٦) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « لا يضمن القصار إلا ما جنت يداه ، وإن اتهمته أحلفته » وحينئذ لا ضمان مع عدم الفساد من حيث الصنعة والعمل ،

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢٩ ـ من أبواب أحكام الإجارة الحديث ـ ١٩.

(٢) الوسائل الباب ـ ٢٩ ـ من أبواب أحكام الإجارة الحديث ـ ١٠.

(٣) الوسائل الباب ـ ٢٩ ـ من أبواب أحكام الإجارة الحديث ـ ١٣.

(٤) الوسائل الباب ـ ٢٤ ـ من أبواب موجبات الضمان الحديث ـ ١.

(٥) الوسائل الباب ـ ٢٤ ـ من أبواب موجبات الضمان الحديث ـ ٢.

(٦) الوسائل الباب ـ ٢٩ ـ من أبواب أحكام الإجارة الحديث ـ ١٧.

٣٢٣

وإن اتفق نقصان قيمة الثوب مثلا بحصول العمل منه ، وكذا المأمور بالختن والحجامة ونحوهما ، ولم يكن منه فساد وخيانة من حيث العمل المأمور به ، وإن اتفق التلف به.

نعم لو كان ذلك بعنوان الطبابة والبيطرة ترتب الضمان لحصول الفساد بما كان يراد منه الصلاح وإن لم يكن عن تقصير والله العالم.

ثم إن الظاهر عدم الفرق بين البيطار والطبيب في كثير من الأدلة السابقة وحينئذ ينبغي اتحاد حكم الطبيب معه ، بل هو أحد الصناع ، بل داخل في إطلاق صحيح الحلبي وغيره من النصوص ، مع أخذه الأجرة على ذلك ، من غير فرق بين القاصر الذي حكي الإجماع على ضمانه ، والعارف المقصر الذي نفى الخلاف عنه ، بل عن ظاهر ديات التنقيح الإجماع على ضمان العارف إذا عالج صبيا أو مجنونا أو مملوكا بدون إذن الولي والمالك ، وهو كذلك.

بل يقوى الضمان أيضا في العارف الماهر علما وعملا المأذون بأجرة وغيرها فأتلف ، للمرسل المزبور ، وقاعدة الإتلاف والقتل خطأ وانه لا يطل دم امرئ مسلم وغير ذلك ، والاذن في العلاج لا في الإتلاف لا تنافي الضمان به ، كما في الصانع وغيره ، ولم أجد خلافا صريحا في ذلك إلا من المحكي عن ابن إدريس والتحرير ، فلم يضمناه للأصل المقطوع بما عرفت ودعوى سقوط الضمان بالإذن المقتضية تسويغ الفعل فلا يستعقب ضمانا الممنوعة على مدعيها.

ومن هنا اتفق من عداهما من الأصحاب على الضمان وإن خلت جملة من العبارات عن التقييد بالإذن ، لكن حملها على خصوص حال عدم الإذن لا دليل عليه ، ولا داعي إليه إنما الكلام في صدق إتلافه ولا ريب في تحققه بمباشرته العلاج بنفسه ، بل وبأمره بناء على قوة السبب على المباشر في مثله ، بل وبوصفه له أن دواءك كذا وكذا ، كما عن التذكرة التصريح به.

بل عن بعضهم التأمل في ضمانه لو قال : الدواء الفلاني نافع للمرض الفلاني ، الا أنه كما ترى مناف لأصول المذهب وقواعده ، بل الظاهر عدمه لو قال مثلا : لو‌

٣٢٤

كنت مريضا بمثل هذا المرض لشربت هذا الدواء كما أن المشهور على ما قيل البراءة بأخذها من المريض أو الولي للمرسل المزبور وغيره مما تسمعه إنشاء الله في كتاب الديات الذي هو محل المسألة وتوابعها.

وكيف كان فما ذكرناه في أصل المسألة إنما هو التلف وما شابهه بيده أما لو تلف في يد الصانع لا بسببه ، من غير تفريط ولا تعد لم يضمن على الأصح للأصل وكونه أمينا ، لكن في المسالك « قيل : أنه كذلك في الضمان ، بل ادعى عليه المرتضى الإجماع ، وما اختاره المصنف أقوى ، لأصالة البراءة ، ولأنهم أمناء ، فلا يضمنون بدون التفريط ، وفي كثير من الأخبار دلالة ، والإجماع ممنوع ».

قلت : خلاف المرتضى وإجماعه إنما هو في تصديق دعواه التلف ، وهو غير ما نحن فيه من معلوم التلف في يده بغير تعد ولا تفريط ، وستسمع تحقيق ذلك في المسألة الثانية من الفصل الرابع ، وحينئذ لم أعرف الإشارة بالأصح في المتن إلى خلاف معلوم لأصحابنا.

وكذا الملاح يضمن ما يتلف بيده وحذقه ، أو ما يعالج به السفينة من الاحبال والأخشاب ، بلا خلاف أجده فيه ، بل في جامع المقاصد نسبته للنص والإجماع ، وقد سمعت معقد إجماع الانتصار ونفي الخلاف في السرائر والنصوص وغير ذلك مما يندرج فيه من غير فرق بين تعديه وتفريطه وعدمهما ، وبين حضور المالك وغيبته ، كما عن السرائر التصريح به.

وكذا يضمن ما يتلفه المكاري آدميا وغيره بقوده وسوقه ، وانقطاع الحبل الذي شد به حبله مثلا كما نص عليه غير واحد ، بل في جامع المقاصد نسبته إلى النص والإجماع ، ولعله أراد النصوص السابقة ، وقد سمعت نفي الخلاف في السرائر ومعقد إجماع الانتصار.

بل يمكن دعوى تناول الفتاوى له ، وان وقع لفظ الصانع في بعضها ، إلا أنه يمكن ارادة مطلق الأجير منه. كما سمعته في النصوص ولعله لذلك ادعى في‌

٣٢٥

الجامع الإجماع بقرينة احتمال كون تعثر الدابة جناية من الأجير في حال كونه معها ، وإن كان يقوى القول بأنه حال عدم اعتياد قود الدابة لمكان استواء الأرض ، كانكسار السفينة الذي هو ليس من فعل الملاح ، وفي خبر السكوني (١) عن أمير المؤمنين عليه‌السلام « أنه كان لا يضمن من الغرق والحرق ».

وعلى كل حال لا إشكال في أصل ضمانهما بما عرفت ، بعد وضوح الدليل عليه ، كوضوحه على أنهما لا يضمنان مع عدم التلف منهما ، إلا ما يتلف بتعد أو عن تفريط منهما على نحو غيرهما من الأمناء على الأشبه بل لم يحضرني خلاف فيه ، لما ستعرف من أن خلاف المرتضى وغيره في قبول قولهما ، لا في عدم ضمانهما مع معلومية التلف كذلك والله العالم.

وأما الحمال فيضمن ما يسقط عن رأسه مثلا بعثرته ونحوها مما يستند به التلف إليه ، للأدلة التي سمعتها ، مضافا إلى‌ الصحيح (٢) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « في رجل حمل متاعا على رأسه فأصاب إنسانا فمات أو انكسر منه شي‌ء قال : هو ضامن » بناء على عود الضمير المجرور إلى المتاع ، وكون الحامل أجيرا مثلا ، المعتضد بخبر زيد ابن على (٣) عن آبائه عليهم‌السلام « أنه أتي بحمال كانت عليه قارورة عظيمة كان فيها دهن ، فكسرها فضمنها إياه ، وكان يقول كل عامل مشترك إذا أفسد فهو ضامن » الحديث ولغيره من النصوص.

وبما في جامع المقاصد من نسبته إلى النص والإجماع الذي لم نجد ما ينافيه ، إلا ما يحكى عن كشف اللثام من أن الموافق للأصول عدم ضمانه إلا مع التفريط ، أو كونه عارية مضمونة ، قيل : ونحوه عن المسالك ، وفيه أن عدم ضمان الأمين إلا بذلك فيما يتلف في يده ، لا بفعله ، أما هو مما كان نحو الصانع ، من الأجير ونحوه فعلى قاعدة الضمان بالإتلاف ، ومندرج في النصوص السابقة وغيرها.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢٩ ـ من أبواب أحكام الإجارة الحديث ـ ٦.

(٢) الوسائل الباب ـ ٣٠ ـ من أبواب أحكام الإجارة الحديث ـ ١١.

(٣) الوسائل الباب ـ ٣٠ ـ من أبواب أحكام الإجارة الحديث ـ ١٣.

٣٢٦

ولو قال المالك للخياط مثلا : ان كان يكفيني قميصا فاقطعه فقطعه ، فلم يكف ضمن ، ولو قال هل يكفي قميصا؟ فقال : نعم ، فقال : اقطعه فلم يكفه لم يضمن ، كما في القواعد وغيرها لعدم الإذن في الأول بخلافه في الثاني ، وإن كان صدوره منه اعتمادا على قول الخياط ، لكنه من الدواعي.

وعن أبي ثور الضمان بذلك ، لقاعدة الغرور ، وفي جريانها هنا نظر واضح ، بل يتوقف في الضمان في الصورة الأولى التي يمكن القول فيها بأن مدار الإذن على الاجتهاد في ذلك ، والفرض أنه قد غلب على ظنه ذلك ، فهو في الحقيقة مأذون ، والأصل براءة الذمة ، فتأمل جيدا والله العالم.

ولو أتلف الصانع الثوب بعد عمله تخير المالك في تضمينه إياه ، غير معمول ولا أجر عليه ، وفي تضمينه إياه معمولا ويدفع اليه أجره معاملة للعمل معاملة المبيع قبل قبضه إذا أتلفه البائع ، فلا يتوجه دعوى الانفساخ قهرا وتضمينه الثوب غير معمول ، لأنه إنما يتم بالتلف بآفة سماوية ، لا في الإتلاف.

كل ذلك بناء على اعتبار تسلم العمل بتسلم العين في المعاوضة ، أما على القول بالاكتفاء بإيجابه في عين المالك ، وإن لم يتسلمه المالك ، اتجه حينئذ ضمانه معمولا في الفرض ، ضرورة كونه من صفات مال المالك ، كما أنه يتجه حينئذ المطالبة بالأجرة مع فرض التلف بآفة سماوية ، فتأمل.

ولو فرض نقصان قيمة الثوب عن الغزل كان له قيمة الثوب ، للإذن في النقص ، ولا أجرة للعمل ، لعدم تسليمه.

وما عساه يقال : من أنه مع فرض ثبوت الخيار له في ذلك الذي هو المراد في المسألة السابقة ، يمكن حينئذ دعوى أن له الفسخ لعدم حصول المعاوضة ، والمطالبة بقيمة الغزل التي ليس له غيرها مع فرض التلف بآفة سماوية ، يدفعه أنه حيث لا يكون لعمل الأجير أثر في زيادة القيمة ، والفرض أنه أتلفه قبل القبض ، فليس له المطالبة بالأجرة ، وليس للمالك مطالبة الأجير بشي‌ء عنه وإن أورث نقصا ، لأنه بإذنه ،

٣٢٧

بخلاف ما لو كان له أثر في الزيادة ، فإن له المطالبة به منسوجا مع دفع الأجرة ، وغير منسوج بدونها هذا.

وفي قواعد الفاضل لو وجب ضمان المتاع المحمول تخير صاحبه بين تضمينه إياه بقيمته في الموضع الذي سلمه ولا أجر له ، وتضمينه في الموضع الذي أفسده ، ويعطيه الأجر إلى ذلك المكان كذلك.

وفيه أن مقتضى القواعد استحقاق الأجير أجرته إلى ذلك الموضع وضمانه القيمة حال التلف لا التخيير المزبور ، وليس هو كالمسألة السابقة الذي يكون العمل فيها في عين المالك ، الممكن دعوى اعتبار تسليمه بتسليمها ، إذ ليس العمل هنا إلا الحمل والنقل ، وأما وجوب تسليم العين فهو من حيث كونها أمانة في يده كما هو واضح بأدنى تأمل.

وكذا ما فيها أيضا من أنه لو استأجره لحياكة عشر في عرض ذراع فنسجه زائدا في الطول ، فلا أجرة له على الزيادة للتبرع وله المسمى ، لا يخلو من نظر أيضا ضرورة عدم إتيانه بالعمل المستأجر عليه ضرورة مخالفته في آخر الطاقة الأولى من الغزل ، لأنه كان عليه أن يعطفها عند بلوغ العشر حتى يعود إلى الموضع الذي بدء منه فهو مخالف فيه وفيما بعده ، فلا يستحق أجرا أصلا ، وكذا إن زاد فيه وفي العرض ، أو في العرض خاصة ، وإن احتمل في القواعد هنا ذلك والمسمى أيضا كما لو نقص فيهما قال : لكن هنا إن أوجبناه أسقط منه بنسبة الناقص ، وفيه ما عرفت وأن المتجه في الجميع عدم الأجر ، بل يضمن الأرش لو فرض نقص الغزل بذلك. والله العالم.

المسألة السادسة : من استأجر أجيرا لينفذه في حوائجه مثلا كانت نفقته على المستأجر إلا أن يشترط على الأجير كما في النهاية والقواعد والإرشاد والروض على ما في بعضها ، بل في اللمعة أنه المشهور وإن كنا لم نتحققه لغير من عرفت ممن تقدمه بل لعل المتحقق خلافه ، إذ العكس خيرة السرائر والتذكرة والمختلف والتحرير والإيضاح وجامع المقاصد ، والمسالك ، والروضة ، ومجمع البرهان والتنقيح‌

٣٢٨

والكفاية على ما حكي عن بعضها ، بل في التذكرة عن ابن المنذر لا أعلم في ذلك خلافا ساكتا عليه.

بل لعل ذلك هو الأقوى في النظر ، ضرورة عدم اقتضاء عقد الإجارة من حيث هو كذلك إلا وجوب العوضين ، وعدم الدليل الشرعي الدال على وجوبه تقييدا.

والصحيح (١) المروي في الكافي والتهذيب عن سليمان بن سالم « سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن رجل استأجر رجلا بنفقة ودراهم مسماة على أن يبعثه إلى أرض. فلما أن قدم أقبل رجل من أصحابه يدعوه إلى منزله الشهر والشهرين ، فيصيب عنده ما يغنيه عن نفقة المستأجر ، فنظر الأجير إلى ما كان ينفق عليه في الشهر إذا هو لم يدعه ، فكافي به الذي يدعوه ، فمن مال من ، تلك المكافاة؟ أمن مال الأجير ، أم من مال المستأجر؟ قال : إن كان في مصلحة المستأجر فهو من ماله ، وإلا فهو على الأجير ، وعن رجل استأجر رجلا بنفقة مسماة ولم يفسر شيئا على أن يبعثه إلى أرض أخرى فما كان من مؤنة الأجير من غسل الثياب والحمام فعلى من؟ قال : على المستأجر » مع جهل راويه فإنه على ما قيل لم يذكره علماء الرجال ، وعدم الجابر لما عرفت ، بل قد سمعت الاعراض عنه ممن ذكرنا ـ ظاهر صدرا وعجزا في ذكر النفقة في العقد ، وهو خارج عما نحن فيه.

وحينئذ يكون الوجه في السؤال الأول أن الأجير المشترط نفقته إذا اتفق بذلها من صديق ونحوه يبقى على استحقاقه لها مع فرض كون ذلك البقاء لمصلحة المستأجر حتى يكون مستحقا للنفقة ، وفي الثاني أن النفقة المعتبرة أجرة من غير تعرض لتفصيلها يدخل فيها مثل غسل الثياب ودخول الحمام بخلاف الدواء ونحوه.

نعم هو ظاهر في جواز اشتراط النفقة من غير تعرض لمقدارها ، بل اتكالا على تقديرها الشرعي أو العرفي ، بل ظاهر في جواز جعلها أجرة أو جزؤها ، وهو وإن كان منافيا لما ذكره بعضهم ممن لم ير وجوبها إلا بالشرط من وجوب التعرض لتفصيلها‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٠ ـ من أبواب أحكام الإجارة الحديث ـ ١.

٣٢٩

تحرزا من الجهالة المفسدة لعقد الإجارة ـ

إلا أنه يمكن القول به هنا للعموم ، والخبر المزبور المعمول به في الجملة الظاهر في الاكتفاء بمثل ذلك في دفع مثل هذا الغرر في الإجارة وإن وقعت النفقة جزأ من الأجرة فضلا عن أن تكون شرطا الذي قد صرح في محكي التذكرة هنا بعدم ضرر جهالته ، لأنه من التوابع حينئذ كأس الجدار ، كما أن ظاهر الأصحاب المفروغية من جواز الاستيجار للإنفاذ في حوائجه على الاجمال اتكالا على المعتاد المقدور له واللائق بحاله من ذلك.

وحينئذ مع التشاح يجب على المستأجر بذل أقل مطعوم مثله وملبوسه من الجنس المعتاد على حسب ما هو محرر في تقدير النفقات الواجبة في الشرع ولو استغنى الأجير لمرض أو بطعام نفسه لم يسقط حقه الذي قد حصل في العقد جزأ أو شرطا ، ولو أحب الأجير أن يستفضل بعض طعامه جاز وإن كان مرضعة ما لم يكن في ذلك نقص في منفعة المستأجر كما هو واضح.

المسألة السابعة : إذا آجر مملوكا له صانعا مثلا فأفسد كان ذلك لازما لمولاه في سعيه فإن قصر ففي ذمته ، يتبع به بعد العتق وكذا لو آجر نفسه باذن مولاه للصحيح (١) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « في رجل استأجر مملوكا فيستهلك مالا كثيرا؟ فقال : ليس على مولاه شي‌ء ، وليس لهم أن يبيعوه ، ولكنه يستسعي وإن عجز فليس على مولاه شي‌ء ، ولا على العبد شي‌ء » المحمول عليه‌ الحسن (٢) « عن أبي عبد الله عليه‌السلام قضى أمير المؤمنين عليه‌السلام في رجل كان له غلام استأجر منه صانع أو غيره ، قال : إن كان ضيع شيئا أو أبق منه فمواليه ضامنون ».

وحينئذ فما في النهاية ومحكي الكافي ـ من إطلاق كون الضمان على المولى ومحكي السرائر من إطلاق عدم ضمانه وتبعه في جامع المقاصد. نعم قال : « إن كانت جنايته على نفس أو طرف كما لو كان طبيبا تعلق برقبة العبد وللمولى فداؤه‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١١ ـ من أبواب أحكام الإجارة الحديث ـ ٢.

(٢) الوسائل الباب ـ ١١ ـ من أبواب أحكام الإجارة الحديث ـ ٣.

٣٣٠

بأقل الأمرين من القيمة أو الأرش » لكن هذا لا يتقيد بإذن المولى ـ

وما في المسالك من التعلق بالكسب إن كان في العمل الذي يعمل فيه من غير تفريط ، وإن كان بتفريط تعلق في ذمته يتبع به إذا أعتق ، لأن الإذن في العمل لا يقتضي الإذن في الإفساد ـ في غير محله ، وكالاجتهاد في مقابلة النص الذي مع فرض الاعراض عنه يتجه ما سمعته من الحلي وجامع المقاصد ضرورة عدم اقتضاء الإذن من المولى في الإجارة الضمان في كسبه مع الإفساد ولو بغير تفريط.

المسألة الثامنة : صاحب الحمام لا يضمن إلا ما أودع وقبل الإيداع وفرط في حفظه أو تعدى فيه بلا خلاف في شي‌ء من ذلك ولا اشكال ، بعد حمل إطلاق عدم الضمان في محكي المقنعة على ذلك.

ف‌ في المرسل (١) « عن أمير المؤمنين عليه‌السلام أنه اتى بصاحب حمام وضعت عنده الثياب فضاعت فلم يضمنه ، وقال إنما هو أمين ».

وفي خبر السكوني (٢) « عن جعفر عن أبيه عليهما‌السلام أن عليا عليه‌السلام كان يقول لا ضمان على صاحب الحمام فيما ذهب من الثياب ، فإنه إنما أخذ الجعل على الحمام ، ولم يأخذ على الثياب » ونحوه خبر إسحاق بن عمار (٣) عنهم عليهم‌السلام أيضا بدون التعليل.

وفي خبر أبي البختري (٤) « عن جعفر أيضا عن أبيه عليهما‌السلام أن عليا عليه‌السلام كان لا يضمن صاحب الحمام ، وقال : إنما يأخذ أجرا على الدخول إلى الحمام » ولكن قد يفهم من الأخير وخبر السكوني الضمان باستئجاره للحفظ وإن لم يكن بتفريط ، وهو مناف لقاعدة الامانة ، ضرورة عدم الزيادة على ذلك بالاستيجار.

وللصحيح (٥) « عن رجل استأجر أجيرا فأقعده على متاعه فسرق ، قال : هو‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢٨ من أبواب أحكام الإجارة الحديث ـ ١.

(٢) الوسائل الباب ـ ٢٨ من أبواب أحكام الإجارة الحديث ـ ٣.

(٣) الوسائل الباب ـ ٢٨ من أبواب أحكام الإجارة الحديث ـ ٣ ـ ذيله عن ابن مسكان.

(٤) الوسائل الباب ـ ٢٨ من أبواب أحكام الإجارة الحديث ـ ٢.

(٥) الوسائل الباب ـ ٢٩ ـ من أبواب أحكام الإجارة الحديث ـ ٣.

٣٣١

مؤتمن ». نعم قد يقال : لا أجر له لعدم حصول العمل المستأجر عليه. والله العالم.

المسألة التاسعة : إذا أسقط الأجرة بعد تحققها في الذمة وإن لم يستحق تسلمها صح بلا خلاف ولا إشكال بعد معلومية مشروعية الإبراء بلفظه أو ما دل عليه من الإسقاط ونحوه نعم لو أسقط المنفعة في العين المعينة لم تسقط بلا خلاف أيضا ولا إشكال لأن الإبراء لا يتناول إلا ما هو في الذمم من أجرة أو عمل فيها أو منفعة كلية ، وشبه ذلك مما هي محله ، كما هو واضح والله العالم.

المسألة العاشرة إذا آجر عبده ثم أعتقه صح العتق قولا واحدا لعموم أدلته ولم تبطل الإجارة أيضا كذلك للعموم أيضا ، وإن حكي عن إيضاح النافع أنه قال : وربما قيل : ببطلانها فيضمنها السيد للمستأجر ، إلا أن الظاهر كونه لبعض الشافعية لا لأحد من أصحابنا الذين أطبقوا على عدم بطلانها بالبيع إلا أن يكون قد باعه على المستأجر ، فإن بعضهم استشكل فيه أو خالف وحينئذ تستوفى المنفعة التي تناولها العقد من العبد الذي يجب الوفاء بها إن كان مكلفا.

ولا يرجع العبد على مولاه بأجرة مثل عمله ومنفعته بعد العتق التي قد أعتق مسلوبا عنها ، وكانت ملكا لمولاه وقد ملكها غيره بالإجارة.

فما عن الشافعي ـ في القديم من رجوعه بذلك بل احتمله جماعة من أصحابنا بل عن الشيخ وابن إدريس حكايته قولا ، وظاهرهما أنه لأصحابنا وإن كنا لم نتحققه ـ واضح الضعف.

وأضعف منه ما ذكر في توجيهه من أن إزالة الرق تقتضي ملك العبد للمنافع ، فإذا سبق نقل المولى لها فاتت عليه فيرجع على المولى بأجرة مثل عمله بعد العتق بعوضها ، وهو أجرة المثل فكان كما لو أكرهه على عمل ، إذ هو كما ترى ، ضرورة أن المكره متعد ، والعبد لم يكن مالكا للمنافع التي قد استقر ملك المستأجر عليها ، والرق إنما زال عنه مسلوب المنافع تلك المدة فلا رجوع له على أحد.

٣٣٢

وأما نفقته مدة الإجارة فهي على المستأجر قطعا إن شرطت عليه ، وإلا مع فرض عجزه عنها لعدم مال ، فعلى المعتق عند الفاضل في القواعد ، لأنه كالباقي على ملكه ، حيث ملك بعض نفعه ، وضعفه واضح ، ضرورة أن المقتضي لها الملك ، وقد زال ، أو في بيت المال كما عنه أيضا في التذكرة ، وفي الحواشي وجامع المقاصد وإيضاح النافع والمسالك فإن لم يكن وجب على الناس كفاية ، أو على العبد نفسه يكتسبها في غير مدة المستأجر ، ومع فرض التعذر يسعى كل يوم بقدر النفقة ، ويصرف باقي اليوم للمستأجر ويحتسب ما سعى به على المستأجر من مدته.

وفيه أن نفقته حينئذ على المستأجر الذي قد عرفت عدم وجوبها عليه ، ولو قيل باحتساب مقدار أجرة المثل أو قيمة ما اكتسبه في ذمة العبد للمستأجر لكان حسنا ، بل لا بد من القول به مع فرض الانحصار في ذلك ، لعدم بيت المال ، ضرورة تقدم النفقة على كل واجب في الذمة ولو للغير والله العالم.

ولو آجر الوصي مثلا صبيا مدة مثلا يعلم بلوغه ورشده فيها لو كان رشيدا بطلت في المتيقن لعدم كونه وليا فيها فتصرفه حينئذ فضولي ان لم يعتبر في صحة المجيز في الحال وعليه يحمل البطلان في المتن ، وإلا كان العقد باطلا حقيقة وصحت في الزمان المحتمل بلا خلاف كما عن الخلاف بمعنى الحكم بصحته ظاهرا لتحقق الولاية المقتضية لصحة ذلك.

ولو اتفق البلوغ فيه ، فهل للصبي الفسخ ، بعد بلوغه بمعنى عدم اجازة العقد الفضولي المفروض صحته التي هي القابلية لترتب الأثر قيل : نعم واختاره في المبسوط والقواعد والإرشاد والتذكرة والسرائر وقواعد الشهيد والمختلف وجامع المقاصد والمسالك لعدم الولاية له في هذا الحال فيكون التصرف فيه فضولا.

ولكن فيه عند المصنف تردد بل عن الخلاف الجزم بلزومها ، لوقوع الإجارة من أهلها في محلها في وقت لم يعلم لها مناف ، فتستصحب ، وفيه ما عرفت من أنه بالنسبة إلى الحال المفروض ليس من أهلها ولا في محلها ، والجهل لا مدخلية له في تغير حكم الموضوع واقعا.

٣٣٣

نعم لو فرض اجارة الولي المدة الزائدة على سن البلوغ في مصلحة الطفل قبل بلوغه كان المتجه لزومها وكذا الكلام في ماله وليس مفروض المسألة هنا كذلك وإنما هو إجارتها في مصلحة له مستمرة باستمرار الزمان عليه ولا ريب في أن المتجه في هذا صحتها ولزومها إلى حال البلوغ والتوقف على الإجازة في غيره ضرورة عدم الولاية لأحد بعد البلوغ والرشد عليه ولو في مصالحه.

وبذلك ظهر لك الحال في موضوع المسألة فلا يشكل بان فرض موضوع الإجارة زائد على مدة البلوغ إن كان في مصلحة الصبي صحت ولزمت عليه والا لم تصح من مثل الوصي حتى فيما قبل البلوغ إذ قد عرفت الفرق بين المصلحة للصبي حال صباه وبينها مستمرة إلى ما بعد بلوغه فالأولى هي التي ينفذ معها التصرف ولو كان الإجارة فيما بعد البلوغ بسنين بخلاف الثانية فإنها تلزم حال عدم البلوغ ويبقى الباقي على الإجارة ولا يشكل صحتها حينئذ بالجهل بالمدة ضرورة الاكتفاء بالعلم في الجملة في دفع الغرر.

فما في الإرشاد من الحكم بالبطلان بالبلوغ في الفرض محمول على إرادة الفضولي لا البطلان من رأس ، للجهالة ، وان احتمله بعضهم مؤيدا له بما في القواعد من الحكم ببطلان استيجار العبد مدة يعلم موته قبل انقضائها للجهالة ، إلا أنه كما ترى.

وعلى كل حال ففي المفروض لو مات الولي أو انتقلت الولاية إلى غيره لم يبطل الإجارة الأولى الجامعة لشرائط الصحة واللزوم التي هي أولى من الوكالة ولا يشكل ذلك بأن مقتضاه عدم اجارة ناظر الوقف حينئذ ، فإن التزامه غير معلوم البطلان.

نعم يتجه انفساخها مع عدم الإجازة لو مات للبطن الثاني التي لم تكن الإجارة الراجع إلى مصلحتهم ، وانما هو كمفروض المسألة أنه آجر الوقف على حسب المصلحة المستمرة الحاصلة لأهل البطن الأول ، والبطن الثاني الذي هو غير ولي عليهم في مصالحهم المقارنة لوجودهم الذي أمرها إليهم نحو ما قلناه فيما نحن فيه فتأمل فإنه‌

٣٣٤

دقيق نافع.

المسألة الحادية عشرة : إذا تسلم أجيرا بعقد صحيح ليعمل له عملا أو صنعة فهلك بعمله أو غير عمله لم يضمنه صغيرا كان أو كبيرا حرا كان أو عبدا مع فرض عدم التفريط منه وعدم التسبيب الذي يقوى على المباشرة بلا اشكال ولا خلاف بل في المسالك هو موضع وفاق منا ومن العامة ، وفي التنقيح إجماع المسلمين.

لكن عن المبسوط أنه حكى عن الشافعي في العبد قولين وعن الخلاف عن قوم الضمان في أصل المسألة والأمر سهل بعد معلومية الحال ، وهو عدم الضمان من حيث كونه أجيرا ، للأصل بعد فرض أن إثبات يده بحق ، وهو استيفاء المنفعة التي ملكها بل لا فرق بين هلاكه في مدة الإجارة وبعدها ، إذ لا يجب على المستأجر رد العين على مالكها على تقدير كونها مملوكة ، وإنما الواجب عليه التخلية بينه وبينها فإذا كان حرا أولى.

نعم لو حبسه مع الطلب بعد انقضاء المدة صار بمنزلة المغصوب إذا كان مملوكا أما الحر فستعرف الحال في البالغ وغير البالغ والله العالم.

المسألة الثانية عشرة : إذا دفع سلعة مثلا إلى غيره ، ليعمل له فيها عملا فان كان ممن عادته أن يستأجر لذلك العمل كالغسال والقصار فله أجرة مثل عمله لأصالة احترام عمل المسلم الذي لم يظهر من فاعله التبرع إذ هو كعين ماله فضلا عن أن يكون ظاهره الأجرة كما في الفرض بل الظاهر عدم اعتبار دفع السلعة في ذلك ، ومن هنا جعل العنوان في الإرشاد الأمر بالعمل الذي له أجرة في العادة بل الظاهر عدم اعتبار الأمر في ذلك أيضا بل يكفي الإذن فيه ولو بالفعل نحو ما جلس بين يدي حلاق ليحلق رأسه أو دلاك كذلك كما نص عليه في جامع المقاصد.

بل يمكن دعوى عدم الكراهة في عدم تعيين مقدار الأجرة في مثل هذا باعتبار‌

٣٣٥

معلومية أجرة مثله ، فلا يندرج حينئذ فيما دل على النهي عن ذلك مع احتماله.

ثم لا يخفى عليك أن ظاهر المصنف وغيره بل ومقتضى القواعد كون الثابت في الفرض أجرة المثل التي هي قيمة العمل في مقابلة العين لا ما ضربه العامل لنفسه ، وان زاد عنها ولا ما قصده الدافع وإن قل عنها ضرورة كون المقام من الضمانات لا المعاملات ، والضمان للشي‌ء إنما هو بقيمته ، أما المعاملة فلا بد من الموافقة على المسمى منهما كما هو واضح.

وعلى كل حال فلا اشكال ولا خلاف في الأجرة في أصل المسألة بل وإن لم تكن له أي العامل عادة وكان العمل مما له اجرة فيها فله أي العامل المطالبة لأنه أبصر بنيته التي هي إرادة الأجرة عوض عمله ، أو عدم قصد التبرع فإن ذلك كاف في تحقق الأجرة للأصل المزبور ، وإن أراد الدافع التبرع ، ولعله المراد مما في المتن.

نعم إن لم يكن مما له اجرة بالعادة ، لم يلتفت إلى مدعيها بل وإن نوى العامل الأجرة بذلك لم يكن له ، للأصل وعدم تقومه المانع من ضمانه ، بناء على أن ذلك هو المراد من قولهم لا اجرة له في العادة.

وحينئذ فلو كان متقوما عرفا لزمته الأجرة بمجرد الأمر بفعله ، وإن جرت العادة بعدم أخذ الأجرة عليه كاستيداع المتاع الذي احتمل منه الإجارة ، إلا أنه استبعده في جامع المقاصد ، واستحسن إرادة الأعم من ذلك وهو ما لا اجرة له في العادة سواء كان متقوما بحيث يجوز مقابلته بالعوض أم لا ، وقال : « إن ظاهر العبارة لا يأبى العموم ».

قلت : قد عرفت أن ضمان الأجرة بالإذن إنما هو لأصالة احترام العمل ، وعدم اعتياد أخذ الأجرة عليه لا ينافي احترامه في الواقع على وجه يجعله كالمقصود به التبرع.

ودعوى ـ أن عدم الأجرة له في العادة تقضي بقصد التبرع ـ يدفعها أن مفروض‌

٣٣٦

البحث هنا بيان حكم الموضوع واقعا لا حكم التداعي ظاهرا مع أنه يمكن دعوى كون القول قول العامل أيضا لأنه أبصر بنيته ، وكون العادة كذلك لا يقتضي قصد التبرع ، كما أن عدم العادة للعامل في الصورة السابقة التي حكم فيها بالأجرة بلا خلاف في ذلك.

ومن هنا بان لك النظر فيما ذكره الشهيدان وغيرهما من الفرق بين ما في المتن ومحكي التذكرة والتحرير وبين ما في قواعد الفاضل حيث اكتفى في ثبوت الأجرة بكون العمل ذا أجرة في العادة ، كما لو دفع للحداد مثلا سكينا فقال : افتحها ، ولم يكن فتحها من العمل الذي يستأجر عليه عادة لكونه ميسورا بخلاف ما في القواعد.

أما غير هذه الصورة فمقتضاهما نفيا وإثباتا متحد إذ قد عرفت أن عدم الضمان فيما لا اجرة له في العادة ، لعدم اجرة المثل له فلا يتصور ثبوت عوض له في الذمة ، وإن صح مقابلته بالعوض بالتراضي وكون الحداد ناصبا نفسه لأخذ الأجرة لا يقتضي ثبوت أجرة مثل للعمل المدفوعة إليه ، وإن لم يكن له مثل في الخارج ، وكذا الخياط وغيرهما من الصناع فيكون المقصود للمصنف في ذكر الأمرين بيان المفروغية من الصورة الأولى.

وأما الصورة الثانية فهي كذلك أيضا إلا أن فيها احتمال العدم باعتبار عدم كون العامل ممن نصب نفسه لذلك ، حتى يكون قرينة على إرادتها بل لم يصرح أحد منها بها.

بل قد عرفت إمكان فرضها بما إذا خليا في الواقع عن قصدهما ، والأصل البراءة ، إلا أنك قد عرفت ثبوتها لا لأنها من المعاطاة ، فإن الشرائط فيها مفقودة ، بل من باب الضمان لاحترام عمل المسلم ومساواة منافعه مع الاستيفاء لأعيان ماله فيضمن حينئذ بذلك مع الإذن فضلا عن الأمر بأجرة المثل.

والأصل في ذلك أن الموجود في الخلاف والمبسوط الاقتصار على خصوص الصانع‌

٣٣٧

على ما حكي قال في الأول : « إذا سلم الثوب إلى غسال ، وقال له : اغسله ولم يشترط الأجرة ولا عرض له بها ، فغسله لزمته الأجرة » وبمعناه قوله في المبسوط « إذا أمره بغسله كان عليه الأجرة » بل عن الخلاف زيادة أنه إن لم يأمره بغسله لم يكن له أجرة فأراد المصنف بيان عدم اعتبار اعتياد العامل في الأجرة ولا الأمر فصرح بها في الصورتين.

وبالتأمل فيما ذكرنا بان لك التحقيق في جميع أطراف المسألة على وجه لا ـ يخفى عليك ما في كلمات بعض الأصحاب بعد الإحاطة بذلك.

المسألة الثالثة عشرة : كل ما يتوقف عليه توفية المنفعة الواجبة على الأجير فعلى المؤجر كالخيوط في الخياطة والمداد في الكتابة والأقلام فيها والكش في التلقيح والصبغ في الصباغة وإن لم يكن عادة تقضي بوجوبه على المستأجر ، لدليل المقدمة.

لكن في المسالك والروضة وعن موضع من التذكرة أنه مع انتفاء العرف أو اضطرابه فعلى المستأجر ، لأن المقصود من الإجارة العمل ، أما الأعيان فلا تدخل في مفهوم الإجارة على وجه يجب أداؤها لأجلها إلا في شواذ تثبت على خلاف الأصل كالرضاع والاستحمام.

وفيه ما عرفت من أن وجوبها ليس للدخول في مفهوم الإجارة ، بل لمقدمة الواجب الذي الأصل فيه أن يكون مطلقا لا مشروطا ، خصوصا مع ملاحظة (١) ( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ).

نعم في الحواشي وعن مجمع البرهان وجوب التعيين مع عدم العادة أو اختلافها ، وإلا بطلت الإجارة ، وفيه أنها من التوابع ، وليست من مورد الإجارة الذي يعتبر فيه المعلومية.

فالتحقيق حينئذ ما ذكره المصنف من الأقوال الثلاثة في مفروض المسألة ، و‌

__________________

(١) سورة المائدة الآية ـ ١.

٣٣٨

أما ما وقع من الاختلاف في خصوص بعض الأشياء فإنما هو في تنقيح أصل العادة فيها ، وليس هو من وظائف الفقيه.

وحينئذ فـ ( يدخل المفتاح للغلق المثبت التابع لإجارة الدار لا مثل القفل ومفتاحه في إجارة الدار لأن الانتفاع لا يتم الا بها ) وقد عرفت وجوب تسليمه على صاحب الدار فتجب مقدماته مضافا إلى تبعيته للغلق التابع للباب التابعة للدار في الإجارة بل في محكي التذكرة والتحرير وجوب غيره على الموجر لو اتفق ضياعه من المستأجر لتوقف إيصال المنفعة عليه كما في العمارة ، بل عن الأول وجامع المقاصد ثبوت الخيار مع عصيانه وامتناعه.

لكن في القواعد وجامع المقاصد وعن الإرشاد وشروحه ليس له المطالبة ببدله مع ضياعه من المستأجر ، وإن لم يكن ضامنا له ، بل هو أمانة لعدم جبر الإنسان على إصلاح ملكه وعمارته ، وحينئذ فيصنعه المستأجر لحاجته إن شاء ، كما أنه إن شاء الموجر من غير لزوم لأحدهما.

وفيه أن ذلك ليس لوجوب إصلاح الملك ، بل لوجوب تسليم المنفعة إلى مستحقها ، ولذلك وجب عليه تسليم الدار فارغة الظاهر ، وكذا البالوعة والحش ومستنقع الحمام ، بل للمستأجر الخيار إذا كانت مملوءة ولم يبادر على وجه لم يفت نفع معتد به على المستأجر ، بل ربما قيل بثبوته بمجرد الامتلاء.

نعم يمنع وجوب ذلك بعد تسليم المفتاح إليه ، ومنه يعلم حينئذ قوة ما في جامع المقاصد من عدم وجوب التفريغ عليه في أثناء الإجارة للحش والبالوعة ومستنقع الحمام ، وإن احتمله في القواعد ، بل عن التحرير أنه قربه ، وقال ليس كل ما يتوقف عليه الانتفاع بعد تسليم العين وتمكين المستأجر منها التمكين التام يجب على المؤجر ، فإن رفع يد الغاصب كذلك ، مع أنه لا يجب ، والأصل البراءة مع تسليم العين فارغة.

وإن كان قد يناقش بالفرق في موانع الانتفاع بين قصور العين في نفسها لاتفاق خراب ونحوه ، وبين الأمر الأجنبي المانع للمستأجر وإن بقيت هي على قابليتها‌

٣٣٩

ضرورة وجوب توفية المنفعة الراجعة للعين نفسها في تمام المدة.

وعلى كل حال فلا يجب على المستأجر إصلاح ما فسد من العين باستيفاء المنفعة الذي هو حقه وحينئذ فليس عليه التنقية للحش والبالوعة مثلا عند انتهاء المدة ، وان حكي عن ظاهر المبسوط ذلك.

نعم قد يقال : بوجوب التنقية من الكناسة كما في القواعد بل فيها أن رماد الأتون كالكناسة مع أنه استشكل فيه في محكي التحرير قال : « لو خرجت المدة وفي الدار زبل أو قمامة وجب على المستأجر تفريغه على إشكال » وفي جامع المقاصد للنظر فيه مجال ، ولعله لأنه من ضرورات انتفاعه بها ، فكانت كالخلاء والبالوعة ، بل ينبغي الجزم بعدم وجوب كناسة ما يكون من الدار نفسها أو ما تأتي بها لرياح.

وأما كنس الثلج عن السطح فالظاهر أنه من وظيفة المالك كالعمارة ، بل لا يبعد ذلك في ثلج العرصة إذا كثف ومنع من الانتفاع لما عرفت. نعم لا بأس به مع عدم كثافته المانعة من الانتفاع إذ هو حينئذ كالكناسة في أثناء الإجارة المعلوم عدم وجوبها على الموجر والله العالم.

٣٤٠